الأنظار تتجه إلى الدوحة لتحريك ملف مفاوضات الأسرى والسلطات تشترط وقف التصعيد
الأنظار تتجه إلى الدوحة لتحريك ملف مفاوضات الأسرى والسلطات تشترط وقف التصعيد
الدوحة ـ سليمان حاج ابراهيم
تستكمل قطر جهودها في مجال الوساطة التي تقودها منذ سنوات، وهذه المرة لتحقيق اختراق في ملف الأسرى بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، مع التأكيد على ضرورة تحقيق المطالب المشروعة للشعب المحاصر في قطاع غزة ووقف كافة أشكال التصعيد.
وتوالت من العاصمة القطرية الدوحة التصريحات الرسمية من المسؤولين القطريين والدوليين حول موضوع الأسرى، خصوصاً وأن عددا من الدول الأجنبية تطلب دعم الدوحة لإطلاح سراح رعاياها الذين يحملون أيضاً الجنسية الإسرائيلية. وتكشف العديد من التقارير أن الوساطة القطرية أصبحت أكثر إلحاحاً ورهان العديد من الدول، بعد ما تأكد فشل سلطات الاحتلال الإسرائيلي في عمليات الإنقاذ العسكرية، وصارت في حكم المستحيل، بعد أن باءت بالفشل العديد من محاولات التوغل البري. وانخرطرت قطر مباشرة بعد العملية العسكرية التي نفذتها حركة حماس في 7 تشرين الأول/اكتوبر في مسار محادثات للإفراج عن مواطنين أجانب هم في عهدة حركة المقاومة. وتستند الدوحة على إرث واسع من الوساطات العديدة الناجحة التي قامت بها سابقا وتكللت بالإفراج عن رعايا غربيين في دول مختلفة.
فشل محاولات الإنقاذ العسكري
أشارت العديد من التقارير التي نشرتها وسائل إعلام دولية، نقلاً عن خبراء عسكريين، أن دولا عدة تأكد لديها أنه ما من فرص لاستعادة رعاياها في غزة من دون المرور عبر طاولة مفاوضات، وحتماً ستكون من خلال الدوحة، التي تقود جهوداً في هذا السياق.
وكشفت مصادر أن الولايات المتحدة طلبت من قطر التوسط للإفراج عن «المحتجزين» لدى حركة حماس في غزة بعد ما تأكدت أن الإنقاذ العسكري مستحيل، وتأكد لديها أيضاً وجود أخطار كبيرة على حياة الرعايا العسكريين والمدنيين في حال حدثت محاولة للإفراج عنهم بالقوة. وتسعى قطر للتحرك في هذا الإطار بما لديها من أوراق قوة، وخبرة، ودراية بمجال التفاوض، وتستند على إرث سابق من وساطات مختلفة نجحت فيها. وتشير التصريحات الرسمية الصادرة من الدوحة أن الجهود القطرية في الوساطة لإطلاق سراح الأسرى مستمرة، رغم تعقد هذه الخطوات بسبب تصاعد الغارات الإسرائيلية الجوية، والتوغل البري لقوات الاحتلال في قطاع غزة. وتؤكد قطر أن ارتفاع عدد الضحايا بين المدنيين يستدعي الوقف الفوري لإطلاق النار. ومؤخراً صرح الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، أن فتح معبر رفح بشكلٍ دائمٍ يعد ضرورة لضمان تدفُّق قوافل الإغاثة والمساعدات الإنسانية للأشقاء الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة. واستقبل رئيس الدبلوماسية القطرية مؤخراً عدداً من المسؤولين والدبلوماسيين، وتحديداً من الدول التي لديها رعايا في غرة ويحملون الجنسية الإسرائيلية أيضاً، للتباحث مع الدوحة لإطلاق سراحهم. وكشف الدكتور ماجد الأنصاري مستشار رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الناطق باسم الخارجية القطرية، في رده على سؤال «القدس العربي» عن موضوع الأسرى، أن الوساطة التي تقودها الدوحة مستمرة، ولن تتوقف طالما هناك فرصة لخفض التصعيد وحماية المدنيين، وصون أرواح الناس في غزة، وإنقاذهم من التصعيد الذي يواجهونه بسبب الجرائم الإسرائيلية المرتكبة. وشدد الأنصاري، أن الدوحة تبذل جميع المساعي الممكنة مع مختلف الأطراف، للوصول إلى تهدئة في غزة تنقذ أرواح المدنيين، والدمار الذي يشهده القطاع، مع التصعيد الإسرائيلي.
وكشف مسؤولون في الدوحة، أن دولة قطر تعمل في ظل وضع شديد التعقيد على الأرض من أجل خروج آمن للمحتجزين بالتنسيق مع مختلف الأطراف التي يمكن أن تساهم في هذا الجهد، مع مخاوف من استمرار التصعيد وعدم تحقيق نتائج، وهو ما يساهم في سقوط المزيد من المدنيين، في الحرب الشاملة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وترى الدوحة أن هذا الالتزام هو مسؤولية، حيث أن استمرار التصعيد وعدم تحقيق نتائج للوساطة يساهم في سقوط المزيد من المدنيين، كما أن الأحداث الحالية في غزة مختلفة عن التطورات والتصعيد السابق، وهي «حرب شاملة».
ويشدد المسؤولون القطريون خلال لقاءاتهم مع نظرائهم الأجانب، أن نجاح الوساطة يتطلب تهدئة في غزة، ووقف القصف المكثف، والعمليات الإسرائيلية. وقال الدكتور ماجد الأنصاري، أن الوساطة التي تقوم بها قطر للإفراج عن الأسرى، يجب أن يصاحبها خفض التصعيد في قطاع غزة حتى تنجح.
تفاؤل قطري حذر
تشير تصريحات المسؤولين القطريين، أن المسار التفاوضي بالرغم من المطبات التي تعيقه، وتحديداً بسبب التصعيد الإسرائيلي، ما يزال في اتجاهه الصحيح، مع آمال أوسع بنجاحه.
ومؤخراً أكد المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية القطرية قائلاً: «نحنُ مُتفائلون بنجاح الوساطةِ القطرية لخفض التصعيد وضمان حماية المدنيين في غزة، لكننا ندرك أن التعقيدات على الأرض كبيرة جدًا، وتصعب عملنا، لكن قنوات الاتصال مفتوحة والاتّصالات جارية مع جميع الأطراف المعنية».
طلبات غربية للتوسط
تتلقى قطر المزيد من الطلبات من دول مختلفة للدخول كوسيط في مسار إطلاق سراح رعاياها، والتواصل مع قادة حماس، حيث يقيم عدد منهم في العاصمة الدوحة، ويديرون نشاطهم.
وتوالت في الفترة الأخيرة زيارات العديد من المسؤولين من حكومات تسعى جاهدة للحصول على الدعم القطري، والمساهمة في حل الموضوع.
ومؤخراً طلب أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي من الحزبين، من قطر المساهمة للتوسط في الإفراج عن الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في غزة.
ووصف منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي الوساطة القطرية لإطلاق سراح المحتجزين لدى حماس بأنها مفيدة. وأكد كيربي استمرار النقاشات في هذا الصدد.
صفقة شاملة
تكشف تسريبات مختلفة لم تتأكد بعد رسمياً، أن قطر تسعى للوصول إلى صفقة شاملة تسمح بإطلاق سراح جميع من أسرتهم المقاومة الفلسطينية وهم قرابة 250 إسرائيليا خلال عملية «طوفان الأقصى» التي أطلقتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس في السابع من تشرين الأول/اكتوبر الماضي، مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين. في حين تشير تسريبات أخرى أن الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية سيكون مقابل إطلاق سراحهم إنهاء التصعيد الإسرائيلي، وكافة أشكال الحصار المفروض على غزة وفتح المعابر.
ضغوط داخلية لوقف التصعيد الإسرائيلي
أدت محاولات سلطات الاحتلال الإسرائيلي تكثيف تصعيدها على قطاع غزة، والجرائم المرتكبة في محاولة لتحقيق نتائج تغطي على الفشل الذي منيت به مع انطلاقة عملية «طوفان الأقصى» إلى تعقد مسار إطلاق سراح مواطنيها في غزة، ووفاة بعضهم بسبب القصف المكثف. وتواجه حكومة بنيامين نتنياهو ضغوطاً وأزمات متعددة بسبب نهجها التدميري، وتصعيدها في غزة، وهو ما تسبب في وقوع خسائر كثيرة، وعدم تحقيق أي نتيجة على أرض الواقع، خصوصاً أن الاجتياح البري وما سبقه من خطوات لم يحقق أهدافه فعلياً.
وتلقت الحكومة الإسرائيلية انتقادات واسعة، خصوصاً أن الأهالي يخشون على سلامة ذويهم بسبب التصعيد الذي تقوم به قوات الاحتلال ما يعرض حياتهم للخطر.
وأحرجت تصريحات الرهينتين اللتين أطلقت حماس سراحهما حكومة الاحتلال، بعد تأكيدهما على المعاملة الحسنة التي يجدها الأسرى، وكانت مخاوفهم كلها تتمحور حول إمكانية وفاتهم بسبب القصف الإسرائيلي.
خبرة في الوساطة
تستند قطر في تحركاتها الأخيرة لإنهاء ملف الأسرى والتوصل إلى تفاهمات بين الأطراف، على إرث من التجارب السابقة في عدد من الملفات المختلفة، حيث ساهمت من قبل في إطلاق سراح العديد من المحتجزين والأسرى والسجناء في دول عدة، في لبنان وسوريا وإيران، وغيرها.
كما تمكنت الدوحة من تحقيق اختراق في مفاوضات الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان، توجت باتفاق أنهى الاحتلال وساهم في مغادرة القوات الأجنبية من كابول.
«القدس العربي»: