مقالات

المفاتيح… تذكارات البيوت المطمئنة التي كانت.. عبد الله رزق ابو سيمازه

عبد الله رزق ابو سيمازه-السودان

المفاتيح… تذكارات البيوت المطمئنة التي كانت..
عبد الله رزق ابو سيمازه
في البال… تخطر مأثرة فلسطينيي 48، الذين هُجروا من ديارهم ولم يتسن لهم حمل شيء من تلك الديار، سوى مفاتيحها، وظلوا في حالة انتظار مدى الحياة لمعانقة تلك الديار، مرة أخرى، ولم يتخلوا قط عن حلم العودة التي رأوها وشيكة، حتى وهم يطبقون عيونهم إلى الأبد.
في الخاطر… جمهرة الخرطوميين، في مدني وفي غير مدني، في القاهرة ومعبر اشكيت، يسربلهم الانتظار الممض نفسه، يقلقهم حنين لبيوت العز المطمئنة التي كانت، “يتاورهم” ذات حلم العودة: الأُسرة إلى دفء الحياة، الأولاد إلى المدارس والجامعات، رب الأسرة إلى العمل… الخ.
كأنني أرى، فيما يرى الرائي، في الفاصلة بين النوم واليقظة، الأيدي تتحسس دون ملل، المفاتيح بكثير من الثقة… وبشغف لا يقاوم للطمأنينة… كأنها تستفسرها: “متى نعود؟!”
الكثير من الخرطوميين، شأنهم شأن فلسطيني 48، لم يحملوا معهم لأرض النزوح العارض والإيواء سوى “غيار أو غيارين”.. ! بحسبان أن غيابهم لن يطول، ما هو غير يوم أو يومين، اسبوع أو أسبوعين، “بالكتير”، وتتوفف الحرب كما بدأت، بغتة، ودون سابق إنذار. فأَمّنوا البيوت، التي ألِفوها، آمنة مطمئنة: “شوية القريشات والدهيبات وكل الهدوم والعربية.. الخ”… وبقية مفردات البيت التي عادة ما يشير إليها رب الأسرة أو ربتها، بعبارة لا تخلو من الفخر: “شقا العمر!”. في لمحة، أكملوا بنظرة عابرة وأخيرة، الاطمئنان على إحكام إغلاق الباب الخارجي، بعد إحكام إغلاق الأبواب الداخلية والشبابيك… ومضوا، وبأيديهم المفاتيح..!
لم يتصوروا… وقد لا يتمكنون اليوم أو الأيام التالية، من تصور بيوتهم، وقد تضافرت عليها قوى الشر، سرقة ونهبا وتدميرا، فصارت خرابا.. وأنه لم يعد لهم في حقيقة الأمر مما كانوا يملكونه غير الحقيقة المرة، غير المفاتيح… المفاتيح، وهي تصدر همسها المعدني الحزين.
ليس للنازحين في منفاهم المؤقت غير القلق… فهم لا يحق لهم الاستسلام للنزوح ولحياة النزوح. ليس لأحد يألف الحرب ومشتقاتها من صنوف المكابدات. لابد من مقاومة الاعتياد والتمرد على كل ما يتصل بما يسمى “الأمر الواقع” بصلة. يبدو أن قدر النازحين في مدني وفي غيرها من أرض السودان أن يكونوا طليعة مناهضة الحرب، بتحويل حلم العودة الوشيكة لطاقة دافعة لفعل مقاوم، للنفي، للتشريد، للتهجير القسري، والذي لا يتأتى دون “وقف القصف الجوي.. خروج الدعم السريع من البيوت والمناطق السكنية” في الآن..!
لابد من فعل بمستوى التحدي..!
صحيفة الهدف 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب