«ننام مع بعض كي نموت سوياً» هذا واقع حياة المواطنين في غزة

«ننام مع بعض كي نموت سوياً» هذا واقع حياة المواطنين في غزة
إسماعيل عبدالهادي
تعد ساعات المساء من أصعب الأوقات التي باتت تؤرق حياة السكان في غزة، حيث أن القصف المركز والعنيف يشتد مع حلول الليل أكثر من ساعات النهار، فهناك أكثر من 45 ألف عائلة من مناطق مختلفة من وسط وشمال قطاع غزة، يقضون جل أوقات النهار في بيوتهم، ولكن مع بدء حلول ساعات الليل تنزح هذه العائلات إلى المستشفيات والمرافق الصحية الأخرى، كونها أماكن شبه آمنة بعد أن تعرضت مرافق الأونروا للقصف وباتت غير آمنة للمواطنين. فأهالي القطاع مجمعون على فكرة واحدة، وهي أن يناموا مع أبنائهم جميعاً في نفس الغرفة، حتى إذا نزلت قذيفة على البيت يموت كل أفراد العائلة معاً، كي لا يبقى أحد حياً ويتحسر على أحد، فالقصف العشوائي والمفاجئ لمئات المنازل واستهداف من فيها، شكل حالة من القلق والخوف في نفوس الناس الذين يهابون من حالة الفقد التي تعاني منها المئات من العائلات في غزة جراء إصابة صواريخ الاحتلال المواطنين ما بين شهداء وجرحى ومفقودين.
وتستخدم إسرائيل خلال عدوانها المدمر على قطاع غزة قذائف الفسفور المحرمة دولياً، وتتعرض مناطق واسعة من القطاع إلى استهداف متعمد خاصة خلال ساعات الليل بالقذائف التي تطلقها المدفعية والبوارج الحربية وتحدث حرائق كبيرة وحالات اختناق لمن يتعرضون لها، وهذا ما دفع بالعائلات إلى احتضان بعضهم البعض خلال ساعات النوم، حيث يحل الظلام وتبدأ الطائرات الإسرائيلية بعمليات القصف العشوائي والمدمر للمنازل وللأحياء السكنية، ويبدأ التوتر والقلق يخيم على نفوس المواطنين.
مجزرة هنا وهناك
وتفرز الحرب ظروفا نفسية قاهرة على المواطنين، من جراء سياسة القصف المستمر من قبل طائرات الاحتلال للمنازل المأهولة بالسكان دون سابق إنذار، كما أن المجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق المواطنين، تزيد من وتيرة القلق والخوف لدى المواطنين، الذين يستفيقون في كل ساعة على خبر مجزرة هنا وهناك، وسقوط العشرات من الشهداء دفعة واحدة بفعل شراسة وقوة القصف ضد المدنيين، إلى جانب استمرار الجيش في بث رسائل ضمن الحرب النفسية التي ينتهجها بحق المواطنين، ومطالبتهم بمغادرتها تمهيداً لتدميرها.
ووفق جهاز الدفاع المدني في غزة، فإن هناك أكثر من 1400 مواطن مفقودين تحت ركام المنازل المدمرة في مناطق متفرقة من قطاع غزة، تجد الطواقم صعوبة كبيرة في استخراجهم نتيجة عدم وجود معدات كبيرة تساعد في نقل الركام والبحث عن المفقودين، إلى جانب استمرار القصف العنيف والعشوائي على كافة مناطق قطاع غزة، حيث يناشد الجهاز بضرورة توفير جهود خارجية عاجلة للمساعدة في البحث عن جثث المفقودين ومحاولة إنقاذ من هم على قيد الحياة، خاصة بعد استهداف الطائرات الحربية مقرات جهاز الدفاع المدني في غزة، وتدمير عدد من عربات الإطفاء والمعدات الخاصة بعمليات الإنقاذ.
الضغوط النفسية
في أحاديث منفصلة لمراسل «القدس العربي» عبرت عائلات تمكث داخل مجمع الشفاء الطبي عن ألمها الشديد من الحال الذي وصل إليه المواطنون في قطاع غزة، من جراء سياسة التهجير والقصف المتعمد من قبل الطائرات والمدفعية لمنازل المواطنين، وتخاذل الدول الغربية مع حالة الاضطهاد والتطهير التي تمارسها إسرائيل بحق المدنيين في كافة مناطق قطاع غزة.
عواد الهندي، يمكث برفقة زوجته وأطفاله الثمانية داخل مجمع الشفاء الطبي في وضع كارثي هو الأسوأ على الإطلاق بحد وصفه، حيث اضطر إلى النزوح بعد تعرض حي الشيخ رضوان مسقط رأسه لدمار واسع، وعودة الطائرات خلال ساعات الليل لتدمير الشوارع في الحي وما تبقى من بنايات سكنية، محدثاً دماراً كبيراً وحالة من الرعب الشديد في نفوس أفراد العائلة.
ويلجأ الهندي إلى احتضان أفراد عائلته تحسباً من فقدان أي منهم والتحسر عليهم، إلى جانب محاولة تخفيف الضغوط النفسية التي يتعرض لها أطفاله من حجم الدمار وأصوات القصف العنيف الذي يزلزل منازلهم، فالواقع داخل المستشفى صعب للغاية، ومئات العائلات تقضي ساعات الليل داخل أروقة مجمع الشفاء هرباً من القصف والدمار العشوائي للمناطق، ومع طلوع الفجر يعودون لتفقد المنزل وجلب الاحتياجات من ملابس وغيرها.
حسن طه، يرفض الخروج من منزله بعد مشاهدة الأوضاع المؤلمة لحياة النازحين داخل المستشفيات الحكومية وبعض المراكز الصحية التابعة للأونروا، فهو يمكث داخل غرفة محصنة من بيته برفقة أفراد عائلته وبعض النازحين من أقاربه، وإن حصل أي قصف مباشر لا أحد يفقد أحدا من العائلة ويكون الموت للجميع، إذ بات هذا حال حياة المواطنين في غزة.
185 ألف نازح
انسحبت الأونروا من كافة مدارس شمال ووسط مدينة غزة، وتركت أكثر من 185 ألف نازح بلا خدمات في وضع إنساني صعب للغاية، حيث نقلت كافة خدماتها إلى مناطق جنوب قطاع غزة، بعد أن بثت إسرائيل رسائل وألقت طائراتها مناشير تطالب كافة سكان مدينة غزة بالتوجه إلى جنوب القطاع، لكن السكان لم يستجيبوا لمطالب الجيش، وما زال البعض يمكث داخل المدارس بلا خدمات، هرباً من القصف العشوائي الذي تمارسه الطائرات على الأحياء السكنية، إلى جانب توجه البعض الآخر إلى المستشفيات من دون خدمات أيضاً.
ووفق صحيفة «هآرتس» فإن أوساطاً إسرائيلية واسعة تطالب بالانتقام وتبدو جائعة لإشباع غريزتها بالانتقام على خلفية كونها جريحة ونازفة في قوتها وهيبتها وصورتها بعيون مواطنيها وأعدائها. وأضافت الصحيفة أن هناك عدة مسارات أمام إسرائيل للتعامل مع ما يجري، لكن هناك معضلة تواجه إسرائيل وهي أنّها تقاد اليوم من قبل حكومة قادتها غير صالحين ليكونوا وزراء خاصة في أوقات الحرب، صحيفة «يديعوت أحرونوت» قالت إنّ الصدمة كبيرة وإن الضربة تنطوي على إهانة ومذلة وإنها يوم غفران ثان، وبعد خيار المفاوضات السياسية أو الضرب عن بعد، يبدو أن هناك حملة برية هدفها القضاء بشكل كامل على حركة حماس، لكن ذلك يتطلب أن تكون العملية مدروسة، حتى لا نقع في مصيبة أخرى خاصة وأن حماس تمتلك المزيد من المفاجآت لإسرائيل.
ويواصل الجيش الإسرائيلي شن غارات عنيفة ومتواصلة على مناطق متفرقة من قطاع غزة، حيث ينفذ سياسة الأرض المحروقة وعمليات إبادة جماعية ضد كافة مناطق قطاع، حيث تستهدف الطائرات المدنيين النازحين داخل مدارس الأونروا، إلى جانب تدمير الآلاف من البيوت السكنية، عدد كبير منها تم تدميرها على رؤوس ساكنيها، حيث تتعمد إسرائيل خلال الحرب ايقاع أكبر عدد من الشهداء في صفوف السكان المدنيين، للتغطية على الفشل الذريع الذي تتعرض له.
يشار إلى أن أعداد الشهداء تتصاعد بشكل كبير ولا يمكن حصرها، نتيجة ارتقاء المئات في كل ساعة خلال اليوم الواحد، إلى جانب وجود الآلاف من الشهداء تحت أنقاض المنازل المدمرة، وهذا ما يرجح وصول أعداد الشهداء إلى أرقام خطيرة، بفعل سياسة التدمير والقصف العشوائي، وارتكاب المجازر الدامية بحق المدنيين العزل في كافة مناطق قطاع غزة.