«سداسية عمان» أخفقت في إيجاد حل لغزة… ما الدلالات والنتائج؟
«سداسية عمان» أخفقت في إيجاد حل لغزة… ما الدلالات والنتائج؟
عمان / بسام البدارين
لا أحد عند تتبع المشهد السياسي والدبلوماسي الأردني يمكنه أن يوجه اللوم لوزير الخارجية النشط أيمن الصفدي وهو يتوجه بكلمات «خشنة» عملياً لزميله الأمريكي أنتوني بلينكن في عمان العاصمة بحضور 5 من ضيوفه وزراء الخارجية العرب.
الأردن خطط جيداً في «أفضل استثمار» ممكن لوقوف بلينكن مجدداً على محطته أملاً في تحريك المياه الراكدة، وحصراً في المسار المتعلق بالغطاء والتفويض الكبير الذي بدأ يقلق العواصم العربية وتمنحه الإدارة الأمريكية الحالية القصف والعدوان الإسرائيلي الوحشي على المدنيين في قطاع غزة.
مقابل الخشونة التي شوهد الصفدي يعبر فيها عن خذلان بلاده عملياً، برزت تلك الجملة التي تتميز ببرود سياسي شديد عند الوزير بلينكن، مما أخرج كل اللقاء السداسي ليس عن الآمال في أن يحقق شيئاً ولو نسبياً على مقدار هدنة إنسانية لأسباب تتعلق بالإغاثة والمساعدات الطبية، ولكن أيضاً على أساس المنطق والمضمون السياسي، فبادرت تلك الالتقاطات الأردنية في الشارع والوسط السياسي الأردني لاستخدام ما ورد في بيانات المراجع الشيعية العراقية في وصف بلينكن قبل أن تهبط طائرته في بغداد باعتباره «وزيراً للحرب في الكيان الصهيوني».
الوزير الأردني قال في تصريحات تميزت بالجرأة ووجهاً لوجه ورغم أنه المضيف، إن عملية القتل وحرب الإبادة وجرائم الحرب يجب أو ينبغي أن تتوقف. وقال أيضاً موجهاً عينيه في خطاب مباشر لضيفه الأمريكي، إن القول بأن إسرائيل تنفذ من كل قرارات الشرعية الدولية أيضاً يجب أن يتوقف.
ولم يقف الصفدي عند هذا الحد في لغة التعاطي مع الإعلام والكاميرات، بل أوضح صراحة أن مباحثات بلينكن مع السداسي العربي ظهر فيها تباين في المواقف. ولعل المقصود هنا التباين الأكبر في المساحة الضيقة المرتبطة بتفسير عبارة «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها». وهنا ألمح الوزير الصفدي إلى أن هذا الحق ينبغي أن يراقب بطريقة أو بأخرى.
«خبراتكم غير مطلوبة»… «برودة» بلينكن مع «خشونة الصفدي»
خلف الستار، سأل وزراء عرب بلينكن عن ما إذا كان تصور إدارته لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها يشرعن قتل المدنيين الفلسطينيين وقصف المخابز. والخلافات كانت بالجملة داخل ذلك الاجتماع. وقوى الشارع الأردني استقبلت الضيف الأمريكي بلافتة تقول: «لا أهلاً ولا سهلاً». بكل حال، قابل الوزير الأمريكي ببرودة شديدة وزراء الخارجية العرب الستة. وبينهم وزراء خارجية دول كبيرة مثل مصر والسعودية مع ممثلين لمنظمة التحرير «تم إخفاء أسمائهم في البيان الرسمي» بعبارات معلبة كرر فيها ما يقوله في واشنطن وفي لجان الكونغرس، وأيضاً في تل أبيب متحدثاً عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وعن تحفظ بلاده على مبدأ وقف إطلاق النار لكيلا تستفيد منه حركة حماس كما يزعم. ثم أطلق سلسلة من التعبيرات التي اعتبرها أعضاء في برلمان الأردن أصلاً سمجة وسطحية وهو يتحدث في الإنسانيات ومحاولات الضغط على الإسرائيليين لتأسيس هدنة إنسانية الطابع.
بالنتيجة وبالخلاصة، أخفقت سداسية عمان تمام الإخفاق وبصورة علنية وإعلامية في تحقيق أي تغيير أو تقدم على الأقل في لهجة الأمريكيين. وبدا أن الإدارة الأمريكية تماماً تضرب عرض الحائط بكل تلك المحاولة التي كانت بمثابة محاولة أخيرة لأصدقائها وحلفائها العرب للخروج بملاذ ما من الأزمة التي يضع فيها المنطقة القصف الإسرائيلي الوحشي.
إن رفض ممثلي اللقاء السداسي لعمليات القتل غير الشرعية وتهجير المدنيين لم يقنع بلينكن بإظهار ولو حد أدنى من المجاملة، والتفهم لا لمضيفه الأردني ولا لوزراء خارجية عرب. وهذا يعني أن تلك المحطة أخفقت في إحداث أي اختراق من أي صنف للجدار الأمريكي الذي يأخذ شكل تغطية شاملة تفاجئ حتى العواصم العربية الحليفة لواشنطن لسلوك الإسرائيليين. وهو أمر بدأ يزعج حتى وزراء الخارجية العرب وحكوماتهم. ولم يعد يلتقطه الشارع فقط ليعتبره حجة ضد النظام الرسمي العربي، فقد نشرت عبر منصات التواصل فوراً تلك التغريدات التي ترى بأن بلينكن أهان العرب والحكومات العربية في عمان. وإن أحداً يبدو أنه لا يستطيع إقناع الحليف الأمريكي بالحد الأدنى من الإنصاف أو حتى الإصغاء للخبرة المصرية والأردنية العتيقة في ملف الصراع مع إسرائيل.
يعبر على نحو أو آخر ما حصل أمام الكاميرات في مؤتمر صحافي عقب اللقاء السداسي مع بلينكن عن تلك الأزمة التي يعيشها النظام الرسمي ودول معسكر الاعتدال العربي حالياً. ويكشف مصدر مسؤول بارز النقاب عن أن مشكلة دول مثل الأردن اليوم والسعودية وحتى قطر، تكمن في ألاعيب الحكومة المصرية، وفي موقف الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفي عدم ظهور الاستراتيجية التي يريدها الرئيس محمود عباس أيضاً خلافاً طبعاً للدور الإماراتي المعرقل لأي صف عربي موحد.
لقاء عمان السداسي خرج من سياقه وأصبح حجة عملياً على وزراء الخارجية العرب، لا بل أظهر بالدليل المباشر وأمام الميكروفونات والكاميرات، عجز الدبلوماسية العربية التام عن إحداث أي تغيير في لهجة الأمريكيين وغطائهم مادام الإسرائيلي لا يرد على هاتف أي وزير عربي حتى الآن.