مقالات

كيف يتكون وعي الإنسان ….بقلم الباحث الدكتور ضرغام عبدالله الدباغ

بقلم الباحث الدكتور ضرغام عبدالله الدباغ

كيف يتكون وعي الإنسان
 بقلم الباحث الدكتور ضرغام عبدالله الدباغ 
هذا سؤال كبير، تصعب الإجابة عليه، ولكن أستاذا فذا في الفلسفة (جامعة دمشق)هو طيب الذكر عليه الرحمة الدكتور نايف بلوز درسنا موضوعات فلسفية بالغة العمق، منها كيف يتكون وعي الإنسان. وباعتبار أن هذه مضى عليها نحو نصف قرن من الزمان، ليس بوسعي أن أتذكر بالضبط المحاضرات، ولكني سأسرد تجربتي الشخصية، وهي ليست بعيدة أبداً عن ما تلقيناه من دروس على مقاعد الدراسة الجامعية الأولية والعالية.
الإنسان اليقظ النبه المنتبه، هو من يراقب كل ما يدور حوله، يدور ولا يكتفي بمشاهدة الظواهر السطحية، بل وتلك العميقة الغير ظاهرة، وبذلك يدرب حواسه على التقاط ما يتكرر، وما يبدو أساسيا في الظاهرة المتكررة، ربما تكون هذه اليقظة الذهنية تسمى بالفضول (كما يفعل الأطفال حين يكثرون الأسئلة لذويهم، لأبائهم خاصة)، أو الرغبة في المعرفة، وتخزين ما يحصل عليه من معارف، وبدرجة الانتباه، والقدرة على التخزين (كجهاز الكومبيوتر)، ثم القدرة على استعادة الخزين واستخدامه في تجاربه الابتدائية. وهنا تكمن أولى القدرات على التطور العقلي والذهني للإنسان.
الوعي يتكون عبر سلسلة من التشكلات، وهذه هي خلاصة التجربة الذاتية، والتجارب الجمعية، والتعلم من خلال القراءة والتثقيف الذاتي، والتعلم عن طريق المحاكاة والتقليد، ومن خلال التجربة والتعييث، وهذه بمحصلتها ستقود إلى إدراكات، ومجموعة الإدراكات ستفود إلى وعي بجزئية، التي بمجموعها يولف الوعي. والوعي بتقديري هو قدرة أي إنسان على تقدير عواقب أي فعل يقوم به هو أو غيره من الجمع المحيط به، وبمعرفة عميقة لقوانين التطور سيكون بوسعه التقدير بدرجة عالية من الدقة، وبتوظيف شامل متلازم للقدرات. فسيكون بوسعه مثلاً أن يقدر الوقت اللازم لغليان لتر واحد من الماء، وبدرجة حرارة معينة، بيد أن الغليان سيحتاج لوقت أقل لنصف لتر، وبدرجة حرارة ضعف تلك التي تعرض لها لتر الماء. وأن يصيغ من هذه التجربة قاعدة : أن أي زيادة في الكمية تغير النوعية. وهذا سيوصلنا إلى قاعدة مهمة أن الإنسان المتعلم جيداً والعميق التجربة، ستقل أخطاؤه. والأكثر صلاحية في الممارسة العملية.
وعلى صعيد الفرد الواحد، فإن وعي الإنسان بموضوعة معينة، تعني إحاطته بآلياتها، وبدرجة وعيه، وباستحضاره وباسترشاده بمغزى النظرية العلمية والتجربة العملية، سيكون بوسعه توظيف هذا الوعي.
ولكن الشعوب تسعى إلى خلق وعي جمعي، وهذه ستنجم عن تجربة جماعية سيستغرق تشكلها وقتاً أطول، بناء على تفاوت قدرة الافراد على إدراك عمق التجربة وأبعادها، ومغازيها الظاهرة والكامنة، وقد يستغرق هذا وقتاً غير قصير (بحسب التعقيد في التجربة) والأفراد الطليعيون المولجون بدراسة الظواهر من رجال الفكر والمثقفين، والقيادات السياسية والاجتماعية، حتى يتكامل التراكم بدرجة أن الإشكاليات المعقدة تبدو بسيطة بسبب التدريب المتواصل على التعامل مع القضايا والإشكالات المطروحة.
الوعي الجمعي لكنهة التفاعلات تزيح أختام السرية وتكشف ما يحاول أصحاب الشأن إخفاؤه، وتغليفه، بهذه الدرجة أو تلك من المهارة والاحكام، ولكن لا يمكن التعويل على جهل الناس إلى الأبد، فأعقد القضايا تزيح عنها الادراكات العلمية وانتشار التعليم محاولات التعتيم، لذلك تجد أن الجهات الظلامية أول ما تخشاه هو العلم والتعليم. وهذه معركة لم تتوقف يوماً، تدور بقوة في قلب المجتمعات، مذ أقدم العصور وحتى وعصرنا الراهن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب