
من ذكريات طالب فلسطيني
—————————————
ذكريات جميلة من الموصل …
كتبها د. حاتم جرار، جنين /فلسطين، خريج عام ١٩٧٢ …كلية الطب
عندما وصلت الموصل عام ١٩٦٥ ، كانت كلية الطب في الموصل تابعة لجامعة بغداد وتأسست الجامعة في عام ١٩٦٧ ، والجامعة في بدايتها أعطت زخماً للمدينة من حيث العمران والحالة الاجتماعية. وقد واكبنا تطور الجامعة منذ البداية. كان أفضل فندق هو فندق المحطة ( محطة القطار )وهو الأرقى،، وكان المبيت فيه ب( ٥دنانير ) وكانت حين ذلك ثروة بالنسبة للإنسان العادي. وكانت المعيشة مع السكن وملحقات الدراسة تكلف (١٥__ ٢٠ دينار ) وكنا نعيش عيشة محترمة بهذا المبلغ. كان أفضل مطعم هو مطعم الزوراء ومطعم النهرين والفرات،،،وتكلف الوجبة تمن ومرق وشاي ٧٠/٨٠ فلس وأكلة القوزي المحترم جداً ١٢٠ فلس. بيننا نفر الكباب كان ب ٦٠ فلسا مع شربت الزبيب وأفضل سينما كانت سينما الجمهورية في مدخل شارع الدواسة
وأشهر چايچي هو مقهى ستّار أول شارع حلب. وتكلفة الإستكانة ١٠ فلوس.
لم نكن نشعر بالفارق بين الطلبة،، فلم يكن أحد ( يسمع ) بطالب سني أو شيعي أو تركماني آو مسيحي أو كردي ، لدرجة أني عشت مع طلاب لم أعرفهم أنهم يزيدية أو أكراد إلا بعد أشهر،، الكل عراقي بالعموم ، ومصلاوي بالخصوص. كان العالم صغير والمواصلات قليلة ومصلحة نقل الركاب منتظمة بمواعيد خطوط باصاتها ،،، عندما يذهب الشخص إلى تلعفر أو أربيل يقول ،كنت في الخارج .
كانت دفعة كلية الطب ١٥٠ طالب، بطاقم تدريسي ضخم لدرجة أن كل ٨ طلاب يكون مسؤول يحمل درجة دكتوراه ، وكان الصف كعائلة، الطالب والأستاذ والإداري كنا عائلة واحدة. . كان الحر جدّاً عالي في الصيف، ولا يوجد مكيفات،،فقط يوجد في بعض الأماكن المبردات ، ولكن كنا في البيوت،لا نملك إلا ألبانكة ! ولقضاء النهار في العطلة نضطر إلى أن نقضيها في سينما أو كازينو لكي ننعم ببعض البرودة من المكيفات. كان أهل الموصل يرفضون تأجير بيوت لنا في البداية في المناطق السكنية ، فهم لا يؤجروا للعزاب ابدا،،،، ولكن ما أن مضى على الجامعة سنوات قليلة ،حتى تغير هذا النظام.
الصحيح، نحن الفلسطينيين ،كُنّا محظوظين ، حيث أن كافة الأهالي كانوا يتعاطفون معنا وخاصة بعد عام ١٩٦٧ حيث احتلت باقي فلسطين. ( ولا ننسى) موقف الحكومة العراقية بعد احتلال الضفة الغربية عام ١٩٦٧ فقد عاملتنا الحكومة كالطلبة العراقيين ، وأسكنونا في سكنات الطلبة العراقيين ، وأعطونا منحة الطلاب العراقيين حتى التخّرج ، وأهالي الموصل فتحوا لنا بيوتهم ، واحتضنونا كأولادهم. فكيف لنا أن ننسى ذلك ؟
إن الموصل ،هي العراق لم تتغير في عطاءًها ومحبتها للضيوف مع مرور الزمن والحكام. ومحبتنا وعرفاننا بالجميل لن ينتهي ، وقد أفهمنا وعلمنا أولادنا ، بأن يحب كل ما هو عراقي.
وقد علّمت زوجتي على الأكل العراقي والمصلاوي خاصة الدولمة، والباچة ، وكبة الموصل ، ولا زالت جزءاً من الروتين عندي في بيتي لحد الان،،،،،،لا أعرف فحب العراق ،،،كل العراق ،،والموصل خصوصا بكل مكوناتها تغلغلت في دمنا.
محبتي لكل من قرأ هذه الذكريات التي هي أجمل ذكرياتي.