
أحد الشعراء العرب
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
كتبت مرة … أن من الأفضل أن تسمع وتقرأ عن بعض الشعراء والأدباء والفنانين خير مما تراهم أو أن تكون لك تجربة صداقية معهم.
شاعر عربي كبير، أسمه يملأ الأفاق، يكتب شعراً ونثراً وشتماً في الأنظمة وغير الأنظمة، ويطرح نفسه مثالاً للنزاهة والرؤية المتقدمة وزعيماً للأدب الرافض …! كان يحيا عيشة رغيدة، مستمتعاً بالمال والشهرة إلى أقصى درجات الاستمتاع، يهوى الدعوات والسفرات والرحلات والولائم، والمعاملة الخاصة التي تليق بشخصية كبيرة مثله. تعرفت عليه، وهو يتصدر المجالس بحديثه، بحديث جميل لبق، بحجم معارفه وعلاقاته.
هذا الشاعر طبع ذات يوم أحد دواوينه، وأكتشف أن صاحب دار النشر طبع كمية تزيد عما أتفقا عليه، فغضب أشد الغضب … وإلى هنا هو محق ربما في غضبه، ولكنه تمادى في غضبه وفعل ما لا ينبغي أن يفعله شخص كبير مثله، وهو أن ألتجأ إلى شخصية حكومية، رئيس جهاز قمعي وروى له الحادث وطلب منه التدخل، والتدخل جاء بأن وضعوا صاحب دار النشر قيد الاعتقال .. وما يتبعه ويلحقه من حسن معاملة ومستلزمات البهجة ..!
وبعد أشهر من الأستمتاع، جاؤا بصاحب دلر النشر أمام الشخصية الحكومية الخطيرة، والشاعر الفطحل يجلس بجانبه كأمير من الأمراء الذين يشتمهم ليل نهار بوصفه عميد شعراء وأدباء الأدب الغاضب والرافض، وصاحب دار النشر كان مستعداً لفعل أي شيئ مقابل عتق رقبته، فلهط منه شاعرنا وشفط ما طاب له وشاء.
كنت قد قرأت للكاتب الفرنسي أنريه جيد قوله بهذا الصدد ” أن الناس مولعون بالصفات الحميدة كالشجاعة والكرم والنزاهة والصدق لعظمتها كمبادئ، ولكنهم يحبون ويمارسون في الواقع نقائضها كنتائج”.
كنت أعلم، وبالطبع تعززت معرفتي، بأن قول الشيئ غير فعله، وحمل السلاح غير سحبه عند الضرورة، وأمتلاك المال لا يعني الكرم بالضرورة، والحديث عن النزاهة سهل ما لم يقترن بالواقع العملي، والتمثل بالمثل العليا غير ممارستها، وكم ترى من أشخاص يدعون الكثير لصفاتهم، ولكنهم من أخس وأرذل من اللصوص المحترمين، بل هم بمستوى أخلاق النشالة والسرسرية يستنكف المرء الجلوس معهم في مقهي حتى لخمس دقائق.
وفي السبعينات (زمن اليسار) كانت قد شاعت التبجح بالشعارات اليسارية، وفي الواقع يتخذون مواقف يمينية، وسرت هذه على حركات وأحزاب وأشخاص، حتى شاعت نكتة، أن شخصاً يقود سيارة ويعطي الإشارة لليسار، فيما ينحرف بالسيارة وركابها لليمين.
ليس قصدي التشهير بالشاعر الكبير، لذلك لم أكتب أسمه، ولن أفصح عنه، ولكني أريد العبرة من الخاطرة… تلكم هي الحكمة من سرد هذه الخاطرة وكل الخواطر.