تحليل إخباري | حول التهديدات بسحق حماس!
تحليل إخباري | حول التهديدات بسحق حماس!
في محاولة إنزال القيادة السياسية والعسكرية عن الشجرة العالية، ظهرت تفسيرات مختلفة لتهديدات السحق والمحو والإنهاء والتفكيك، أبرزها بأنها تعني تخفيض قدرة حماس العسكرية إلى الصفر، وهو تقدير متفائل جدا.
لطالما تعاملنا بقليل من الجدية مع التهديدات الإسرائيلية التي تحدثت عن “القضاء على حماس” و”سحق حماس” و”محو حماس”، التي سبق وانطلقت عشية وخلال كل عملية عسكرية يشنها الجيش الإسرائيلي على غزة، خاصة بعد ان أصبحت ممجوجة ومكررة وتخدم أغراض الاستهلاك الإعلامي.
لكن ما يجعلنا نتعامل مع هذه التهديدات بجدية أكثر هذه المرة، والتي تكررت من قبل أعضاء ما سُمي بالمطبخ الأمني المصغر لحكومة الطوارئ الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت وبيني غانتس، واعتبرت بمثابة العنوان العريض لهذه الحكومة، هو كون “الحرب على حماس” تأتي هذه المرة في أعقاب عملية موجعة وغير مسبوقة، وبالحجم الذي يقلب سياسات ويغير إستراتيجيات وليس تكتيكات فقط، وهي تترافق أيضا مع إعلان إسرائيل لحالة الحرب بكل ما يعنيه ذلك من معنى وفي مقدمة ذلك تجنيد 360 ألف جندي احتياط، ناهيك عن البوارج الأميركية التي يرسو بعضها على مقربة من الشواطئ الإسرائيلية.
يعزز هذا التوجه القصف الجوي المركز المستمر منذ أسبوع على قطاع غزة والذي لا يشبه ما سبقه خلال عمليات ماضية، من حيث رقعة الدمار وحجمه والضحايا التي يخلفها، بل يرتقي إلى عمليات إبادة جماعية تنذر بعواقب غير محمودة، ويحظى أسوة بالعدوان بمجمله، بدعم أميركي وأوروبي، عسكري وسياسي غير محدود وتواطؤ وصمت دولي وعربي غير مسبوق.
وبالرغم من كل ذلك، فإن مسألة القضاء على حماس وسحقها يبقى، ليس لدينا فقط كونه مشوب بكثير من العاطفة، بل لدى المحللين الإسرائيليين وبعض كبار جنرالات الاحتياط الذين يحتلون إستديوهات القنوات الإسرائيلية هذه الأيام، وبينهم عاموس غلعاد، وهو من كبار قيادات “أمان” سابقا، وعاموس يدلين، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق، تبقى سؤالا محيدا لا يفضلون التعامل معه، لأن الجواب عليه ربما يعكر صفو إشباع غريزة الانتقام التي تلف المجتمع الإسرائيلي، وتطرح الكثير من الأسئلة الصعبة حول الطريقة والثمن والإمكانية، وصولا إلى السؤال الأصعب المتعلق “بما بعد حماس”، إذا قيض لهم ذلك.
الوحيد الذي امتلك جوابا واضحا وقاطعا كان رئيس الأركان ووزير الأمن الأسبق، موشيه يعالون، الذي سخر من هذه التهديدات بالقضاء على حماس، قائلا: لقد سمعنا ذلك في الـ2008، مذكرا بعدد العمليات والحروب التي خاضتها إسرائيل من وقتها وحتى اليوم، ومشيرا إلى صعوبة القضاء على حركة أيديولوجية مثل حماس، التي يمكن في أحسن الأحوال إضعافها لبضع سنوات قادمة، كما كان يحدث سابقا.
وبالرجوع إلى 2008-2009، يتبيّن أن من صرح بأنه سيقضي على سلطة حماس في غزة هو بنيامين نتنياهو ذاته، وأن تصريحه الذي جاء عقب عملية “الرصاص المصبوب” التي خاضها الثلاثي أولمرت، وباراك ولفني، وعشية انتخابات الكنيست وأريد منه تطويق ليبرمان الذي كانت شعبيته في تزايد في أوساط اليمين.
وفي التفاصيل، كما أوردتها وسائل الإعلام الإسرائيلية لاحقا، فإن المستشار الإستراتيجي لنتنياهو لشؤون الانتخابات اتصل به مفزوعا وأخبره بضرورة التصريح بأنه سيسقط حكم حماس في غزة، نتنياهو أجاب أن ذلك غير ممكن لأنه لا يستطيع إسقاط حماس، فقال له الأخير: إذا لم تطوق ليبرمان من اليمين فلن تكون رئيس حكومة، وهكذا كان.
هذا الحديث مر عليه 13 عاما شنت إسرائيل خلالها اعتداءات كثيرة ومتكررة على قطاع غزة من أهمها عملية “عامود السحاب” (“حجارة السجيل”) عام 2012 التي قادها الثلاثي نتنياهو، باراك، وغانتس، واستشهد خلالها قائد كتائب عز الدين القسام، أحمد الجعبري، وأعلن في نهايتها عن القضاء على 98% من صواريخ حماس، بعدها بسنتين فقط أي عام 2014 شنت إسرائيل عملية “الجرف الصامد” (“العصف المأكول”) في عهد حكومة نتنياهو أيضا وكانت من أشد العمليات، وشملت توغلا بريا في القطاع، وقادها موشي يعالون المعروف بأنه من أكثر العسكريين تطرفا والأكثر طموحا في محاولات القضاء على حماس، إلى جانب قائد الأركان، بيني غانتس، الذي تفاخر في دعايته الانتخابية لاحقا بأعداد الفلسطينيين الذين قتلهم خلال هذه الحرب.
وتوالت الاعتداءات والحروب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة، وتوالى على قيادة الجيش ووزارة الأمن أشخاص أشد تطرفا مثل ليبرمان وبينيت وكوخافي وغيرهم ممن تبجحوا بسحق حماس والقضاء عليها سابقا، دون أن يتمكن أي منهم من تحقيق وعوداته وتهديداته السابقة بالقضاء على حماس والمقاومة الفلسطينية وإنهاء قدراتها العسكرية.
وجدير بالذكر أنه مضى سنتين فقط على عملية “حارس الأسوار” (“سيف القدس”) التي قادها الثلاثي نتنياهو وغانتس وكوخافي عام 2021، فيما لم تمض سنة كاملة على العملية الأخيرة التي شنتها إسرائيل على غزة واقتصرت على الجهاد الإسلامي وسميت “المنزل والحديقة”، ما يعني أن العمليات والحروب المتواترة التي كانت تدعي فيها إسرائيل أنها قضت أو قلصت القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية كانت تتقلص زمنيا لتعود المقاومة بعد كل جولة مع قدرات أقوى وأشد.
وإذا كانت الذريعة التي كان يتذرع بها الجيش الإسرائيلي والمرتبطة بالتكلفة البشرية والتخوف من أعداد القتلى التي سيتكبدها لتحقيق هذا الغرض، الذي يتطلب الدخول بريا إلى قطاع غزة والقضاء على قواعد حماس وعناصرها، إذا كانت هذه الذريعة قد سقطت بعد أن تكبدت إسرائيل هذا الكم من الخسائر البشرية التي كسرت الحاجز النفسي، فإن ذلك يضع الجيش الإسرائيلي أمام القدرة على مواجهة تنظيم هو حركة مقاومة تخوض حرب عصابات على أرضها ووسط حاضنتها الشعبية، وهي حرب سبق أن شبهت من قبل محللين وجنرالات إسرائيليين بحرب أشباح.
وربما في محاولة إنزال القيادة السياسية والعسكرية عن الشجرة العالية، ظهرت تفسيرات مختلفة لتهديدات السحق والمحو والإنهاء والتفكيك، أبرزها ترجمة عاموس يدلين، بأنها تعني تخفيض قدرة حماس العسكرية إلى الصفر، وهو تقدير متفائل جدا، إلا أنه لا يعني بأي حال القضاء على حماس لأنها فكرة وتنظيم أيديولوجي، كما يقول يعالون، والأهم أنها حركة مقاومة تقود شعب نحو التحرر من الاحتلال.