الأردن: «جحيم» غزة في طريقه إلى الضفة

الأردن: «جحيم» غزة في طريقه إلى الضفة

بسام البدارين
إعلامي أردني من أسرة القدس العربي
لماذا لا يريد الوزراء الأردنيون منع امتداد الأزمة في قطاع غزة إلى الضفة الغربية؟
سمعت هذه العبارة طوال الأسبوع الماضي على لسان مسؤولين ووزراء عدة مرات، لكن بكل صراحة لا أفهمها بصورة جوهرية وإن كان طبعا مفهوما جدا أن مصالح الأردن شعبا وحكومة تتطلب إذا لم تتحسن الأحوال في الضفة الغربية حصرا بقاء الأمور على الأقل كما هي لأن سيناريو انهيار الوضع القائم في الضفة الغربية سيحرق أصابع الجميع.
ما هو الوضع المريح الذي يريده وزراء الحكومة منا الانتباه له في الضفة الغربية؟
صحيح الوضع في غزة الآن أقرب إلى جحيم لكن الوضع في الضفة الغربية لا علاقة له بجنة ولا باستقرار ولا بأمن، والسبب دوما وأبدا هو نفس المجرم.
للتذكير فقط عاش قطاع غزة 17 عاما في ظل الحصار بلا ميناء ولا مطار. وللتذكير فقط طوال هذه الأعوام كان أهالي القطاع يعيشون نفس ظروف أهالي الضفة الغربية اليوم والمعنى أن الجحيم الغزي في هذه المرحلة الصعبة والحساسة والتاريخية لم ينتج إلا عن رغبة أهالي القطاع بالصمود والمقاومة ولم يسبقه أصلا فترات من النعيم.
غزة كانت قبل جحيم هذه الأيام جحيما أيضا.
كانت غزة سجنا كبيرا مفتوحا ليس بسبب الحصار الإسرائيلي فقط ولكن بسبب مشاركة بعض الأنظمة العربية فيه والصمت عليه.
قلناها ونعيدها: يدفع شعب غزة المقاوم والبطل 3 شهداء على الأقل بدلا من عبوة السائل التي تعالج سعال طفل ولتر المياه الصالح للشرب يدفع ثمنه 20 لترا من الدماء الزكية الطاهرة.
كانت غزة أصلا جحيما وسجنا مفتوحا ولدينا قصص وحكايات موجعة ومؤلمة عن الإذلال اليومي الذي يتعرض له السجين وسط صمت الأوروبي والمجتمع الدولي المتواطئ والأمريكي الذي يمنح العدو المجرم غطاء.
صمت العرب أيضا على هذه المعادلة وعذابات أهل غزة اليومية نازفة، وشعبها قرر الصمود والمقاومة لأن الشقيق قبل العدو يحاصر الغريق هنا.
كانت غزة أصلا جحيما وسجنا مفتوحا ولدينا قصص وحكايات موجعة ومؤلمة عن الإذلال اليومي الذي يتعرض له السجين وسط صمت الأوروبي والمجتمع الدولي المتواطئ والأمريكي الذي يمنح العدو المجرم غطاء
تلك العبارة حول منع امتداد الأزمة إلى الضفة الغربية لم تعد تعني شيئا إطلاقا حتى إذا قالها أي سياسي مع الاحترام للجميع، فالوضع في الضفة الغربية أيضا جحيم لكنه أقل وطأة طبعا من جحيم غزة وإن سار على دربها بالقطعة والتقسيط.
والعدو الذي يقصف اللحم الطري في غزة بقنابل تدميرية دخلت فجأة إلى الخدمة على رافعة وزير الدفاع الأمريكي هو نفسه العدو الذي يحرم أهالي الضفة الغربية من كل أسس وملامح الحد الأدنى من كرامة العيش.
العدو ذاته والفارق بين الضفة والقطاع أن الكومبرادور الفلسطيني والمؤسسات الرسمية في الضفة لا تريد المواجهة بسبب وجود طبقة كبيرة تستفيد من الأمر الواقع، فيما الخيار أمام الأهل في قطاع غزة وحيدا وهو الموت مرة واحدة أو بالتقسيط.
الأهل في غزة يشربون مياها عادمة، والكهرباء ترسل لهم بالتقسيط الممل ومن ربع قرن نسمع المنظمات تتحدث عن وضع كارثي في غزة.
ما هو الفارق بصورة محددة بين الكارثة والجحيم؟
أتطوع للإجابة افتراضا على هذا السؤال وأرى بأن الفارق هو حصرا يؤشر على أن الدماء التي تسقط في غزة اليوم لا علاقة لها بتفكيك الحصار ولا بإنشاء مطار ولا بالمقاوم المغوار بقدر ما لها علاقة فعلا وحقا بتحول استراتيجي بدأ ينتج قياسات مستجدة تحت عنوان تحرير الديار.
الأسطوانات التي تتكرر هنا وهناك على لسان مسؤولين مع الاحترام ينبغي أن تتوقف، فالأزمة لن تصل إلى الضفة الغربية لأنها وصلت أصلا والمدينة لم تحترق لأنها احترقت.
وكل ما في الأمر أن العدو الآن يستفرد بأهالي القطاع سعيا إلى تهجيرهم قسرا ووضع كتلة ديمغرافية كبيرة منهم في حضن مصر، أما جولته الثانية فحتما هي تطبيق السيناريو نفسه في الضفة الغربية لدفع الشعب الفلسطيني لهجرة قسرية في اتجاه أرض الحشد والرباط.
تلك الحدود في منطقة الأغوار مع العدو التي ترفض السلطات الأردنية السماح للشعب بالتعبير رمزيا عن موقفه فيها هي الحدود نفسها التي يريد بنيامين نتنياهو ضمها.
الإسرائيلي هو الذي يعبث بالأغوار مع الأردن، وهو الذي يمهد لتغيير المعادلة والتهجير القسري بالسياج الشهير قبل قصف أطفال غزة. وبالتالي القول بأن منطقة الحدود خارج التفاعل في الأغوار يحتاج لمراجعة لأن صوت حناجر الأردنيين بصورة منتظمة ومنظمة تقدر حساسيات الدولة الأمنية هو الورقة الرابحة لدعم وإسناد الدولة الأردنية وليس العكس.
لا شك ولا شكوك بأن منطقة الأغوار ينبغي أن تنضبط حتى لا يستثمر العدو في أي مشكلة.
لكن لا شكوك بالمقابل بأن تمكين المجرم من تنفيذ أجندته في جحيم غزة سيعني بالضرورة بأن ذلك الجحيم في طريقه للضفة الغربية ويخطط له لكي يعبر النهر، هل نستيقظ يا قوم؟
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»