مبادرات مجتمعية للإحاطة بمرضى طيف التوحد: تحد كبير للأسرة والمجتمع في تونس

مبادرات مجتمعية للإحاطة بمرضى طيف التوحد: تحد كبير للأسرة والمجتمع في تونس
روعة قاسم
تونس ـ: مرض طيف التوحد من الأمراض الحديثة التي اكتُشفت في العقود الأخيرة، وهو عصي على العلاج النهائي، لكن العلاج المستمر والمبكر قد يغير حياة الطفل المصاب نحو الأفضل ويحد من آثاره السلبية. وهو أيضا مرض عصي عن فهم الكثيرين باعتباره يبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة ويتسبب في نهاية المطاف في حدوث مشاكل على مستوى الاندماج الاجتماعي للطفل في المدرسة والبيت والشارع.
وتؤكد الدراسات الطبية والعلمية أن من الأسباب التي تؤدي إلى إصابة الطفل بطيف التوحد، العوامل الجينية الوراثية، ووجود مضاعفات أثناء حمل الأم، بالإضافة إلى خطر تعرضه إلى التهابات فيروسية أو نقص في الأكسجين أثناء الولادة. كما أن ولادته بوزن أقل من الطبيعي أو حصول ضعف في عضلاته قد يؤدي إلى الإصابة بمرض التوحد الذي تزيد مضاعفاته باستعمال الطفل للأجهزة والألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الحديثة وكثرة مشاهدة التلفزيون.
مركز وحيد
ويعاني الأطفال المصابون بطيف التوحد من صعوبة في التعلم، وبعضهم يكون محدود الذكاء، لكن الإشكال يكمن بالأساس في التواصل داخل القسم مع المعلمين والإطار التربوي عموما والتلاميذ على وجه الخصوص. وكم من طفل أصيب بهذا المرض اضطر والداه تحت ضغط الإطار التربوي وأولياء التلاميذ إلى إبعاده عن مقاعد الدراسة بسبب مشكلة الاندماج مع هذا المحيط المدرسي القاسي بعض الشيء على المصاب بالتوحد.
ولا توجد إحصائيات رسمية في تونس بشأن أعداد المصابين، لكنهم في ازدياد كبير نتيجة لتطور الحياة والإقبال على التكنولوجيات الحديثة والألعاب الإلكترونية التي أكد المختصون أنها من محفزات الإصابة بالتوحد لمن لديه القابلية والاستعداد الوراثي والخلقي. ويوجد مركز عمومي وحيد في تونس للعناية بالأطفال المصابين بالتوحد، وعدة مراكز خاصة تسعى لإدماجهم والعناية بهم لكنها محدودة الإمكانيات وجهودها لا تكفي للإحاطة بذلك العدد من المصابين الذي يزداد يوما بعد يوم.
إجراءات خاصة
وتسعى وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن منذ فترة لتعويض النقص الفادح في العناية بالمصابين بطيف التوحد حيث فرضت الوزارة من خلال برنامج أعد للغرض قبولهم بمؤسسات الطفولة المبكّرة دون غيرهم وذلك برياض الأطفال ومؤسّسات الطفولة العمومية والخاصّة وذلك بعد صدور قرار من لجنة جهوية تشكلت لغرض دراسة ملف كل طفل. وتتكفل الدولة بتكاليف رعاية الأطفال المصابين بالتوحد وتعمل على إدماجهم من خلال ضخ سيولة مالية إلى المؤسسات العمومية والخاصة المشاركة في البرنامج وذلك لسداد مصاريف المؤسسة التربوية من جهة، ومقوم النطق أو أخصائي العلاج الوظيفي حسب حاجة الطفل، من جهة أخرى.
كما وضعت الوزارة بالتعاون مع الجمعيّة التّونسيّة للطّبّ النّفسي للأطفال والمراهقين برنامجا لتكوين المربين الذين سيشرفون على رعاية وتأطير وتكوين وتدريس المصابين بطيف التوحد، وذلك إلى جانب وضع دليل لهؤلاء المربين. ويقدّم الدليل المشار إليه معلومات مبسطة، للمربين والمنشطين بحضانات ورياض الأطفال والمعلمين في المدارس الابتدائية، عن طيف التوحد وكيفية التفطن إليه، وعلى ما يتميز به الأطفال المصابون به عن غيرهم، وعن كيفية التعامل معهم وتأطيرهم في مؤسسات الطفولة المبكرة.
كما يقدّم الدليل توجيهات تخص كيفيّة التعامل مع الصعوبات التي قد تعترض المربي في تعامله مع المصاب بالتوحد سواء فيما يتعلق بسلوكه في إطار الاندماج والتأقلم مع المحيط وكذلك فيما يتعلق بتعليمه. فالتعامل مع طفل التوحد ليس بالأمر الهين ويقتضي الاستعانة بعدة مختصين كل في ميدانه كما يقتضي الحرص على التواصل المستمر مع الأولياء وتوجيههم لأجل مصلحة الطفل.
مبادرات خاصة
ولا يقتصر الأمر على جهود الدولة فهناك مبادرات فردية وجمعياتية تسعى للإحاطة بأطفال تونس المصابين بطيف التوحد ومن ذلك الكتاب الأخير الذي أصدره الخبير التونسي في الطفولة والأسرة والمستشار لدى قاضي الأطفال ابراهيم ريحاني تحت عنوان «المختصر المفيد في التعامل مع أطفال ذوي طيف التوحد». وفي حديثه عن هذا الكتاب وعن طيف التوحد يؤكد الريحاني لـ«القدس العربي» أن كتابه هو الإصدار الأول على المستوى الوطني فيما يتعلق بالكتب التربوية التي تُعنى بالتعامل مع هذه الفئة من الأطفال التي يبقى التعامل معها تحديا كبيرا برأيه، سواء للأسرة أو للمربي وحتى للمجتمع نفسه.
ويضيف الريحاني قائلا: «هناك عديد الأسئلة العالقة التي تنتظر الإجابة حول موضوع طيف التوحد بوجه عام. ومن هذا المنطلق كانت منهجية هذا الكتاب الذي صدر مؤخرا بشكل مبسط ومباشر، سؤال وإجابة.
ولأن ولي الطفل المصاب بالتوحد يبحث عن الحل دون الغوص في المقارنات العلمية، التي يمكن أن لا يفهمها لا الولي ولا حتى المربي، فهذا الكتاب يعد برأيي مكسبا للطفولة من شأنه أن يسهم في مساعدة الأسرة والمربي والمتعهد بطفل التوحد عامة. وهذا الكتاب الذي أشرف على إعداده ثلة من الخبراء في مجال الطفولة وعدد من الإطارات التربوية ومن المختصين في علم النفس والإطارات شبه الطبية من المختصين في تقويم النطق والعلاج الوظيفي، يراعي الجوانب النفسية والبيداغوجية في التعامل مع أطفال التوحد بطريقة مباشرة ومرنة».
آمال
ويرى الريحاني أن وضعية أطفال التوحد لم ترتق بعد إلى توقعات الأولياء، كما لم يقع بعد تكريس حقوق هؤلاء الأطفال كاملة بالرغم من القرارات الهامة التي أذنت بها وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن الحالية. فقد تم، حسب محدثنا، دمج أطفال طيف التوحد مجانا داخل رياض الأطفال والإذن بتقديم مساهمة مالية من الدولة في مصاريف التعهد شبه الطبي والذي يقدر شهريا بـ 600 دينار ما بين تقويم النطق والعلاج الوظيفي والعلاج النفسي الحركي.
ويعتبر الخبير التونسي أن طفل التوحد في تونس بحاجة اليوم أيضا إلى التواجد في مدرسة عادية مع أصدقائه لأنه ليس بمريض وليس من ذوي الاحتياجات الخاصة. ولكن إلى اليوم، وحسب محدثنا، تسند إلى هؤلاء بطاقة إعاقة حتى يتمكنوا من دمجهم داخل المدارس وهو شرط أساسي.
ويضيف الريحاني قائلا: «أن هذه الإجراءات تؤكد رجعية العقلية الإدارية المكبلة في تونس والتي لا تريد أن تتغير وفق الواقع الموجود. فطفل التوحد يستجدي دولته حتى تمكنه من الولوج إلى المسابح الرياضية بصفة مجانية وهذا ممكن خاصة وان هذه الفضاءات شاغرة في الفترات الصباحية. طفل التوحد يستجدي دولته من أجل تمكينه من مرافقة لأن الولي هو الذي يتكفل بهذه المرافقة. إذن فحلم طفل طيف التوحد ما زال قائما في تونس».
«القدس العربي»