مقالات
لبنان بلد نفطي ،كيف نحافظ على الثروة من الضياع ! بقلم نبيل الزعبي
بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان
لبنان بلد نفطي ،كيف نحافظ على الثروة من الضياع !
بقلم نبيل الزعبي
في صبيحة يوم الاربعاء الواقع فيه السادس عشر من شهر آب للعام ٢٠٢٣ ، حطت في المياه الاقليمية اللبنانية سفينة الحفر “ترانس أوشن” المُتَعاقَد معها للتنقيب عن النفط في البلوك رقم ٩ ، من البلوكات النفطية العشر المرسومة في البحر اللبناني ، وقد ابتدأت ، وبعد ثمانية ايام ، في عمليات الحفر والاستكشاف يوم الخميس في الرابع والعشرين على ان تُعلَن النتائج خلال فترة زمنية مدتها سبعة وستين يوماً من بدء العمل والاستكشاف وسط آمال وتكهنات بان البلوك رقم ٩ يحوي كميات تجارية واعدة من النفط والغاز سيكون له الاثر الايجابي على اقتصاد لبنان للسنوات القادمة مع البدء في استعماله الداخلي وتوفير ما لايقل عن ملياري دولار من انفاقه على المشتقات النفطية ، او في تصديره الى الخارج مقابل ما يدخل خزينته من عملة صعبة هو في امس الحاجة اليها مستقبلاً .
ومع اهمية هذا الحدث ، تفاوتت ردات فعل اللبنانيين بين المشكّك في كيفية التصرُف بهذه الثروة ، الى المتهكّمين الذين لم تخلُ تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي من السخرية ، معتبرين ان من سرق اموال اللبنانيين في المصارف ، لن يردعه ضميره عن مصادرة ثروتهم النفطية الكامنة في عمق البحر .
وعلى طريقة من يشتري السمك من البحر قبل ان يصيده ، يعيش البعض من السياسيين هذه الايام في ظل نشوة هذا الحدث ،ولو قبل احتساب ما تحمله البئر من كميات عادية قد لا تستحق كل هذا الاهتمام الرسمي والتسابق على اولوية الجهة السياسية التي نسبت الحدث اليها ، او ما يُختَزَن فيها من كميات تجارية وفيرة تنتشل لبنان من ازماته الاقتصادية وترفع من شأن ثقة المجتمع الدولي به وتضعه في مصاف الدول المصدّرة للنفط ، ما يساعده بدايةً للخروج من النفق المسدود الذي آن الاوان لاحداث كُوّة امل فيه تُرينا بصيص ضوء بعد كل ما اكتنف ليلنا من ظلامٍ دامس .
وبالاشارة الى الثروة النفطية الموعودة ، لعل الخوف لدى اللبنانيين غير ناتج عن مدى حجم ما سيُصار الى استكشافه من كميات نفطية ، بقدر الخوف على المصير الذي ستؤول اليه هذه الثروة ، لا سيّما ان من تسبّب في افلاس الخزينة اللبنانية ، نهباً واهداراً، هم من يهلّلون اليوم للحدث الحديد ، المتسابقين في أُبُوّته وكانه رزقُ من الخالق قد هبط عليهم ، علّه يُنسي الشعب ما الحقوه به من إفقار وتجويع ، وتراهم اليوم يعملون على غسل اياديهم من ذلك ، سواء بادّعاء العِفّة ، او برمي التهم والمسؤوليات على بعضهم البعض .
هم الذين يتخاصمون اليوم على من سيستحوذ على “جِلْد الدّب” قبل اصطياده فيثيرون القلق لدى اللبنانيين الذين اختبروا مدى “غيرتهم “الزائفة على مقدرات الوطن وثرواته المبدّدة على اياديهم ، وتراهم يساومون على الصندوق السيادي الذي سيدير اموال النفط ومن سيكون له الكلام الفصل في استخدامها دون اعتماد اية سياسية اقتصادية ومالية تنتشل لبنان من كبواته المتراكمة بالتزامن مع الاعتماد على اموال النفط واستثمارها لناحيتين اساسيتين : -الاستثمار في العائدات النفطية للانماء الاقتصادي والمالي والاجتماعي وفق الخطط العلمية المدروسة والاستفادة من تجارب الدول النفطية التي عرفت كيف تستفيد الاجيال من ثروتها النفطية ،
– العمل على اغلاق فجوة الديون الكبيرة على الدولة والبدء في خطة التعافي المالي واعادة اموال المودعين الى اصحابها كخطوة اساسية تطمئنهم ان مدّخراتهم لن تذهب هدراً على مذبح مصالح المنظومة الحاكمة وتشعباتها .
انه لمن المستغرب ان المنظومة المُناط بها ادارة هذه الثروة الموعودة ، قد فشلت حتى اليوم في “تأسيس شركة وطنية تواكب عملية الإنتاج والتسويق كي تحل مكان الشركات الخاصة والأجنبية ومن يقف وراءها وتحافظ على الثروة الوطنية من التبدد والضياع ، فكيف لها ان تؤتَمَن على هذا القطاع والتجارب معها اكثر من مريرة .
لذلك، ومع دخول الاول من شهر تشرين ثاني المقبل ، سيتبين للبنانيين الخيط الابيض من الاسود عندما تنقشع امامهم نتائج الاستكشاف الجيولوجي للمنطقة النفطية والوقوف على الكميات الواعدة فيها ، بالاضافة الى بدء المسح الزلزالي الثلاثي الابعاد للبلوك رقم ٨ ، مما يبشر بالمزيد من التفاؤل والفرح ، وان لا تتكرر تجربة الاحباط في البلوك الرابع التي لم يتم التأكد بعد ، من صحة سلامة المسح فيه من عدمه ، لتكتمل فرحة اللبنانيين وهم يطلُّون على العالم بقامةٍ نفطية هذه المرة ، تزيل ما لصق بهم من صور بشعة جعلت منهم الاشبه الى الجوعى والمتسوّلين والعالة على المجتمع الدولي ، وصولاً بعد ايام قليلة الى الثاني والعشرين من تشرين ثاني الذي سيحيون فيه عيد استقلالهم السادس والسبعين على امل ان يكون استقلالهم بثروتهم في البحر ،بدايةً لاستقلال حقيقي لهم على مدى البحر والبر والجو ،لطالما كان حلماً ينبغي تحويله الى حقيقة وانجاز ،آن ان يتحول الى واقع .