رئيسيتحقيقات وتقارير

تهجير الغزيين إلى مصر.. مخطط قديم جديد تسعى “إسرائيل” لتنفيذه

وضاح حيدر – الخليج أونلاين

 

منذ أن استفاقت “إسرائيل” من صدمة “طوفان الأقصى” وهي تتحدث صراحة عن ضرورة فتح ممرات آمنة لسكان غزة نحو سيناء المصرية أو جنوب القطاع، في خطوة تنبئ بوجود مخطط لتهجير أهالي القطاع.

وجاءت الدعوة للمرة الأولى يوم الأحد الماضي، على لسان المتحدث باسم جيش الاحتلال اللفتنانت كولونيل ريتشارد هيخت، حيث دعا لفتح ممرات آمنة للمدنيين في غزة نحو مصر، في وقت تكثف قوات الاحتلال استعداداتها لاجتياح بريّ لغزة.

لكن هذه الدعوات باتت رسمية، حيث دعا جيش الاحتلال الإسرائيلي، في بيان، الجمعة (13 أكتوبر)، جميع سكان مدينة غزة إلى إخلاء منازلهم والتوجه جنوباً، زاعماً أنه يتم تنفيذ هذا الإخلاء من أجل أمنهم الشخصي.

وشدد بيان الاحتلال على أنه “لن يسمح بالعودة إلى مدينة غزة إلا بعد صدور بيان يسمح بذلك”، مضيفاً: “ممنوع الاقتراب إلى منطقة السياج مع دولة إسرائيل”.

التحذير الأول جاء سريعاً من الأمم المتحدة، التي قالت في وقت مبكر من اليوم الجمعة، إن الجيش الإسرائيلي أبلغها بأن نحو 1.1 مليون فلسطيني في غزة يجب أن ينتقلوا إلى جنوب القطاع خلال الساعات الأربع والعشرين القادمة.

وذكر المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في بيان “ترى الأمم المتحدة أنه من المستحيل تنفيذ مثل هذا الأمر دون عواقب إنسانية مدمرة”.

وقال: “الأمم المتحدة تناشد بقوة إلغاء أي أمر من هذا القبيل، إذا تم تأكيده، لتجنب ما يمكن أن يحول ما هو بالفعل مأساة إلى وضع كارثي”.

ورد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة معتبراً أن “تحذير سكان غزة للانتقال دعاية زائفة وحرب نفسية، ونحث مواطنينا على تجاهلها”.

التهديد الجديد من الاحتلال جاء تزامناً مع أنباء عن قرب عملية اجتياح بري، حيث تتجمع حشود عسكرية إسرائيلية على حدود القطاع، وسط إخلاء 10 آلاف إسرائيلي من غلاف غزة إلى إيلات.

ويكثف الاحتلال غاراته على سكان القطاع بعد قطعه للماء والكهرباء والوقود والطعام عنهم، فيما تسبب القصف باستشهاد 1537 شخصاً، بينهم 500 طفل و276 سيدة، فيما أصيب 6612 حتى انتهاء اليوم السادس من العدوان.

مصر تراقب

يمثّل معبر رفح المنفذ الرئيسي فعلياً لسكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون على العالم، وتتحكم به السلطات المصرية، في وقت تسيطر “إسرائيل” على المجال الجوي للقطاع وعلى ساحله البحري.

كما تتواصل الاتصالات والتحركات الدبلوماسية المصرية المكثفة لمنع “نزوح جماعي” من قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء، فيما تسبب القصف الإسرائيلي المتكرر للجانب الفلسطيني من معبر رفح في إغلاق منفذ الخروج الوحيد من القطاع.

ورغم تأكيد سفيرة “إسرائيل” في مصر، أميرة أورون، لصحيفة “اليوم السابع” المصرية، أنه “ليس لدى إسرائيل أي نوايا فيما يتعلق بسيناء، ولم تطلب من الفلسطينيين الانتقال إلى هناك”، فإن تقارير صحفية أمريكية تكشف عكس ذلك.

فقد أكدت تقارير إعلامية أمريكية أبرزها لشبكة “فوكس نيوز” وموقع “أكسيوس”، بأن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بحث خلال محادثة بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إجلاء المدنيين الفلسطينيين في غزة إلى مصر، وقالت تلك التقارير إن “البيت الأبيض يناقش تلك الخطوة مع دول أخرى، للبدء في تنفيذها”.

كما  ذكرت وكالة “أسوشييتد برس”، الخميس 12 أكتوبر، نقلاً عن “مسؤول مصري كبير”، رفض الكشف عن هويته، أن حكومة بلاده “رفضت مقترحاً أمريكياً بالسماح للفلسطينيين الفارين من القصف الإسرائيلي، بمغادرة قطاع غزة نحو الأراضي المصرية”.

وقال المسؤول: “إذا كانوا (الولايات المتحدة) يهتمون بالمدنيين، فعليهم الضغط على حليفتهم الوثيقة (إسرائيل) لوقف قصف المدنيين وإنهاء الحصار (على غزة)، للسماح بدخول المساعدات والوقود”.

وأضاف المسؤول أن “قوافل محملة بالوقود والغذاء توقفت، أمس الأربعاء (11 أكتوبر)، على الجانب المصري من معبر رفح، لكنها لم تتمكن من دخول غزة”، حيث كان قد جرى إغلاق المعبر الوحيد بين مصر وغزة، يوم الثلاثاء الماضي بعد غارات جوية إسرائيلية.

ولفت إلى أن “مصر تجري محادثات مع “إسرائيل” والولايات المتحدة، بشأن إنشاء ممرات آمنة داخل غزة، وتوصيل المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين المحاصرين”.

وسبق أن قال مسؤولون في غزة ومصدران أمنيان مصريان لوكالة “رويترز”، يوم الاثنين 9 أكتوبر، إن “مصر تتحرك لمنع نزوح جماعي من قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء”.

وأضاف المصدران الأمنيان المصريان أن “الهجوم الإسرائيلي على غزة يثير قلق القاهرة، التي دعت “إسرائيل” لفتح ممر آمن لخروج المدنيين من القطاع بدلاً من تشجيعهم على الفرار نحو سيناء”.

وبحسب مكتب محافظ شمال سيناء المصرية، فقد اجتمع مع السلطات المحلية لوضع خطة طوارئ لأي أزمات تنجم عن الأحداث في غزة، وانتشرت سيارات الإسعاف في سيناء تحسباً لعمليات إجلاء محتملة من غزة، فيما لا توجد أي إشارة حتى الآن على وجود تجمعات كبيرة لفلسطينيين عند معبر رفح.

السيسي يحذر والأردن يعلق

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خرج عن صمته منذ يوم الثلاثاء 10 أكتوبر، حيث شدد على أن التصعيد الحالي بين “إسرائيل” والفلسطينيين “خطير للغاية”، وله تداعيات قد تؤثر على أمن المنطقة واستقرارها.

وذكر أن مصر تتواصل “مع جميع القوى الدولية وجميع الأطراف الإقليمية المؤثرة من أجل التوصل لوقف فوري للعنف”.

وأضاف السيسي في تصريحات نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية أن مصر “لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية على حساب أطراف أخرى”، في إشارة واضحة إلى خطر دفع الفلسطينيين إلى سيناء.

وجدد السيسي تحذيراته يوم الخميس (12 أكتوبر)، حيث أكد خلال استعراض عسكري ضرورة أن يبقى سكان غزة “صامدين ومتواجدين على أرضهم”.

وتطرق السيسي في كلمته إلى استضافة مصر العديد من “الضيوف” الذين فرّوا من دول أخرى، محذراً من أنه “بالنسبة للقطاع… هناك خطورة كبيرة جداً لأنها تعني تصفية هذه القضية”.

من جانبه، لم يغفل ملك الأردن عبد الله الثاني، خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، عن التحذير من أية محاولة لتهجير الفلسطينيين من جميع الأراضي الفلسطينية أو التسبب في نزوحهم، وشدد على “عدم ترحيل الأزمة إلى دول الجوار ومفاقمة قضية اللاجئين”.

ويؤكد المحلل السياسي المصري، قطب العربي، أن المصريين سواءً الحكومة أو المعارضة، “يرفضون رفضاً تاماً تهجير أهل غزة إلى سيناء المصرية”.

ويشير إلى أن هذا الموقف الموحد بين جميع المصريين “لا ينطلق من عداء للشعب الفلسطيني بل من حرص عليه وحب له، ورفض لتصفية القضية الفلسطينية، ورفض لفكرة الوطن البديل”.

كما يؤكد، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، رفض الفلسطينيين أيضاً، مضيفاً: “الحقيقة أن الأشقاء الفلسطينيين يرفضون هذا التهجير، وقد رفضوا ذلك منتصف الخمسينيات حين كانت هناك خطة برعاية الدولة المصرية في عهد ناصر ومدعومة من الأمم المتحدة، وانتفضت غزة ضدها”.

وإلى جانب ذلك، لفت إلى أن رفض الفلسطينيين ليس فقط بالماضي، “بل لاحقاً رفضوا فكرة الوطن البديل”، مضيفاً: “هم مصرون- ونحن معهم- على حقهم في دولة مستقلة كاملة السيادة على أرضهم لا على أرض غيرهم”.

وفي حال اضطر عدد من الفلسطينيين إلى مغادرة غزة بسبب الحرب الجارية، يصف العربي تلك المغادرة بـ”المؤقتة”، موضحاً بقوله: “سيكون الهرب مؤقتاً من نيران العدو أو لعلاج المصابين، فهو في نهاية المطاف مؤقت”.

وتابع: “سيعودون إلى بلادهم لاحقاً”، مطالباً السلطات المصرية بـ”الضمانة للمغادرين بحق العودة لاحقاً بعد توقف الحرب”.

خطة قديمة جديدة

وفيما يتعلق بالضغوط الدولية على مصر لفتح مسار للفلسطينيين لمغادرة غزة دون العودة، يقول العربي لـ”الخليج أونلاين”: “هذه الضغوط قديمة والآن تتزايد فعلاً”.

ويؤكد أن المجتمع الدولي يستغل الوضع الاقتصادي المتأزم والديون الضخمة على مصر من أجل تحقيق ذلك، متحدثاً عن “مخاوف شعبية حقيقية أن يتجاوب النظام مع هذه الضغوط حتى لو تظاهر برفضها”.

وأضاف: “قد يقايض أرض سيناء بإعفائه من الجزء الأكبر من الديون الخارجية، مستلهماً مشاركة مصر في حرب الخليج الثانية وإسقاط الديون العسكرية عنها وإعادة جدولة ديون مدنية عليه”.

قناة المشهد الإماراتية، عرضت خريطة لما قالت إنه “الخطة الأمريكية الإسرائيلية لتقسيم سيناء”، وقالت إنها كانت بموجب خطة أمريكية كان يتم العمل عليها منذ سنوات طويلة.

وقالت القناة إن الخريطة تم عرضها في العام 2012 في الولايات المتحدة بحضور ممثلي عدة دول بينها مصر، وتقوم على تبادل الأراضي وفتح الحدود بين غزة ومصر 40 كيلومتراً على ساحل البحر من نقطة الحدود الحالية حتى مدينة العريش، ومد طرق منها إلى الأردن.

وتقول الخطة إن هذه البقعة ستكون مكاناً لإنهاء الشتات الفلسطيني وعودة اللاجئين، مقابل 100 مليار دولار تُدفع لمصر ومساحة من صحراء النقب.

وبالتزامن مع هذا الجدل الكبير، نشرت وسائل إعلام مصرية تسجيلاً صوتياً للرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك يوضح فيه أن مخطط “إسرائيل” لتوطين الفلسطينيين في سيناء ليس جديداً بل تم طرحه في عهده.

وكشف مبارك عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طلب منه السماح لإقامة وطن بديل لأهل غزة في سيناء لكنه رفض بشدة.

اللواء المصري المتقاعد أحمد كامل والمستشار في أكاديمية ناصر العسكرية، قال إن “إسرائيل” تسعى منذ زمن إلى ما يُسمى بـ “عملية تبادُل الأراضي” في إطار صفقة كبرى، مشدداً على أن “هذا الطرح قوبل بالرفض التام من جانب مصر وأنه أمر غير قابل للتفاوض”.

وأضاف كامل لـ”بي بي سي”: “دائماً نؤكد على أن قطاع غزة للفلسطينيين، لئلا تتكرر أخطاء عام 1948 من عمليات تهجير للفلسطينيين من بلادهم الأم إلى بلاد مجاورة، حيث لا يزالون في مخيمات حتى الآن”.

وشدد على أن “إسرائيل تصدّر لنا المشكلة، مع أنها كدولة احتلال هي المنوطة بأمن وسلامة السكان الخاضعين لسلطة احتلالها”.

كما أشار إلى أن “سيناريو اللجوء هو أمر مطروح، ولكن في حالات الضرورة القصوى وبأعداد بسيطة في حال حدوث اجتياح برّي لقطاع غزة وتهجير سكانه قسرياً”، لافتاً إلى ضرورة “أن يكون ذلك في معسكرات للاجئين على الحدود ودون الانتشار في داخل الأراضي المصرية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب