مقالات

هل حان وقت الانسحاب من الجامعة العربية؟

هل حان وقت الانسحاب من الجامعة العربية؟

ناصر جابي

كاتب جزائري

سؤال مطروح في كل المنطقة العربية بين المواطنين البسطاء والنخب، كما عبرت عنه زعيمة حزب العمال في الجزائر، التي طالبت بانسحاب بلدها من هذه المؤسسة العربية، التي فقدت كل شرعية لها، أمام هذا الواقع المفجع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني في غزة، من دون قدرة على الحركة، حتى بشكلها البسيط الذي تعارفنا عليه في السابق، من احتجاج لفظي وتهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية والسعي لدى المؤسسات الدولية لشرح موقفنا للحصول على الدعم.
أشكال احتجاج وحتى نوع من التضامن كانت حاضرة في سبعينيات القرن الماضي، كما حصل بعد حرب أكتوبر 73، لم يعد من الممكن في الوقت الحالي التفكير فيها مجرد تفكير، بعد أن آلت الأوضاع على المستوى العربي الرسمي إلى هذا الهوان الذي نعيشه، ونحن نشاهد على المباشر هذا العدوان الهمجي على الشعب الفلسطيني في غزة. فقد انتظرت الجامعة العربية مرور أكثر من شهر، بكم الفواجع التي حصلت فيه، من قتل للأطفال وتدمير للمستشفيات، لكي تعلن أخيرا تنظيم مؤتمر قمة في بلد الحرمين، مؤتمر قمة لم يخرج بأي قرار عملي يساعد أهلنا في غزة، إذا استثنينا الكلام العام الذي زاد منسوب عموميته، هذه المرة بعد قرار دمج المؤتمر الإسلامي مع مؤتمر القمة العربي، نظرا للعلاقات الأكثر من ودية التي يملكها الكثير من دول المؤتمر الإسلامي مع الولايات المتحدة وإسرائيل. على منوال حال المطبعين في المنطقة العربية نفسه، المعلنين والمستترين.

معركة سياسية ودبلوماسية سيكون الفلسطينيون في حاجة إلى دعم الحركات الاجتماعية والشعبية التي بدأت في البروز بقوة على مستوى العالم لكسبها

على الرغم من أنني أجزم أن المواطن في هذه المنطقة العربية غير راض تماما عن طريقة عمل هذه المؤسسة، التي فقدت أسباب بقائها منذ سنوات، لتكون حرب إسرائيل على غزة، الضربة القاضية لهذا التجمع السياسي، الذي يطالب الكثير من القوى السياسية في الجزائر بالانسحاب منه، لتكون بذلك في تطابق تام مع المزاج السياسي السائد لدى الرأي العام الوطني الجزائري، الذي لا أعتقد أنه مختلف عما هو سائد عربيا، على الرغم مما قد يوصف به هذا الإجراء من رمزية لم تبق إلا هي بين أيدي المواطن للتعبير عن رأيه، بعد فشله في تغيير مواقف أنظمته السياسية، حتى في أبعادها الرمزية والمؤقتة، كما كان حال طلب سحب السفراء بالنسبة للدول العربية المطبعة، أو قطع العلاقات مع إسرائيل الذي أصبح بعيد المنال لدى الكثير من الشعوب العربية، في هذه الدول المطبعة التي ازداد عددها بعد موجة التطبيع الثانية. بالطبع الوضع ليس أحسن حالا في الدول غير المطبعة التي ما زال أقصى ما يطمح المواطنون فيها الخروج في مسيرات أسبوعية، للتعبير عن تضامنهم مع أطفال غزة، للعودة إلى ديارهم بعد ساعات المسيرة التي تحولت إلى حلم لدى شعوب أخرى، كما هو الحال في الجزائر التي لم يعد متاحا فيها للمواطنين هذا النشاط الرمزي الأسبوعي. الجزائر التي تبقى من الدول المؤهلة لانتشار أكبر لصدى هذا المطلب المتعلق بالانسحاب من مؤسسة الجامعة العربية، نظرا لعدة اعتبارات بدأت في التعبير عن نفسها، بعدم حضور الرئيس الجزائري لقمة الرياض الاستثنائية، التي قاطعها التلفزيون العمومي بشكل كلي، منها أن البلد لم يعول تاريخيا كثيرا على الجامعة العربية، كمكان للدفاع عن مواقفه السياسية، مفضلا عنها البعد الافريقي الذي كانت داخله الجزائر أكثر راحة من الناحية السياسية، كما كان الحال في منظمة الوحدة الافريقية والاتحاد الافريقي لاحقا.. عكس الجامعة العربية التي سيطرت عليها دول أخرى منافسة، على رأس تجمعات إقليمية قوية اقتصاديا وماليا، كما هو حال الاتحاد الخليجي الذي تتجه الدول المحورية داخله نحو التطبيع، بعد الإمارات والبحرين، على غرار مصر والأردن، في وقت انهارت فيه سوريا، فلم تعد قادرة على المنافسة كقوة إقليمية، كما كان الحال في السابق، وهو الحال الذي ينطبق على العراق – رغم بعض مظاهر التعافي ـ ناهيك عن السودان الذي تم ابتزازه وهو في حالة ضعف لضمه لقائمة التطبيع، كما يمكن أن يحصل مع دول أخرى تعرف أوضاعا اقتصادية أو أمنية صعبة، مثل ليبيا وحتى موريتانيا وتونس، التي تُبذل معها جهود كبيرة لضمها للقائمة الطويلة للمطبعين، رغم المقاومة الشعبية التي ما زالت حاضرة في هذه البلدان التي تحظى فيها القضية الفلسطينية بإجماع شعبي كبير.
ضعف دور الجزائر داخل مؤسسة الجامعة العربية، الذي لا يمكن عزله عن الوضع المتردي الذي تعيشه الفكرة المغاربية منذ عقود، بعد التدهور الذي تعيشه العلاقات الجزائرية المغربية، والأزمة المتعددة الأشكال التي تمرّ بها ليبيا وتونس، مما لم يسمح لشبه القارة المغاربية من تكوين فضاء سياسي مستقر، كان يمكن أن يساهم في الدفاع عن القضايا العربية العادلة، كما يظهر هذه الأيام بجلاء مع العدوان على غزة، التي لم يسندها هذا المحور المغاربي، الذي عادة ما يتم التعويل عليه كقوة إسناد عندما يكون الجناح المشرقي يعيش حالة ضعف، أو اضطراب في الأداء.
تسود الأجواء السياسية المطالبة بالانسحاب من جامعة الدول العربية المعلن منها والمستتر، بعد أن تأكدت عدم فعاليتها في الدفاع عن القضايا التي وجدت في الأصل من أجلها، وعلى رأسها الدفاع عن الشعب الفلسطيني، في وقت يشعر فيه الجميع بأن المعركة المقبلة مع إسرائيل لن تكون عسكرية فقط، فهي بكل تأكيد ستأخذ أشكالا جديدة كحرب مدن لن يخرج منها الجيش الإسرائيلي الثقيل والمدجج بالسلاح سالما، من حواري وشوارع غزة والضفة الغربية، بعد تحييد تفوقه التكنولوجي، في مواجهة مقاومة شعبية يقودها الشباب الفلسطيني المدرب والمصر على استرداد حقوقه المسلوبة، اعتمادا على قدرات شعبه، وما يمكن أن يحصل عليه من تأييد سياسي ودبلوماسي عربي ودولي في شوارع العواصم العربية والدولية الكبرى، التي بدأت في التغيير بشكل لافت لصالح حق الشعب الفلسطيني، بعد كم المجازر التي تعرض لها هذا الشعب الأبي، كما تبينه المسيرات الأسبوعية في لندن وبروكسل وواشنطن.
معركة سياسية ودبلوماسية سيكون الفلسطينيون في حاجة إلى دعم الحركات الاجتماعية والشعبية التي بدأت في البروز بقوة على مستوى العالم لكسبها، يمكن أن تشارك فيها نوعيا الهجرة العربية من الأجيال الشابة المؤهلة، في هذه الدول التي تعيش فيها، بعيدا عن أساليب العمل البيروقراطي القديم الذي كانت تقوم به ما كان يسمى بمؤسسات العمل العربي المشترك المفلسة، كالجامعة العربية التي آن الأوان لدفنها والبحث عن أساليب عمل أخرى تدافع عن قضايانا العادلة.

كاتب جزائري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب