مقالات

الخرطوم حبيبتنا: هل ترانا كما نراها قفارا …؟! الأستاذ/عبدالله رزق أبو سيمازه

الأستاذ/عبدالله رزق أبو سيمازه

الخرطوم حبيبتنا: هل ترانا كما نراها قفارا …؟!
الأستاذ/عبدالله رزق أبو سيمازه
قبيل الحرب، دعا أحد الإسلاميين سكان العاصمة لمغادرتها لبعض الوقت واللحاق بذويهم في الولايات كل ما كان ذلك ممكنا.ولم يستبن أحد مغزى الدعوة إلا عشية الكارثة.
هذه الدعوة المريبة، أصبحت مع الوقت استراتيجية اشتغل عليها طرفا الحرب بوعي أو بدونه ، بعدما ظل صداها يتردد في السوشال ميديا كما في أوساط عدد من أحياء العاصمة. وفي الآونة الأخيرة تردد أنه تم منع المجيء للخرطوم من الولايات مع السماح بمغادرتها. ثمة ما يرهص بمسعى لتهيئة العاصمة لتكون ساحة حسم متوهم يدفع ثمنه ما يستعصي على التهجير القسري من أهل العاصمة،تروسها ،الذين يشكلون الآن خط الدفاع الأخير عن الحياة وعن المدنية والثقافة بوجه البربرية والفوضى.
فاحتماء الدعم السريع بالمناطق السكنية واستهداف الجيش لمواقعه بتلك المناطق ضغط على السكان للانتقال من الأحياء، التي تحولت لمسارح عمليات حربية ،إلى أحياء أكثر أمنا.وفي مرحلة لاحقة اضطر الكثيرون تحت وطأة الحرب عندما بدا أنها لن تتوقف في المدى المنظور بالتوجه نحو الأقاليم ،ثم نحو مصر. وفي دارفور التي انتقلت اليها الحرب، كانت وجهة غالب حركة النزوح هي تشاد.
وقدرت منظمة الهجرة الدولية أن عدد النازحين داخليا، قد بلغ 700 ألف في اول مايو. واستقبلت مصر في ذات الوقت ،أكثر من 60 ألف سوداني حسب وزير الخارجية المصري، فيما كشفت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عن لجوء أكثرمن 30ألف سوداني إلى تشاد. وقد ترتب على ذلك إفراغ عدد من أحياء العاصمة من سكانها،ومنها بري الدرايسة وبري أبوحشيش وأحياء جنوب الحزام بالخرطوم، وشمبات في بحري، والأحياء الواقعة في محيط السلاح الطبي والمهندسين بأمدرمان، والتي شهدت في الأيام الاخيرة ،اشتباكات متعددة. ومع تطاول أمد الحرب، في ظل تعثر مفاوضات جدة ،في الوصول لاتفاق ينهي الحرب،تؤول العاصمة إلى قفر غير صالح لسكنى الآدميين: حيث تنعدم ،رويدا رويدا ،أبسط مقومات الحياة .ويتربص الموت المجاني بالناس، في الشوارع ،وفي بيوتهم التي كانت يوما موئلا للأمن والطمأنينة.مثلما تتربص بهم المجاعة، بسبب التناقص المضطرد في مخزون الغذاء.
( تراها ……هل ترانا كما نراها قفارا ؟)
مع ذلك يبقى لشعب العاصمة “الفضل”، فضل تأخير ساعة الحسم المزعوم التي يتربص بها كلا الفريقين المتحاربين.
ليس متوقعا في ظل التدمير الممنهج الذي شهدته مراكز الخدمات والإنتاج والخلخلة السكانية أن تعود الخرطوم قريبا إلى ما كانت بالأمس الجميل،ترنيمة عذبة في شفاة المنشدين :
ياالخرطوم ياالعندي
جمالك
جنة رضوان..!
الخرطوم -العاصمة، التي تنهض من رماد الحرب ستحمل من تذكاراتها ندوبا في وجهها، ظاهرة، وفي روحها جروحا غائرة، قد تكون موعودة بتغيير ديموغرافي ملموس ،هو الثاني من نوعه ،بعد كتلة البقعة- العاصمة في1898، واستباحتها من قبل قوات الغزو الإنجليزي – المصري.
هدنة بعد هدنة ،تتراجع الآمال المعقودة على أعمال الوساطة الجارية في جدة بين طرفي التفاوض بتحقيق وقف فوري ودائم لإطلاق النارلإنقاذ الخرطوم مرة أخرى. ربما تكون ذات لحظات الانتظار المرير التي عاشها الجنرال غردون المحاصر في قصره على النيل، واحدة واحدة، وهو يترقب بعثة الإنقاذ.
.ومن البعيد تتردد همهمات مداولات الوساطة وهي تهجس بممرات آمنة لخروج المدنيين من الحصار ، والتي لم تتحقق على الأرض، وكأنها تتماهى مع الخطوط الرئيسة للحرب ،وتوجهاتها لإخلاء العاصمة من السكان .
اذ ان المطلوب كان ولازال هو إخراج المحاربين كافة من العاصمة والحيلولة دون تحولها لساحة حرب،وهو أمر لا يتطلب إنشاء آلية مراقبة حسب،وإنما نشر قوة محايدة لفك الاشتباك بين المتحاربين أيضا وعلى نحو فوري.ومع اتساع نطاق الحرب لم يعد الأمر يقتصر على العاصمة الخرطوم وحدها،وإنما يشمل الأبيض في شمال كردفان، والفاشر ونيالا والجنينة وزالنجي وكتم في دارفور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب