مقالات
قضية التضليل الإعلامي في زمن الاحتلال الأمريكي للعراق بقلم الدكتور عزالدين دياب .
بقلم الدكتور عزالدين دياب .

قضية التضليل الإعلامي في زمن الاحتلال الأمريكي للعراق 

بقلم الدكتور عزالدين دياب .
التضليل الإعلامي ، قضية قديمة – جديدة . وأدواته وآلياته وقنواته متنوعة متطورة ، من عصر إلى عصر. والمعروف أن التضليل يتنوع بتنوع مواده وميادينه . وله استخدامات كثيرة ومختلفة . فيستخدم في السياسة والاقتصاد والصناعة والسياحة والحروب والصراعات العقائدية.
والتضليل الإعلامي له سياسته الثقافية التي تقوده وتوجهه وتقرر مفرداته. وهذه السياسة من صنع وتأليف وتركيب مؤسسات متخصصة تقودها أجهزة مرتبطة مباشرة بأصحاب القرار. والمعروف أن السياسة الثقافية تقوم بتوجيه الأعلام نحو غايات وأهداف محددة . وللإعلام إطاراته الفنية المتخصصة، حيث استحدثت كليات للإعلام ومناحيه في أغلب جامعات العالم.
والجدير بالإبانة أن هذه الدراسة لن تُفصِّل في جوانب التضليل الإعلامي لأن ذلك يحتاج إلى دراسات متخصصة والى دارسين متخصصين. وإنما سنقتصر على دراسة ما يمكن تسميته بالتضليل الإعلامي في زمن الاحتلال الأمريكي للعراق، من أجل إظهار الغاية التي يسعى إليها والمتمثلة في زعمنا استيعاب العقل العربي من خلال محدداته الثقافية والسياسية والاجتماعية والهيمنة على عملياته ومن ثم دمجه في الأهداف والغايات التي يريدها الاحتلال وأبرزها حالياً وهي أن تكون رؤية الإنسان العربي وتصوراته ومواقفه ومن ثم ردود فعله واختياراته للحدث السياسي نابعة من التوجيه الذي تقرره السياسة الثقافية الأمريكية باعتبارها الحاكمة والضابطة للتضليل الإعلامي في زمن الاحتلال الأمريكي للعراق، وأن تكون تلك الرؤية والتصورات متوافقة ومتناغمة من جهة مع توجيه أجهزة الإعلام للإنسان العربي في العراق. وأن تكون من جهة ثانية متفقة مع الرؤية الأمريكية ومواكبة لها ،أقصد الجهات الموكول إليها القيام بالتضليل الإعلامي الأمريكي.
ومن الواجب التنبيه إن هذه الدراسة لن تخوض في تفاصيل الفعل ورد الفعل ، الذي تقرره وتمارسه العمليات العقلية بناء على تأثير التضليل الإعلامي الأمريكي ، وإنما ستأخذ جانباً من تلك الردود، وخاصة تلك المتعلقة بإقناع الشعب العراقي بصحة وسلامة ما يقوم به جيش الاحتلال الذي سُمي تضليلاً بـ ((قوات التحالف)). والتركيز المسيس على تشويه صورة الرئيس صدام حسين في ذهن أو عقل الإنسان العربي، وعلى وجه الخصوص الفرد العراقي، وكذلك تشويه المشهد الوطني – القومي للمقاومة العراقية في الحالتين العراقية والعربية حتى تفقد سندها الشعبي على المستويين العراقي والعربي.
وعوداً على بدء ، نسأل لماذا اقتصرنا على وضع التضليل الإعلامي في زمن الاحتلال الأمريكي مادة للبحث والدراسة؟
ولماذا قمنا بتوصيفهِ على شكل قضية ؟
ثم ماذا يعني هذا التضليل بالنسبة لأبناء الأمة العربية وهم يخوضون واحدة من أخطر معارك الحرب المستمرة على أمتهم في أرض العراق من قبل الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية؟
نعتقد أن التضليل الإعلامي الأمريكي في زمن الإحتلال للقطر العراقي يصل إلى مستوى “القضية” لأنه يعدُّ في رأينا نسقاً من أنساق هذه الحرب. وبوصفه قضية ، فإن له بدايات ومقدمات يمكن رصدها في كل المواقف الأمريكية المعادية للحق العربي في النهضة والتقدم وتحرير فلسطين. كما يمكن رصدها في التحالف الاستراتيجي القائم بين الإمبريالية الأمريكية والصهيونية. ولكونه، أي التضليل، يستهدف شخصية الأمة العربية في عملياتها العقلية. ويتقصدها بالعناصر الثقافية على اختلاف مضامينها ومواقفها داخل النمط الثقافي لتكون بمثابة المحددات الأساس لهذه العمليات اعتماداً أو استناداً إلى قاعدة انثروبولوجية تقول إن الثقافة هي التي تحدد شخصية الأمة وسلوكها الاجتماعي، لأن الثقافة في التحليل الأخير مرآه الشخصية. واعتماداً على هذه الصلة والتفاعل بين الثقافة والشخصية يحاول التضليل الإعلامي في زمن الاحتلال الأمريكي أن تكون العمليات العقلية لهذه الشخصية متطابقة ومتجانسة مع جبلّةِ السياسة الثقافية التي أعدتها وركبتها وكونتها الدوائر المتخصصة في البيت الأبيض بالتعاون والتساند مع الجامعات والمعاهد ومراكز البحث الأمريكية والصهيونية. وهذا معناه على وجه الدقة أن البيت الأبيض عندما قرر احتلال العراق أدخل التعبئة السياسية الثقافية في دائرة الحرب، بحيث تكون سنداً لعملياته العسكرية.
وفي هذه الحالة، حالة الحرب المستمرة على الأمة العربية، نسأل ونتساءل لماذا ضرب العراق ومن ثم تم احتلاله؟ ولماذا تم إسقاط الرئيس صدام حسين بالعدوان الإمبريالي الأمريكي – الصهيوني – البريطاني؟.
بناءًً على ما تقدم نقرر بوضوح لا لبس فيه، ومشفوعاً بالأسئلة السابقة إن الهدف من احتلال العراق في المرحلة الراهنة يتمثل بكل دقه إخراجه من المعركة الدائرة التي تخوضها الأمة العربية في فلسطين بعد أن أخرجت منها مصر العربية بكل ثقلها البشري والعسكري، وموقعها الاستراتيجي ومكانتها القومية. وبعد أن لحقت بها أيضاً بعض الدول العربية في أعقاب كسر العراق، ومن أجل أن تزيح من ساحة هذه الحرب الرئيس صدام حسين باعتباره صاحب إرادة قومية، وصاحب قرار عربي في وقوف العراق بكل ثقله المادي والمعنوي إلى جانب القضية الفلسطينية بعيداً عن السياسات الاستسلامية وبهذا الخصوص نسأل ألم يقل بوش الصغير إن صدام حسين يدعم الإرهاب في غزة والضفة الغربية عندما كان يقدم للانتفاضة المساعدات المادية والمعنوية؟
وما دام القائد صدام على هذه الشاكلة ، فلا بد أن تسقطه الإمبريالية الأمريكية – الصهيونية. وإذا تم لها ذلك فان النفط العراقي سيكون تحت سيطرتها، وسيكون الوطن العربي كموقع ومكان تحت هيمنتها. وستتحقق الغلبة للدور الحضاري الصهيوني، على حد تعبير الأستاذ ميشيل عفلق، على الدور الحضاري العربي؛ وفي هذه الحالة ستكون اطروحات وقيم الدور الحضاري الصهيوني هي المهيمنة والفاعلة في الحياة العربية، وستصبح القيم الأخلاقية الأمريكية هي القيم السائدة لأنها في عرف بوش الأب، كما قال مراراً وتكراراً، هي القيم الأفضل ولها الأولوية في تكوين وجدان وضمير الإنسان العربي.
وعندما نقول بالقيم الإمبريالية الأمريكية – الصهيونية فإننا نعتمد على ما بينها من مستويات قربى عقائدية وأخلاقية ودينية ووظيفية تتوسطها قيم “الأغيار” التي تقول بإبادة الشعوب الأخرى وفي المقدمة الشعب العربي.
وثمة بداية أخرى هامة لم يتضمنها التساؤل السابق. وهذه البداية تدخل في حسابات المعارك والاحتلال في زمن العرب، وإن كان دخولها يختلف من طرف إلى طرف من الأطراف المتحاربة وهي، أن الوطنية في التصور القومي هي القومية، وأن القومية في كل تجلياتها المحلية والعربية هي الوطنية. فالعراق يدخلها لكونه أحد الأجزاء المكونة لبنيان الأمة العربية. وعلى اعتبار أن معركة المصير العربي واحدة مهما اختلفت وتباينت أطرافها وأسبابها وزمانها ومواقعها ومكانها. بينما يدخلها التضليل الإعلامي الأمريكي – الصهيوني من أجل تفكيك الرابطة العضوية والجدلية القائمة بين الأقطار العربية حتى لا تصبح القوى القومية خارج العراق في مواجهة الاحتلال الأمريكي. وهذا معناه قومياً أن المقاومة العراقية في زمن الاحتلال الإمبريالي الأمريكي – الصهيوني تقاتل دفاعاً عن الأمة العربية، مثلها في ذلك مثل الانتفاضة القائمة في غزة والضفة الغربية. وفي هذا السياق فإن ثمة قواسم مشتركة بين الاحتلال الإمبريالي الأمريكي – البريطاني والاستيطان الصهيوني يتمثل في ممانعة الأمة العربية من النهوض والتقدم وتحقيق وحدتها، وما يترتب على ذلك من تبعية هذه الأمة لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العالمية.
وإليك أيها القارئ العربي بعض الأدلة والمؤشرات الموجودة على الساحة العربية، وهي، كما أسلفنا، أنه في أعقاب انكسار العراق سارع العديد من الحكام العرب إلى تقديم التنازلات المشينة والمهينة للإمبريالية الأمريكية والصهيونية في آن واحد، تمثل ذلك بكل وضوح في مؤتمر شرم الشيخ والعقبة، أو كما سماهما الوزير أمين هويدي ” لقاءات البحر الأحمر” وحياد الأجهزة الإعلامية الرسمية عما يجري في العراق من قتل وتدمير ونهب من قبل قوات الاحتلال الأنغلو- أمريكي، والسكوت المشبوه عن مسألة إرسال قوات عربية وإسلامية إلى العراق. والسؤال الذي يطرح نفسه بوصفه شاهد عصر، وشاهد العصر هو الحقيقة كما يقول المأثور الشعبي لماذا لم يطرح أي حاكم عربي قضية الاحتلال الأمريكي للعراق طرحاً ينبثق من خطورته على الأمن القومي العربي. وهذا إذا جاز فعلاً الحديث عن أمن قومي عربي. في زمن تبعية وخضوع أكثر الأنظمة العربية للإمبريالية الأمريكية والصهيونية، مضافاً إلى ذلك مشاركتها في الحرب على العراق بداية من العاصفة الأمريكية في الصحراء العربية ومروراً بالحظر الإمبريالي- الصهيوني. ثم تعدد اللقاءات المكشوفة بين أكثر من مسؤول عربي ومسؤول صهيوني، بينما كانت تجري في السر قبل احتلال العراق. ثم هل يغيب عن البال التدخل الأمريكي – الصهيوني العسكري ضد الانقلاب الذي قامت به مجموعة من الضباط الموريتانيين مدفوعين بقوة العروبة والإسلام لانتشال وطنهم من وحل وعار السلام مع الكيان الصهيوني؟ وفي هذا السياق أيضاً واستزادة في الأدلة والبراهين نسأل لماذا تتكالب المعارضة العراقية التي جاءت على ظهر الدبابات الأمريكية والبريطانية على ضرورة الاعتراف بالكيان الصهيوني، وخاصة حرامي البنوك الذي كان يقف مختالاً بلباس المارينز الذي كان يرتديه أثناء دخوله إلى العراق بقوة الاحتلال الأمريكي؟
ونخلص مما تقدم أن التضليل الإعلامي في زمن الاحتلال الأمريكي له مستويات عدة. وكل مستوى من هذه المستويات له استخداماته المتنوعة من أجل السيطرة على العقل العربي، وجعل عملياته تنمو بالاتجاه الذي يستهدفه التضليل، وقبول إيحاءاته ورموزه وأساطيره السياسية، والاقتناع بشرعية الاحتلال الأمريكي للعراق. وهذا معناه أنَّ الهيمنة على العقل العربي، والسيطرة على عملياته لا تتم من فراغ، وإنما من خلال أدوات وآليات يستخدمها ويُوَظِّفها التضليل الإعلامي الأمريكي وأهمها- وهي مجال اهتمامنا في هذه الدراسة المفاهيم والمصطلحات والاطروحات الثقافية – من أجل إدخالها إلى بنيان الثقافة العراقية، ومن ثم تأليفها ودمجها مع العناصر الثقافية العراقية التي تسمح لها أن تحتل مكانها في عقل الإنسان العربي العراقي، تمهيداً لاستخدامها أدوات ورموز تضليل ومن أبرز هذه المفاهيم والمصطلحات والاطروحات: “الرئيس المخلوع صدام حسين”، “الديكتاتور صدام حسين”، “موت العروبة، “قوات الاحتلال جاءت لإنقاذ الشعب العراقي”، “الولايات المتحدة الأمريكية تريد من حربها في العراق إعطاء الحرية للشعب العراقي”، “سقوط النظام البعثي يؤكد أن شعار الوحدة العربية من الشعارات الخيالية”، “نهاية أطروحة الوحدة العربية”، “المقابر الجماعية”، “مستقبل العراق الحر”، و”العراق أولاً وأخيراً” …..الخ
والملاحظ أن أغلب المحطات الفضائية العربية التي تدور في فلك الإعلام الأمريكي تستخدم هذه المصطلحات والمفاهيم والأطروحات وتروجها في نشراتها وبرامجها مشاركة منها في التضليل الإعلامي في زمن الاحتلال الأمريكي للعراق بحيث يتعايش الإنسان في العراق مع هذه المصطلحات والمفاهيم والأطروحات، ويتآلف تدريجياً مع مقاصدها حتى يصبح لها فعلها في عقله الباطن، بحيث تتكون في شخصية هذا الإنسان “القابلية”. على حد تعبير مالك بن بني لما يفعله الاحتلال الأمريكي. وهذه القابلية باختصار تجعله يخضع ويتوجه ويتقبل فعل التضليل الإعلامي الأمريكي النفسي والسياسي والاجتماعي. بحيث تصبح العمليات العقلية للشخصية العراقية السياسية جاهزة لتسويق المعاني والصفات التي تريدها بشكل ظاهر أو باطن – إذا جاز هذا التعبير – تلك المفاهيم والمصطلحات والاطروحات وخاصة ما يتعلق بالرئيس صدام حسين، ونظامه السياسي، وخطه القومي.
إن الهدف الأساسي للتضليل الإعلامي في زمن الاحتلال الأمريكي التهويل من أخطاء النظام في زمن الرئيس صدام حسين، ومن ثم التقليل من هيبته، وإضعاف شعبيته في العراق، وفي باقي الأقطار العربية، والتقليل من التأثير الذي تحدثه هذه الشخصية في الرأي العام العربي، والتشكيك بشرعية نظامه.
والمعروف عن العمليات العقلية إنها تتأثر وتتكون ويعاد تأليفها وتركيبها بالعناصر الثقافية الفكرية والاجتماعية والسياسية، لأن هذه العناصر بالأصل هي التي تشكل المحددات الأساسية للعمليات العقلية وللسلوك السياسي والاجتماعي الذي يتمخض أو يتأطر عنها، كما يفيدنا علم النفس الاجتماعي. وهي أيضا أدوات وآليات العمليات العقلية في تقويم وتقييم وتوصيف الحدث السياسي والاجتماعي، وهي أيضاً التي تحدد وجهة وكنه هذه العمليات. وهذا كله إذا أوّلناه سياسياً أو إعلامياً نجده يدخل في أهداف التعبئة السياسية الإمبريالية الأمريكية التي تهدف أولاً وأخيراً إلى تضليل الرأي العام داخل المجتمع في العراق، ومن ثم إضفاء الصفات السيئة على شخصية الرئيس صدام حسين، وعلى المبادئ التي يؤمن بها، وخاصة ما يتعلق بالقضية العربية الأولى فلسطين، وإلى إعطاء صورة سلبية عن المقاومة العراقية الباسلة كما أسلفنا.
:والخلاصة
فإن الغاية التي تنشدها الدراسة من خلال تسليط الضوء على التضليل الإعلامي في زمن الاحتلال الأمريكي أن نرد عليها بإعلام مضاد ينطلق من مسلمات من أن الإمبريالية الأمريكية – الصهيونية تريد من عدوانها على العراق واحتلاله منع الأمة العربية من بلوغ النهضة، وإحراز التقدم، والاقتراب من حقيقتها الوحدوية المتمثلة في كل العوامل المادية والبشرية والفكرية التي تؤسس لوحدة عربية لا تملكها أي أمة في العالم. كما تريد الدراسة أن تنبه إلى دور الإعلام العربي في التضليل الإعلامي في زمن الاحتلال الأمريكي “المحطة الفضائية العربية”، أنموذجاً، تذيع تسجيلاً للرئيس صدام حسين، وفي الهامش المخصص للأخبار يكتب فيه بخط واضح ((شريط مسجل للرئيس المخلوع صدام حسين)) وتعد أيضاً برنامجاً لمدعي من المدعين في علم النفس، وتتركه يؤلف الأساطير التي تستهدف شخص الرئيس صدام حسين وخاصة برنامج “من العراق”، مثله في ذلك مثل برنامج يقدمه مذيع في الإذاعة البريطانية، وهو شديد توليد السموم للإنسان العربي أقصد عملياته العقلية حيث أعد هذا المذيع أكثر من برنامج حول الرئيس العراقي تستهدف شخص الرئيس صدام حسين وأخلاقه رغم المسحة الحيادية التي يضفيها هذا المذيع على مداخلاته مع الأشخاص الذي أعد لهم سلفاً مائدة مستديرة على الهواء. وباعتقادي إن هذه البرامج مدروسة ومحبوكة من قبل أعلى الاختصاصات في التضليل الإعلامي الأمريكي- البريطاني.