نتنياهو يراوغ.. تسوية “أزمة الأسرى” غطاء للتهرب من الجولة الثانية واستبدالها بمرحلة وسطية

نتنياهو يراوغ.. تسوية “أزمة الأسرى” غطاء للتهرب من الجولة الثانية واستبدالها بمرحلة وسطية
الناصره /وديع عواودة
من المرجّح أن تتراجع حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو عن انتهاك الاتفاق وتنفّذ الإفراج المستحق عن 602 أسير فلسطيني قبيل موعد النبضة الثامنة والأخيرة الخميس المقبل، والتي تقتضي بتسليم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أربعة جثامين إسرائيلية. لكن في المقابل، ستستمر بانتهاك اتفاق الإطار بشكل صريح وفظّ مرتين على الأقل.
على خلفية إعلان البيت الأبيض تأييده لتعليق حكومة الاحتلال الإفراج عن الأسرى، واعتباره خطوة “محقة” ردًا على “انتهاكات حماس”، يصل مبعوث الرئيس الأمريكي للمنطقة ستيف ويتكوف، يوم الأربعاء، لمتابعة هذه الأزمة المفتعلة، والنظر، على ما يبدو، في موضوع تمديد المرحلة الأولى، وهو ما يتطابق مع موقف الاحتلال الرافض للشروع في مفاوضات الجولة الثانية المتميزة باستحقاقاتها السياسية المرتبطة بوقف الحرب والانسحاب من قطاع غزة.
في ظل عدم وجود مزاعم مقنعة، إضافة إلى ضغوط الوسطاء وضغوط الشارع الإسرائيلي الراغب بعدم قطع حبل التفاوض والتبادل، من غير المستبعد أن يستجيب نتنياهو لتوصية المؤسسة الأمنية بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين بأسرع وقت ممكن، وربما قبل زيارة ويتكوف، أو قبل موعد النبضة الأخيرة يوم الخميس، تحاشيًا لتبعات تعليق إطلاقهم على الرهائن المتبقّين في غزة، وعلى مستقبل الصفقة بشكل عام. كما أن نتنياهو يكون قد انتهى من تحقيق أطماع شعبوية، وسجّل نقاطًا لدى جمهوره الذي استفزته مشاهد قوة “حماس” وتقبيل الرؤوس والجثة البديلة لبيباس وغيره.
انتهاك متوقع
بيد أن حكومة الاحتلال، كما كان متوقعًا، ستقوم بانتهاك أشد خطورة من خلال مواصلة الاستنكاف عن دخول مفاوضات الجولة الثانية، التي كان يفترض أن تبدأ قبل ثلاثة أسابيع، وكذلك عدم تطبيق استحقاق اليوم الثاني والأربعين المتزامن مع يوم السبت، والقاضي بالانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا).
منذ اليوم السادس عشر للاتفاق، يواصل نتنياهو رفض البدء بمداولات الجولة الثانية، منتهكًا بذلك نص الاتفاق لسببين جوهريين مرتبطين بحسابات إسرائيلية داخلية. نتنياهو، المسكون بجنون العظمة، يرى نفسه “سيّد الأمن” و”تشرشل الإسرائيلي”، ويترأس الحكومة الأكثر تشددًا وقومية في تاريخ إسرائيل، لذا يتهرّب من دفع ثمن الحرب المدمّرة والفاشلة على قطاع غزة، إذ إن الجولة الثانية تنص على وقف الحرب الأطول والأخطر من بين الحروب الإسرائيلية، والانسحاب من القطاع، وهذا يعني إقرارًا رسميًا مدويًا بالخسارة، وهو ما يشكّل تهديدًا مباشرًا لمستقبله السياسي والتاريخي.
كما أن نتنياهو يدرك أن وقف الحرب سيبقي حزب بن غفير خارج الائتلاف، وسيضطر حزب “الصهيونية الدينية” برئاسة سموتريتش إلى الانسحاب هو الآخر من الحكومة، ما يعني انهيارها، ونتنياهو السياسي المخضرم يعمل وفق مقولة “عصفور باليد”.
حاليًا، وبالتزامن مع رفض الدخول للمرحلة الثانية، يطرح نتنياهو شروطًا عالية، أبرزها نزع قدرات “حماس” السلطوية والعسكرية، مهددًا بالحرب من جديد، مستفيدًا من الدعم الأمريكي المعلن لأي خيار يذهب إليه، كما ورد على لسان الرئيس ترامب قبل أيام.
المرحلة الوسطية
في ضوء هذه الحسابات، يحاول نتنياهو تمديد الجولة الأولى من المفاوضات، أو الذهاب لمرحلة وسطية تكسبه ما يحتاجه من وقت، وتبعده عن الجولة الثانية واستحقاقاتها، وفي الأثناء يواصل التلويح بخيار الحرب، مستفيدًا من تهديدات الإدارة الأمريكية و”الشيك المفتوح” الذي تقدمه له.
ومن غير المستبعد أن يطرح نتنياهو فكرة أخرى أشار إليها قبل أيام، متمثلة بالإفراج عن كل الرهائن دفعة واحدة مقابل إطلاق سراح عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين دون التزام، مع ضمانات دولية بوقف الحرب.
“حماس”، المستعدة للتعاون لتسوية “أزمة الأسرى”، والتي تتعامل بحذر مع مناورات نتنياهو، لن ترضى بمقترحات جديدة خارج إطار الاتفاق لا تشمل ضمانات بعدم تجديد العدوان على القطاع.
وتخشى بعض الأوساط الإسرائيلية أن يستغل نتنياهو رفض “حماس” لفكرة “الكل مقابل الكل” لشنّ حرب ثانية على غزة، وتطبيق خطة الجنرالات، كما يقول الصحافي والمعلق حاييم ليفنسون في صحيفة “هآرتس” العبرية، اليوم الإثنين.
إلى متى يهرب نتنياهو من الجولة الثانية؟
في تحليله، يتطرق المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل، إلى أن الولايات المتحدة تدعم السعي لتمديد المرحلة الأولى من الصفقة، وحاليًا نتنياهو مصمّم على إشعال أكبر عدد ممكن من الجبهات، ويطلق تهديدًا جديدًا في الجبهة السورية.
ورغم أن نتنياهو هو من افتعل هذه الأزمة بذرائع واهية، ينوّه هارئيل إلى أن إسرائيل تقدّر أنه يمكن تسوية “أزمة الأسرى الفلسطينيين”، التي يعتبرها ردًا شديدًا من قبل إسرائيل على “مناورة الحرب النفسية” خلال عملية التبادل، يوم السبت الأخير، والتي قال عنها بيان مكتب نتنياهو: “انتهاكات متكررة من جهة حماس، بما فيها طقوس مهينة لكرامة المخطوفين”.
ويشير هارئيل إلى أحداث أخرى شكّلت “منديلاً أحمر” استثمرها نتنياهو لتهييج الإسرائيليين وتبرير وقف الإفراج عن الأسرى والتلكؤ في بدء مداولات الجولة الثانية، ومن بينها توثيق أسيرين إسرائيليين داخل مركبة يشاهدان عملية التبادل يوم السبت، تسليم رفات امرأة فلسطينية بدلاً من رفات شيري بيباس، وضع متفجرات في حافلات إسرائيلية في جنوب تل أبيب.
من جهته، يؤكد المحلل البارز في “يديعوت أحرونوت”، ناحوم بارنياع، أن نتنياهو محق في تشخيصه لـ “حماس” كـ “داعش فلسطيني”، لكنه يخطئ في العلاج، إذ بدلاً من إنقاذ بقية الرهائن، هو يهرب من ثمن المفاوضات.
“القدس العربي”: