مقالات
بوتين يستفز الغرب ويستعجل الحرب: النيجر بعد السودان وسورية بعد أوكرانيا د. رياض العيسمي
بوتين يستفز الغرب ويستعجل الحرب: النيجر بعد السودان وسورية بعد أوكرانيا
د. رياض العيسمي
عندما أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته باجتياح أوكرانيا، كان يعلم كرجل استخباراتي من الطراز المميز بأن الولايات المتحدة تستجره لهذه الحرب لاستنزاف روسيا كمقدمة لمواجهة الصين. ولكنه أخطأ كسياسي واستراتيجي في حسابات هذه الحرب. حيث أنه كان يعتقد بأن تحريض الولايات المتحدة له لدخول أوكرانيا يمثل الفرصة الذهبية له لتصفية الحسابات التاريخية مع أوكرانيا واعادة التوازن لروسيا في ميزان الصراع العالمي الذي كانت قد فقدته جراء سقوط الاتحاد السوفيتي، والذي اعتبره أسوأ كارثة تاريخية في القرن العشرين. ولهذا قرر أن يستغل الفرصة من حرب أوكرانيا ويفرض على الولايات المتحدة والغرب التفاوض معه على حدود روسيا الجديدة وعقد معاهدة امنية جديدة تضمن لروسيا الاتحادية امنها كقوة عظمى. ولهذا كان هدفه منذ البداية دخول كييف واسقاط نظام الرئيس فولاديمير زيلينيسكي فيها واستبداله بنظام موالي لروسيا يستخدمه كورقة في التفاوض مع الغرب. لكنه بعد عام ونصف من الحرب مازال زيلينيسكي يقود المعارك بنفسه وكأنه ماريشال في الجيش. والقوات الروسية تقهقرت إلى أقل من الحدود التي سيسمح بها الغرب في النهاية. وهي الشرق الأوكراني وشبه جزيرة القرم، والتي ستكون مشتركة بحكم موقعها الاستراتيجي على البحرين الأسود وأزووف. لم يتحمل بوتين الصدمة والخسارة الناجمة عن الاستنزاف المتواصل، فبدأ باستفزاز الولايات المتحدة والغرب في مواقع أخرى مثل سورية ووسط أفريقيا. ومؤخرا في قضية منع تصدير الحبوب عبر موانئ أوكرانيا على البحر الأسود،
وكان اشعال فتيل الاحداث في السودان عبر مجموعات فاغنير المرتزقة التي يقودها يفغيني برغوجين، المقرب من بوتين ومنفذ سياساته، وبالتنسيق مع قوات الدعم السريع التي يقودها الفريق محمد حمدان ديقلو (حميتي). وغرض بوتين هو تقسيم السودان الى شمال ووسط، واختراق القارة الافريقية من وسطها. وذلك ليمارس دور القوة العظمى. فإذا كانت الولايات المتحدة والغرب يسيطرون على شمال أفريقيا، والصين تسيطر على الجزء الجنوبي منها، فلا بد لروسيا اذا كانت قوة عظمى من السيطرة على الجزء المتبقي منها، الوسط. فافتعل الانقلاب في النيجر بعد السوادن. وهو في النيجر يتحدى بالدرجة الأولى فرنسا والتي تعتبرها امتداد طبيعي لنفوذها ما بعد المرحلة الاستعمارية. وما حدث في السودان والنيجر مرشح للتطور وتفاقم الصراع في وسط القارة الأفريقية.
كان يعتقد بوتين وبكونه لم يحقق الاختراق الذي أراده في أوكرانيا ضد الولايات المتحدة والغرب، ان يعود إلى سورية حيث له البد الطولى بتحقيق النصر المرجو. فحاول ان يستثمر مؤخرا في مؤتمر القمة العربية والتطبيع مع النظام السوري الذي يدعمه ويستخدمه في صراعه مع الولايات المتحدة وتحقيق مصالح روسيا كدولة عظمى في الشرق الاوسط. وبهذا حاول قيادة السفينة في المسألة السورية عبر بوابة إعادة اللاجئين والاعمار. وفي كل الحالتين هذا لا يمكن ان يتم الا عبر بوابة النظام. وبهذا يكون بوتين قد حقق النصر المطلوب على حساب الولايات المتحدة. لكن الولايات المتحدة، التي صراعها الاساسي ليس مع روسيا وانما مع الصين على الشرق الأوسط، قررت في النهاية تغيير سياستها المتبعة منذ الرئيس اوباما من إدارة الأزمة إلى مواجهة الأزمة وبطريقة مختلفة. ولهذا نقلت مؤخرا كل قواتها الضاربة والكاسحة الى شرق سورية وغرب العراق ومنطقة الخليج. وذلك ليس لبدء الحرب، وإنما لادارة الحرب. والتي بدأت طبولها تقرع.
إن العالم اليوم يعيش في مرحلة مشابهة تماما لما كان عليه قبيل الحرب العالمية الأولى. ولقد باتت كل الأطراف الفاعلة مقتنعة بأن إتفاقية سايكس-بيكو لم تعد صالحة للشرق الأوسط. بل وهناك أطراف تعتقد بأن ما فرضته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد صالحا لعالم اليوم. ولهذا أصبحت الحرب هي المخرج لهذه الأطراف من حالة الانسداد العالمي.