ثقافة وفنون

قط سيامي قصة : محمد الناصر أبو زيد

محمد الناصر أبو زيد

قط سيامي قصة : محمد الناصر أبو زيد

 ألقمت ثديها “لولو”، تتأمل رأسه الضئيل، المثلث  من طرفي الأذن و والأنف الطويل، تتحسس فروته القصيرة بأصابعها، ومخالبه اللينة  السوداء،وساقيه الطويلتين النحيفتين، ورقبته الطويلة الرفيعة، بطنه المشدود بلا دهون، يذكرها دائما بكرش زوجها، تعض برقة أذنه الكبيرة العريضة، عندما تشتبك نظرتها مع نظرة عينيه اللوزتين الماكرتين، تعلم أنه قد حان وقت حلبها، وأن ماس القمر ، سوف يخلصها مما أبقت طفلتها من لبن في ثديها.

دهشة زوجها ، عندما رأي القط للمرة الأولي يرضع ثديها ، تجعلها تبتسم كلما تذكرت، فتسخر من غيرة الرجال الطفولية ،حتي من قط ! ، وان كان قطا ملكي الأصول مثل ” لولو” ،  جده الاكبر من مملكة سيام ، وكان اسمه “وشيان مات “،  ” ماس القمر ” بالتايلاندية .

الرجل بطبيعته لا يستوعب الأمومة داخل امرأته، ولما الأمومة ، هو غير قادر علي استيعاب المرأة ، دائما ما تؤكد علي ذلك في قصائدها، التي تكتبها أحيانا بالانجليزية، متباهية وهي تقرأها علي طلابها في الجامعة، تحتاج دائما الي أن تؤكد  مقدرتها، علي امتلاك ناصية اللغة التي تدرّسها، وان كشفت مؤخرا في احدي قصائدها ولم تكن بالإنجليزية، عن سعيها الدائم منذ وعيها بالحياة حولها، أن تؤكد مقدرتها علي الحياة، كأن هناك من يشكك في هذا العالم ،من مقدرتها علي ذلك.

عندما رأت ذلك القط الضئيل  للمرة الأولي، كان بجوار أمه وهي تموت، نظرت كمن تسلمه إليها، شعرت بذلك في قلبها، وهي دائما تتبع قلبها ، حتي عندما تكتب.

 لمست طيشه ونزقه، وهو يتنطط بعد كل رضعة بين أثاث البيت، لا يمكن توقع ردات فعله، سمته ” لولو ،” القط الذي أدار رأس بيتر لفترة وجيزة، في رواية ” المهجورة ” أو “جيني ” ، للأمريكي بول جاليكو ، وكانت قد انتهت من ترجمتها من شهور.

لكن لم يسطو علي عقلها مثلما فعل بيتر، سطي علي عقلها و ثديها، وشارك طفلتها في ماء الحياة ، الذي انفجر من صدرها بعد ولادتها، صار محرما عليها، هو شقيقها من الرضاعة ، تقول ذلك لزوجها وتضحك من الدعابة.

” لولو ” جعلها تبحث وراء خروج القط السيامي من بلاده ، علمت أن السبب امرأتان، ” ليليان ”  و ” لوسي “” ، قرأت حكاية القنصل البريطاني في “بانكوك”،  الذي أهدي أخته ” ليليان ” زوجين من هذه القطط عام 1884، كما فعل أيضا قبله القنصل الأمريكي في بانكوك، أهدي زوجة الرئيس الأمريكي هايز، السيدة لوسي  قطأ في 1879، وواصلت بحثها، فاطلعت علي القصائد التايلاندية المترجمة للإنجليزية، التي تحكي أسطورة ” قطط سيام مارتن ، تمنت وقتها أن تكتب قصيدة  ” لولو”.

تروق لها ” السيجارة ” وقت أن يقوم ” لولو ” بمص ثديها، تسأل نفسها دائما، هل هذه النقاط علي جسده بنية أو سوداء، متناثرة علي جلده الأبيض المائل للبيج ، كأنها لطخات فرشاة تلقائية، لرسام لديه اليقين، أنه لاشيئ مؤكد في هذا العالم،يداعب إصبعها أنفه السوداء، “كل شيئ ضئيل في هذا الكائن الآسر”.

بالضآلة الآسرة بدأت قصيدتها، التي لا تروق طبيعتها النثرية لزوجها، الموقن بأن الشعر العربي توقف عند شوقي وحافظ، حتي يأتي من يشبه البارودي، لكي يحييه من جديد، استمرت في قصيدتها ، تكتب عن امرأة،  غاية طموحها مثل كل النساء، ومنذ الأزل أن تصير قطة، وأن يكون لها قط يشبه ” لولو”.

مشهد  رضاعة “لولو” اعتاد زوجها عليه ، حتي إنه أعلن صراحة، أنه افتقد رؤية طفلتها تلقم ثديها، تنظر لطفلتها النائمة بجوارها، توبخه همسا، فالملائكة قليلة الحاجة للرضاعة، يضحك من عقلها الذي سطي عليه ” لولو” .

 دخان سيجارتها تلقيه في الهواء دفعات، تتشكل علي هيئة كرات من دخان، يقفز ” لولو” ، محاولا التقاطها بمخالبه الضئيلة، يكتشف الخدعة، يعود إلي القفز بين الأثاث، ثم يقفز في حجرها، فتلقمه ثديها، تعد أصابع قدميه الأمامية الخمسة، ثم تعد أصابع قدميه الخلفية الأربعة، تبحث عن الحكمة من الخمسة والأربعة، لكنها لو تركت نفسها للأسئلة، لسألت عن ضعف ذيله الطويل، وعن الشكل الماكر لعينيه ، التي تشبه عيون “إليزابيث تيلور” في لونها الأزرق، وهي تمثل كليوباترا، التي كانت مغرمة ب “أنطونيو” وبالقطط السيامي، اكثر رسومات لها كانت علي جدران عهدها، ربما كانت إليزابيث قطة ، وربما تحولت  “كليوباترا “بعد موتها الي قطة، من هذا النوع السيامي، كل يصير الي ما يحب.

تشعر أن ثديها نضب، تخلصه من فم ” لولو” وتعيده الي جسدها، تغفو علي الكرسي الفوتيه ، الذي يتوسط الصالة في مواجهة التليفزيون، وهي تنتظر فيلم  السهرة الجديد علي قناة mbc2

***

محمد الناصر أبوزيد

إعلامي مصري يعمل كبيرا للمذيعين بشبكة صوت العرب بالإذاعة المصرية ، ويكتب القصة والرواية والمسرحية ، أصدر عددا من المجموعات القصصية بعناوين ” المملوك ” ، ” يا عم يا جمّال ” ، حجّاكم الله ” وأصدر روايتين ، ” السرابيل ” صدرت عن نادي القصة المصري 2007 ، و ” محكيات المعبد ” صدرت عن دار الهلال المصرية 2013 ، وله كتاب في الإعلام بعنوان ” الراديو فن الممكن والمستحيل .”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب