ماذا يمكن للسلطة الفلسطينية أن تفعل؟
محمد ياغي
لم يشهد التاريخ الفلسطيني منذ مائة عام حرباً بهذه الوحشية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
لم يحدث أن تم استهداف المدنيين بهذه الهمجية والقسوة والبشاعة حتى في حرب العام ١٩٤٨ التي نصفها جميعاً بالنكبة.
كانت هناك مذابح وتنكيل بالفلسطينيين بكل الطرق لكنها لم تكن بهذا الحجم وبهذا الصلف حيث يتم قتل المدنيين وتدمير المستشفيات والمدارس والمساجد والأحياء السكنية ومراكز الإغاثة على رؤوس الفلسطينيين، وحتى الذين يفرون من أماكن القصف الجوي تجري مطاردتهم وقتلهم في الشوارع.
هذه معركة تختلف عن جميع المعارك السابقة، ونتيجتها ستحدد مستقبل القضية الفلسطينية وشكل الصراع مع إسرائيل لعقود قادمة.
يجب ألا يتوهم أحد بأن هزيمة المقاومة في غزة ستفضي إلى حل سياسي، ولكنها ستفضي إلى ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية والى تهويد القدس العربية وربما إلى تهجير الفلسطينيين منها.
القضية الفلسطينية في خطر كبير وبمستوى هذا الخطر يجب أن تكون مواقف السلطة الفلسطينية، فالتاريخ سيسجل هذا لها بما فيه من نجاحات وإخفاقات.
وهنا من الممكن الإشارة إلى عدد من الخطوات التي يمكن للسلطة الفلسطينية اتخاذها دون أن تدخل في صراع مسلح مع إسرائيل كما فعل الراحل عرفات، وهذه الخطوات لا تتطلب منها جهداً خارقاً ولا مصادر مالية لا تتوفر لها، فهي جملة من الخطوات والإعلانات السياسية التي تعزز فيها مواقفها ومواقف المقاومة وتساعد على حماية شعبها:
أولاً، إن من الضروري جداً أن تعلن السلطة الفلسطينية أنها لن تقوم بالعودة إلى غزة إذا ما نجحت إسرائيل في احتلالها وتمكنت لا سمح الله من تصفية المقاومة فيها، وأنها لن تقبل حتى المشاركة في إدارتها مع أي جهة عربية أو أممية.
من المهم الإعلان عن هذا الموقف وبسرعة لأن هذا يساعد على وقف العدوان والجرائم التي يرتكبها الاحتلال في غزة.
إذا أدركت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة وأوروبا أن السلطة الفلسطينية لن تقوم بإدارة غزة بعد كل هذا الدمار والإجرام الذي ارتكبته وترتكبه إسرائيل في غزة، فإن هذا على الأغلب سيساعد على وقف الحرب بأسرع مما هو مخطط له حتى لا تتورط إسرائيل في إدارة غزة.
إن موقفاً كهذا معلناً وصريحاً سيؤدي إلى قطع الطريق على الأمم المتحدة والدول التي ربما تفكر في أن تكون شريكه في إدارة غزة.
إن كل يوم نختصره من هذه الحرب، يؤدي إلى إنقاذ خمسمائة طفل وامرأة ومدني فلسطيني لا ذنب لهم إلا أنهم هُجروا من بيوتهم في العام ١٩٤٨ ولحقهم الاحتلال بالقتل الأعمى حتى داخل مخيمات لجوئهم.
ثانياً، هذه ليست حرباً على “حماس”، هذه حرب على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وحتى في كل مكان من العالم بعد أن أعلنت بعض الدول حظرها للتظاهرات الفلسطينية أو نشر جرائم الاحتلال في غزة على حسابات تواصلهم الاجتماعي.
إن الإعلان أن هذه الحرب هي حرب على الشعب الفلسطيني سيجبر الإعلام الغربي على التعاطي معها كما هي كحرب على هذا الشعب العظيم الذي تحمّل ما لم يتحمله أي شعب آخر، وسيجبر الدول الغربية على التوقف عن الاختباء وراء مقولة إن هذه حرب على حركة “حماس” وليس على الشعب الفلسطيني حتى يبرروا لأنفسهم الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة، ومع توقف هؤلاء المتآمرين عن كذبهم فإن وقف الحرب يصبح ممكناً أكثر.
بل إن ذلك سيساعد على فرض أجندة لحل القضية الفلسطينية بشكل عادل على أجندة أميركا والغرب خصوصاً بعد هذا الزخم العالمي غير المسبوق في التضامن مع الشعب الفلسطيني.
ثالثاً، من غير المقبول أن يتوحد المجرمون في إسرائيل لقتل الشعب الفلسطيني بينما ما زال الفلسطينيون منقسمين على أنفسهم.
إن حماية غزة وشعبها والمقاومة الفلسطينية تتطلب الإعلان عن تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون فيها “حماس” وفصائل المقاومة الأخرى جزءا منها.
لا أحد في فصائل المقاومة يريد مشاركة السلطة الآن في عملها، لكن وجودها الاسمي يساعد على إحراج الغرب وإسرائيل ويُسرع من مسار وقف إطلاق النار أيضاً بعد أن يدرك الغرب أن الفلسطينيين موحدون وأنه لا وجود لفلسطيني “جيد” وآخر “سيئ” وفق توصيفهم وتقسيمهم للفلسطينيين.
الفلسطينيون موحدون في حقهم بالمقاومة وبكل الوسائل كما كفلتها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهم موحدون في مطالبتهم بإنهاء الاحتلال وحق تقرير المصير، وهم موحدون في مشاعرهم وفي وقوفهم إلى جانب بعضهم البعض.
إن اتخاذ هذه الخطوات سيقطع الطريق على كل الذين يأتون إلى رام الله وفي نيتهم جس نبض قيادة السلطة بشأن مشاريعهم السياسية الخبيثة، وهذا أيضاً سيقرب السلطة من شعبها، وسيسجل لها في كتب التاريخ.
يجب ألا يتوهم أحد أن هزيمة المقاومة في غزة ستفتح الطريق أمام حل سياسي.
هزيمة المقاومة ستفتح الطريق أمام الاستسلام، فالمنتصر سيملي شروطه ولن يفاوض وتحديداً إذا كان المنتصر هو دولة تقتل الأطفال والنساء بالآلاف دون يَرفَ لها رمش.
يجب ألا يتوهم البعض بأن هزيمة الفصائل المقاتلة في غزة ستنهي ظاهرة المقاومة فما قامت به إسرائيل من قتل بهذه الوحشية لن يغفره الفلسطينيون ولن ينسوه وسيكون هنالك أعمال انتقام تمتد لسنوات على خلفية هذه الجرائم.
هذه لحظة فارقة في تاريخ الشعب الفلسطيني تتطلب من الفلسطينيين جميعاً أن يكونوا بحجم المسؤولية التي ألقاها التاريخ على كاهلهم، وهي مسؤولية حِملها أقل بكثير مما هو ملقى على المقاومين والمهجرين وعلى العائلات التي تركت أطفالها تحت الركام.