مقالات

نحو بلورة مشروع قومي لمواجهة تحديات الأمة إستعادة الوحدة الوطنية مدخل إلزامي للوحدة العربية حسن خليل غريب

حسن خليل غريب

نحو بلورة مشروع قومي لمواجهة تحديات الأمة
إستعادة الوحدة الوطنية مدخل إلزامي للوحدة العربية
حسن خليل غريب
حتى انتهاء العقد الاول من هذا القرن، اي مرحلة ما قبل العام 2011، وبغض النظر عن التفاصيل، لم تتغير الرؤى حول الوصول إلى تحقيق الوحدة العربية، بل كانت امتداداً للرؤى التي كانت سائدة منذ الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. وعندما كانت تتوفر ظروفها، كانت تتلخص بمرحلة واحدة، وهي الانتقال من المرحلة القطرية -لأن الأقطار كانت موحدة- إلى المرحلة الوحدوية القومية مباشرة لان التقسيم كان ذو طابع سياسي يتعلق بالدولة.
وبفعل المتغيرات التي حصلت بعد العام 2011، ازددات فاصلاً آخر اكثر خطورة، اذ انتقل الاستهداف المعادي من تقسيم الوطن العربي سياسياً لدول قطرية، الى التفتيت المجتمعي داخل القطر الواحد والدولة الواحدة، فأصبح الوصول إلى الوحدة يمر عبر فاصل جديد اكثر خطورة، وهو إستعادة وحدة المجتمع والدولة الوطنية بعد أن هوجمت وحدة معظم الأقطار العربية بفعل الزلزال الذي أحدثه مشروع ما يسمى “الشرق الأوسط الجديد”، والذي ابتدأ باحتلال العراق، مرورا باحداث العام 2011 وهو مستمر حالياً .
ونظرة واقعية على ما جرى في العراق وسوريا ولبنان وليبيا وتونس والسودان ومصر تكفي للتعرف على حجم وعمق الكارثة التي تتعرض لها الامة العربية. وكل قطر لم يطاله الزلزال، ينتظر دوره فيما لو لم يستطع العرب بلورة مشروع قومي لمواجهة كل هذه التحديات الجسيمة، وذلك ابتداءاً بوقف الانهيار في بنى الدول القطرية العربية أولاً. و المساعدة على استعادة وحدة المجتمع الوطنية وكذلك الدول التي تمزقت بفعل مؤامرة مشروع “الشرق الأوسط الجديد” ثانياً . ولذلك، يفرض هذا المتغير إعادة النظر بآليات النضال من أجل الوحدة العربية من خلال بلورة مشروع قومي لمواجهة كل هذه التحديات.
لماذا إعادة النظر بآليات تحقيق الوحدة العربية؟
لو شئنا أن نشرح مختلف الوسائل والطرق التي تؤدي إلى تحقيق الوحدة العربية التي سطَّرتها أقلام الباحثين والسياسيين ومراكز الدراسات الاستراتيجية، وكل ما حوته مكتبة جامعة الدول العربية، ومقررات القمم العربية، لوجد تُراثاً هائلاً يغنينا عن عناء البحث عن ضالتنا. ولكن في المرحلة الراهنة، خاصة بعد المتغيرات الخطيرة التي حصلت في بنى الأقطار العربية، جغرافياً وسياسياً واجتماعياً، بفعل الزلزال الذي أحدثه المشروع الخبيث في جسد الأمة حتى الآن، هناك سؤال يفرض نفسه: هل أولويات وآليات تحقيق الوحدة العربية، هي ذاتها التي انطلق منها الخطاب القومي العربي سابقاً؟
كان طريق النضال من أجل الوحدة العربية اكثر تناولاً واقرب الى الواقع الى حد ما، عندما كانت الاقطار العربية، بعد معاهدة سايكس بيكو كيانات سياسية تفصل أقطارها خطوط جغرافية. حيث كان ممكناً وحاصلاً في العديد من الاقطار تأهيل الساحة الوطنية القطرية بتثقيفها بضرورة الوحدة العربية،
سياسياً ومجتمعياً وثقافياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً. ولكن الآن أصبح المواطن العربي في واد آخر؛ إذ حلَّ الولاء للطائفة والعرق مكان الولاء للوطن، والولاء للخارج الطائفي مكان الولاء للقومية العربية. وحلَّ الاستقواء بالخارج مكان الاستقواء بالجار العربي والشريك بالوطن.
كل هذا ليس من قبيل الفرضيات، بل أصبح ملموساً ومحسوساً ومعاشاً، أينما توجهَّت أنظار الباحث للنظر، وأذناه للسمع، وعقله للفهم والإدراك. وإن النظر إلى خريطة الوطن العربي الراهنة، ومتابعة التهديدات والحروب تكفي لادراك الواقع.
ولكل ذلك يفرض الواقع الجديد أولويات أخرى جديدة، على حركة التحرر العربي أن تجد لها حلولاً على طريق استئناف الحديث عن الوحدة العربية عبر بلورة مشروع قومي للتصدي والنهوض.
إعادة النظر بالأولويات والعمل على تحقيقها مسؤولية نخبوية وشعبية، ونظامية رسمية:
إن دعوة عامة او هلامية إلى وحدة عربية بين أقطار تتعرض الى استهداف معادي غير مسبوق، بهدف جعلها مفتتة جغرافياً ومجتمعياً وثقافياً، ستُتّهم بانها دعوة رومانسية، او بعيدة المنال. ولن تجد من يهتم بها سوى القليل. إذ كيف لمن يكتوي بنيران تحرق أخضره ويابسه في احد الاقطار، ولا يجد من يطفئها أو من يستطيع إطفاءها، أن يفتِّش عن خلاصه عند عربي في قطر آخر، مُثقلٌ هو الآخر بمواجهة القتل والتهجير. أو أن يفتش عنه عند ثالث يكتوي بنيران من نوع اخر، اقتصادية كانت او بيئية او غيرها، والتي قد تكون أكثر ضراوة من تلك النار التي تكويه هو نفسه ؟!.
الوضع الراهن لا يبرر أن ينسى العربي أهمية وحدة الوطن العربي:
عند حاجة التفتيش عن وسيلة إطفاء النار موضعياً في الأقطار التي تتعرض الى استهداف التفتيت، لا يجوز أن يتوقف ابناء الامة العربية عن اعتبار الوحدة العربية هدفاً استراتيجياً، وعليهم أن يعملوا من أجل تحقيقه لإجهاض الهدف الاستعماري – الصهيوني الكبير الذي خطط للحؤول دون وحدتهم السياسية. وعليهم ان يبلوِروا مشروعاً قومياً ناهضاً في هذا المجال.
ولهذا، فإن أولوية العمل لاستعادة وحدة المجتمع والدولة الوطنية في الأقطار العربية التي خسرتها، يجب أن يتم على قاعدة :
• الوعي بأن ما يحصل في اي قطر من أقطار الأمة العربية مرتبط بما يحصل في الاقطار الاخرى. فخرائط برنار لويس، شملت الوطن العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، وإن من لم يبدأ دوره حتى الآن، فهو آت لامحالة.
• ولهذا يُعتبر النجاح في استعادة وحدة أي قطر منها، ينعكس بشكل إيجابي على الأقطار العربية الأخرى. كما يُعتبر تحصيناً وحماية لوحدة الأقطار التي لم يصل إليها مقص التقسيم والتفتيت.
• ولأن ابناء الامة العربية على شتى تصنيفاتهم معنيون وحدهم بحل تلك المشكلة، فإن تذكير دول الإقليم بأن خرائط التقسيم الطائفي ستشملهم لاحقاً سوف تكون دون جدوى. لأنهم لن يصغوا إليه فقد طغت عليهم مصالحهم وأعمتهم عن النظر الى حقائق المشروع الغربي – الصهيوني. ولهذا سيكون النداء والتحذير موجهاً إلى ابناء الامة العربية جميعاً، خاصة العارفين والمتيقنين منهم بأهمية الوحدة العربية لوجودهم ولمستقبلهم.
• ولكي يدافعوا عن هدف الوحدة اعتباره شعاراً “رومانسياً “، والانتقال به إلى حقيقته كهدف استراتيجي قابلاً للتنفيذ كما كان من قبل، أن يعطوا الأولوية لإطفاء حرائق تفتيت المجتمعات والأقطار العربية، أو منع امتدادها إلى حيث لم تصل بعد.
ومن اجل بلورة مشروع قومي لمواجهة هذا الهجوم والتحديات الاستثنائية في خطورتها التي تتعرض لها الامة العربية، واستناداً إلى ما تم ذكره أعلاه، يمكن بادئ ذي بدء وكمرحلة اولى توجيه العمل والنداء إلى الجهات العربية التالية:
اولاً : إلى الأنظمة الرسمية العربية التي لم يطلها بعد مقص التفتيت،
للعمل على خطين متوازيين، وهما:
الخط الأول: تحصين مجتمعها ودولها بحماية ذاتية من أي اختراق مخابراتي، خاصة في المواقع الرأسية للمؤسسات الأمنية من جهة. والعمل على وقف الانهيار في بنى الدول العربية الذي أحدثه مشروع ما يسمى ” الشرق الأوسط الجديد” من جهة ثانية، ومساعدة تلك الدول على استعادة وترسيخ وحدتها الوطنية من جهة ثالثة. وعلى تلك الأنظمة أن تدرك بأنه إذا لم يستقر أمن جيرانها من الاقطار العربية الاخرى، سيبقى أمنها عرضة للاهتزاز.
الخط الثاني: تحصين مجتمعاتها، اقتصادياً واجتماعياً، وتوسيع رقعة الحريات السياسية، لمنع أي اختراق تخطط له التيارات التي تعمل على تفتيت الجماهير الشعبية تحت مزاعم طائفية أو عرقية، وتثقيفها بتغليب الولاء للوطن على الولاء للطائفة أو العرق.
ثانياً: إلى التيارات الوطنية، التي انخرطت في صفوف الثورات او الحراك الشعبي الكبير، والتي اكتشفت فيما بعد التضليل والخداع من قبل القوى التي ركبت الموجة وحرفت الانتفاضات والحراك الشعبي النبيل عن اهدافه الحقيقية التي ثار من اجلها. على تلك التيارات أينما وُجدت استعادة زمام المبادرة ومواصلة الطريق نحو تحقيق اهدافها الحقيقية بأن تقوم بواجب تحليلي ونقدي صارم لما حدث والكشف بجرأة ووضوح عن القوى التي ركبت موجة الثورة فالتحقت بالأجنبي لتحريفها عن مسارها وافراغها من محتواها والالتفاف عليها .
إن نتائج الحركة التحليلية النقدية، سوف تساعد حركة التحرر والوحدة العربية على بناء مواقفها مما يجري بموضوعية ومن دون انفعال بمواقف سابقة من هذا النظام أو ذاك. لأن الأولوية هو استعادة وحدة المجتمع و الدولة الوطنية قبل أي هدف آخر.
ثالثاً : إلى تيارات وقوى حركة التحرر العربي عموماً . لقد أصبح هدف إسقاط الوحدة الوطنية والدولة الوطنية من قبل القوى المعادية للأمة العربية، إحدى الحقائق الثابتة والمكشوفة. وما بعض الشعارات النبيلة التي تتستر خلفها تلك القوى سوى غطاء لإسقاط تلك الوحدة. وهي لا تزال تسلك طرق التسويف في وضع حلول للساحات التي سيطرت عليها من أجل تعميق أسباب التفتيت والتجزئة.
ولما كان الحال يجري على هذا المنوال، وارتقاءاً فوق جراحها التي أثخنتها الأنظمة الرسمية، أصبح من واجبات قوى التحرر العربي أن تدعو وتعمل من أجل وقف الانهيار في بنى وحدة المجتمع الوطنية، لأنه لو استمر لن تجد في الدعوة إلى الوحدة العربية أكثر من دعوة رومانسية لن تعوض ثمن الحبر الذي تكتب فيه.
ان شدة استهداف الامة العربية من قِبَل المخططات المعادية وخاصة في مجال الامعان في تقسيمها وتفتيتها، ليس الا دليلا كبيراً على حقيقة ما تمثله وحدة الامة من خطورة لاعدائها، كونها الشرط الاساسي لنهضتها وقوتها ومنعتها لترتقي الى المصاف الذي يليق بها بين الامم.
لذا فان شدة هذا الاستهداف يجب ان تكون عاملاً يحفزنا على السمو فوق الآلام والجراح لاستئناف المشروع الوحدوي النهضوي للامة على اسس واقعية وعملية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب