السفارة المسيحية الدولية في القدس
استراتيجيات عمل الصهيونية المسيحية الداعمة لإسرائيل
أطروحة ماجستير مقدمة لجامعة أوسلو/النرويج، قسم الدراسات الثقافية واللغات الشرقية في العالم 2014 من إعداد الباحث سيليه بيلغوغ كنارود Silje Belghaug Knarud(الترجمة من إعداد محمود الصباغ، ويقدمها مركز الجرمق لأول مرة في اللغة العرببة)العنوان الأصلي للأطروحة: “Bringing God’s Chosen People Home” A study of Christian Zionist strategies used to support and assist the State of Israel .
تمهيد
مها أولت الأوساط الأكاديميّة، في العقود الأخيرة، اهتماماً متزايداً للحركة “المسيحية الصهيونية”، التي تمثّل الموقف الديني للمسيحيين الذين يدعمون إسرائيل الحديثة، والذين يعتقدون أن هذه الدولة سوف تلعب دوراً مركزياً قبل عودة يسوع المسيح. وقد ركّزت معظم الأبحاث المتعلّقة بالصهيونية المسيحية، وكذلك تعليقات وسائل الإعلام، على جوانبها الأبوكالبتية الخلاصية حول نهاية العالم وتأثير هذه الجوانب على صنع السياسة الخارجية في الولايات المتحدة. غير أن هذا لم يمنع من تحوّل المسيحية الصهيونية إلى حركة عالمية نشطة للغاية داخل إسرائيل.
وتجادل هذه الأطروحة بضرورة إيلاء المزيد من الاهتمام لكيفية عمل المنظمات، من الحركة المسيحية الصهيونية، بشكل استراتيجي لتوطين اليهود في إسرائيل. حيث تحاول هذه المنظمات، بتقديمها المساعدة في الهجرة اليهودية، استعادة أرض الميعاد على أمل إعادة إسرائيل إلى حدودها التوراتية. وهدف هذه الأطروحة هو استكشاف الاستراتيجيات المستخدمة لجلب اليهود إلى إسرائيل، وكذلك الآثار والعواقب المحتملة التي قد تترتب على ذلك، من خلال التعرف عن كثب على إحدى هذه المنظمات المسيحية الصهيونية، ونقصد “السفارة المسيحية الدولية في القدس” وتعرف اختصاراً يـ (ICEJ). التي تنشط في مجال مساعدة الهجرة اليهودية منذ أوائل التسعينيات، حيث ساعدت، بحلول العام 2014 نحو 115000 يهودي على الانتقال إلى إسرائيل. ويستند الأساس التجريبي لهذه الأطروحة على بيانات الموقف والتقارير والمقالات التي نشرها السفارة المسيحية والتي يتبين خلالها ، أي المواد، تبنّي السفارة نهجاً براغماتياً للتأثير على المجتمع الإسرائيلي من خلال المساعدة في الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، حيث كرست نفسها للعب دور مركزي في تدبير العناية الإلهية. فضلاً عن تصور السفارة عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بوصفه تهديداً للطابع اليهودي لإسرائيل. لذلك، تنشط، السفارة، في مناصرة إسرائيل على صعيد المجتمع الدولي. وهي تأمل من خلال ذلك، دعم إسرائيل ومساعدة اليهود في الوصول إلى إسرائيل، في الحفاظ على الشخصية اليهودية. وقد أصبح عملها جزءً من نشاط الحركة المسيحية الصهيونية، وباتت لاعباً قوياً، ليس داخل إسرائيل فحسب، بل على النطاق العالمي أيضا. وبالتال, لا ينبغي التقليل من تأثير الحركة المسيحية الصهيونية على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
1 المقدمة
“إن قراركم بتأسيس السفارة المسيحية الدولية في القدس -في وقت تخلى فيه الآخرون عنا وتركونا وحيدين بسبب إيماننا- كان عملاً جريئاً ورمزاً يعبّر عن مدى قربكم منا. لقد منحننا تلميحاتكم وأفعالكم شعوراً بأننا لسنا وحدنا “.
رئيس الوزراء الأسبق، إسحاق رابين، في إجازته للسفارة المسيحية الدولية في القدس (ICEJ 2013a).
كان الإنجيليون المسيحيون، والذي يعرفون بالصهاينة المسيحيين، ينشطون لأكثر من عقدين ونصف في مساعدة هجرة اليهود إلى إسرائيل. وقد سعوا، بوحي من الكتاب المقدس، إلى البحث عن اليهود في الشتات وتشجعيهم على الانتقال إلى أرض الميعاد. فبالنسبة لهم، لا يوجد فرق بين القصص الكتابية عن يهود المنفى وعودة اليهود إلى إسرائيل اليوم. ويُنظر إلى قدرة اليهود على إقامة دولة لهم في العام 1948 وعودتهم من الشتات في الوقت الحاضر، على أنها وعود كتابية على وشك أن تتحقق. ويتوقع هؤلاء المسيحيون الصهاينة ظهور المسيح الثاني، من خلال إعادة الغالبية العظمى من اليهود إلى إسرائيل. وفي الوقت الذي ينتقد فيه المجتمع الدولي والدول العربية المحيطة توسع إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، يدافع هؤلاء المسيحيون عن هذا العمل ويساهمون بشكل أكبر في تقديم الدعم المالي لليهود الذين يعيشون في هذه المستوطنات، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الدولية و المحليّة الفلسطينية، في الوقت الذي وجدت الأحزاب اليمينية الإسرائيلية، في موقف أصدقائها المسيحيين المخلصين هذا، فرصة سانحة ينبغي استغلالها جيداً. لقد دافعت الحركة المسيحية الصهيونية عن تصرفات إسرائيل أمام المجتمع الدولي، في ذات القوت الذي تعمل فيه بنشاط داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث ساهمت بدعم مالي وخيري تجاه اليهود الذين يعيشون في إسرائيل من أجل الحفاظ على استمرار وجود الشعب اليهودي في إسرائيل في المستقبل.
وسوف تبحث هذه الأطروحة في منظمة مسيحية صهيونية واحدة، وهي السفارة المسيحية الدولية في القدس، التي تأسست في القدس في العام 1980. والتي تروج لنفسها على أنها “سفارة مسيحيي العالم”. رغم أنه لا مكانة دبلوماسية لها كسفارة. وقد حظي دفاع السفارة المستميت عن إسرائيل بتقدير كبير من طرف السياسيين الإسرائيليين اليمينيين. ولعلّ الجانب الأكثر بروزاً في نشاط السفارة كان العمل على تقديم العون لهجرة اليهود في الشتات إلى إسرائيل . وقد موّلت، السفارة، منذ العام 1991، أكثر من 115000 يهودي وجلبتهم إلى إسرائيل على أمل تحقيق النبوءة الكتابية بإعادة اليهود إلى إسرائيل. تسعى هذه الأطروحة إلى استكشاف الاستراتيجيات التي تستخدمها السفارة لمساعدة اليهود في إسرائيل، والمشاركة في استعادة أرض إسرائيل كدولة يهودية، والتي يُنظر إليها على أنها حق إسرائيل الكتابي.
1.1 الهدف من البحث
ستبحث هذه الأطروحة في ظاهرة المسيحيين الصهاينة الذين يساعدون اليهود على الهجرة إلى إسرائيل من أجل إحياء دولة إسرائيل ضمن حدودها الكتابية القديمة. لقد اخترت أن أطلق على هذا النشاط اسم “الهجرة المساعدة”، وهدفي هو تحقيق فهم أعمق للطرق المختلفة التي يساهم بها الصهاينة المسيحيون في القرن الحادي والعشرين في استعادة أرض إسرائيل. وسوف أركز على السفارة المسيحية الدولية في القدس، التي تعمل في مجال الهجرة منذ أوائل التسعينيات. لقد اخترت دراسة هذه المنظمة لأنها ميزت نفسها على أنها منظمة مؤثرة في المجتمع الإسرائيلي وتعمل بنشاط على مساعدة اليهود للوصول إلى إسرائيل، وهو جانب كنت مهتماً باستكشافه. وبالتالي، يمكن طرح المشكلة الرئيسية التي يجب معالجتها هنا كما يلي: كيف تساهم استراتيجية الهجرة التي تبناها السفارة في الحفاظ على (وتأكيد) إسرائيل كدولة يهودية؟ فالإيمان بإعادة قيام إسرائيل كشرط مسبق لمجيء المسيح الثاني، هو الذي يحرّك نشاط المسيحيين الصهاينة لضمان عودة اليهود إلى وطنهم وإقامة دولة إسرائيل وفقاً للحدود التوراتية، ويتعارض هذا الاعتقاد، بشكل واضح، مع مصالح الجماعات الأخرى في أرض كنعان الحديثة حيث يتقاتل الفلسطينيون والإسرائيليون على امتياز حيازة الأراضي المقدسة. كما يقسم هذا الصراع المجتمع الدولي في محاولة التوصل إلى حل سلمي. وبهذا الصدد، تبنت السفارة موقفاً واضحاً منحازاً لصالح الجانب الإسرائيلي.
وسوف أتطرق، بهدف الإجابة على هدفي من هذا الاستفسار، إلى أسئلة بحثية ثلاثة، تركز على أهداف المنظمة، واستراتيجياتها، وكذلك تأثير أنشطتها.
ويعدّ الفهم الصحيح لأهداف وغايات السفارة أمراً ضرورياً لفهم سلوكها. لذا فإن السؤال البحثي الأول هو: كيف تتصور السفارة النصوص الكتابية المتعلقة بضرورة عودة اليهود إلى إسرائيل والحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية كجزء من مخطط خلاصي؟ سوف أقوم هنا بتحليل فهم السفارة للنصوص الكتابية، التي تقوم المنظمة على أساس هذه النصوص ببناء عملها، ودراسة كيفية استخدام بعض المقاطع الكتابية لتكوين سرد تتخذ السفارة، بموجبه، إجراءات تنفيذية من أجل تحقيق هدفها اللاهوتي. ثم، سوف ألقي نظرة على الوسائل والاستراتيجيات المستخدمة في مساعدة هجرة اليهود إلى إسرائيل. وسوف أسعى هنا للإجابة على السؤال التالي: ما هي الاستراتيجيات التي تستخدمها السفارة لمساعدة اليهود في إسرائيل؟ أفترض، هنا، أن السفارة تحتاج إلى شركاء متعاونين في إسرائيل ليس بالضرورة أن يشاركوهم ذات المفاهيم الأخروية، بل ما هو هام، كيف ينظر الشركاء المتعاونون إلى هؤلاء المسيحيين؟ إسرائيل هي أيضاً عرضة للنقد من قبل المجتمع الدولي، مما قد يشكل تهديداً للطبيعة اليهودية لها في المستقبل أو يؤدي إلى خسارة إسرائيلية للأراضي. وبالتالي، فالسفارة من المدافعين النشطين عن إسرائيل في المجال العام وسوف أنظر إلى ذلك كعملية موازية في السياق الاستراتيجي لعمل السفارة في لحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية في المستقبل. وأخيراً، سوف أناقش ما إذا كان لعمل السفارة بشأن الهجرة والاستراتيجيات الإضافية أي تأثير على الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية. وسوف أسأل هنا: ما هي تأثيرات السفارة أو تلك، التأثيرات، التي يمكن أن تحدثها للحفاظ على الدولة اليهودية؟ سوف أقوم بإظهار التأثير السياسي للسفارة في إسرائيل والعالم. علماً أن المجتمع الدولي كان قد أثار بعض المعضلات الأخلاقية فيما يتعلق بمثل هذه الأعمال التي تشارك فيها السفارة. لذلك سوف أبحث في كيفية استجابتها لمثل هذه الانتقادات.
2.1 توضيح المصطلحات
نادراً ما يتم استخدام مصطلح الصهيونية المسيحية في وسائل الإعلام أو في الكتابات الشعبية لأن القليل منهم يعرفون ما يعنيه هذا المصطلح, وغالباً ما يتم الخلط بينه وبين الشكل التقليدي للصهيونية، وهي فكرة أكثر علمانية عن دولة يهودية كما تصورها تيودور هرتزل. بدلاً من ذلك، يُشار إلى الصهاينة المسيحيين على أنهم إنجيليون، مسيحيون ولدوا من جديد، أصوليين بروتستانت، لكن هذه المصطلحات غامضة وليست مرادفة للمسيحية الصهيونية في حد ذاتها(1). لكنها مفيدة في إعداد وتطوير العمليات التي أدت إلى ظهور المسيحية الصهيونية كحركة عالمية، كما سيتم ذكرها، تفصيلاً، في الفصل الثاني.
ومصطلح إنجيلي (والذي يعني “البشارة”) هو مصطلح عام يستخدم لوصف مجموعة غير متجانسة من المسيحيين يندرجون تحت طيف مجموعة واسعة من الانتماءات الدينية والآراء السياسية، بيد أنها تشترك في بعض الخصائص، والتي، وفقاً لستيفن سبيكتور، تتمثل في تجربة الميلاد الروحي (الولادة من جديد)، ومنح الكتاب المقدس سلطة عليا (باعتباره كلمة الرب الفعلية) وأخيراً مشاركة كلمة الرب (التبشير) (Spector 2009, 36).
وسوف أشير، في هذه الأطروحة، حصراً اعتناق المسيحية الصهيونية للرواية التدبيرية الألفية المستقبلية من الفكر المسيحي الألفي، التي تعتقد بعودة المسيح إلى الأرض، بعد أن يعود اليهود إلى أرض الميعاد، حيث يتم إعادة تأسيس إسرائيل وفقاً لحدودها الكتابية. وتشير العقيدة الألفية إلى الفكرة التي تقول بحدوث المجيء الثاني للمسيح قبل قيام مملكة الرب الألفية.
ومثل هذا التمييز عن العقيدة ما بعد الألفية حيث يجب على البشر خلق الألفية، ليعود المسيح إلى الأرض بعد نهاية الألفية ويحكم البشرية. تشير النزعة التدبيرية إلى طريقة أخروية لتقسيم التاريخ البشري إلى “تدابير” مختلفة (عصور أو حقب)، ضمن فكر العقيدة الألفية. فالبشرية الآن في عصر أو حقبة التدبير الأخير (عصر الكنيسة)، ويعتقد أنصار التدبيرية أن عودة المسيح يمكن أن تحدث في أي لحظة. كدليل على العودة الوشيكة، سيتم اختطاف المؤمنين الحقيقيين “لمقابلة المسيح في الهواء” بينما سيكون نصيب الأشخاص المتروكون مواجهتهم للمحنة، التي سيكون من ملامحها أن يتبع معظم الناس المسيح الدجال الذي سوف يحكم حوالي سبع سنوات. ثم يعود يسوع ليهزم الدجال ويؤسس المملكة الألفية على الأرض. معظم المسيحيين الصهاينة هم تدبيريون. لذلك تشير المسيحية الصهيونية إلى الاعتقاد بوجوب عودة اليهود إلى إسرائيل وبوجوب إعادة تأسيس أرض الميعاد قبل عودة المسيح.
كثيراً ما أستخدم الكلمتين العبريتين عاليه [עלייה ] وعوليم [עולים]، واللتان تشيران إلى عملية الهجرة إلى إسرائيل وإلى الشخص المهاجر إلى إسرائيل. وكلمة عاليه بمعنى الإشارة إلى الهجرة اليهودية في الوقت الحاضر، يتم تهجئتها بالتشديد. ويتم استخدام التمييز ذاته عند الحديث عن الشتات اليهودي، حيث يتم تهجئة مصطلح الشتات المعاصر بالتشديد أيضاً. و الحدود الدقيقة لـ “أرض إسرائيل” بين المقاطع المختلفة الواردة في الكتاب المقدس وبين فهم السفارة، مازالت غامضة في تفاصيلها الدقيقة، لأنها تمتد إلى دول قومية محيطة مستقلة (انظر الشكل 1 المرفق). لذلك، فأنا، أفهم أن “أرض إسرائيل” تشير إلى مناطق من الأرض التي أعطاها الرب لأبراهام في سفر التكوين 16:18 لتكون أرض الميعاد النهائية[ هكذا في الأصل ولعلّه يقصد الآية 18 من الإصحاح 15 وليس 16، والتي تقول” 18. فيِ ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقاً قَائِلاً: “لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ”. المترجم ]. ولدى السفارة فهم أكثر واقعية لأرض إسرائيل، باعتبارها الأراضي الإسرائيلية الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك الأراضي المتنازع عليها والمحتلة، أي الضفة الغربية وغزة ومرتفعات الجولان. وعلى الرغم من تعبير “دولة يهودية” مثير للجدل، إلا أنني استخدمه في هذه الأطروحة. وهو التعبير الذي استخدمته إسرائيل في إعلان الاستقلال، عند إعلان قيام الدولة. كما أعلن تصريح المواطنة الكاملة والمتساوية للأقليات (بن غوريون 1948). ومع ذلك، لم يتم الترويج للطابع اليهودي الحصري لإسرائيل من قبل الدولة حتى منتصف الثمانينيات (Jamal 2013). ونظراً لأن الشخصية اليهودية لإسرائيل ضرورية جداً للسفارة، فسوف أستخدم مصطلح “دولة يهودية”.
كما سوف أستخدم مصطلح “الهجرة المساعدة” لشرح العملية التي تعني كيفية العثور على يهود الشتات وإحضارهم إلى إسرائيل وتوطينهم داخل المجتمع الإسرائيلي. تستخدم السفارة مصطلح واجب أو شغل العاليه لوصف نشاطها هذا. رغم إني أجد مصطلح الهجرة المساعدة أكثر ملاءمة لشرح العملية برمتها.
3.1 دراسات سابقة عن المسيحية الصهيونية
رغم شيوع إسرائيل والصهيونية كموضوعات بحث في الأوساط الأكاديمية، لم تحظ المسيحية الصهيونية بالعناية ذاتها، ولكنها جذبت المزيد من الاهتمام خلال العقدين الماضيين. وما يميز هذه الأدبيات هو التركيز على المفاهيم اللاهوتية والسياسية للحركة المسيحية الصهيونية. ومن الكتب المميزة في هذا الشأن، هنا، على سبيل المثال، كتاب المؤرخة باربرا توكمان، بعنوان “الكتاب المقدس والسيف: إنجلترا وفلسطين من العصر البرونزي إلى بلفور (1956)، وكتابي أستاذ التاريخ، البروفيسور بول تشارلز ميركلي(2): الأول بعنوان “سياسات الصهيونية المسيحية، 1891-1948 ” والذي صدر في العام 1998, والثاني “المواقف المسيحية تجاه دولة إسرائيل” الصادر في العام 2001 . كما ركّز مؤلفون آخرون على الخطوط العريضة لتاريخ المسيحية الصهيونية وفحصوا كيف تطورت المسيحية الصهيونية وكيف تؤثر اليوم على السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. مثل كتاب أستاذ اللغة الإنجليزية، ستيفن سبيكتور “الإنجيليون وإسرائيل: قصة الصهيونية المسيحية الأمريكية” (2009) ، وكتاب الحاخام دان كوهن شربوك “سياسة نهاية العالم: تاريخ وتأثير الصهيونية المسيحية” (2006)، وكتاب تيموثي ويبر “في الطريق إلى هرمجدون : كيف أصبح الإنجيليون أفضل صديق لإسرائيل” (2005), وكذلك كتاب الصحفية فيكتوريا كلارك “حلفاء من أجل هرمجدون” (2007).
انتقد بعض اللاهوتيين من الكنائس الرئيسية(3) الحركة المسيحية الصهيونية من خلال بعض الكتب، رفضوا من خلالها العقيدة التدبيرية، باعتبارها بدعة. وأبرز المؤلفين في هذا المجال ستيفن سايزر ودونالد. إي. واجر. حيث كتب واغر ” التوق إلى هرمجدون” (1996) و كتاب سايزر “الصهيونية المسيحية: خارطة طريق إلى هرمجدون” (2005) وهما أكثر كتبهما أهمية، لكنهما أطلقا أيضاً موقع إلكترونياً بعنوان: www.christianzionism.org والذي يهدف إلى الطعن في المسيحية الصهيونية.
قام بعض طلاب الماجستير في النرويج بأبحاث أكثر تحديداً حول السفارة المسيحية الدولية في القدس مثل بحث رايدر برينغاكير بعنوان: السفارة المسيحية الدولية في القدس (2013)، حيث قدم شرحاً عن عقيدة السفارة وكيف تنظر إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ومقارنتها بالمنظمات المسيحية الصهيونية الأخرى في النرويج, واعتبرت هيغي كريستين فيدنيس في بحثها المعنون “نحن الذين نحب إسرائيل (2007) أن السفارة المسيحية الدولية في القدس منظمة خلاصية، بينما أعطت لمحة عن عقيدة وأنشطة السفارة. وفي تركيزها على الجوانب الخلاصية للسفارة قدمت فيدنيس معلومات مفيدة حول كيفية تقسيم السفارة للعالم بين الخير والشر. ولذلك فقد استخدمتُ هنا في هذه الأطروحة النظريات التي تتحدث عن الحركات التي تؤمن بنهاية العالم واختتمت بوضع السفارة في إطار نهاية العالم.
تركز السفارة بشكل أكبر على الوفاء بوعود الكتاب المقدس اليوم، بدلاً من أحداث نهاية الزمان، وبالتالي وجدت هذه النظرية لاختزال الصورة الكاملة للسفارة. كتب آرنت فيدار كلونغلاند ” نحن نشير, البلد يعظ”(2005) عن مشاركة السفارة في جماعات الضغط في الاتحاد الأوروبي. لم يكن لأي من هؤلاء أي تركيز خاص على عمل الهجرة بمساعدة السفارة.
أطروحتي لها موضوع ضيق للغاية ضمن البحث الذي تم إجراؤه بالفعل على السفارة لملء الفجوة من خلال التركيز على كيفية مساهمتها بنشاط في الحفاظ على الشخصية اليهودية لإسرائيل.
4.1 منطلقات نظرية
الغرض من هذه الأطروحة هو فحص كيفية عمل المنظمة من أجل الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية من خلال مساعدة اليهود في الوصول إلى إسرائيل ودعم إسرائيل في المجال العام. لذلك أحتاج إلى نظريات يمكنها أن تشرح الأسباب الكامنة وراء عملها، وكيف يصبح هذا العمل مفيداً لها. لذلك فقد اقتبست بعض وجهات الآراء النظرية التي يمكن أن تسلط الضوء على الطريقة التي تتصرف بها المنظمة المسيحية الصهيونية في أداء عملها. لقد اخترت أجزاء من هذه الآراء والنظريات التي تتناسب مع منظوري النظري لهذه الأطروحة. هدفي هو تسليط الضوء على كيفية تصور السفارة لدورها في العمل الذي يقوم به من خلال مساعدة اليهود والدفاع عن إسرائيل.
لقد اقترضت وجهات نظر حول بعض الملاحظات التي أبدتها عالمة الأنثروبولوجيا سوزان هاردينغ بشأن انخراط المولودين الجدد المسيحيين الأمريكيين في السياسة، فقد لاحظت أن الإنجيليين وغيرهم من المسيحيين المولودين الجدد في الولايات المتحدة قد أنتجوا اليمين المسيحي الجديد في الثمانينيات من خلال تشجيع الناس على “العمل خارج التاريخ”. تغيرت الحركة التدبيرية من كونها انفصالية ومنعزلة عن المجال العام. لقد تداعوا الآن، وبصورة مفاجئة، للنشاط السياسي والعمل. وقد لاحظ هؤلاء سلسلة من الأحداث، والتي كان يعتقد أنها حدثت بعد النشوة، والتي حدثت بالفعل، مثل احتلال إسرائيل للقدس في حرب الأيام الستة عام 1967 (Harding 1994, 66). بدأ المسيحيون المولودون الجدد يعتقدون أن “لدى الرب ما يخبئه” للمسيحيين أكثر مما كان يُجمع حتى الآن؛ كتبت هاردينغ (1994 ، 66): “قد يكون المسيحيون متورطين بشكل مباشر في نبوءات الكتاب المقدس أكثر مما كان يُفترض سابقاً، والمسيحيون يظهرون، ربما بشكل طفيف جداً، في الأحداث التي تعيد المسيح لإيقاف الانحدار المروع للتاريخ”. وهكذا، بنى هؤلاء رواية اعتقدوا فيها أن الرب سوف يدمر أمريكا ما لم يستجيب المسيحيون له، بأن يصبحوا أكثر حزماً في الدفاع العام عن الأخلاق والحشمة (Harding 1994, 68) وتجادل هاردينغ أيضاً بأن اللغة الخطابية للتفكير التدبيري هي لغة سياسية في حد ذاتها. إن قراءة الأحداث الجارية ليست مجرد “تفسيرات دينية صحيحة، القراءة التدبيرية هي قراءة تلك الأحداث الجارية” (هاردينغ 1994 ، 60). بعبارة أخرى، تصبح التدبيرية طريقة لـ معرفة التاريخ، بحسب هاردينغ (1994 ، 60). وبوحي من طروحات هاردينغ، سوف أستخدم هذا الفهم للعقيدة التدبيرية كمقاربة لمعرفة التاريخ، وبهذه الطريقة في معرفة التاريخ، أنشأت السفارة سرداً تشارك فيه في خطة العناية الإلهية وكتابة نفسها في تاريخ العالم.
وسوف أستخدم أيضاً بعض الأفكار حول معضلة الشر، لأنها سوف تشكّل ملمحاً مركزياً في فهم السفارة للعالم. ففي الحركات التي تحمل نظرة ثنائية للعالم، حيث ينقسم العالم إلى خير وشر، يوفر الصراع مع الشر معنى إلهياً لسبب حدوث الأشياء الشريرة (McGuire 2002، 43-44). هذا التوتر الثنائي بين الخير والشر موجود في سرد السفارة، ويمكن أن يساعدنا في فهم كيف تشرح سبب حدوث الأشياء السيئة لإسرائيل، في القوت ذاته الذي يكون فيه الرب هو المسيطر المطلق على العالم.
بينما ستستخدم هذه الأطروحة بشكل أساسي المقاربات النظرية هذه، سأقدم خلال الأطروحة أيضاً بعض الأفكار والتصورات الأخرى من نظريات أخرى من علم الاجتماع والأنثروبولوجيا من أجل تسليط الضوء بشكل أكبر على عمل السفارة حول قضايا محددة.
5.1 الأساس التجريبي
كما ذكرت أعلاه، تدعم المنظمات المسيحية الصهيونية إسرائيل بعدة طرق. ومن أجل تغطية أنشطة واستراتيجيات السفارة، فقد استخدمتُ مجموعة متعددة من المصادر. وكان مصدري الأساسي هو مواقع السفارة والمجلة الشهرية “العالم من القدسWord From Jerusalem” حيث تنشر المنظمة التحديثات الإخبارية عن أنشطتها و البيانات اللاهوتية والسياسية حول الوضع في إسرائيل. وبسبب من أن السفارة تعمل داخل الفروع المحلية، ومن مقرها الرئيسي في القدس، فقد كان عليّ النظر لها ضمن نطاقها عالمي. غير أني في أغلب الأحوال كنت أركّز على المقر الرئيسي في إسرائيل و على فروعها في الولايات المتحدة والنرويج، وإن لم يكن ذلك بالمعنى الحصري. وبالتالي، قد يؤدي عدم الوصول إلى جميع الفروع المحلية، بسبب حواجز اللغة، إلى اختزال الصورة الكاملة لعملها. علاوة على ذلك، نشرت السفارة عدداً كبيراً من المقالات والتحديثات على موقعها على الإنترنت، وسيتجاوز كل ذلك وقت ونطاق هذه الأطروحة. لذلك نظرت إلى القضايا الرئيسية التي تهتم بها، والتي نشرت على مواقعها الإلكترونية. وتقدم مواقع السفارة على الإنترنت نظرة عامة عن أنشطتها كافة، وتوفر رؤية كافية لتحليل الأهداف والاستراتيجيات المستخدمة لدعم إسرائيل. وفيما يتعلق بهدف السفارة، المستند على أسس لاهوتية، فقد استخدمت سلسلة كتيبات مالكولم هيدنغ، مدير السفارة السابق والمتحدث باسمها الآن, والتي تحتوي على تعاليم لاهوتية وتعليمية عن الصهيونية الكتابية، فضلاً عن صفحة السفارة عن المسيحية الصهيونية http://int.icej.org/media/christian-zionism-101, وفيما يتعلق باستراتيجيات دعم إسرائيل، فقد بحثتُ في المقالات المنشورة بما يتعلق أنشطة الهجرة “عاليه” على الموقع http://int.icej.org/aid/icej-aid , وفي المقالات المنشورة بشأن الهجرة في مجلة السفارة في الفترة بين 2004-2014، وهي متوفرة في طبعات إلكترونية على الموقع. وتنشر السفارة مواقفها وسجالاتها بخصوص قضايا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على موقع http://int.icej.org/campaigns ، وبشكل أكثر تحديداً بشأن قضايا مثل مساواة المجتمع الدولي للعنصرية والصهيونية، والمزاعم التي تعتبر إسرائيل دولة فصل عنصري وحل الدولتين. الجدل الذي تطرحه السفارة مثير للاهتمام لأنه يستخدم في المجال العام حيث تدافع السفارة عن القضية الإسرائيلية. لقد أردت أن أجعل أطروحتي حديثة قدر الإمكان؛ لذلك، استخدمت الحالات من العام 2000 حتى اليوم، وهذا لايعني وجود حد زمني للمواد المستخدمة في هذه الأطروحة.
لقد استخدمت أيضاً المقابلات التي أجريتها مع المتحدثين الرسميين من موظفي السفارة، الذين عقدت معهم اجتماعات عندما أجريت بحثاً / عملاً ميدانياً في إسرائيل في الفترة من 11 أيلول\ سبتمبر إلى 14 تشرين أول\ أكتوبر 2013. لقد أجريت المقابلات قبل أن يتكون لدي رأي واضح عن الأهداف المحددة من البحث في هذه الأطروحة؛ لذلك، غطت أسئلتي نطاقاً واسعاً من أنشطة السفارة. لكنها، في الواقع، اشتملت على بعض القضايا التي أصبحت أخيراً موضوع أطروحتي. وهكذا، فقد استخدمت هذه المقابلات حيثما كانت مناسبة، لإلقاء الضوء على جوانب معينة من الموضوعات التي أحللها. وكان ممن أجريت معهم المقابلات مدير العلاقات العامة ديفيد بارسونز ومدير الهجرة هوارد فلاور. لقد استفدت أيضاً من محاضرة، حضرتها شخصياً، ألقاها هوارد فلاور في عيد المظال في القدس في العام 2013, وحيث إني رغبت في القيام بتحقيق واسع النطاق لعمل السفارة في مساعدة اليهود في الوصول إلى إسرائيل، فقد أجريت مقابلة مع أقرب شريك متعاون مع السفارة, أي, الوكالة اليهودية، حيث تحدثت مع مندوبها جاك كوركوس. وبالتالي، تستند المواد الخاصة بي بشكل أساسي إلى رواية السفارة الخاصة عن طريقة عملها.
ومع ذلك، فإن الكثير من عمل السفارة منخرط بشكل مباشر في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لذلك، هناك بعض المعضلات الأخلاقية المتعلقة بعملها والتي أثيرت من قبل المجتمع الدولي. لقد استخدمتُ “إعلان القدس حول الصهيونية المسيحية” – وهو الإعلان الذي وقّعه رؤساء أربع كنائس محلية في القدس- لمناقشة بعض العواقب والقضايا الإشكالية التي تظهر في عمل السفارة في الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية. بالإضافة إلى ذلك، استخدمتُ مقالات صحفية وأدبيات ثانوية من أجل الحصول على مجال أوسع للمناقشات التي تشارك فيها السفارة من خلال عملها.
جميع اقتباسات الكتاب المقدس مأخوذة من نسخة الملك جيمس الجديدة، وهي النسخة الأكثر إنجيليةً من غيرها، وتضمنت استخدام السفارة، لأنه يُنظر إلى هذه النسخة باعتبارها تحافظ على كلمة الرب مع المزيد من الترجمات المباشرة للنصوص العبرية واليونانية والآرامية (NKJV 2010) .
6.1 مناهج البحث
للإجابة على هدفي من الاستفسار حول أهداف السفارة واستراتيجياتها وتأثيراتها، استخدمتُ التحليل النوعي القائم على الفئة كما هو موضح في كتاب توفه تاغارد Tove Thagaard “النظم والتعاطف”Systematik og innlevelse، حول المقابلات والخطب والوثائق والمقالات (2003 ، 150-1)، وتم اختيار هذه الطريقة لأنني سعيت لفحص حجة السفارة وبالتالي أصبح تحليل المقابلة هو الأنسب. لقد استخدمتُ أيضاً نهج التأويل لفهم السياق الذي يكون فيه سرد السفارة منطقياً (Czarniawska 1998, 4, Thagaard 2003, 39)
كما سجلتُ المقابلات والمحاضرات التي تحصلت عليها من رحلتي إلى إسرائيل، والتي قمت بنسخها لاحقاً من أجل تحليلها(4). كما عملت على تضمين بعض الآراء الشخصية لهؤلاء الممثلين لأنني وجدت أن هذه الآراء تقدم فهماً أفضلاً لدوافع عمل السفارة (5). لقد كان تركيزي في هذه الأطروحة يتمثل في تحديد الحجج التي تستخدمها السفارة لوصف واجبها في مساعدة الهجرة اليهودية والدفاع عن إسرائيل، وكيف أدت هذه الحجج إلى بعض الأعمال التنفيذية اللازمة للقيام بهذه الأشياء. وقد قرأـ العديد من المواد المنشورة فيما يتعلق بالهجرة المساعدة والدفاع عن إسرائيل، عن طريق ترميز الموضوعات الأكثر مركزية من أجل فحص استراتيجيات السفارة المستخدمة لترتيب عودة اليهود إلى الوطن. وقد ساعدتني قراءة هذه المقالات على تصنيف كيفية فهمها لعملها كجزء من تاريخ المعرفة، كما هو موضح في نظرية هاردينغ. لقد قمت هنا بترميز أجزاء من كيفية استخدامها للكتاب المقدس لإيجاد الشرعية في عملها ودوافعها للقيام بذلك.
لقد قمت بنفس النوع من الترميز بمعظم الكلمات الرئيسية نفسها عندما قمت بتحليل عملها في الدفاع عن إسرائيل في المجال العام. لقد حددت هنا الحجج التي استخدمتها السفارة لتحديد الاهتمامات الرئيسية التي أثارتها تجاه إسرائيل، عند اللقاء مع الحيّز العام وكيف يتناسب ذلك مع روايتها. ولم أبحث بشكل مباشر عن الكيفية التي ترجمت فيها السفارة حججها التوراتية في دعمها لإسرائيل، لكنني، بدلاً من ذلك، قمت بترميز القضايا الأساسية التي تهتم بها السفارة، فيما يتعلق بالتشكيك بشرعية إسرائيل وكيف كان ردّها على هذه المسألة باستخدامها مقاربة علماني في حججها من أجل الرد على هذا التوجه ضد إسرائيل. لقد استبعدت تحليل المقالات التي لا تشكل أهمية لبحثي. وتدير السفارة مجموعة واسعة من الأنشطة لن تغطيها هذه الأطروحة، إلا بمقدار ضئيل بما فيد موضوع الأطروحة.
7.1 المحتوى
يتناول الفصلان الأول والثاني، بشكل أساسي، كيف انخرط المسيحيون الصهاينة سياسياً في عودة اليهود إلى وطنهم واستعادة إسرائيل. أقدّم في الفصل الثاني، كيف تطورت المسيحية الصهيونية تدريجياً من رجال الدين الذين وجدوا سبلاً جديدة لقراءة الكتاب المقدس بعد حركة الإصلاح. وكيف أدى ذلك إلى عقيدة تنظر في إنشاء وطن لليهود في إسرائيل على أنه شرط مسبق لمجيء المسيح الثاني. وانتشر هذا المفهوم في أمريكا، بوحي من أفكار الإحياء في الدوائر الإنجيلية في بريطانيا، ثم أصبح حركة عالمية ذات تأثير سياسي كبير. وبالتالي فإن نطاق الفصل الثاني سوف يستكشف كيف تحولت هذه العقيدة إلى هذا الوضع ولماذا.
وسوف أستكشف، في الفصل الثالث، المنظمات المسيحية الصهيونية من خلال التركيز على السفارة المسيحية الدولية في القدس. وفي الحديث عن السفارة، سوف أستعرض نطاق هذه المنظمة، والسياق التاريخي الذي تأسست فيه وكيف بدأت منوع من الاحتجاج على المجتمع الدولي لتصبح الآن “سفارة” للمسيحيين الذين يدعمون إسرائيل حول العالم .
وسأشرح هنا كيفية عملها، وأهدافها وأنشطتها والاستقبال الذي حظيت به في إسرائيل. وفي الفصل الرابع سوف يتم استكشاف الأهداف الأيديولوجية للسفارة ، وإلقاء نظرة على الفهم اللاهوتي الذي يحفزها لتحقيق أهدافها. أما في الفصل الخامس، فقد قمتُ بتحليل الاستراتيجيات التي تستخدمها السفارة لتحقيق أهدافها الموضحة في الفصل الرابع. وبالتالي، يركز الفصل الخامس على كيفية مساعدة السفارة في الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، وكيف تعثر على اليهود في الشتات، الذين تتعامل معهم السفارة، وكيف أن هذا الإجراء هو جزء من الوفاء بالوعود الكتابية. يستكشف الفصل السادس كيف تدافع السفارة عن إسرائيل في المجال العام، لاسيما التأكيد بشكل خاص على الحجج التي تستخدمها لمحاربة التشكيك بشرعية إسرائيل. كما سوف أنظر في محاولات التأثير على صانعي السياسة الدولية لضمان استمرار امتلاك إسرائيل للأراضي المتنازع عليها والحفاظ عليها كدولة يهودية. ويبحث الفصل السابع، في العواقب الأخلاقية لعمل السفارة في ضوء بعض الأصوات الناقدة، حيث استخدمتُ إعلان القدس بشأن الصهيونية المسيحية كبداية لمناقشة هذه النتائج الرئيسية التي توصلت إليها النتائج الأخلاقية التي أثارها النقاد. وسوف ألخص، في الفصل الثامن، النتائج التي توصلت إليها وأختم هدفي من الاستفسار وأسئلتي البحثية حول أهداف السفارة واستراتيجياتها وتأثيراتها.
الهوامش:
1– فكرة عودة اليهود إلى إسرائيل موجودة أيضًا في الطوائف المسيحية الرئيسية الأخرى. على سبيل المثال هناك كاثوليك يؤمنون بأن اليهود يظلون شعب الله المختار ويجب أن يعودوا إلى إسرائيل قبل المجيء الثاني للمسيح، مثل المنظمة الكاثوليكية لإسرائيل. جادل البعض أيضًا بأن المسيحيين الصهاينة يشيرون ببساطة إلى المسيحيين الذين يدعمون إسرائيل، دون أي دوافع أخروية (Spector 2009, 2-3).
2- بول. سي. ماركلي هو أيضاً عضو مجلس إدارة فرع السفارة في كندا.
3- في هذه الأطروحة، سأستخدم تسمية “الكنائس الرئيسية” على جميع الطوائف غير التدبيرية، لأن هذا هو المصطلح الذي تستخدمه السفارة أيضاً عندما تشير إلى الكنائس التي لا تؤكد على الصهيونية المسيحية.
4- نظراً لأن المقابلات التي أجريتها مع متحدثين رسميين من السفارة ومن الوكالة اليهودية، لم أقم بإخفاء هويتهم، لأنني أردت الحصول على معلومات حول النسخة الرسمية للسفارة كمنظمة وليس رأياً شخصياً من أعضائها.
5-نظراً لأن هذه التصريحات أدلى بها متحدثون رسميون، ووافقوا على إجراء مقابلات معهم مع العلم بأن المعلومات ستُستخدم في أطروحة ماجستير، فقد قررت أنه من المبرر استخدام هذه البيانات.
6- أوضحت هانّا ترانغرود في أطروحتها كيف تترجم مكاتب المحاماة الإنجيلية حججها الدينية في مسار المحكمة من أجل البحث عن صدى في مجال علماني. استخدمت هنا نظريات من يورغن هابرماس تشير إلى أن اللغة المحايدة ضرورية لجميع أجزاء المجال العام (Trangerud 2014). يمكننا أن نرى أن السفارة تستخدم التكتيك ذاته لتبني لغة محايدة غير دينية في الاجتماع مع المجال العام.
- الفصل الثاني: التطور التاريخي للمسيحية الصهيونية
- (أنت تدرس المسيحية الصهيونية؟ هل تعرف ماذا نسميهم؟ “الزنابير”(7)، لأنهم يلسعون. نحن لا نحبهم”).. عامل فلسطيني مسيحي في المعهد اللاهوتي السويدي في القدس(8).
- (“أنا لا أهتم بآرائهم، فهم هنا لمساعدتنا وهم أصدقاؤنا”)..امرأة يهودية في القدس، صديقة لأحد موظفي السفارة(9).
- مكروهين من قبل الكثيرين ومحبوبين من قبل القلّة: لديهم سمعة مضطربة بسبب عقيدتهم. يتهمهم أشد المنتقدين بأنهم معادون للسامية ويتطلعون إلى المحنة*(10)عندما يتم تخويف اليهود بأنه لن ينجو منهم سوى عدد قليل من المتحولين (Schulson 2014) يتهم المتآمرون المسيحيين الصهاينة بأنهم جزء من المتنورين(11) ويدعون أنهم متحالفون مع نسخة شيطانية من اليهودية (Marrs بدون تاريخ). يدعي آخرون أنهم يمارسون ضغوطاً ضد أي حلول للسلام في الشرق الأوسط، ويدعمون إسرائيل دون قيد أو شرط ضد أي عمل لقيام دولة فلسطينية (Stephen Sizer 2006). ادعى عالم الاجتماع جوزيه كازانوفا أن العقيدة التدبيرية كانت شعبوية ومناهضة للفكر (Casanova 1994، 141). على العكس من ذلك، يتلقى معظم اليهود الصهاينة بسعادة مساعدة مالية ودعماً من أصدقائهم المسيحيين في هدف سياسي مشترك لاستعادة أرض إسرائيل. ويدعو الملايين من الناس، حول العالم، أنفسهم مسيحيين صهاينة، ويصلّون إلى الرب كل يوم ليعود اليهود إلى إسرائيل، ولحماية أمة الرب. وترتبط المسيحية الصهيونية، اليوم، ارتباطاً وثيقاً بالإنجيلية في الولايات المتحدة، أو تكاد تكون مرادفة لها. ومع ذلك، فهي ليست ذات أصل أمريكي، ولا يعتنقها جميع الإنجيليين. سوف يستكشف هذا الفصل الجذور اللاهوتية، وتطور الصهيونية المسيحية داخل الحركة الإنجيلية، ويوضح كيف تطورت من أفكار الإحياء الألفي إلى أن أصبحت حركة عالمية وقوة مؤثرة للغاية في السياسة الأمريكية. وينتهي الفصل ببعض الانتقادات الرئيسية التي تلقتها الحركة الصهيونية المسيحية لتأثيرها وتدخلها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
- 2 من الأفكار الألفية إلى السياسة: استعادة إسرائيل
- من الصعب أن نحدد بالضبط متى بدأ المسيحيون، لأول مرة، في التفكير في الأمور الأخروية حول استعادة اليهود لوطنهم القديم، كشرط مسبق لمجيء المسيح الثاني. ومع ذلك، كانت القراءة الحرفية للكتاب المقدس التي ظهرت في أعقاب الإصلاح عاملاً رئيسياً. فقبل الإصلاح**، كان الإيمان بالعصر الألفي هو الاتجاه المهيمن داخل الكنيسة(12). انتقد الإصلاح كلاً من سلطة الكنيسة والقراءة المجازية التقليدية للكتاب المقدس -الآن، أصبح الكتاب المقدس هو السلطة وحدها، بالنص وحده Sola Scriptura (Goldman 2009, 8)(13). مع ما يترافق ذلك من قراءة حرفية للعهد القديم بطريقة جديدة، توقع المسيحيون الميسيانيين أن يلعب الشعب اليهودي دوراً مركزياً في العلوم الأخروية (Sharif 1976, 125, Ariel 2006, 75). وقد بدأ اللاهوتيون، بحلول نهاية القرن السادس عشر، في القيام بحساباتهم لتحديد موعد نهاية العالم، وعينوا البابوية الرومانية الكاثوليكية على أنها بمنزلة المسيح الدجال وخلصوا إلى أن اليهود سوف يتحولون إلى المسيحية ويعودون إلى وطنهم القديم (Cohn-Sherbok 2006, 3). وادعى آخرون، في ذلك الوقت، أنهم وجدوا أسباط إسرائيل العشرة المفقودة. اعتبر هؤلاء المسيحيون عودة القبائل المفقودة إلى إسرائيل علامة مسيانية(14). وتطورت أفكار إعادة اليهود إلى إسرائيل بشكل أكبر في القرن السابع عشر، عندما أثارت الثورة الإنجليزية “الخيال المسياني وأدت إلى ظهور مجموعات العقيدة الألفية التي اهتمت بالشعب اليهودي واحتمال عودته إلى فلسطين”، وفقاً لجاكوب آرييل (2006, 75). ومن بين مفكري ما قبل الألفية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، كان المتشددون من بريطانيا وهولندا أكثر انخراطاً في إعادة الشعب اليهودي إلى الأرض المقدسة، حيث اعتقد هؤلاء “البيوريتان” أن استعادة اليهود لن تكون حلاً لـ “المشكلة اليهودية” في أوروبا فحسب، بل ستؤدي أيضاً إلى عودة وشيكة للمسيح. وشجع المتشددون- دون نجاح-، من خلال تفانيهم لهذه الفكرة، رؤساء فرنسا وإنجلترا وهولندا على المشاركة في خططهم(Cohn-Sherbok 2006, 3-5). ومع بداية القرن التاسع عشر، أبدت النزعة التشكيكية للمتنورين تحدياً لوجود الكنيسة، بينما واصل رجال الدين افتتانهم بمقولة نجاة الشعب اليهودي، كمجموعة منفصلة، عبر التاريخ في الشتات. وبحلول العام 1795، كتب تشارلز جيرام، الطالب الجامعي في كامبريدج، مقالاً ادعى فيه أن لليهود حقاً مطلقاً وغير محدود في الحيازة الأبدية لأرض كنعان، وأن هذا الادعاء سيكون دائماً منطقياً وعادلاً. وخلافاً للمترجمين النبويين الأوائل، جادل جيرام بأن اليهود سوف يتحولون إلى المسيحية بعد عودتهم إلى وطنهم القديم (وهو مفهوم سيكون مهماً للصهاينة المسيحيين الذين سيأتون فيما بعد (Cohn-Sherbok 2006, 6, Lewis 2010, 44). ومن المثير للاهتمام، أن “النزعة العقلانية”، التي عرفت في القرن التاسع عشر، سوف تضطر للاستسلام للإحياء الإنجيلي في بريطانيا، حيث هيمن التفكير في استعادة اليهود لفلسطين على التقوى الفيكتورية. وقبل الانتقال لاستكشاف تأثير أتباع العقيدة الألفية على الحركة الصهيونية في منتصف القرن التاسع عشر، تجدر الإشارة إلى أن المسؤولين الحكوميين البارزين، بدأوا، أيضاً، يبدون اهتماماً في الأراضي المقدسة. وكان اللورد شافتسبري من بين أولئك الذين دافعوا عن استعادة اليهود لفلسطين في إطار السياسة الإمبراطورية البريطانية طوال القرن(15). وقد أيد رئيس الوزراء البريطاني، اللورد بالميرستون، خطط إحياء اللورد شافتسبري، ولكن ليس لأسباب كتابية، فقد انطلقت دوافعه من مصالح الإمبراطورية البريطانية، حيث يمكن لليهود في شرق المتوسط أن يكونوا أداة مفيدة لحماية مصالح إنجلترا المستقبلية. وقد أدى ذلك لاحقاً إلى إعلان بلفور في العام 1917، والذي كان خطوة رئيسية نحو إقامة دولة إسرائيل في العام 1948.
- 1.2 التأثير على الصهيونية اليهودية
- شارك اليهود العلمانيون الطموحات لإنشاء دولة يهوديةـ تحميهم من الاضطهاد [القومي]، وذلك بالتوازي مع الرغبة المسيحية في عودة اليهود إلى فلسطين وحيازتها. ووفقاً لشالوم غولدمان، استبعدت السردية اليهودية الصهيونية تأثير السردية المسيحية الصهيونية عليها، لأنه كان واضحاً في الفهم الذاتي الصهيوني أن معاداة السامية المسيحية هي التي تسببت في الحاجة إلى دولة يهودية (Goldman 2009, 1) لذلك، يبدو أنه تم التقليل من تأثير الصهيونية المسيحية على تاريخ الصهيونية اليهودية(16). وعلى الرغم من أن معظم اليهود لا يشاركون المسيحيين الإنجيليين الأفكار المسيانية، إلا أنهم ما زالوا يقبلون، بأريحية، المساعدة المسيحية. ويعدّ رجل الدين البريطاني، وليام. ه. هيشلر، من أهم الشخصيات المسيحية التي أثرت في الصهيونية اليهودية، وقد كان قريباً من ثيودور هرتزل، في نهاية القرن التاسع عشر(Merkley 1998, 9-10). ووفقاً لبول تشارلز ميركلي، لولا مساعدة هيشلر، لما كانت هناك منظمة صهيونية عالمية، أو وعد بلفور، أو انتداب بريطاني أو دولة إسرائيلية (1998 ، 8) (17). وكان هرتزل قد دعى لعقد أول مؤتمر صهيوني في بازل بسويسرا في العام 1897. ولم يكن هناك سوى حفنة من المسيحيين، من بينهم السويسري الكالفيني هنري دونان، المعروف بمؤسس الصليب الأحمر، الذي كان يبدي اهتماماً وقلقاً فيما يتعلق بوضع اليهود في أوروبا. ويُزعم أن هرتزل استخدم تسميةمسيحي صهيوني Christian Zionist لأول مرة لوصف دونان في المؤتمر (Widnes 2007, 23, Cohn-Sherbok 2006, 95-6). ولعل هذا ما يمكن اعتباره بداية التأريخ للمسيحية الصهيونية بوصفها ظاهرة.
- 2 العقيدة الألفية التدبيريةDispensational premillennialism
- لابد لنا بالضرورة، كي نفهم كيف ارتبطت الصهيونية المسيحية بقوة بالعقيدة التدبيرية، استكشاف التطور اللاهوتي في الربع الأول من القرن التاسع عشر. ففي العام 1826، أضاف رجل الدين الاسكتلندي إدوارد إيرفينغ مقدمة من 203 صفحات إلى ترجمة كتبها لكتاب اليسوعي الإسباني مانويل لاكونزا،“مجيء المسيح في المجد والجلالة”. رأى لاكونزا الأحداث الأبوكالبتية في سفر الرؤيا أنها باتت وشيكة الوقوع. وقدّم إيرفينغ، في المقدمة تلك، تكهناته الخاصة حول النهاية المقبلة، حيث تنبأ بارتداد الكنيسة، وعودة اليهود إلى إسرائيل والعودة الوشيكة للمسيح بعد استعادة [ اليهود لفلسطين] (Cohn-Sherbok 2006, 13). وقد ألهمت أفكار إيرفينغ عن العقيدة الألفية جون نيلسون داربي، وهو كاهن إيرلندي منشق عن الكنيسة، والذي طور المذهب التدبيري لحركة العقيدة الألفية. ومن وجهة نظر داربي، يتعامل الرب مع البشرية ضمن عهود مختلفة عبر التاريخ. ومع ذلك، يفشل الجنس البشري في العثور على رضا الرب في كل هذه التدابير، مما يؤدي إلى التدبير الذي يليه(Cohn-Sherbok 2006, 14). وهكذا، وفقاً لداربي، أصبحت التدبيرية طريقة لتقسيم تاريخ العالم، وادعى أنه سيكون هناك ستة تفاعلات مختلفة من الرب: تدبير الضمير (من آدم إلى نوح)؛ تدبير الحكومة (نوح لإبراهيم)؛ التدبير البطريركي (من إبراهيم إلى موسى)؛ تدبير ناموس موسى (موسى للمسيح)؛ تدبير النعمة الإلهية (عصر الكنيسة) تدبير المملكة الألفية (عودة المسيح). وتعيش البشرية حالياً في مرحلة تدبير “النعمة الإلهية” حيث سيحكم الرب على البشر من خلال علاقتهم الشخصية بيسوع المسيح (Weber 2004, 20). ومع ذلك، وفقاً لداربي، فقد فشلت الكنيسة أيضاً في هذا التدبير، وستحل إسرائيل في المستقبل محل الكنيسة، حيث سيواصل الرب خططه، كما كتب ويبر (2004 ، 23).
- اعتقد داربي أن الرب أعطى اليهود أرض إسرائيل لامتلاكها إلى الأبد، وسوف يقوم بإفراغ الأرض من جميع سكانها ويعيدها لليهود قبل المجيء الثاني. وبعد عودة اليهود، سوف يقوم المسيح الدجال ويحكم الأرض لمدة سبع سنوات وسوف يكون اليهود إلى جانبه. سيظهر المسيح بعد ذلك، ويهزم المسيح الدجال ويؤسس الملك الألفي على الأرض، حيث سيتحول بقية اليهود. أما المؤمنون المسيحيون، قبل قيام المسيح الدجال، يتم اختطافهم من الأرض حيث “يلتقون بالمسيح في السماء” ويُعرف هذا باسم “اختطاف القديسين Rapture of the saints ” (Cohn-Sherbok 2006, 13-16). وفي عقيدة إيرفينغ وداربي التدبيرية، يتحكم الرب المطلق في مجرى التاريخ الذي سيؤدي إلى إعادة اليهود إلى إسرائيل وتحقيق النبوءات الكتابية في نهاية المطاف. كان لهذه العقيدة تأثير كبير على الكتّاب المسيحيين اللاحقين، خاصة بعد رحلة داربي إلى أمريكا في العام 1862، حيث لقيت أفكاره التدبيرية هناك استحساناً(Cohn-Sherbok 2006, 16-7).
- 2.1 الاستقبال في أمريكا
- لقد كانت أمريكا(18) هي المكان الذي لاقت فيه الأفكار التدبيرية أكبر قدر من الالتزام كي تصبح الحركة الأكثر تأثيراً داخل الأصولية البروتستانتية. لم تكن العقيدة الألفية شائعة في أمريكا قبل رحلات داربي هناك. غير أن هذا لا يعني أن الأمريكيين لم يستخدموا نبوءات الأناجيل لفهم العالم (Weber 2004, 11). يعتقد العديد من الأمريكيين أن العالم الجديد له أهمية تنبؤية. فعلى سبيل المثال، رأى اللاهوتيون البارزون مثل جوناثان إدواردز المتشدد، في الصحوة الكبرى الأولى(19) بمنزلة خطوة أولى نحو تنصير العالم والمجيء الثاني بعد الألفية. بيد أنه لم يشارك الجميع مثل هذا الإكمال الإيجابي للنهاية، كما يرى ويبر. واعتقد العديد من المسيحيين، أثناء الثورة الأمريكية، أن الملك جورج، ملك إنجلترا، هو المسيح الدجال، بينما كان يُنظر إلى المتمردين الوطنيين في المستعمرات على أنهم “المرأة في البرية” في سفر الرؤيا***.ظهرت العقيدة الألفية التدبيرية الأمريكية في السنوات التي أعقبت الحرب الأهلية (1861-1865)، في أعقاب رحلات داربي التبشيرية الخمس إلى أمريكا من 1864 إلى 1865 (Weber 2004, 11-13). التقى داربي خلال جولاته في أمريكا بعدد من أتباعه، كان أبرزهم دي. إل. مودي، وجامز بروكس، وسي. آي. سكوفيلد، الذين أسسوا معاهد الكتاب المقدس وضغطوا من أجل المذهب الجديد (Cohn-Sherbok 2006, 98-100). قام سكوفيلد بتعميم آراء داربي التدبيرية واعتقد أن ” [كل] تدبير من التدبيرات يمكن اعتباره اختباراً جديداً للإنسان الطبيعي، وينتهي كل منها بالحكم – مما يجعل فشله التام في كل تدبير” (كما ورد في Weber 2004, 20). نشر سكوفيلد في العام 1909، كتابه المعنون الكتاب المقدس المرجعي سكوفيلد Scofield Reference Bible، والذي أصبح أحد أهم وسائل نشر العقيدة الألفية. فمع إنجيل سكوفيلد، تم إلقاء ضوء جديد على سفري دانيال والرؤيا، والذي كان يُنظر إليهما، عموماً، على أنهما أسفار غامض وغير قابلة للسبر. ووفقاً لشون شيربوك، أحدث إنجيل سكوفيلد تأثيراً كبيراً، و”أصبح الوثيقة الوحيدة لجميع مظاهر النزعة الأصولية [البروتستانتية]” (2006 ، 101-104). و كان ويليام. إي. بلاكستون أيضاً من تلاميذ داربي البارزين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأصبح وجوده ضرورياً لتطور الذهنية المسيحية الصهيونية فيما بعد. حيث أكد بلاكستون أن الرب قد أوكل لأمريكا، كجزء من خطته الإلهية الأكبر للبشرية، مهمة خاصة لإعادة اليهود إلى فلسطين (Ariel 2006, 77). ونجد بلاكستون قد شدد في كتاباته، (على سبيل المثال: “يسوع قادم Jesus is coming”، والذي تُرجم إلى 42 لغة وأصبح من أكثر الكتب مبيعاً)، على الحاجة إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين. كما نشر في رحلاته حول أوروبا كلمات مفعمة بالنشوة المتأصلة في المؤمنين، وقام بزيارة المستعمرين اليهود الرواد في فلسطين ليخبرهم عن دورهم المهم في تحقيق نبوءات الكتاب المقدس(Weber 2004, 103). وعندما عاد إلى أمريكا، عمل على الضغط بأفكاره على الرؤساء الأمريكيين، حيث روّج لفكرة إعطاء فلسطين لليهود. ووفقاً لآرييل، كان للضغط الذي قام به بلاكستون وقادة صهاينة آخرون تأثيراً مباشراً على قرار الرئيس وودرو ويلسون بالسماح لبريطانيا بإصدار وعد بلفور في العام 1917. لكن هذا غير معروف كثيراً، لأن ويلسون لم يرغب في اهتمام الجمهور بمفاوضاته مع الحركة الصهيونية، فقد جرت المحادثات وراء الأبواب المغلقة (Ariel 2006, 79).
- انتشار الأفكار التدبيرية
- تم استيعاب التدبيرية، في أوائل القرن العشرين، من قبل أوساط كبيرة من أفراد الطائفة الإنجيلية في أمريكا وأصبحت جزءً من الحركة الأكبر للأصوليين البروتستانت(20). بدأ البروتستانت في التعبئة ضد ما اعتبروه تفككًا للدين في المجتمع العام، حيث بدأت في أوروبا ظهور نظريات نقدية جديدة تتحدى النظرة التقليدية للعالم، مثل النقد العالي للكتاب المقدس (نقد المصدر) ونظرية التطور الداروينية، والتي أصبحت الشغل الشاغل للمحافظين البروتستانت. وقد طالبت النظريات الجديدة، والحديثة، بقراءة الكتاب المقدس من خلال معطيات التاريخ، وليس قراءة “التاريخ بعيون الكتاب المقدس”، لذلك عندما تم تحدي الكتاب المقدس بمقولات النقد العالي، تحولت “عصمة الكتاب المقدس” إلى عقيدة أصولية (Casanova 1994, 14-1) (21). ويعبر جوزيه كازانوفا عن سذاجة الطروحات الإنجيلية البروتستانتية حين توهمت بقدرتها على العودة، بأمانة، إلى الكنيسة الأصلية بمجرد رفضها للتقاليد الكنسية الراسخة بكل “فسادها الوسيط وتفسيراتها المدرسية”. ويشير كازانوفا، من ثم، إلى الحركة الإنجيلية “البدائية” على أنها حركة “شعبوية” و”مناهضة للفكر” (1994، 141). كما يصف هيمنة العقيدة الألفية بأنها عقيدة مفارقة للأصوليين البروتستانت، لأنها لم تكن تقليدياً من ضمن العقيدة الأرثوذكسية، ولا ضمن القراءة الحرفية للكتاب المقدس، بل مدرسة جديدة نسبياً، مقصورة على فئة معينة، لكنها تتمتع بشعبية لجهة التفسير، حيث فهمت الكتاب المقدس كنص مليء بالمعاني الخفية والحقائق العلمية والتاريخية (الماضي والحاضر والمستقبل)، التي كان وحيها مفتوحاً للناس العاديين الذي بدأ في “الحساب الألفي (Casanova 1994). لقد كانت الطريقة التدبيرية للعقيدة الألفية لقراءة الكتاب المقدس في الواقع طريقة “جديدة” وغير تقليدية ولكنها أصبحت الفرع المهيمن للأصولية البروتستانتية في أمريكا في نهاية القرن العشرين. واستوعبت حركات الخمسينية Pentecostalism **** أيضاً جزء من الأفكار التدبيرية ودمجتها مع عناصر خارقة للطبيعة، مثل التكلم بألسنة مختلفة، في أوائل القرن العشرين(Harding 1994, 66) (22). ويمكن أن تسهم حقيقة أن الحركة الخمسينية قد استوعبت العقيدة التدبيرية في شرح لماذا أصبحت الصهيونية المسيحية ظاهرة شائعة على نطاق عالمي. لقد أصبحت الخمسينية خياراً جذاباً للناس بفضل “الإيحاءات الروحية المباشرة” وجاذبيتها القوية للفقراء في المجتمع (Jenkins 2002, 63)
- 3 إقامة إسرائيل: علامة إلهية للنهاية القادمة
تم الحفاظ على خطط الإحياء المسيحية في بريطانيا، وأصدرت الحكومة البريطانية، في العام 1917، وعد بلفور الذي دعم إقامة وطن لليهود في فلسطين. ودوافع هذا الإعلان غير واضحة، حيث زعم رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد لويد جورج، أن دوافعه كانت تشجيع الممولين اليهود الأمريكيين على الضغط على السياسيين الأمريكيين للانخراط في الحرب العالمية الأولى. ومع ذلك، فقد ادعى المؤرخون، لاحقاً، أنه ربما كانت هناك دوافع استراتيجية أكثر لجعل فلسطين بمثابة وعد لليهود. كما أن هناك أيضاً عدة مؤشرات ترى أن ديفيد لويد جورج ووزير الخارجية آرثر بلفور كان لهما دوافع كتابية شخصية لإعادة اليهود إلى فلسطين (Spector 2009, 19-20). وبغض النظر عن الدوافع، قدم وعد بلفور لبريطانيا العظمى الأراضي الفلسطينية في العام 1922 في مؤتمر باريس للسلام في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وتميزت فترة ما بين الحربين أيضاً بالهجرة اليهودية إلى فلسطين في مرحلة الهجرة الثالثة والرابعة وبعدة انتفاضات عربية. ومع ذلك، أظهرت القوى الغربية القليل من النشاط السياسي في تلك الفترة، لكن المسيحيين الصهاينة في أمريكا تابعوا تطورات الوضع في فلسطين بشغف، وقرأوا عن جميع المستوطنات والتطورات اليهودية الجديدة في ضوء الأحداث الأخيرة (Cohn-Sherbok 2006, 111-115)، بيد أنهم أعربوا عن بعض استيائهم عندما أصدرت بريطانيا أوامر تقييدية للحد من الهجرة اليهودية بسبب الثورات العربية في أعوام 1936-1939 (Ariel 2006, 79). خفت النشاط السياسي للصهاينة المسيحيين في أمريكا، في فترة الحرب، ووصل إلى العدم تقريباً إثر محاكمة سكوبس في العام 1925*****(23). وفي بريطانيا، لم يكن حماس الإحياء سوى ظل لما كان عليه في السابق، في الوقت الذي ازداد فيه قمع النازيون للأنشطة المؤيدة للصهيونية في أجزاء كبيرة من القارة الأوروبية(Ariel 2006, 80). ودفعت، لاحقاً، الحرب العالمية الثانية، وما تبعها من إبادة 6 ملايين يهودي في الهولوكوست، إلى إنشاء دولة إسرائيل في العام 1948. وأصبحت فلسطين الأمل الوحيد لأكثر من 100000 ناجٍ يهودي عاشوا في معسكرات في أوروبا، وكانوا يتوقون لبدء حياة جديدة في فلسطين (Clark 2007, 141). وفي 29 تشرين الثاني \نوفمبر 1947، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة التقسيم (انظر الشكل 2)(24). ومع قيام إسرائيل، استعاد الصهاينة المسيحيون في أمريكا اهتمامهم بفكرة إعادة اليهود إلى الأراضي المقدسة على الرغم من ابتعادهم عن النشاط السياسي، بينما ظل الارتباط في بريطانيا مهملاً (Clark 2007, 145). وفي العام 1967، اندلعت حرب الأيام الستة، التي نتج عنها انتصار إسرائيل وبداية احتلال غزة ومرتفعات الجولان والضفة الغربية والقدس الشرقية (Lutes 2013, 369). كان للنصر الإسرائيلي الساحق تأثير كبير على المسيحية الصهيونية أدى إلى إعادة الاهتمام من جديد بالقضية الإسرائيلية. وقد اعتقد العديد من المسيحيين أن الرب كان إلى جانب إسرائيل. حيث كان هذا هو التفسير الوحيد لكيفية قيام إسرائيل بسحق مصر والأردن وسوريا، مثلما سحق داود جوليات في الكتاب المقدس. بالإضافة إلى ذلك، أدى احتلال إسرائيل لمواقع تاريخية مهمة في القدس الشرقية إلى تعزيز هذا الرأي (Ariel 2006, 81). ورحب المسؤولون الإسرائيليون بصداقة المسيحيين الصهاينة، وفي العام 1971، خاطب ديفيد بن غوريون 1400 مسيحي في مؤتمر القدس حول نبوءات الكتاب المقدس حيث أعلن إسرائيل أرض الكتاب المقدس. ونتج عن هذا المؤتمر بروز ظاهرة سياحية ضخمة تمثلت في قدوم الحجاج الإنجيليين، والتي تعتبر حتى يومنا هذا أمراً مهماً للاقتصاد الإسرائيلي (Spector 2009, 146).
- 4 إحياء الصهيونية المسيحية في أمريكا
- بدأت الأصولية البروتستانتية، منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، في إعادة حشدها ودخولها مجدداً إلى معترك المجال السياسي. ووفقاً لكازانوفا، فإن تأثيرهم على الجمهور والسياسة قد “تجاوز حجمه” من قبل الأكاديميين والصحفيين (1994 ، 145). ومع ذلك فإن تأثير حركة اليمين المسيحي الجديد New Christian Right movement (25)لفت انتباه الجمهور إلى إسرائيل. وهيمنت البروتستانتية الليبرالية في الحيز العام، بعد مسار محاكمة سكوبس في العام 1925. لكن الطوائف الأصولية لم تختف. في حين اعتبر بعض الأصوليين المسيحيين العالم الحديث على أنه عالم ما بعد الخلاص وانسحبوا من المشاركة الاجتماعية، استأنف آخرون النضال من أجل استعادة السلطة الدينية في المجتمع العام (Casanova 1994, 146). وتمكن “الأصوليون الجدد”، في أواخر سبعينيات القرن الماضي، من توحيد البروتستانت المحافظين والتدبيريين نحو أهداف مشتركة. واستخدموا، في سعيهم هذا، تجهيزات جديدة من أجل الوصول إلى الجماهير(Hunt 2003, 65). حيث استطاع القائمون على الأنشطة المتلفزة، مثل جيري فالويل وبيلي جراهام وبات روبرتسون، من الوصول إلى ملايين المسيحيين في برامجهم عن طريق لغتهم الخلاصية، وأصبحت التدبيرية حقاً موضوعاً ساخناً في الثقافة الشعبية الأمريكية. فعلى سبيل المثال، قارن هال ليندسي في كتابه الأكثر مبيعاً ،”كوكب الأرض العظيم الفاني The Late Great Planet Earth”، تنبؤات نهاية الزمان الكتابية بالأحداث المعاصرة(26).
- اعتقد أنصار العقيدة التدبيرية، قبل العام 1980، أن زمن “الاختطاف” يعود لتقدير الرب، غير أنه كان بإمكانهم القول عن عثورهم على “علامات” لوقت الاختطاف بما يؤكد على أن النهاية باتت قريبة وأن النبوءات على وشك أن تتحقق. ومع ذلك، عندما وقعت الأحداث، التي يعتقد أنها حدثت بعد اختطاف المؤمنين إلى السماء عند المجيء الثاني للمسيح(27)، فجأة، مثل توحيد القدس في العام 1967، تم تعديل سردية النزعة المستقبلية التدبيرية المطلقة وحصل المسيحيون على دور فعال في خطط العناية الإلهية، وفقاً لـ Harding (1994 ، 66). وتصور ليندسي في كتابها “1980: العد التنازلي لهرمجدون 1980 The 1980: Countdown to Armageddon ” الأمة الأمريكية على أنها أمّة مهمشة وإذا لم يتحرك المسيحيون الآن، فإن أمريكا ستواجه مصيراً قاتماً. كما جادل إنجيليون بارزون آخرون، مثل تيم لاهاي، بأنه في حال سيطرة الإنسانيون الليبراليون بالكامل على الحكومة، فإن أمريكا ستواجه بالتأكيد المحنة. ولحسن الحظ، لم يكن هذا مقدراً مسبقاً، حسب لاهاي؛ فيما لو يقوم المسيحيون بدور أكثر فاعلية في الحفاظ على البلاد، فمن الممكن أن تظل أمريكا قوة عالمية (Harding 1994, 68-9). ومن الآن فصاعداً، سوف يقوم المسيحيون الصهاينة بدور أكثر فاعلية في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إسرائيل. ويمكن النظر إلى القس جيري فالويل وبيلي غراهام كمثالين على الإنجيليين الذين أثروا في النخبة السياسية الأمريكية في القضايا المتعلقة بإسرائيل. ويمتلك هؤلاء المسيحيون الصهاينة علاقات وثيقة مع رؤساء الوزراء الإسرائيليين واستخدموا موقفهم لمعارضة نتائج مفاوضات السلام التي من شأنها إضعاف موقف إسرائيل(28). ومع ذلك ، لم تتصرف الحكومة الإسرائيلية دائماً وفقاً لرغبة الصهاينة المسيحيين: فقد دافع أرييل شارون وإيهود أولمرت، على الرغم من كونهما محافظين من الناحية السياسية، عن سحب المستوطنات من الأراضي الفلسطينية، إلا أن المسيحيين الصهاينة أدانوا هذه الأعمال (Spector 2009, 148).
- في منتصف التسعينيات، نشر لاهاي أول كتاب من ملحمة المنسيون(29)، والتي أصبحت الرواية الأكثر مبيعاً عن نهاية العالم الخلاصية(30). ولازالت، حتى الآن، أنشطة روبرتسون ولاهاي وليندسي مع قادة مسيحيين صهيونيين آخرين، تصل إلى حوالي 100 مليون أمريكي أسبوعياً عبر الكتب والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، بحسب كوهن شربوك (2006 ، 164). لقد أدى استخدامهم لوسائل الإعلام، حيث يشجعون دعم إسرائيل، إلى الحفاظ على إرث داربي في العقيدة الألفية التدبيرية. لقد تطورت الصهيونية المسيحية بالفعل إلى قوة رئيسية داخل المجتمع السياسي والعام. وقد أدى ذلك إلى إنشاء حوالي 250 منظمة إنجيلية مؤيدة لإسرائيل في أمريكا اليوم(Cohn-Sherbok 2006, 164). وحافظ القادة الصهاينة المسيحيون واللوبي الموالي لإسرائيل على تأثير مهم على الحكومة وساهموا في تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وفي العام 1991، تم إنشاء لجنة الشؤون العامة المسيحية الإسرائيلية (CIPAC)، والتي تشكل، منذ ذلك الحين، جماعة ضغط تعمل لصالح حزب الليكود الإسرائيلي. جمع التحالف المتحد من أجل إسرائيل (UCFI) المسيحيين واليهود معاً في هدفهم المشترك المتمثل في استعادة سمعة إسرائيل في الحيز العام، والذي يضم أيضاً أكبر المنظمات المسيحية الصهيونية، أي السفارة المسيحية الدولية في القدس، وجسور السلام والمسيحيون من أجل السلام (Cohn-Sherbok 2006, 182). وكجزء من عملها النشط، تضغط هذه المنظمات على وسائل الإعلام الأمريكية والمؤسسة السياسية، كما دعمت إسرائيل من خلال تنظيم جولات التضامن والحجيج إلى الأراضي المقدسة. وفقاً لوزيرة السياحة الإسرائيلية، فإن السياحة الإنجيلية إلى إسرائيل باتت تمثل صناعة بملايين الدولارات مع ما يقرب من 400000 زائر سنوياً(32). ومن أهداف زيارات التضامن هذه إظهار الدعم للمستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة. كما شجع الصهاينة المسيحيون اليهود على استعمار الضفة الغربية. فعلى سبيل المثال، تمتلك منظمات مثل الأصدقاء المسيحيين للمجتمعات الإسرائيلية (CFOIC) برنامجاً يسمى “تبني مستوطنة” حيث يشجع هذا البرنامج الكنائس الإنجيلية على تقديم الدعم المالي للمستوطنين اليهود (Clark 2007, 210, Sizer 2004a, 270-1).
- 5 انتقاد الصهيونية المسيحية
- كما لوحظ في مقدمة هذا الفصل، فإن سمعة المسيحية الصهيونية مضطربة. وجاء النقد الأقسى من المسيحيين الآخرين الذين يزعمون أن الصهاينة المسيحيين يمارسون ضغوطاتهم تبعاً لمصالحهم الخاصة. يشير سبيكتور إلى أربعة انتقادات رئيسية وجهت للمسيحية الصهيونية: (1) يدعم الصهاينة المسيحيون هجرة يهودية لإسرائيل لأنهم يأملون في تسريع المحنة والدخول إلى عصر الألفية. (2) دوافعهم الحقيقية هي التبشير بين اليهود وتحويلهم إلى الطائفة الإنجيلية (3) أساءوا فهم العهد والمعنى الحقيقي للكتاب المقدس، وهو الدفاع عن المظلومين (الفلسطينيين) وإظهار العدالة؛ (4) يقيمون تحالفات مع السياسيين الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين، وهو ما يمثل عقبة رئيسية أمام السلام (2009 ، 111). وكان مركز سبيل اللاهوت المسيحي للتحرير المسكوني الفلسطيني Palestinian Christian Sabeel Ecumenical Liberation Theology Centre عقد مؤتمراً، في العام 2004، لمناهضي الصهيونية المسيحية، وصدر عن المؤتمر بياناً صحفياً عبر فيه المركز عن رفضه “التعاليم المهرطقة للمسيحية الصهيونية التي تسهل وتدعم السياسات المتطرفة [إسرائيل والولايات المتحدة] لأنها تقدم شكلاً من أشكال التفرد العرقي والحرب الدائمة بدلاً من إنجيل الحب والفداء والمصالحة العالمي الذي يظهر في تعاليم يسوع المسيح “(مقتبس في Cohn-Sherbok 2006, 195). تم إعادة ذكر هؤلاء النقاد في إعلان القدس حول الصهيونية المسيحية (انظر الفصل 7). لقد كانت الصهيونية المسيحية موضع انتقاد جماهيري لدعمها غير المشروط للسياسة الإسرائيلية ولإفساد أي عملية سلام بين إسرائيل وفلسطين. ويزعم رامي م. هيجا أن الأهداف الإسرائيلية في احتلال الأراضي المحتلة في فلسطين سوف تتحقق من خلال تأثير جماعات الضغط المسيحية الصهيونية (Haija 2006, 93).
- لم تلق العقيدة التدبيرية الشعبوية والمناهضة للفكر، كما أشار إليها كازانوفا، قبولاً جيداً في العديد من الأوساط المسيحية كما هو موضح هنا. ومع ذلك، أصبحت المسيحية الصهيونية شعبية وعالمية، ووصلت إلى أبعد مكان في المجال السياسي وداخل المجتمع العام. لقد تناول هذا الفصل بالتفصيل صعود الصهيونية المسيحية منذ بدايتها كأفكار حول عودة يهودية إلى أرض الميعاد في القرن السادس عشر، بعد أن تطلب الإصلاح الديني قراءة جديدة للكتاب المقدس. ثم تطورت لتصبح عقيدة تدبيرية أصبحت شائعة داخل الحركة الإنجيلية. وسوف تركز الفصول التالية على سرد لمنظمة مسيحية صهيونية معينة، أي السفارة المسيحية الدولية في القدس، والتي – وفقاً لسايزر – تعد واحدة من أكثر المنظمات إثارة للجدل في إسرائيل (Sizer 2004b).
- …..
- ملاحظات المترجم
- *تشير “المحنة” Tribulation في تفسيرات الخلاص اللاهوتية المسيحية إلى الفترة التي ذكرها يسوع فيما يعرف بحديث جبل الزيتون عن نهاية العالم وعودة المسيح [3 وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، تَقَدَّمَ إِلَيْهِ التَّلاَمِيذُ عَلَى انْفِرَادٍ قَائِلِينَ: «قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟» 4 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ.5 فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ.6 وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا، لاَ تَرْتَاعُوا. لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ هذِهِ كُلُّهَا، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ.7 لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ.8 وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ… إلى آخر الإصحاح 24 من إنجيل متى وكذلك مرقس 13 ولوقا 21] ويظهر حديث يسوع محنة من سوف يتعرضون إلى ضغوط شديدة بسبب الحروب والحصار. وترى التفسيرات اللاهوتية أن هذه المحنة سوف تكون قصيرة نسبياً يوجه العالم خلالها صعوبات جمة مثل التعرض للاضطهاد والمجاعة والحرب والمعاناة والتي ستطال جميع البشر، والمحنة، بزعمهم تأتي قبل أن يحكم الشر هذا العالم، على مشارف المجيء الثاني، وأما المؤمنون فسوف يتم “اختطافهم” أي أخذهم جسدياً إلى الجنة ( وهو يعادل القيامة التي تحدث بعد المنحة) من قبل الرب قبيل المحنة، أي هم الفئة الناجية من المحنة، وبالتالي على هؤلاء المؤمنون تحمّل تبعات المحنة كاختبار لإيمانهم. ترى العقيدة التدبيرية dispensational doctrine ( بوصفها عقيدة مستقبلية) أن المحنة أحد تجليات نهاية العالم وقدوم يسوع ليؤسس ملكوته الألفي، وسوف تستمر لمدة سبع سنوات عبرية نبوية (تدوم كل منها 360 يوماً) ما عدا المحنة العظيمة التي ستكون النصف الثاني من فترة المحنة (انظر متى 24: 15 و 21). ووفقاً لهذا الاعتقاد، فإن كل مسيحي حقيقي كان موجوداً طوال فترة العصر المسيحي بأكمله سوف يتحول على الفور إلى جسد كامل يقوم من الموت، وبالتالي سوف ينجو من المحنة.
- ** الإصلاح Reformation، أو الإصلاح البروتستانتي، أو الإصلاح الأوروبي حركة رئيسية داخل المسيحية الغربية في أوروبا تعود للقرن السادس عشر والتي شكلت تحدياً دينياً وسياسياً للكنيسة الكاثوليكية، وعلى وجه الخصوص للسلطة البابوية، وظهرت الحركة الإصلاحية، على يد مارتن لوثر، بهدف “تصحيح” ما كان يُنظر إليه على أنه أخطاء وإساءات وتناقضات من قبل الكنيسة الكاثوليكية. كان الإصلاح بداية البروتستانتية وانقسام الكنيسة الغربية إلى بروتستانتية وما يعرف الآن بالكنيسة الرومانية الكاثوليكية. كما تعتبر من الأحداث التي تسير إلى نهاية العصور الوسطى وبداية العصر الحديث المبكر في أوروبا. ويجادل الإصلاحيون بأن الخلاص في المسيحية حالة مكتملة قائمة بذاتها تقوم على الإيمان بيسوع وحده وليس عملية تتطلب أعمالاً صالحة، كما هو الحال في وجهة النظر الكاثوليكية.
- *** [12:6 وَالْمَرْأَةُ هَرَبَتْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، حَيْثُ لَهَا مَوْضِعٌ مُعَدٌّ مِنَ اللهِ لِكَيْ يَعُولُوهَا هُنَاكَ أَلْفًا وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْمًا.. ]
- ****حركة دينية بروتستانتية ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وتتميز بإيمانها بأن جميع المسيحيين بحاجة لأن يعيشوا اختباراً فريداً لكي يكونوا مسيحيين فعلا، ويسمى هذا الاختبار بمعمودية الروح القدس. وهذا الاختبار يجب أن يكون مطابقاً لما عاشه الحواريون، بحسب ما ورد في الكتاب المقدس، لمّا حل عليهم الروح القدس في اليوم الخمسين لصعود المسيح للسماء (يوم العنصرة). وكان حلول الروح عليهم جلياً من خلال عدة علامات، أبرزها: التكلم بألسنة مختلفة، التنبؤ، وشفاء المرضى. انشقت الحركة الخمسينية عن حركة تعرف باسم حركة القداسة، وحافظت على بعض مبادئ الحركة الأصلية مثل التشديد على حرفية الكتاب المقدس، والتأكيد على الصرامة الأخلاقية. يرتبط تأسيس الحركة الخمسينية بالقس تشارلز. إف. بارهام (1873-1929)، ووليم. جي. سيمور (1870-1922). وتنتشر اليوم في جميع أنحاء العالم، لاسيما في دول الكاريبي وأمريكا الجنوبية وأفريقيا. اللافت للنظر أن المنتمي للحركة الخمسينية غير مجبر على التخلي عن كنيسته الأصلية قبل انضمامه للحركة الخمسينية.
- *****قضية شهيرة في الولايات المتحدة, وتعرف أيضاً باسم “محاكمة القرد” كان طرفها المدرس في المدرسة الثانوية ،جون ت. سكوبس، المتهم بانتهاك قانون الولاية بتعليم نظرية داروين. من الجدير ذكره أن المحاكمة هذه ساهمت، بطريقة ما، بسرعة انتشار الأدلة العلمية على نظرية داروين في المجتمع الأمريكي نظراً لاستخدامها في المحكمة واستدعاء نقاش قومي هناك، ومازال مستمراً حتى يومنا هذا، حول صحة، أو عدم صحة، نظرية التطور.
- …..
- هوامش
- 7- هذا مصطلح مهين يشير إلى البروتستانت الأنجلوساكسونيين البيض.
- 8- مسيحي فلسطيني مقيم في بيت لحم وموظف في المعهد اللاهوتي السويدي في القدس، حيث قضيت أسابيعي الأولى في القدس.
- 9- يهودية مقيمة في القدس. التقيت بها بالصدفة من خلال التعارف المتبادل.
- 10- فترة ما قبل المجيء الثاني للسيد المسيح.
- 11- في نظرية المؤامرة الحديثة، يشير المتنورين إلى مجتمع سري يتحكم في الأحداث العالمية (Barkun 2003).
- 12- في الإيمان الألفي، يحكم المسيح من خلال الكنيسة، بينما يُتوقع عودة المسيح في المستقبل البعيد. على الكنيسة إذن رسالة لضمان خلاص أتباعها. كان ينظر إلى الدلالات المسيانية في الكتاب المقدس على أنها مجازية. ومع ذلك، هذا لا يعني أنه لم تكن هناك أي مجموعات الألفية قبل الإصلاح. كان هناك عدد من المجموعات الألفية في جميع أنحاء العصور الوسطى التي توقعت عودة وشيكة ليسوع إلى الأرض (Ariel 2006, 74-5)
- 13-يشير أستاذ الدراسات الدينية، شالوم غولدمان، إلى أن القراءة الجديدة للكتاب المقدس أدت إلى اهتمام العلماء المسيحيين باللغة العبرية. كانت العبرية المسيحية هذه بين المثقفين بارزة بشكل خاص في إنجلترا، لكنها انتشرت مع ظهور المستعمرات الإنجليزية إلى أمريكا، حيث كانت موجودة في الكليات الأمريكية قبل الثورة الأمريكية(Goldman 2009, 9).
- 14- على سبيل المثال، سفير الملكة إليزابيث الأولى، غيلز فليتشر، كان أحد الذين جادلوا أن ملوك الشرق هم من نسل القبائل المفقودة، وتوقع أنهم، مع بقايا القبائل المتناثرة التالية، سيعودون ويؤسسون كومنولث في إسرائيل (Cohn-Sherbok 2006 ، 3 ، انظر أيضاً الفصل 5).
- 15- ظهرت المصلحة السياسية لإعادة اليهود إلى فلسطين في العلاقات مع المصالح الذاتية البريطانية في الشرق الأدنى عندما سيطرت الإمبراطورية العثمانية على بلاد الشام (انظر على سبيل المثال: Sharif 1976, 129).
- 16- أظهر غالبية اليهود القليل من الاهتمام بالأفكار الأخروية، على الرغم من أن البعض اعتقد أن الأمة اليهودية في فلسطين يمكن أن تسرع مجيء المسيح، وبدأت المجتمعات اليهودية الصغيرة في بناء المستوطنات في فلسطين في منتصف القرن التاسع عشر. يعتقد معظم الحاخامات المتعصبين( الأرثوذكس) أيضاً أن أي تدخل سياسي كبير في فلسطين يخالف تعاليم الرب -فالرب وحده هو الذي يستطيع إقامة دولة يهودية، ولا تزال المجموعات الصغيرة أو المستوطنين الأفراد يقبلون في الغالب على العيش في الوطن اليهودي القديم من قبل الحاخامات (Goldman 2009, 10) .
- 17- كان لهشلر صلات بالحكام المسيحيين البروتستانت، ومن خلاله تم تقديم هرتزل إلى الإمبراطور الألماني الذي أصبح راعياً للقضية الصهيونية (Ariel 2006)
- 18- كان لمراحل النهضة الإنجيلية الأمريكية تأثير هائل في تشكيل الأصولية البروتستانتية كما نراها اليوم. قد يبدو هذا بمثابة تناقض، ومع ذلك، يجادل جوزيه كازانوفا بأن عمليات إلغاء الكنيسة والدولة في أمريكا (التي يرى أنها حدثت ثلاث مرات)، جعلت الإنجيلية البروتستانتية (الأصولية المسيحية) تصبح “الدين المدني، أي الدين العام لأمريكا “(Casanova 1994, 136).
- 19-كانت الصحوة الكبرى عبارة عن سلسلة من النهضات الدينية التي حدثت بين منتصف القرن السابع عشر وأواخر القرن العشرين. كان ذلك من خلال الصحوات الكبرى عندما تحولت الإنجيلية إلى حركة في أمريكا اليوم (Spector 2009, 36). وكان يُنظر إلى الثورة، بالإضافة إلى الثورة الفرنسية، على أنها علامات نهاية العالم ويخشى الكثير من أن الثورات ستبلغ ذروتها في تدمير العالم بأسره (Weber 2004، 11).
- 20- أصبحت التدبيرية شائعة بين الإنجيليين، لكن ليس جميعهم، انظر القسم 1.2 لمزيد من التمييز.
- 21- يعود أصل كلمة “الأصولية fundamentalism ” إلى الفترة ما بين عامي 1910 و 1915 عندما بدأ اللاهوتيون الأمريكيون والبريطانيون في نشر كتيب بعنوان الأساسيات: شهادة عن الحقيقة، والذي كان استجابة شعبية للطرق الليبرالية البروتستانتية الجديدة لقراءة الكتاب المقدس (Spector 2009, 37-8). ويصف كازانوفا الأصولية البروتستانتية بأنها “رد فعل حديث مناهض للحداثة” ضد الانفصال بين الكنيسة والدولة، الذي حدث منذ الحرب الأهلية (Casanova 1994، 140).
- 22- بعد العام 1906، كان هناك “اندلاع” للمواهب الخارقة للطبيعة – كانت عودة المسيح في طريقها، حسب التدبيرية المعاصرة (Harding 1994, 66).
- 23- حظر قانون بتلر في ولاية تينيسي تدريس نظرية التطور في المدارس العامة، وأدين المعلم جون ت. سكوبس بتهمة التدريس غير القانوني لنظرية التطور بموجب القانون. حظيت القضية باهتمام وطني، لأن الأصوليين رأوها انتصاراً (أو على الرغم من حقيقة ذلك)، انسحبوا من المشهد العام (Brekke 2012، 218).
- 24- نص القرار على استقلال الدولتين اليهودية والعربية، وإنهاء الانتداب البريطاني في أقرب وقت ممكن (1947). وافق الصهاينة على الشروط، بينما رفض الفلسطينيون القرار بدعم من جيرانهم. وفي اليوم السابق لانتهاء الانتداب البريطاني، أعلن دافيد بن غوريون إسرائيل كدولة مستقلة، واعترفت الولايات المتحدة بإسرائيل في اليوم التالي (Clark 2007، 143).
- 25- يشير الائتلاف المحافظ المعروف باسم ” الحق لمسيحي الجديد” إلى حركة المشاركة السياسية المسيحية التي ظهرت في الثمانينيات في أمريكا.
- 26- أصبح الكتاب من الروايات الأكثر مبيعاً بعد إصداره في العام 1970 وكان أكبر الكتب غير الخيالية مبيعاً في السبعينيات، بغض النظر عن الموضوع أو المجال، وبيعت منه سبعة ملايين ونصف نسخة (Merkley 2002 ، 41).
- 27- في هذا الاختطاف ما قبل المحنة يوجد فصل واضح بين نبوءات الكتاب المقدس التي تحققت والتي لم تتحقق. ما دام المسيحيون على الأرض ، تظل نبوات الكتاب المقدس غير محققة. هذه هي النسخة الأرثوذكسية والمستقبلية للعقيدة التدبيرية (Harding 1994, 62)
- 28- ومن الأمثلة على ذلك فالويل الذي “هدد” بتعبئة 200000 قساً لمعارضة أي مطالب أمريكية عندما دفع بيل كلينتون نتنياهو للوفاء بشروط سحب المستوطنات اليهودية غير القانونية في اتفاقية أوسلو (Spector 2009, 147-8).
- 29- ملحمة المنسيون Left Behind تمت كتابتها بالاشتراك مع جيري. بي. جينكينز.
- 30- في منظمة الحق المسيحي الجديد كان لاهاي إنجيلياً بارزاً شجع فالويل على تأسيس الأغلبية الأخلاقية وأسس مجموعة الضغط المسيحية المحافظة، مجلس السياسة الوطنية. أصبحت المنظمة “نادي النخبة من المحافظين المسيحيين البارزين المهتمين بتشكيل السياسة الداخلية والخارجية لأمريكا” (Clark 2007, 197). ووفقاً لكلارك Clark 2007, 197 ، فإن معظم الصهاينة المسيحيين البارزين في أمريكا مرتبطون بمجلس السياسة الوطنية (2007 ، 198).
- 31- تم تصميم سيباك CIPAC على غرار لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية آيباكAIPAC ، وهي منظمة لوبي إسرائيلية في الولايات المتحدة.
32- أرقام من وزارة الخارجية الإسرائيلية تعود للعام 2013. كان هناك ما مجموعه 3.54 مليون سائح، منهم حوالي 60 % من السياح المسيحيين، ومن هؤلاء 20% من المسيحيين البروتستانت -معظمهم من الإنجيليين (2014)
الفصل الثالث: السفارة المسيحية الدولية في القدس
“لقد ربطهم الرب بهذه المدينة قبل ظهور المسيحية والإسلام، وإذا لم تمثلنا بلادنا هنا فعلينا تمثيل أنفسنا”.. دافيد بارسونز، المدير العام للسفارة الدولية المسيحية في القدس، متحدثاً عن أسباب تأسيسها.
رحب رئيس الوزراء [ الإسرائيلي الأسبق]، مناحيم بيغن، بتأسيس السفارة المسيحية الدولية في القدس في خريف العام 1980 بقوله ” لقد كان قراركم تأسيس السفارة المسيحية الدولية في القدس -في وقت تركنا فيه الآخرون وحدنا بسبب إيماننا- بمثابة عمل جريء ورمز لقربكم منا. لقد أعطتنا إيماءاتكم وتصرفاتكم هذه الشعور بأننا لسنا وحدنا “(ICEJ 2013a). وتعتبر السفارة المسيحية الدولية في القدس، اليوم، منظمة عالمية غير حكومية (NGO) لها فروع في جميع أنحاء العالم، وعرفت نفسها داخل المجتمع الإسرائيلي كمنظمة تقوم على تقديم المساعدة الاجتماعية، وكمنظمة سياسية و”سفارة” للمسيحيين حول العالم الذين يدعمون إسرائيل. وتجذب السفارة، في كل عام، آلاف الحجاج المسيحيين إلى القدس في عيد المظال السنوي ليعبروا عن تضامنهم مع اليهود في إسرائيل، وليحتفلوا بعيد العرش في الخريف. ونتيجة لعملها الهائل وإسهاماتها في المجتمع الإسرائيلي، أصبحت، السفارة، لاعباً مؤثراً داخل الحركة المسيحية الصهيونية، مما يجعل من دراستها أمر مثير للاهتمام. ويتضمن هذا الفصل عرض تقديمي للسفارة، حيث سأبدأ في السياق السياسي الذي تأسست فيه، قبل الانتقال إلى أهدافها في دعمها لإسرائيل. وسوف أقدم بعد ذلك نطاق عملها وأنشطتها. ثم أستعرض الشخصيات المركزية لموظفيها واقتصادها وأعضائها. وعلى الرغم من أن عقيدة السفارة هو موضوع الفصل التالي، إلا أنني سأقدم بإيجاز لمحة عامة عن جذورها ضمن الإنجيلية الكاريزمية الجاذبة، وسوف أختم، في هذا الفصل، بالطريقة التي استقبل فيها المجتمع اليهودي السفارة في إسرائيل في الوقت الحالي، لحظة إعداد هذه الدراسة.
3.1 تأسيس السفارة المسيحية الدولية في القدس
على الرغم من وقوع القدس الشرقية تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ حرب الأيام الستة 1967، إلا أنه لم يتم الإعلان عنها كعاصمة “كاملة وموحدة لإسرائيل” إلا في العام 1980، كما ظهر في القانون الأساسي للكنيست، حيث أصبحت القدس الشرقية رسمياً جزءً من عاصمة إسرائيل (Knesset 1980). وقد أثار هذا الإعلان الإسرائيلي ردود أفعال مخالقة ومتعددة في المجتمع الدولي، حيث أعلن مجلس الأمن الدولي، في قراره رقم 478، عدم شرعية هذا القانون ودعا المجتمع الدولي إلى عدم القيام باي تمثيل دبلوماسي في القدس (UN 1980). وقد أخذت سفارات ثلاث عشرة دولة بنصيحة الأمم المتحدة ونقلت سفاراتها إلى تل أبيب. وتدعي السفارة أن المجتمع الدولي استسلم للضغط من خلال حظر نفطي عربي (ICEJ 2013b, 85). وكرد فعل مضاد لما أسماه زعيم السفارة الأول، يان ويليم فان دير هوفن، “جبن العالم”، اجتمع ألف مسيحي صهيوني من أربعين دولة في القدس للاحتفال بعيد المظال من أجل إظهار التضامن والدعم لحق إسرائيل في تعيين عاصمتها(ICEJ 2013b, 21). تأسست السفارة في 30 أيلول\ سبتمبر 1980 في نهاية العيد. وجاءت المبادرة من قبل مجموعة من المسيحيين الإنجيليين المقيمين في القدس بقيادة فان دير هوفن. وألقى تيدي كوليك، رئيس بلدية القدس، في الافتتاح الكبير، كلمة أشاد فيها بهذه المبادرة المسيحية (ICEJ 2012b, Wagner 1995, 100). لكن وسائل الإعلام لم تهتم كثيراً بافتتاح سفارة مسيحية في القدس (Merkley 2002, 171). ويجادل دونالد فاغنر بأن إنشاء السفارة يجب أن يُنظر إليه بالارتباط مع استيلاء الليكود (الحزب الصهيوني اليميني الرئيسي في إسرائيل) على السلطة في عهد رئيس الوزراء بيغن. حيث استفاد الليكود من أصدقائه المسيحيين الصهاينة، الذين دعمت منظماتهم إسرائيل اقتصادياً وسياسياً في المجتمع الدولي(Wagner 1995, 100). وبعد فترة وجيزة من التأسيس، أقامت السفارة مقرها في السفارة التشيلية السابقة، التي انتقلت إلى تل أبيب. وكان المبنى في الأصل منزل الباحث الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد* الذي صودر منزله في العام 1948 وأعطي للفيلسوف اليهودي مارتن بوبر (Wagner 1995, 97). وأشار العديد من النقاد إلى أن استخدام السفارة لهذا المنزل كان بمنزلة إشارات سيئة (Mæland 2009, 227). وقد نفت السفارة نفسها للصحفيين أن يكون المنزل مسكناً سابقاً لسعيد. وفي مقابلة، رد ديفيد بارسونز بالقول إن سعيد ادعى زوراً أنه وعائلته اضطروا لمغادرة إسرائيل -بل على العكس من ذلك، كما يجادل بارسونز، نشأ سعيد في القاهرة وكان يزور القدس فقط من حين لآخر- لذلك ليس لديه الحق في المطالبة بالمنزل (Parsons 2010). وفي العام 1998، انتقلت السفارة إلى مقرها الحالي في شارع راحيل إيمينو في التلة الألمانية، خلف سورٍ عالٍ، و يتطلب زيارتها موعداً مسبقاً.
كان القصد من السفارة أن تكون منظمة عالمية منذ البداية. واليوم لديها فروع في 70 دولة حول العالم، ويمكنها أن تصل إلى نحو 140 دولة (ICEJ 2012a). وأنشأت السفارة “سفارات” لها في كل من هندوراس وغواتيمالا، والتي، وفقاً لما قاله سايزر، حصلت على وضع دبلوماسي وأقامت روابط وثيقة مع الحكومتين (Wagner 1995, 109, 2004a, 18). تعمل الفروع المختلفة في جميع أنحاء العالم على نشر كلمة الصهيونية المسيحية في التجمعات المسيحية من خلال عقد ندوات وإعطاء معلومات عن إسرائيل وعقد نداءات سياسية ومؤتمرات وخلوات صيفية. وبهذه الطريقة، تأمل المنظمة في نشر “الحقيقة” حول ما يجري داخل إسرائيل ومنح “تشجيع” دولي لإسرائيل.
3.1.1 المؤتمر المسيحي الصهيوني
عقدت السفارة في آب\ أغسطس 1985، المؤتمر المسيحي الصهيوني الأول في بازل سويسرا (نفس المكان الذي عقد فيه هرتزل المؤتمر الصهيوني الأول). وتم اختيار الموقع للتأكيد على مفهوم السفارة عن ذاتها باعتبارها تجسيداً للحركة الصهيونية (Merkley 2002). وتلقى المشاركون في المؤتمر والبالغ عددهم 500 شخص، رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بيغن، وتحدث، في المؤتمر، الرئيس الإسرائيلي حاييم هيرتسوغ شخصياً، فشكر السفارة على مبادرتها التأسيسية في القدس وعقد تفاهماً متبادلاً حول الكتاب المقدس الذي ربط اليهود بإسرائيل -وهو تفاهم لم يكن “معروفاً عالمياً في الدوائر والحركات الأخرى” ( مقتبس من Merkley 2002, 175). وعلى غرار المؤتمر الصهيوني قبل 88 عاماً، أصدر المؤتمر المسيحي الصهيوني إعلانًا جاء فيه: “نهنئ دولة إسرائيل ومواطنيها على العديد من الإنجازات التي حققوها في فترة قصيرة تقل عن أربعة عقود.. ونتوسل إليكم أيضاً بمحبة: من فضلك حاولوا أن تدركوا بوضوح أكثر وأن تقروا بصراحة أكبر بأن يد الرب-وليس فقط قوة أيديكم- هي التي أعادت [لكم] الأرض وجمعتكم في المنفى، كما تنبأت بذلك كتبكم المقدسة.. [إننا] ندعو كل يهودي في جميع أنحاء العالم إلى التفكير في القيام بالهجرة إلى إسرائيل، كما ندعو كل مسيحي إلى تشجيع ودعم أصدقائه اليهود على هذه الخطوة التي يتم اتخاذها بحرية ولكن بإلهام من الرب.. كما [نحث] الدول الصديقة لإسرائيل، ولكن سياستها مازالت تترنح بين الدعم الحقيقي والنفع السياسي.. لتأسيس سفاراتها في القدس.. والاعتراف بيهوذا والسامرة كجزء من الأرض.. كما نحذر الدول المعادية لإسرائيل، بما في ذلك الدول العربية (باستثناء مصر) والاتحاد السوفيتي، من الكف عن إعاقة السلام في الشرق الأوسط. كما نطلب من الاتحاد السوفيتي السماح لجميع اليهود السوفييت بالهجرة إلى إسرائيل.. ويطلب مؤتمرنا هذا باحترام من مجلس الكنائس العالمي في جنيف الاعتراف بالصلة التوراتية بين الشعب اليهودي وأرضه الموعودة بالإضافة إلى البعد التوراتي والنبوي العميق لدولة إسرائيل.. [ إننا] نصلي وننتظر بفارغ الصبر اليوم الذي تكون فيه القدس وجبل الرب مركز اهتمام البشرية عندما يصبح ملكوت الرب حقيقة واقعة”،(مقتبس من Merkley 2002, 175 ). وقد أعادت السفارة، بعد المؤتمرات المسيحية الصهيونية، التأكيد على الإعلان، لكنها عدلت المحتوى بما يتماشى مع المفاوضات الدبلوماسية بين إسرائيل والدول العربية، وكما يلاحظ ميركلي، يتماشى هذا التعديل، إلى حد ما، مع كيفية تعامل الليكود مع الأمر (2002 ، 157). وركزت السفارة، في النسخ المعدلة من الإعلان، على الوعود التوراتية للدول العربية، وخاصة الأردن وسوريا ولبنان، ودعت هذه الدول إلى الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، وهو ما سوف يتم توضيحه بمزيد من التفصيل في القسم 4.2.5 (Merkley 2002)
3.1.2 الأهداف
يتمثل عمل السفارة في دعمها لإسرائيل بمهام من ثلاثة أبعاد: (1) تثقيف المسيحيين في جميع أنحاء العالم حول هدف الرب بخصوص إسرائيل والدول المجاورة في الشرق الأوسط، (2) أن تكون جزءً من المصالحة بين اليهود، والمسيحيون والعرب، (3) دعم الكنائس المسيحية في الأرض المقدسة (ICEJ 2012a). وتبدو هذه التصريحات موجهة للمسيحيين وليس لليهود، وتغطي جوهر الصهيونية المسيحية، أي الوقوف إلى جانب إسرائيل ودعوة المسيحيين الآخرين لاتخاذ ذات الموقف. وتستخدم السفارة هنا نصاً من سفر إشعيا لوجوب دعم إسرائيل: ” عَزُّوا، عَزُّوا شَعْبِي، يَقُولُ إِلهُكُمْ”[ الآية الأولى من الإصحاح 40 من سفر إشعيا]. ومن ثم، فإن “إرضاء” إسرائيل يصبح، على وجه الخصوص، جانباً مهماً في عمل السفارة. وقد يبدو عمل المصالحة [بين اليهود، والمسيحيون والعرب] في الهدف الثاني متناقضاً، إلا أن نحو 20% من دخل السفارة يستخدم لصالح الأقليات الإسرائيلية غير اليهودية. ولدى السفارة، في هذا الصدد، مشاريع تعاون مع المسيحيين والدروز، غير أن أنشطة تعاونها مع المسلمين ضئيلة للغاية، على الرغم من أن بعض الأموال تذهب أيضاً إلى منظمات إغاثة مختلفة، والتي تشمل أيضاً المسلمين في إسرائيل(33). وأنشأت السفارة في العام 1993، طيفاً واسعاً من ثمانية أهداف، لاقت قبولاً لدى جميع أعضائها. وتوضح هذه الأهداف الثمانية، بالتفصيل، كيف يُطلب من المسيحيين التصرف فيما يتعلق بإسرائيل، وكل هدف مدعوم بآية كتابية مأخوذة من كل من العهدين القديم والجديد كما يلي(ICEJ 2012c) (34) :
- إظهار الاهتمام بالشعب اليهودي ودولة إسرائيل التي ولدت من جديد (” عَزُّوا، عَزُّوا شَعْبِي، يَقُولُ إِلهُكُمْ”. إشعيا 40: 1).
- أن تقدم السفارة للمسيحيين، فهماً حقيقياً لما يحدث في الأرض اليوم حتى يمكن تفسير أحداث العالم على ضوء كلمة الرب (13 أَنْتَ تَقُومُ وَتَرْحَمُ صِهْيَوْنَ، لأَنَّهُ وَقْتُ الرَّأْفَةِ، لأَنَّهُ جَاءَ الْمِيعَادُ.14 لأَنَّ عَبِيدَكَ قَدْ سُرُّوا بِحِجَارَتِهَا، وَحَنُّوا إِلَى تُرَابِهَا.15 فَتَخْشَى الأُمَمُ اسْمَ الرَّبِّ، وَكُلُّ مُلُوكِ الأَرْضِ مَجْدَكَ. 16 إِذَا بَنَى الرَّبُّ صِهْيَوْنَ يُرَى بِمَجْدِهِ. مزمور 102: 13-16).
- أن تكون السفارة مركزاً يستطيع المسيحيون، من خلاله، اكتساب فهماً كتابياً عن إسرائيل، وتعلم كيفية الارتباط بالأمة بشكل صحيح (12 أَنَّكُمْ كُنْتُمْ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ بِدُونِ مَسِيحٍ، أَجْنَبِيِّينَ عَنْ رَعَوِيَّةِ إِسْرَائِيلَ، وَغُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ الْمَوْعِدِ، لاَ رَجَاءَ لَكُمْ، وَبِلاَ إِلهٍ فِي الْعَالَمِ. 13 وَلكِنِ الآنَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ، صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ. 14 لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِداً، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ. رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 2: 12-14).
- تذكير وتشجيع المسيحيين في جميع أنحاء العالم للصلاة من أجل السلام في أورشليم وأرض إسرائيل والشعب اليهودي (6 عَلَى أَسْوَارِكِ يَا أُورُشَلِيمُ أَقَمْتُ حُرَّاسًا لاَ يَسْكُتُونَ كُلَّ النَّهَارِ وَكُلَّ اللَّيْلِ عَلَى الدَّوَامِ. يَا ذَاكِرِي الرَّبِّ لاَ تَسْكُتُوا،7 وَلاَ تَدَعُوهُ يَسْكُتُ، حَتَّى يُثَبِّتَ وَيَجْعَلَ أُورُشَلِيمَ تَسْبِيحَةً فِي الأَرْضِ. إشعيا 62: 6-7).
- تحفيز القادة والكنائس والمنظمات المسيحية ليكونوا مؤثرين وفاعلين في بلادهم لصالح إسرائيل والشعب اليهودي (1 وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. 2 فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. 3 وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ». تكوين 12: 1-3).
- أن تكون السفارة جزءً من مقاصد الرب العظيمة في إعادة اليهود إلى إسرائيل (22 هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: «هَا إِنِّي أَرْفَعُ إِلَى الأُمَمِ يَدِي وَإِلَى الشُّعُوبِ أُقِيمُ رَايَتِي، فَيَأْتُونَ بِأَوْلاَدِكِ فِي الأَحْضَانِ، وَبَنَاتُكِ عَلَى الأَكْتَافِ يُحْمَلْنَ. إشعياء 49:22).
- البدء أو المساعدة في بدء مشاريع في إسرائيل لرفاهية جميع من يعيش هناك. (40 فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ. متى 25:40).
- مد جسور المصالحة بين اليهود والعرب (25 بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلًا: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ، وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ». إشعياء 19:25).
ويُلاحظ، من خلال دراسة هذه الأهداف، مدى قوة السفارة في تركيزها على المسيحيين من هلال دفعهم للمشاركة الفعالة، ودعم اليهود في المجتمع الإسرائيلي. وبالتالي ينطوي هذا الطيف من الأهداف وبصورة قوية جداً على مضامين سياسية واجتماعية.. وثمة نقطة أخرى هامة في هذه الأهداف تتمثل في مدى تركيز السفارة على العهد القديم بدلاً من العهد الجديد -وهو تمييز واضح عن المسيحية السائدة. وكما رأينا في الفصل السابق، يرفض المسيحيون الصهاينة التفكير الألفي التقليدي الشائع في الكنائس المسيحية المعروفة(35)، ويفترضون صلاحية غير تقليدية للعهد القديم. ويجادل مالكولم هيدنغ المتحدث باسم السفارة، أن العهود في الكتاب المقدس العبري (كما يميل الصهاينة المسيحيون إلى تسمية العهد القديم) تؤثر على مصير العالم اليوم. وهكذا، أصبح العهد القديم كتاباً مركزياً للصهاينة المسيحيين. غير أن هذا لا يعني رفض العهد الجديد: فوفقاً لهيدينغ، يؤكد العهد الجديد الميثاق مع إبراهيم، مما يعطي الكتاب المقدس العبراني صلاحية في وقتنا الحاضر (Hedding 2006d, 5). وتنشر السفارة كتيبات وشروحات عن عملية إحياء واستعادة كلمة الرب من خلال القنوات الإعلامية المختلفة مثل النشرات الإخبارية اليومية عبر البريد الإلكتروني والبرامج الإذاعية والتلفزيونية الأسبوعية ومجلتهم الشهرية “العالم من أورشليمWord from Jerusalem”. وتأمل السفارة، بهذه الطريقة، في الوصول إلى الناس في شتى بقاع العالم. ويهدف قسم الإعلام إلى أن يكون بمنزلة قناة “لتزويد المسيحيين بمعلومات صادقة ودقيقة عن الأحداث الجارية لمحاربة التغطية الإعلامية المنحازة في كثير من الأحيان لإسرائيل”(ICEJ 2013b, 108). ويبدو أن لدى السفارة، من خلال استخدام قنوات المعلومات هذه، هدفاً مزدوجاً يتمثل في تثقيف المسيحيين حول خطط الرب لتقديم عنايته الإلهية لإسرائيل، وبالتالي تسوق السفارة الكثير من المواد المتعلقة بالعقيدة المسيحية الصهيونية. ويتمثل الهدف الثاني في تزويد المسيحيين بآخر المستجدات الأكثر “توازنًا” كبديل للتغطية الإعلامية الدولية عن إسرائيل. وفي الواقع، يمكن المجادلة بخصوص مدى توازن تغطية السفارة الإعلامية عن إسرائيل، حيث تركز السفارة في تغطيتها، في الغالب، على الحالات التي يتعرض فيها اليهود للتمييز من قبل المجتمع الدولي، وحيث يهاجم الفلسطينيون مواطنين إسرائيليين، أو عندما تشمل صراعات الشرق الأوسط إسرائيل، مثل العلاقات بين إيران وإسرائيل. علاوة على ذلك، لدى السفارة تغطية واسعة وتحديثات حول أنشطتها في المجتمع الإسرائيلي.
3.2 الأنشطة
يتم التعبير عن تركيز السفارة القوي على مطالبة الكتاب المقدس للعمل المسيحي من خلال العمل الاجتماعي داخل المجتمع الإسرائيلي. حيث تتركز معظم الجهود نحو رفاهية السكان اليهود في إسرائيل. وتعد برامج المساعدة الاجتماعية من أهم الأشياء التي تقوم بها لإظهار دعمها لليهود. كما تأمل، من خلال المساعدة، في إصلاح الخلاف بين المسيحيين واليهود. ويقف على رأس هذه المشاريع، المساعدة الاجتماعية، وتوفير الغذاء للأسر الفقيرة، والأنشطة الاجتماعية والتعليمية للأطفال والشباب المعرضين للخطر، وأعمال الإغاثة للمواطنين الإسرائيليين المعرضين للحرب والقنابل بالقرب من غزة وفي الأراضي المحتلة. ويعتبر نشاط السفارة المتعلق بهجرة اليهود إلى إسرائيل أكبر مشروع لها، وهو ما سوف يتم التطرق إليه بمزيد من التفصيل في الفصل الخامس. وبالإضافة إلى العمل الاجتماعي والإنساني، تمتلك السفارة صوتاً نشطاً في المجال السياسي. فيتم تمثيلها في الكنيست الإسرائيلي، في منظمة اللوبي، عبر تجمع الكنيست المسيحيين الحلفاء (CAC) الذي تأسس في العام 2004، من قبل حزب اليمين الإسرائيلي “إسرائيل بيتنا” لتحقيق ثلاثة أهداف: “للحد من تجاهل المسيحيين وكسر حاجز عدم الثقة بهم من قبل أعضاء الكنيست؛ الاعتراف بمساهمة المسيحيين الصهاينة لإسرائيل. والعمل على ربطهم بشكل أقرب بإسرائيل دفاعاً عن القيم اليهودية المسيحية” (Clark 2007, 220). ويتم تمثيل السفارة في الاتحاد الأوروبي، من خلال التحالف الأوروبي من أجل إسرائيل (ECI)، الذي يعمل نيابة عن إسرائيل للتأثير على السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي. تأسس هذا اللوبي في العام 2003 من قبل المنظمات المسيحية الصهيونية الثلاث: منظمة السفارة ومنظمة جسور من أجل السلام Bridges for Peace ومنظمة أصدقاء مسيحيين من أجل إسرائيل Christian Friends of Israel، بهدف تقديم وجهات نظر أكثر توازناً عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لدعم إسرائيل وتثقيف الأوروبيين حول تاريخ معاداة السامية في أوروبا. أما في الولايات المتحدة، فيتم تمثيل السفارة في سيباك CIPAC، التي تعمل على تعزيز العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. ومن خلال هذه اللوبيات، يمكن للسفارة التواصل مع المنتديات المختلفة ونشر رسالتها، حيث يمكنها التأثير على صانعي السياسة للانضمام إلى مواقف سياسية أكثر وداً تجاه إسرائيل. وسوف نتناول هذا الجانب بمزيد من التفصيل في الفصل السادس. بالإضافة إلى ذلك، تُظهر السفارة دعماً سياسياً لإسرائيل من خلال تنظيم أحداث تجتذب آلاف السائحين الإنجيليين إلى إسرائيل. ولعل الحدث الأكثر بروزاً هو عيد المظال.
3.2.1 عيد المظال
لعل أكثر ما يلفت الانتباه من بين جميع أنشطة السفارة هو نشاطها في عيد المظال، الذي يستقطب سنوياً ما بين ثلاثة وثمانية آلاف حاج إلى إسرائيل. على الرغم من أن العيد هو عيد حج يهودي، يُعرف باسم سكّوت، إلا أن السفارة تعتقد أن الأمم حول إسرائيل قد تنبأوا بالاحتفال بالعيد في أورشليم، حيث سيعبدون الرب، كما هو مكتوب في الإصحاح 14 من سفر زكريا:” 16 وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ الْبَاقِي مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ الَّذِينَ جَاءُوا عَلَى أُورُشَلِيمَ، يَصْعَدُونَ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ لِيَسْجُدُوا لِلْمَلِكِ رَبِّ الْجُنُودِ وَلِيُعَيِّدُوا عِيدَ الْمَظَالِّ.17 وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لاَ يَصْعَدُ مِنْ قَبَائِلِ الأَرْضِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيَسْجُدَ لِلْمَلِكِ رَبِّ الْجُنُودِ، لاَ يَكُونُ عَلَيْهِمْ مَطَرٌ”.(ICEJ 2013b, 11-3). ووفقاً للسفارة، فإن هذا العيد يمثل الاحتفال بملكوت الرب ورعايته ومحبته وانتصاره الأخير على الأرض(Hedding 2006e, 5). يأتي الحجاج من جميع أنحاء العالم للاحتفال بالرب لمدة نصف أسبوع. ويسافر معظم الناس في وفود مع أفراد طوائفهم الكنسية المحلية. وعادةً ما تأتي الوفود الأكبر من دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل والصين والنرويج وفنلندا وروسيا وجنوب إفريقيا وألمانيا، ولكن معظم الدول التي يوجد فيها السفارة لها فروع محلية ممثلة. ويتكون برنامج العيد من ورش عمل للصلاة وندوات تتعلق بمكانة إسرائيل في الكتاب المقدس والسياسات الحالية ورحلات بالحافلات وعروض ترفيهية وليلة ضيافة إسرائيلية خاصة حيث تدعو السفارة يهود إسرائيل لحضور عرض رقص على شرفهم. وغالباً ما تكون جلسات التعبد ذات شكل جاذب للغاية، بما فيها من طقوس الشفاء من خلال الإيمان والرقص وترانيم التسبيح(36). ويكون الحدث الأبرز خلال العيد هو مسيرة أورشليم، وهي مسيرة ضخمة من غرب المدينة إلى شرقها. هنا يتم تمثيل ليس فقط الإسرائيليين القادمين من المناطق المختلفة من البلاد للاحتفال بأورشليم، بل أيضاً الصهاينة المسيحيين رفقة الآلاف من المشاركين (Spector 2009, L 2143). ويسير المسيحيون الصهاينة في أقسام قومية، يرتدي العديد منهم زيهم الوطني ويحملون أعلاماً كبيرة لإظهار، لمن يراهم، الدعم القومي لكل بلد لإسرائيل. (37)
3.3 الموظفين المركزيين
تعمل السفارة بتحدٍ وباقتصاد كبيرين من أجل توفير مثل هذا العمل المكثف في المجتمع الإسرائيلي. وسوف أركز على بعض أعضاء فريق العمل المركزي في السفارة الذين سأعود إليهم في الفصول التالية. فأثناء تواجدي في القدس، حيث المقر الرئيسي للسفارة، كان يتواجد عدد كبير جداً من الموظفين العاملين هناك، يزيد عددهم عن ثلاثين موظفاً ومتطوعاً. المدير التنفيذي اليوم (2014) هو يورغن بوهلر Jürgen Bühler ، وهو أسقف مُرسَّم في كنيسة خمسينية في ألمانيا. أصبح بوهلر مديراً في العام 2011، عندما خلف القس مالكولم هيدنغ Malcolm Hedding، الذي كان مديراً منذ العام 2000 ويعمل الآن متحدثاً رسمياً باسمها، أثناء عمله كأسقف مساعد في كنيسة خمسينية في تينيسي، الولايات المتحدة الأمريكية. ولد هيدنغ في جنوب إفريقيا، حيث عمل أسقفاً في جمعيات الرب Assemblies of God ، قبل أن يأتي إلى إسرائيل في العام 1986. ويعمل ديفيد بارسونز David R. Parsons كمدير للإعلام والعلاقات العامة، وهو ينحدر بالأصل من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عمل، بوصفه محامي، مستشاراً عاماً لمنظمة سيباك CIPAC، وبالتالي كان منخرطاً بشكل كبير في الضغط لصالح القضية الإسرائيلية في الكونغرس. يتعامل بارسونز الآن، مع الشؤون الصحفية، ولكنه يكتب أيضاً تعليقات حول المسائل السياسية والتاريخية والدينية المتعلقة بإسرائيل، والتي يتم نشرها على صفحة الويب الخاصة بالسفارة وفي صحيفتها “العالم من أورشليم Word from Jerusalem “. إلى جانب الكادر الوظيفي الحالي في المقر الرئيسي للسفارة، هناك أيضاً موظفين آخرين يجدر ذكرهم، كان يان فيلهلم فان دير هوفين Jan Willelm van der Hoeven من هولندا، الشخص الأكثر محورية في تأسيس السفارة وأصبح أول زعيم لها تحت اللقب الأكثر تواضعاً، المتحدث الرسمي باسمها، وهو الذي كرس عيد المظال حدثاً سنوياً، فضلاً عن دوره في المبادر في حملة “صرخة مردخاي” التي دعت إلى إطلاق سراح اليهود السوفييت في العام 1982. وفي العام 1999، ترك فان دير هوفن منصبه بعد بعض التعارضات بين أعماله الشخصية وأعمال السفارة، بالإضافة إلى إدلائه ببعض التصريحات العلنية المتطرفة، والتي لا تتماشى مع إرشادات السفارة (Widnes 2007, 58). وتعمل سوزان مايكل Susan Michael كمديرة لفرع السفارة في الولايات المتحدة. تخرجت سوزان من قسم اللاهوت في جامعة أورال روبرتس وتنشط في تثقيف المسيحيين في الولايات المتحدة حول إسرائيل. وهي التي بادرت، على سبيل المثال، بإطلاق صفحة الويب IsraelAnswers.com (ICEJ 2014b). ويعمل هوارد فلاور Howard Flower في سانت بطرسبرغ كمدير للفرع الروسي، كما أنه المسؤول عن عمليات الهجرة من أوروبا الغربية ودول البلطيق، بالإضافة إلى دول آسيا الوسطى. أما في النرويج، فقد كان يعمل هناك ليف فيليروب Leif Wellerop كمدير قبل تقاعده في العام 2014. وكان دور فيليروب مركزياً في السفارة منذ إنشائها في العام 1980. ويعتبر داغ أويفيند يوليوسن Dag Øyvind Juliussen المدير الفرعي في النرويج الآن، والذي يعتبر أحد أقوى فروع السفارة [في العالم]. وفي فنلندا، لعبت أولّا يارفيليتو Ulla Järvilehto ، العضوة السابقة في البرلمان الفنلندي والمديرة السابقة للفرع الفنلندي، دوراً محورياً في مساعدة اليهود الروس في الهجرة إلى إسرائيل.
3.4 الأعضاء والوضع الاقتصادي
لا يوجد سجل لعدد أعضاء السفارة على الصعيد العالمي، لأن نشاط السفارة يعتمد على العمل المستقل لفروعها المحلية. غير أن هذا لم يمنع ستيفن سايزر من الزعم بأن عدد أعضاء السفارة حوالي 100 ألف شخص حول العالم (تعود الأرقام للعام 2004). ولم أتمكن من تأكيد هذا الرقم التقديري، بسبب نقص المراجع، وربما زاد العدد منذ ذلك الحين (Sizer 2004a, 101). وذكر ستيفن سيكتور أن السفارة “تمثل ملايين الإنجيليين في جميع أنحاء العالم”، ومع ذلك، قد يكون هذا بمثابة تمثيل للصهاينة المسيحيين، بشكل عام، وليس كأعضاء مباشرين في السفارة (2009، 176). لا تضع السفارة شرط العضوية كأساس لحضور فعالياتها. فقد يدعم العديد من المسيحيين الصهاينة هذه الفعاليات دون دفع رسوم اشتراك أو عضوية، وبالتالي من الصعب افتراض مدى شعبية المنظمة في الواقع، بناءً على عدد الأعضاء المقدرة فقط. ويعتمد الوضع الاقتصادي السفارة في الغالب على التبرعات، والتي تستند إلى مستوى عالٍ من النشاط، ويبدو أنها مرتفعة جداً. ولا توجد سجلات لمقدار الدخل الإجمالي للمنظمة، لكن إشعار تقويم فرع الولايات المتحدة أظهر أن لديها دخلاً قدره 1،638 مليون دولار أمريكي في العام 2012(38)، بينما بلغ دخل التبرعات في النرويج في نفس العام 2.639 مليون دولار أمريكي(39). وتعطي هذه الأرقام بعض المؤشرات على دخل السفارة. ومع ذلك، فإن الأقسام تعمل بشكل مستقل، وبالتالي من الصعب معرفة مقدار ما تحصل عليه المنظمة بشكل إجمالي. وحقيقة أن الفرع النرويجي يبدو أن لديه دخل تبرعات أكبر مما هو عليه في الولايات المتحدة، ربما يعود لعدة أسباب: حيث يوجد في الولايات المتحدة منظمات مسيحية صهيونية أكثر مما هو الحال في النرويج، وبالتالي فإن السفارة لديها أرقام أعلى في استقبال المؤيدين. قد يكون العامل الآخر هو أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في النرويج أعلى مما هو في الولايات المتحدة، وبالتالي قد يتبرع الإنجيليون في النرويج بمبلغ أكبر من المال مقارنة بالولايات المتحدة.
3.5 التجذير الطائفي
على الرغم من أن السفارة تسوق نفسها كمنظمة سياسية بالاسم المختار “Embassy”، إلا أنها في الأساس منظمة دينية ذات أجندة مسيحية واضحة. ووفقاً لـ “ويبر”، تذكر السفارة نفسها أن عملها ديني بحت، وليس سياسياً، على الرغم من أن ويبر، من بين آخرين، يلاحظ أن الخط الفاصل بين هذين العملين غير واضح في بعض الأحيان (Weber 2004, 217, see also Sizer 2004a, Wagner 1995). وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن معظم الموظفين المذكورين في القسم 3.3.1 هم شركاء في حركات خمسينية. فالسفارة هي منظمة شاملة لجميع المسيحيين في جميع أنحاء العالم الذين يدعمون إسرائيل، وبالتالي لا يستدعي العمل معها أي مطلب للانتماء المذهبي، ولا يبدو أن السفارة معنية بمثل هذا الانتماء الطائفي – طالما أن الأعضاء مسيحيون ويدعمون القضية الإسرائيلية. ورغم هذا، يبدو واضحاً تأثر أنشطة السفارة بالحركات الجذابة الكاريزمية. ويصبح هذا أكثر وضوحاً خلال عيد المظال السنوي عندما تقدم السفارة العديد من الخدمات التي تتضمن “الشفاء الإيماني”، وهو أمر لا يقبله جميع الصهاينة المسيحيين الإنجيليين. ويشير سايزر إلى أن السفارة تستمد الدعم من الأصولية الإنجيلية الكاريزمية (Sizer 2004a, 128). وكنا قد رأينا، في الفصل السابق، كيف تطورت الحركة الخمسينية والتقطت بعض عناصر العقيدة التدبيرية ودمجتها مع طقوس فوق طبيعية مثل “الشفاء عبر الإيمان”. فتقام جلسات الشفاء هذه في عيد المظال، وتترافق مع أغاني تعبدية جذابة، مما يدل على تأثير الحركة الخمسينية. ومع ذلك، تستمد السفارة الدعم، أيضاً، من الكنائس الإنجيلية الأخرى، وربما يكون هذا هو السبب في أن السفارة تشير حصرياً إلى أعضائها إما كمسيحيين أو إنجيليين من أجل احتضان المزيد من المسيحيين. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن قادة اليمين المسيحي الجديد، مثل بات روبرتسون قد أيدوا أنشطة السفارة (ICEJ 2013a). وتشير السفارة إلى نفسها على أنها كيان مسيحي صهيوني، على الرغم من أن تسمية “الصهاينة المسيحيين” تحمل وصمة إدانة معينة على نحو ما، وربما يستخدم أعضاء السفارة تسمية “الصهيونية التوراتية” (Hedding 2013). وقد يكون سبب ذلك زيادة توحيد الفهم المشترك بين اليهود والمسيحيين للوعود الكتابية للشعب اليهودي. (Hedding 2013). وهناك مفهومان رئيسيان يميزان عقيدة السفارة؛ وجهة نظرها في العقيدة التدبيرية وكيف تنظر إلى أرض إسرائيل، والتي سيتم تناولها في الفصل التالي. وسوف أقدم هنا لمحة موجزة عن كيفية ابتعاد السفارة عن العقيدة التدبيرية التقليدية، رغم استمرارية بعض عناصر هذه العقيدة في تعاليمها (انظر على سبيل المثال Widnes 2007, 61-4).
3.5.1 العقيدة التدبيرية المعدلة
من الشائع لمنتقدي السفارة وضعها ضمن نموذج تدبيري (انظر على سبيل المثال Sizer 2004b). ولكن السفارة لا تعتبر نفسها أنها تنتمي إلى تلك الأطر (Widnes 2007, 64, Spector 2009, 176). وسبب شجب السفارة للعقيدة التدبيرية الزعم بافتقار هذه الأخيرة إلى التوقعات التدبيرية الأصولية للنهاية. وأحد الأمثلة على ذلك هو رفض مفهوم “الاختطاف Rapture “، والذي يشير إلى اختطاف المؤمنين الحقيقيين قبل المحنة. وهكذا سوف يواجه المسيحيون نفس الاضطرابات التي يواجهها اليهود وغير المؤمنين. ويجادل مالكولم هيدنغ بأنه إذا لم يدع الرب المسيحيين يمرون بنفس الاختبار والمتاعب التي واجهها اليهود في ظل المحنة، فسوف لن يكون هناك أي معنى، في نظر الرب، لمعاناة الشهداء المسيحيين على مر قرون من الاضطهاد. بالإضافة إلى ذلك، إذا لم تكن الكنيسة موجودة في المحنة، فإن الحب المسيحي لإسرائيل سيكون فارغاً تماماً وبلا معنى أيضاً يضاًأ (Widnes 2007, 85-6). بعبارة أخرى، سيتحد المسيحيون واليهود في مواجهة الاضطراب العظيم في ظل المحنة. كما تعتبر السفارة دور المسيح الدجال مختلفاً عن دوره حسب العقيدة التدبيرية التقليدية. فعلى مر التاريخ، كان هناك العديد من أعداء المسيح الصغار الذين أرسلهم الرب لامتحان الكنيسة والعالم وإسرائيل بغرض اختبار ما إذا كان لديهم فهم حقيقي للإيمان المسيحي (Widnes 2007, 87). هناك تمييز آخر يفصل بين عقيدة السفارة وبين العقيدة التدبيرية التقليدية وهو عدم التركيز على الأحداث الأخروية، حيث صرح بارسونز بأن السفارة تركز أكثر على الوعود الكتابية بدلاً من النبوءات.. بالنسبة لنا، الدافع كله -دعمنا لإسرائيل، لا يقوم على نبوءات مستقبلية، بل على وعود العهد التي قُطعت منذ زمن بعيد – قبل 4000 سنة مع إبراهيم. ويعود اليهود الآن لأن الرب قطع عهداً مع إبراهيم، وهذا يعطينا [نحن الصهاينة المسيحيين] الكثير من الأرضية المشتركة مع الشعب اليهودي. وعند التطرق إلى التكهن بما هو قادم والتنبؤات.. -فلو سألت ثلاثة مسيحيين يجلسون في فرقة واحدة، فسوف تحصل على أربعة آراء حول نبوءات الإيمان.. ولكن هناك ما أعتبره جانباً جيداً معيناً من النبوءة وجانب مظلم من هرمجدون*. الكثير من هذه الأشياء، مثل المسيح الدجال – المسيحيون مهووسون بهذا الجانب المظلم. أما فيما يتعلق بالدوافع في المقاطع النبوية من عملنا، فأشعر في خدمتنا، أننا نعمل في الجانب الجيد، ومع مقاطع يسهل تفسيرها وفهمها: عندما ترى ذلك يحدث في جيلنا، فهذا شيء يصنعه الرب(40). ويمكن رؤية سبب عدم اهتمام السفارة الظاهر بالأحداث الأخروية بسبب تركيزها على قبولها من طرف اليهود. وبالتركيز، بدلاً من ذلك، على وعود العهد القديم بدلاً من الأحداث المستقبلية، يبدو أن السفارة تقلل من شأن حقيقة أن اليهود، الذين لا يقبلون التحويل، سوف يتم التخلي عنهم؛ بالرغم من كونهم “شعب الله المختار”. وهذا لا يعني أن الإيسخاتولوجيا*** غير مهمة، بل يعني شيئاً لا تريد السفارة التركيز عليه. قد يكون أحد الأسباب هو مفهوم السفارة للكتاب المقدس الذي يتطلب من المسيحيين التركيز بشكل أكبر على الوعود بدلاً من النبوءات. وقد يكون السبب الآخر هو كثرة المنتقدين الذين يتهمون السفارة بأنها معادية للسامية. هذا الاتهام متجذر في العقيدة التدبيرية الأصولية المتوافقة مع مبدأ المحنة حيث سيتم القضاء على ثلثي السكان اليهود في معركة هرمجدون. وعلى الرغم من اعتراف السفارة بهذا، من وجهة نظر معدلة، إلّا أنها تمثل رابطة لا ترغب السفارة بتبنيها، باعتبارها، أي السفارة، أحد أفضل أصدقاء اليهود(41). ويبدو، من وجهة نظر السياسة الواقعية، من الصعب على السفارة اتباع عقيدة تدبيرية أصولية. وثمة مثال آخر تتحول فيه السفارة عن الشكل الأصولي للعقيدة التدبيرية يتمثل إعادة بناء الهيكل الثالث على قمة جبل الهيكل في القدس(42)، والذي يفهمه العديد من دعاة التدبيرية كمسعى لا غنى عنه في تحقيق خطط الرب. ومن ثم، فإن العديد من المنظمات التدبيرية تنشط في حركة الهيكل، والتي تتكون في الغالب من اليهود الأرثوذكس. وهدف حركات الهيكل هو إعادة بناء الهيكل الثالث -وهو عمل مثير للجدل بالنسبة لمعظم سكان القدس، وخاصة المسلمين (Cohn-Sherbok 2006, 172). وتقر السفارة أن بناء الهيكل الثالث هو خطوة في خطة الرب، ولكنها تسبب، من وجهة نظر السياسة الواقعية، أي الجدل حول حركة المعبد، الكثير من المخاوف السياسية والأمنية. لذلك، قررت السفارة عدم المشاركة في جهود إعادة بناء الهيكل الثالث(43). وبهذه الطرق، فتحت السفارة ثغرات في العقيدة التدبيرية، مما يجعلها أكثر قابلية للتكيف عندما تعمل مع أوساط يهودية. ومع ذلك، يمكننا أن نرى بعض العناصر المتبقية من تلك العقيدة، والتي تنطوي على وجهة نظر تدبيرية، منها، على سبيل المثال، فهم السفارة اللاهوتي لإعادة اليهود إلى دولة إسرائيل المعاصرة كتحقيق لنبوءات كتابية في المستقبل القريب، وفقاً لـ سيزر (2004b). وثمة تمييز واضح بين النبوءات التي تحققت وتلك التي لم تتحقق، والتي سأعود إليها في الفصل الرابع، وبالتالي سأستمر في مناقشة السفارة باعتبارها متجذرة في العقيدة التدبيرية.
3.6 استقبال السفارة من قبل المجتمع اليهودي
تتمتع السفارة بسمعة مختلطة بين اليهود في إسرائيل وفي الخارج. ومع ذلك، يتلقى معظم اليهود، برحابة صدر، المساعدة الاجتماعية والمالية من السفارة ولا يهتمون بالدوافع الأخروية للسفارة ولا للأسس اللاهوتية لها. من ناحية أخرى، يشكك آخرون في التدخل المسيحي في الأعمال التجارية اليهودية -وهي فكرة يبدو أنها متجذرة بسبب قرون من الاضطهاد اليهودي الذي مارسه المسيحيون. ومع ذلك، وكما ذكرنا سابقاً، فقد تحدث العديد من المسؤولين الإسرائيليين، مثل الرؤساء ورؤساء الوزراء، بشكل إيجابي حول السفارة، والتي يمكن قراءتها على موقع صفحة السفارة تحت قسم المصادقة (ICEJ 2013a). وفي العام 1991، حصل المركز على جائزة الكنيست: [بسبب] (…) نشاط [السفارة] المستمر والحيوي في التعليم والإعلام في إسرائيل وخارجها لتقوية الروابط بين اليهود والمسيحيين، ونشاطها في تحقيق التفاهم بين اليهود والعرب في إسرائيل ونشاطها لتعميق الوعي اليهودي والصهيوني بين المسيحيون حول العالم ولتشجيع الهجرة إلى إسرائيل “(ICEJ 2012b). ويتضح أن السياسيين يقدرون عمل السفارة في أنشطة الهجرة؛ ومع ذلك، لم يكن من الممكن للسفارة أن تصل إلى المجتمع اليهودي بدون شركاء يهود متعاونين معها، وهو ما سأفصله في الفصل الخامس. لقد قدمت هذا الفصل بكلمات التأييد الحارة التي نطلق بها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق [مناحيم] لمناسبة تدشين السفارة في العام 1980. ومنذ ذلك الحين، تلقت السفارة الكثير من إشارات الامتنان من الرؤساء الإسرائيليين ورؤساء الوزراء، وهو أمر ربما يمكن أن تعتبره السفارة بمثابة إشارة إلهية بأن “تشجيع” السفارة لإسرائيل يخطو على المسار الصحيح ضمني الخطة الإلهية. في هذا الفصل، سعيت إلى تسليط الضوء على كيفية تطور السفارة منذ انطلاقتها كحركة احتجاجية ضد معاملة المجتمع الدولي لإسرائيل عندما تم إعلان القدس الشرقية جزء من عاصمة إسرائيل في العام 1980. ومنذ ذلك الحين نمت السفارة لتصبح منظمة كبيرة تدير مجموعة واسعة من الأنشطة في المجتمع الإسرائيلي، ليس هذا فحسب، بل تعمل أيضاً على تعزيز الدعم لإسرائيل بين المسيحيين على نطاق عالمي. ومن أهم أهدافها راحة تشجيع ومؤازرتها والمشاركة في إعادة اليهود إلى إسرائيل. وسوف أقوم، في الفصل التالي، بتحليل المفاهيم اللاهوتية التي تكمن وراء هذا الاهتمام الهائل بدعم إسرائيل والحاجة إلى إعادة اليهود إلى إسرائيل.
…
ملاحظات المترجم
*يذكر إدوارد سعيد في “خارج المكان” كيف أنه بعد معرفته بإصابة بسرطان الدم بعام واحد، قرر أن يصطحب زوجته مريم وولديه للمرة الأولى إلى فلسطين ليريهما أرض الجذور وبيت العائلة الذي تركه في العام 1947، ولم يعد إليه منذ ذلك الوقت. وفي زيارته الأولى تلك، بحث سعيد في أرجاء المكان عن بيته، بيت عائلته، في حي الطالبية في القدس الغربية، الحي الذي تغيرت ملامحه ومشهديته المكانية والأسمية وبات يعج بالملامح والكلمات العبرية. يقول سعيد كيف بدا محبطاً ويائساً من عثوره على بيت عائلته، ولولا أن قيض له رجل مسن ساعده في العثور على المنزل، كان يتصور وجود عائلة يهودية تسكنه من كل بد، لكن المفاجأة وقعت عليه حين اكتشف أن البيت تحول إلى “السفارة المسيحية الدولية في القدس”. تردد سعيد في الدخول وشعر ببعض التوتر وبدأ يخطو جيئة وذهاباً أمام المنزل قبل أن يقرر في نهاية المطاف عدم الدخول.
**هرمجدونἉρμαγεδών، تتم ترجمة الكلمة إلى اليونانية من العبرية הר מגידו ،هار مجدّو [جبل مجدّو]، وهي ما سوف يصبح معناها “مكان تجمع الحشود”. ووفقاً لسفر الرؤيا هرمجدون هو موقع تجمع الجيوش لمعركة نهاية الزمان. ويستخدم المصطلح للإشارة إلى أي سيناريو يشير إلى نهاية العالم بشكل عام. ظهرت الكلمة مرة واحدة فقط في العهد الجديد اليوناني، في الإصحاح 16 من سفر الرؤيا (16 فَجَمَعَهُمْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُدْعَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ «هَرْمَجَدُّونَ»). ومجدو هي المدينة القديمة التي بنيت على الطريق التجاري القديم الذي يربط مصر مع الإمبراطوريات الشمالية في سوريا، والأناضول وبلاد ما بين النهرين. واشتهرت بأنها كانت ميدان معارك عديدة في العالم القديم لعل أشهرها تلك التي تعود للقرن 15 ق.م، والتي تعود للعام 609 ق.م. ووفقاً لأحد التفاسير المسيحية المرتبطة بالعقيدة الألفية ترى بأن يسوع سوف يعود للأرض في آخر الزمان ويهزم “المسيح الدجال” والنبي المزيف الكاذب والشيطان في معركة هرمجدون، حيث سيلقي المسيح بالشيطان في “الهاوية” ليبقى فيها طوال عهد مملكة يسوع، أي ألف سنة، وبعد أن يطلق سراح الشيطان، سوف يلجأ، هذا الأخير، إلى أقوام يأجوج ومأجوج ويستدعيهم من أرباع الأرض قاطبة. وسوف يعسكروا حول “المدينة الحبيبة” المحيطة “بالقديسين” ( أي أورشليم) وسوف تأتي النار من عند الرب، من السماء وتلتهم يأجوج ومأجوج والشيطان، والموت.. تشترك اليهودية والمسيحية في الإيمان بهذه العقيدة الأخروية، حيث تتصادم قوى الخير ضد محور الشر، وسوف يحدث هذا الصدام في فلسطين في مجدو أو وادي مجدو، وسوف تكون حرب قاسية نهائية يخوضها عدد كبير من البشر ( يضع البعض رقم 200 مليون) يتجمعون في الوادي. تتوافق السردية الإسلامية لأحداث آخر الزمان مع بعض تفاصيل هذه المعركة الكبيرة ( التي سوف تقع بين المسلمين والروم، وسوف يكون النصر حليف المسلمين بطبيعة الحال) ولكن لا تشير الرواية الإسلامية إلى اسم هرمجدون تحديداً.( للمزيد انظر،https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%B1%D9%85%D8%AC%D8%AF%D9%88%D9%86)
***الإيسخاتولوجيا أو علم الأخرويات أو علم آخر الزمان Eschatology) فرع من اللاهوت يهتم بالأحداث النهائية للتاريخ، أو المصير النهائي للبشرية. ويُشار إليه عادةً باسم «نهاية العالم» أو «نهاية الزمان». يمكن تقسيم التاريخ إلى «عصور» (دهور)، وهي فترات زمنية لكل منها قواسم مشتركة معينة. ينتهي عصر ويبدأ عصر جديد أو عالم قادم. تُستبدل عبارة «نهاية العالم» بعبارة «نهاية العصر» أو «نهاية الحقبة» أو «نهاية الحياة كما نعرفها» عند دراسة مثل هذه الانتقالات من وجهة نظر أخروية. لا تتعامل الكثير من روايات نهاية العالم مع «نهاية الزمان»، بل مع نهاية فترة معينة، ونهاية الحياة كما هي الآن، وبداية فترة جديدة. قد تحدث كارثة الانتقال بسبب تدخل إله في التاريخ، أو حرب، أو تغيير في البيئة، أو الوصول إلى مستوى جديد من الوعي. وقد تنطوي السيناريوهات الدينية والعلمانية، في الإيسخاتولوجيا، على اضطراب أو تدمير عنيف للعالم، في حين ينظر أصحاب العقيدة المسيحية واليهودية إلى نهاية الزمان على أنه إتمام أو كمال خلق الرب للعالم، وإن كان ذلك من خلال مقدمات عنيفة، مثل المحنة الكبرى.
هوامش
33-مقابلة مع ديفيد بارسونز في مقر السفارة في القدس في 9 تشرين أول\أكتوبر 2013.
34- في المطبوعات السابقة، كانت هناك أيضاً نقطة تاسعة تم حذفها: “المشاركة من خلال هذه الأنشطة في إعداد طريق الرب وتوقع ملكه من أورشليم” (Widnes 2007 ، 51).
35- يُشار إليه على أنه اللاهوت البديل أو الإبطال، حيث يُعتقد أن مكانة اليهود كشعب مختار قد حلت محلها الكنيسة، وأن القوانين الموسوية قد حلها العهد الجديد.
36- الملاحظات التي قدمتها عندما ساعدت في عيد المظال في عام 2013
37- ملاحظات من العيد 2013.
38- للمزيد انظر،http://us.icej.org/sites/default/files/en/pdf/icejusa_form_990__sch_a_2012.pdf
39- 16.5 مليون كرونة نرويجية. انظر، http://www.idag.no/aktuelt-oppslag.php3?ID=21098
40- مقابلة أجريت في المقر الرئيسي للسفارة، 9 تشرين أول\أكتوبر 2013
41- أصبح هذا المفهوم داخل الصهيونية المسيحية، أي التضحية بأغلبية اليهود في هرمجدون، بعد نشر حكاية المنسيون Left Behind Saga (Widnes 2007 ، 64 ، انظر أيضاً الفصل 2).
42- حيث يوجد حاليا قبة الصخرة والمسجد الأقصى.
43- كان لدى يان فيلهيلم فان دير هوفن رأي مختلف، وفي العام 1990، خطط لقيادة ألفاً من حجاج عيد المظال إلى جبل الهيكل للصلاة من أجل إعادة بناء الهيكل الثالث. ومع ذلك، فإن رئيس بلدية القدس تيدي كوليك، الذي كان يخشى ردود الفعل العنيفة من الجالية المسلمة، تحدث مع فان دير هوفن لثنيه عن القيام بذلك. كانت مواقف فان دير هوفن تجاه الرغبة الملحة في إعادة بناء المعبد سبباً جزئياً لانسحابه من السفارة في العام 1997 (Weber 200
الفصل الرابع: السرد وراء استعادة أرض إسرائيل
“نحن لا نعيش في زمن ما بعد الكتاب المقدس، بل نعيش في زمنه الفعلي” (44). القس مالكولم هيدينغ، المتحدث السمي باسم السفارة (2006b, 29).
لم يكن تأسيس إسرائيل كدولة قومية في العام 1948، بالنسبة للسفارة، نتاجاً للقوى السياسية أو العلمانية. بل بسبب إرادة الرب. فالرب هو من أخرجهم، في نهاية المطاف، من بعد نفيهم من فلسطين الذي استمر قرابة ألفي عام. ويمثل هذا العمل بالتأكيد، بالنسبة للصهاينة المسيحيين، علامة إلهية ودليلاً على صدق كلمة الرب. وكما رأينا في القسم الثاني2.4. شهد عقد الثمانينيات تحولاً في الطريقة التي تناقل فيها المسيحين الألفيين القصص المنسوجة عن دور الرب في تشكيل التاريخ الكوني، والتي مكنت بالتالي من قدرة أشكالاً جديدةً من الأعمال الإنسانية في التأثير على السياسيين وعلى طرق العيش الأمثل وفقاً للكتاب المقدس(Harding 1994, 58)، وتبني السفارة روايتها بناء على فهمها للفقرات الكتابية باعتبارها أوامر للمسيحيين تحثهم على القيام بدورهم في استعادة إسرائيل، وبالتالي فهم يتلقون جزءً مركزياً من الأحداث العالمية، بينما يؤمنون في ذات الوقت بأن الرب يسيطر بصورة مطلقة على مسار تاريخ العالم.
سوف أحلل، في هذا الفصل، كيف تروي السفارة قصة الخطط الإلهية للعالم، وكيف، بالتالي، تخلق السفارة سردية لصالح أولئك “الأغيار” الذين سوف يساهمون في خطة الرب الخلاصية. وبالنظر إلى تبني السفارة للمزيد من المفاهيم اللاهوتية، فسوف أقوم بالإجابة عن سؤال البحث الأول: كيف تقدم السفارة سردية الكتاب المقدس لجهة عودة اليهود إلى إسرائيل، والحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية، كجزء من مخطط نمطي اجتماعي؟.
يقول العالم الاجتماعي ألفريد شوتز: “من المستحيل فهم السلوك البشري بتجاهل نواياه، ومن المستحيل فهم نوايا الإنسان بتجاهل الأوضاع التي تكون منطقية فيها” (مقتبس في Czarniawska 1998, 4)، بعبارة أخرى، سوف يكون الكتاب المقدس في سياق سردية السفارة، كتاباً معصوماً، وبالتالي سوف يكون ضرورياً فهم كيف تبني السفارة سرداً يكون مطلوباً فيه القيام بخطوات بشرية إجرائية تنفيذية. سوف أركز بشكل أساسي على أربعة كتيبات نشرتها السفارة كمواد تعليمية، تهدف، من خلالها، إلى إيصال المعلومات الجاليات المسيحية عن الصهيونية المسيحية. وتم اختيار هذه الكتيبات، لسهولة الوصول إليها ولأهميتها، في المواد التعليمية للسفارة. وتتضمن السلسلة ما يلي: “أساس الدعم المسيحي لإسرائيل Basis of Christian Support for Israel”، و”قلب الصهيونية التوراتية The Heart of Biblical Zionism”، و”العهود الكبرى في الكتاب المقدس The Great Covenants of the Bible” و”العهد الجديد وإسرائيل The New Testament and Israel”. وسوف نستخدم المقابلات والملاحظات من العمل الميداني التي أجريت فيما يتعلق بهذه الأطروحة كمكمل في فهم دوافع المشاركة النشطة للسفارة. وسوف أتفحص، في نهاية الفصل، التصريحات التي أصدرتها السفارة في المؤتمرات الصهيونية المسيحية الدولية الأربعة، وكيف شجعت العالم المسيحي على الوقوف بجانب إسرائيل ومساعدة اليهود على الهجرة. ويمكننا أن نرى، من خلال النظر إلى هذه الإعلانات، كيف استخدمت السفارة روايتها لدعوة المسيحيين إلى اتخاذ مثل تلك الخطوات المطلوبة . وسوف يبدأ الفصل، ببعض وجهات النظر حول كيفية قراءة السفارة للكتاب المقدس.
4.1 تصور السفارة للكتاب المقدس
عندما كتب كازانوفا أن القراءة الألفية التدبيرية للكتاب المقدس كانت “جديدة وباطنية”، لم يكن يقصد بالباطنية المعنى الدقيق لدلالات الكلمة الخاصة بالحصرية، والداخلية، و”نظام الغموض”، أو السرية، أو شيء يمكن فقط لمجموعة معينة من الأشخاص المبادرين الوصول إليه، بل أنه استخدمها كأداة تحليلية لوصف الطريقة الجديدة في كشف معاني الكتاب المقدس الخفية للحقائق التاريخية والعلمية، وحسابات دعاة التدبير الإلهي عن موعد نهاية العالم (Casanova 1994, 141; see also chapter 2). ويواصل رجال الدين في السفارة هذا الإرث من خلال تفسير الكتاب المقدس حرفياً ومستقبلياً. وعلى الرغم من أن السفارة تفسره بطريقة حرفية، إلا أن هناك أيضاً رموزاً مخفية تحتاج إلى تفسير مقصور على فئة معينة، ولا يمكن قراءتها حرفياً. فعلى سبيل المثال، رغم أن أحداث سفر الرؤيا تُقرأ حرفياً، إلا أن هناك أيضاً رموزاً تحتاج إلى مزيد من التفسير. فالآيات الأولى من الإصحاح 12 من سفر الرؤيا تقول:” 1 وَظَهَرَتْ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاءِ: امْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِالشَّمْسِ، وَالْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا، وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَبًا،2 وَهِيَ حُبْلَى تَصْرُخُ مُتَمَخِّضَةً وَمُتَوَجِّعَةً لِتَلِدَ”. وفقاً للمتحدث باسم السفارة، السيد مالكولم هيدنغ، المرأة الحامل في الآية هي إسرائيل اليوم. ويجادل هيدنغ في الأمر عند مقارنته مع النجوم والقمر والشمس المأخوذة من الإصحاح 37 في سفر التكوين حيث يخبر يوسف عائلته عن حلمه: “9 ثُمَّ حَلُمَ أَيْضًا حُلْمًا آخَرَ وَقَصَّهُ عَلَى إِخْوَتِهِ، فَقَالَ: «إِنِّي قَدْ حَلُمْتُ؟ حُلْمًا أَيْضًا، وَإِذَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا سَاجِدَةٌ لِي»(45). ويرى هيدنغ أن هذه صورة لإسرائيل الحديثة والقبائل الإثني عشر لإسرائيل، التي تعود هذه الأيام (Hedding 2006a, 25-6). لذلك هناك عدة أسباب للافتراض يوجود بعض المعاني الخفية في الكتاب المقدس التي يجب الكشف عنها. ووفقاً لستيفن سايزر، تسمى طريقة السفارة في تفسير الكتاب المقدس “بيشر”، بمعنى التأويل وهي كلمة آرامية تعني “تفسير”، وقد ميزت نفسها عن التفسير البروتستانتي الأكثر تقليدية، الذي أخذ، رغم حرفتيه، السياق التاريخي والثقافي والنحوي واللاهوتي بعين الاعتبار. إن التأويل “بيشر” فائق الحرفية حيث تعتبر الأجزاء النبوية “تاريخاً مكتوباً مسبقاً؛ وتكتمل الإسخاتولوجيا في جيل المترجمين”(Sizer 2004a, 108). وسبق للكتاب المقدس أن تنبأ بسير التاريخ الذي يحدث اليوم. ويمثل هذا الاعتقاد التدبيري، وفقاً لمنظور هاردينغ، السبيل لمعرفة التاريخ وهو أمر أساسي هنا، حيث يُنظر إلى الأحداث المعاصرة التي تحدث في عالم اليوم كدليل على صدق كلمة الرب، ووفقاً لديفيد بارسونز(46). تعرف السفارة ما سيحدث في المستقبل وسبب وقوع الأحداث في وقتنا الحاضر -مثل عودة اليهود إلى إسرائيل. ويعني هذا أن كل شيء في العالم محدد سلفاً. ويبدو أن هذا ليس هو الحال مع السفارة، إذ لم تذكر معرفتها بالمسار التاريخي الدقيق، فعلى سبيل المثال، هناك احتمال أن تخسر إسرائيل بعض الأراضي، وهذه النقطة سوف نتعرض لها في هذا الفصل في القسم 4.2.4. و لاحظ المؤرخ بول بوير أن المؤمنين بالتنبؤ يمكنهم الالتفاف على مثل هذه المشكلة من خلال فهمهم لتحديد المسار العام للتاريخ، رغم وجود “عالم من الحرية” ضمن النظام المحدد سلفاً (1998 ، 454). ويبدو أن السفارة قد اتخذت هذا الموقف في صلب سرديتها. وعلى الرغم من حقيقة أن معظم العلماء سوف يجادلون بأن السفارة لها جذور داخل العقيدة التدبيرية (انظر الفصل 3)، ورغم أن الكثيرين سوف يدعون أن أفعالها مدفوعة بنبوءات (أخروية)، فإن السفارة نفسها كثيراً ما ترفض هذه المزاعم (انظر على سبيل المثال Sizer 2004a، Wagner 1995، Spector 2009). إن فهم السفارة (الذاتي) للنص التوراتي يقوم على أنه من واجب المسيحيين دعم إسرائيل لأسباب أعمق بكثير من مجرد دور إسرائيل في الإيسخاتولوجيا المسيحية الصهيونية. يؤكد هيدنغ أن السبب الرئيسي للدعم المسيحي يكمن في العهود التي قطعها الرب مع شعب إسرائيل. ومع ذلك يلعب أنبياء الكتاب المقدس، وفقاً لهيدينغ، دوراً حاسماً في هذا الصدد، لأن هذه النصوص تؤكد العهود بين الرب والشعب الإسرائيلي، لكن هذا ليس مصدر أساس الدعم في حد ذاته (Hedding 2006a, 5). لدى السفارة عقيدة متطورة تحدد أسس نشاطها العملي. وقد صرحت السفارة أن مهمتها آتية من السماء، من خلال قراءة الكتاب المقدس (Buehler 2012). لذلك يمكننا أن نرى كيف يخلق مفهوم السفارة للكتاب المقدس، سرداً يحكمه تفويض لها لتكون فاعلاً نشطاً في التاريخ. وسوف أجادل أيضاً أن السفارة تعتمد على عناصر كاريزمية في تفسيرها للكتاب المقدس، تأتي من تأثيرها الكبير على العقيدة الخمسينية. يمكننا أن نرى ذلك، على سبيل المثال، بإعلان مدريها النرويجي يويفيند يوليوسن، بأن الكتاب المقدس هو كتاب “مغلق” – وسوف يبقى كذلك إلى أن يفتحه الرب بالروح القدس (TVVisjon 2014). تتضح الأمثلة الأخرى للتأثير الكارزمي في مقدار التركيز على الشهادات الشخصية. ومثال ذلك هنا هوارد فلاور، الذي دُعي للعمل على هجرة يهود روسيا من خلال رؤيا إلهية وقعت له (Flower 2011c). ويمكن أن تساهم مثل هذه الشهادات الشخصية كعوامل محفزة في جهود العمل من أجل استعادة أرض إسرائيل.
4.2 استعادة أرض إسرائيل – مسألة إنقاذ العالم
“إسرائيل” هي الكلمة الأكثر ظهوراً في الكتاب المقدس [نحو 2465 مرّة] بعد “الإله” و “الرب”، وفقاً لـ داغ يويفيند يوليوسن (TVVisjon 2014). وتشير المكانة المركزية التي تحتلها إسرائيل في الكتاب المقدس إلى الموقع الهام لإسرائيل في العالم، لأن الكتاب المقدس يُفهم على أنه كلمة الرب الحقيقية من خلال الروح القدس، وبالتالي يُنظر إليه على أنه وثيقة يهودية يُذكر فيها حق إسرائيل الإلهي في الأرض (Hedding 2006a, 23). لذلك من المهم أن تنقل السفارة الدور الإلهي لإسرائيل في مخطط الرب الخلاصي. لن أخوض في دراسة تفصيلية لكيفية تفسير السفارة لآيات معينة من الكتاب المقدس وكيف تنظر إلى الأحداث العالمية على ضوء الكتاب المقدس، بسبب نقص المساحة. ومع ذلك، سيتم تقديم لمحة موجزة عن الموضوعات المركزية التي تعتبرها السفارة حججاً مهمة حول سبب حاجة المسيحيين إلى دعم إسرائيل وضرورة أن يكونوا وكلاء فاعلين في استعادة أرض إسرائيل.
4.2.1 العهود
يكمن أساس استعادة إسرائيل في العهود التي قطعها الرب مع الشعب اليهودي (والتي تشمل أيضاً بقية العالم). وتدعي السفارة، أن الرب قطع أربعة عهود مع الشعب اليهودي، الذي أوكلت إليه مهمة إدارة هذه العهود ونقلها إلى بقية الأمم (Hedding 2006b, 5). وهذه العهود هي: العهد مع إبراهيم. العهد الموسوي. العهد الجديد وعهد داود. ولنبدأ بالعهد الإبراهيمي المأخوذ من الإصحاح 12 من سفر التكوين:” 1 وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. 2 فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. 3 وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ». 4 فَذَهَبَ أَبْرَامُ كَمَا قَالَ لَهُ الرَّبُّ وَذَهَبَ مَعَهُ لُوطٌ. وَكَانَ أَبْرَامُ ابْنَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً لَمَّا خَرَجَ مِنْ حَارَانَ. 5 فَأَخَذَ أَبْرَامُ سَارَايَ امْرَأَتَهُ، وَلُوطًا ابْنَ أَخِيهِ، وَكُلَّ مُقْتَنَيَاتِهِمَا الَّتِي اقْتَنَيَا وَالنُّفُوسَ الَّتِي امْتَلَكَا فِي حَارَانَ. وَخَرَجُوا لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتَوْا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. 6 وَاجْتَازَ أَبْرَامُ فِي الأَرْضِ إِلَى مَكَانِ شَكِيمَ إِلَى بَلُّوطَةِ مُورَةَ. وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ حِينَئِذٍ فِي الأَرْضِ. 7 وَظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ». فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ.” ,هذه العهد هو الأهم لأن الرب قرر، من خلاله أن ينقذ العالم عبر نسل إبراهيم – وهم اليهود. وهكذا ينال اليهود مكانة شعب الرب المختار الذين يُمنحون ملكية أرض كنعان. وبهذا يُنظر إلى العهد الإبراهيمي بصفته وعد الرب لإنقاذ العالم -وهو الوعد الذي تدعي السفارة أنه لا يمكن نقضه(47) (Hedding 2006b, 8-10, 2006c, 17-23). ثم هناك ميثاق تنفيذي، وهو العهد الذي قطعه الرب مع موسى، في سفر الخروج 19: ” 5 فَالآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ. 6 وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً. هذِهِ هِيَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تُكَلِّمُ بِهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ». ومن هذا المنطلق، تعتقد السفارة أنه لا يمكن للمرء أن يتبع يسوع دون اتباع “القانون” أو “الناموس” الذي لا ينبغي أن يُفهم على أنه الهالاخاه- القانون التشريعي اليهودي، بل هو الوصايا العشر. ومن ثم، فإن العهد الموسوي هو الوصايا التي ستقود الخطاة إلى يسوع، كما هو مذكور في رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 3 (Hedding 2006b, 11-7). يؤدي هذا مرة أخرى إلى العهد الجديد، حيث أُدرجت الأمم في العهد مع إبراهيم، كما تنبأ به إرميا 31. وفقاً لهيدينغ، جاء يسوع إلى العالم كخادم لليهود، وأكد وعود الرب لإسرائيل وهذا ما تم شرحه في رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 3. يسوع هو الشفاء من كل الذنوب، وكل من هم مع المسيح يصبحون أبناء إبراهيم. هذا لا يعني أن اليهود فقدوا مكانتهم المركزية كوسيلة فداء، لأن الرب لا ينقض وعوده، ولا يوجد دليل في العهد الجديد على أن الرب قد نقض وعده مع اليهود. على العكس من ذلك، يجادل هيدنغ بأن الرسالة إلى أهل رومية 9 تؤكد أن وعود الرب تخص الشعب اليهودي (Hedding 2006b, 17-21) (48).
سيحدث الإتمام النهائي من خلال عهد داود، عندما وعد الرب الملك داود بأن عرشه سيحكم إلى الأبد، كما هو مكتوب في سفر أخبار الأيام 17 ” 11 وَيَكُونُ مَتَى كَمَلَتْ أَيَّامُكَ لِتَذْهَبَ مَعَ آبَائِكَ، أَنِّي أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَنِيكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. 12 هُوَ يَبْنِي لِي بَيْتًا وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّهُ إِلَى الأَبَدِ. 13 أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا، وَلاَ أَنْزِعُ رَحْمَتِي عَنْهُ كَمَا نَزَعْتُهَا عَنِ الَّذِي كَانَ قَبْلَكَ. 14 وَأُقِيمُهُ فِي بَيْتِي وَمَلَكُوتِي إِلَى الأَبَدِ، وَيَكُونُ كُرْسِيُّهُ ثَابِتًا إِلَى الأَبَدِ».. يُنظر إلى هذا على أنه نبوءة عن المجيء الثاني للمسيح، عندما يعود إلى الأرض. وإنشاء المملكة الألفية. والدليل على ذلك هو حقيقة أن اليهود يعودون الآن إلى إسرائيل لإيصال العهد الأخير للعالم، والذي يقول هيدنغ إنه يظهر في سفر حزقيال 37: ” 24 وَدَاوُدُ عَبْدِي يَكُونُ مَلِكًا عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُ لِجَمِيعِهِمْ رَاعٍ وَاحِدٌ، فَيَسْلُكُونَ فِي أَحْكَامِي وَيَحْفَظُونَ فَرَائِضِي وَيَعْمَلُونَ بِهَا. 25 وَيَسْكُنُونَ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُ عَبْدِي يَعْقُوبَ إِيَّاهَا، الَّتِي سَكَنَهَا آبَاؤُكُمْ، وَيَسْكُنُونَ فِيهَا هُمْ وَبَنُوهُمْ وَبَنُو بَنِيهِمْ إِلَى الأَبَدِ، وَعَبْدِي دَاوُدُ رَئِيسٌ عَلَيْهِمْ إِلَى الأَبَدِ. 26 وَأَقْطَعُ مَعَهُمْ عَهْدَ سَلاَمٍ، فَيَكُونُ مَعَهُمْ عَهْدًا مُؤَبَّدًا، وَأُقِرُّهُمْ وَأُكَثِّرُهُمْ وَأَجْعَلُ مَقْدِسِي فِي وَسْطِهِمْ إِلَى الأَبَدِ. 27 وَيَكُونُ مَسْكَنِي فَوْقَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَيَكُونُونَ لِي شَعْبًا. 28 فَتَعْلَمُ الأُمَمُ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ مُقَدِّسُ إِسْرَائِيلَ، إِذْ يَكُونُ مَقْدِسِي فِي وَسْطِهِمْ إِلَى الأَبَدِ». يُفهم يعقوب على أنه إسرائيل(49)، والتي أعيد تأسيسها اليوم من خلال عودة الشعب اليهودي، وهي علامة على أن الإنجاز قريب (Hedding 2006b, 26-29). وهكذا فإن العهد الأخير هو العهد المروع، مع ابن داود -المسيح آتٍ، الذي سيدين البشرية ويحكم المملكة الألفية، كما هو مكتوب في سفر الرؤيا(Hedding 2006b, 26-30). ومع ذلك، لن يعود المسيح قبل أن يدعوه إسرائيل مرة أخرى، كما هو مكتوب في أعمال الرسل 3. يجادل هيدنغ، أنه يجب أن تكون جميع الأمم قد سمعت الإنجيل أولاً، ثم سيكون اليهود هم البقية التي ستعيد الملك تماماً كما كان يهوذا آخر من أحضر الطفل داود، كما رأينا في سفر صموئيل الثاني (Hedding 2006b, 34-5). بعبارة أخرى، يجادل هيدنغ بأن يسوع، بصفته ملك اليهود، يجب أن يُدعى مرة أخرى من قبل شعبه قبل أن يعود، تماماً كما فعل الملك داود. يمكننا أن نرى هنا كيف تضع السفارة اليهود وإسرائيل في مركز خطة الرب. ترتبط العهود الأربعة هنا ببعضها البعض ارتباطاً وثيقاً وبالتالي لا يمكن فصلها، كما هو الحال في الكنائس السائدة التي تعترف بعلم اللاهوت السائد.
4.2.2 وضع إسرائيل في الكتاب المقدس
كما رأينا أعلاه، خلقت العهود مساحة لإسرائيل لتكون وسيلة الرب لفداء العالم. وكما يجادل هيدينغ (2006a, 13) لم يتم الرد على سبب اختيار الرب لإسرائيل كوسيلة تعويضية، “لقد فعل ذلك فقط لأنه يحبها”، وليس هذا لأن إسرائيل لديها أي قدرات خاصة أو قوة(50). فالوضع المركزي الخاص لإسرائيل هو ما يشير إليه هيدينغ باسم “دعوة إسرائيل الثلاثية”. وهذا يؤكد أن إسرائيل ليست مجرد منطقة جغرافية عشوائية في الشرق الأوسط، بل هي أداة حيوية في مخطط الرب الخلاصي. وفقا لدعوات هيدينغ تكون نداءات إسرائيل الثلاث هي: نداء الولادة، ونداء المعاناة، والنداء الكهنوتي. ويجادل هيدينغ أن إسرائيل سوف “تلد”، من خلال هذه النداءات، “منتجات” خلاصية، ستصل إلى جميع البشر، على سبيل المثال يسوع. ومع ذلك، سوف تعاني إسرائيل لإيصال كلمة الرب، لأن الشيطان يعمل ما في وسعه لمنع تحقيق خطة الرب للعالم. ومع ذلك، فإن خطة الرب لن تضيع بسبب الشر، لأنه سبق أن قرر أن الشعب اليهودي سيعطي موت يسوع للعالم، والذي يدوره، أي موت يسوع، سيمنح الخلاص للأمم. على الرغم من أن هيدينغ واضح بشأن حقيقة أن اليهود كانوا مسؤولين عن صلب يسوع، إلا أنه لا يزال يجادل بأنه لا يمكن تحميل اليهود المسؤولية عن هذا العمل لأن اليهود لم يكونوا يعرفوا ما يقومون به (Hedding 2006a, 24-38). وعلى الرغم من حقيقة أن إسرائيل تحظى بمكانة مركزية مع الرب في سردية السفارة، فإن هذا لا يعني أن الرب، وفقاُ لهيدينغ، يحب إسرائيل أكثر من الأمم الأخرى في العالم. ولتوضيح ذلك، يستخدم هيدينغ تشبيهاً لامرأة حامل تحظى باهتمام ورعاية من عائلتها أكثر من أفراد الأسرة الآخرين لأن لها دوراً خاصاً في الأسرة، لكن هذا لا يعني أن بقية أفراد الأسرة يحظون بدرجة حب أقل من الأسرة. وبالتالي، يحق لإسرائيل أن تحظى بمزيد من الاهتمام والرعاية من قبل الأمم التي حولها، لأنها هي التي ولدت المسيح Messiah، وفي داخلها سيعود يسوع المسيح ويخلق المملكة الألفية. وعليه، فإن الهدف الكامل لوجود إسرائيل هو مجيء المسيح Messiah، الذي سيمنح الفداء للجنس البشري (Hedding 2006a, 9-10). يتمثل أحد الجوانب المركزية في سردية السفارة في إنكار الكنيسة “المرأة الحامل” عبر التاريخ، وهي سياسة اعتبرتها السفارة مخزية (Hedding 2006a, 31). وكما سوف نرى، فإن إسرائيل هي عنصر أساسي في خطة الرب. وبما أن الشعب اليهودي يشكل أمة إسرائيل، فما مدى أهمية وضع إسرائيل في أرض كنعان التوراتية وليس في أي موقع جغرافي آخر؟ يصبح الموقع الجغرافي ضرورياً، في سردية السفارة، لأن إسرائيل كانت الأرض التي وعد الرب فيها إبراهيم، بأن نسله سوف يحتفظون بها إلى الأبد، وهي ذاتها الأرض التي نُفي منها إسرائيل ووعد بالعودة. في هذا الموقع من الأرض، يُتنبأ أيضاً أنه عندما يعود المسيح إليها ، فإن ذلك سوف يحدث على جبل الزيتون. لذلك من المهم أن تحتفظ إسرائيل بهذا الموقع تحديداً.
4.2.3 خلاص اليهود
وفّر موت يسوع الخلاص للأمم، لكنه لم يخلص اليهود بعد، بحسب هيدينغ. وحقيقة أن اليهود يعتبرون شعب الرب المختار، فهذا لا يغير الحقيقة الأخرى وهي أن اليهود بحاجة إلى قبول المسيح كمنقذ لهم لكي ينالوا الخلاص. لكن هذا سيحدث، وفقاً لهيدينغ، تلقائياً عندما يعود اليهود من المنفى إلى إسرائيل. ووفقاً للسفارة، يعظنا سفر إشعياء بأنه سيكون هناك منفيان وعودتان للشعب اليهودي؛ الأول هو المنفى البابلي 586 ق.م، والثاني نفي ما بعد تدمير الهيكل الثاني 70 م، والذي استمر حتى الآن. علاوة على ذلك، تفسر السفارة سفر حزقيال 36 بأن عودة اليهود إلى الوطن ستحدث على مرحلتين؛ الأولى هي المرحلة الفيزيقية المادية، والثانية هي المرحلة الروحية. بعبارة أخرى، تؤمن السفارة بقيامة روحية يهودية، من خلال هجرتهم إلى إسرائيل، حيث سيعانقهم نشر محبة الرب والروح القدس (Hedding 2006a, 40-1).ويعد هذا تفصيلاً هاماً للغاية في سردية السفارة بحيث يعفيها من التبشير بين اليهود من أجل الحصول على الخلاص. إن مفهوم العودة إلى الوطن، أحدهما جسدي والآخر روحي، يجعل عمل السفارة بين اليهود أسهل بكثير، والذي سيتم التطرق إليه بمزيد من التفصيل في القسم 5.3.1.
4.2.4 الشر في هذا العالم
لدى السفارة رؤية ثنائية للعالم ينقسم فيها إلى خير وشر، وهنا لا يمكن وجود ممثلين محايدين، فالذين ليسوا مع الرب يقعون فريسة لسيطرة الشيطان (انظر أيضاً Widnes 2007, 79). وهكذا تستخدم السفارة صورة بابل وكنعان الواردة في سفر الرؤيا لوصف الانقسام بين المنقذين وغير المنقذين. ولا تعتبر بابل مكانًا روحياً بحتاً، بل يُنظر إليها أيضاً على أنها مكان مادي حيث يعلو الشر، لأنها كانت في جنة عدن التي سقط فيها الإنسان من النعمة، ومن هناك أمر الرب إبراهيم بمغادرة أور والارتحال إلى أرض كنعان الموعودة (Hedding in Widnes 2007, 90-1). وعلى الرغم من حقيقة أن السفارة تؤمن بأن الرب له السلطة المطلقة في العالم، فإن الشر هو الذي يسود. ومن أجل تجنب المفارقة الدينية حول سبب حدوث الشيء السيئ لإسرائيل اليوم، يتم شرح ذلك من خلال نداء معاناة إسرائيل. يقول سفر التكوين 15، أنه عندما قبل إبراهيم العهد من الرب، هاجمت النسور الشريرة العهد، الذي يرمز بالتالي إلى عالم ساقط يسيطر عليه الشر، وفقاً لهيدينغ (2006a, 28-9). ومع القيامة الجسدية والروحية لليهود، عندما يتم استعادة إسرائيل، يتبع سقوط الشر والتأثير الشيطاني على العالم. في هذا الوقت “سوف يأتي الملك” إلى جبل الزيتون، وسوف يؤسس المملكة الألفية ويملك “بقضيب من حديد”، كما هو مكتوب في سفر الرؤيا(Hedding 2006a, 42). ومع ذلك، فإن الشر يعمل ما في وسعه لمنع حدوث ذلك، وبهذه الطريقة، تشرح السفارة الصراع في الشرق الأوسط، فتفسر معاملة المجتمع الدولي غير العادلة لإسرائيل، وتشويه الصراع مع فلسطين، على أنهما “الأرواح النجسة” المذكورة في سفر الرؤيا 16 والتي خرجت من فم التنين كالضفادع وذهبت إلى أربع أركان من العالم لإغواء الملوك والسياسيين:” 13 وَرَأَيْتُ مِنْ فَمِ التِّنِّينِ، وَمِنْ فَمِ الْوَحْشِ، وَمِنْ فَمِ النَّبِيِّ الْكَذَّابِ، ثَلاَثَةَ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ شِبْهَ ضَفَادِعَ،14 فَإِنَّهُمْ أَرْوَاحُ شَيَاطِينَ صَانِعَةٌ آيَاتٍ، تَخْرُجُ عَلَى مُلُوكِ الْعَالَمِ وَكُلِّ الْمَسْكُونَةِ، لِتَجْمَعَهُمْ لِقِتَالِ ذلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، يَوْمِ اللهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.15 «هَا أَنَا آتِي كَلِصٍّ! طُوبَى لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحْفَظُ ثِيَابَهُ لِئَلاَ يَمْشِيَ عُرْيَانًا فَيَرَوْا عُرْيَتَهُ». 16 فَجَمَعَهُمْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُدْعَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ «هَرْمَجَدُّونَ».” (انظر كذلكHedding 2006 a 3 -40) (51). ويجب، وفقاً لرواية السفارة، عدم اختزال الصراع في الشرق الأوسط إلى صراع علماني أو إنساني، لأن الغرض من الصراع هو التدمير الكامل للدولة اليهودية، وفقاً لهيدينغ (2006a, 42). ستحاول الأمم المتحدة، التي يغريها الشر، تدمير إسرائيل والشعب اليهودي، تماماً مثلما يحاول ماجوج وياجوج في سفر حزقيال 38. وعلى مر التاريخ، كانت هناك العديد من الأمثلة على مثل هذه الأفعال (Hedding 2006 c 7 -28 ) (52) .وبينما يحاول شر الأعداء الأجانب تهديد وجود إسرائيل، فإن واجب اليهود الخاص يقضي في ضمان استمرار وجود إسرائيل. وعلى الرغم من عودة اليهود الآن من المنفى الأخير، فلا توجد ضمانات بأن إسرائيل لن تخسر أرضاً أو أن اليهود لن يُطردوا مرة ثالثة. ويمكن اعتبار حقيقة أن السفارة تفتح الباب أمام إمكانية نفي ثالث، أمراً متناقضاً، ومع ذلك فإن هذا أمر غير محتمل، وفقاً لهيدينغ، لأن الكتاب المقدس يذكر منفيين اثنين فقط (Hedding 2006c, 13-4). ووفقاً لهيدينغ-مرة أخرى-، يجب أن يعيش اليهود في مصالحة مع الرب، ما لم يؤدبهم، الأمر الذي قد يؤدي إلى خسارة الممتلكات- كما أظهر التاريخ (Hedding 2006c, 27-37). يستخدم الرب الأمم التي يغويها الشيطان كأداة لتأديب إسرائيل. إن نية الأغيار شريرة وبالتالي يجب عليهم أيضاً أن يستعدوا للدمار على يد الرب. يدعي هيدينغ أنه لم تنج أي مملكة عارضت إسرائيل واليهود عبر التاريخ، وبالتالي، من المهم أن تدعم السفارة إسرائيل. بعبارة أخرى، سيطر الرب، حسب سردية السفارة، على سقوط الإمبراطوريات والممالك التي كانت في صراع مع إسرائيل والشعب اليهودي. ويرى هيدينغ، أن للرب سلطان كامل على إسرائيل، حين يقول، أي هيدينغ، إن إسرائيل أمة صغيرة وضعيفة، وبالتالي اختار الرب إسرائيل لتكون أداة الفداء يمكنه، من خلالها، أن يظهر قوته (Hedding 2006c, 13). ومن الواضح أن لإسرائيل، من وجهة نظر هيدينغ، مكانة خاصة في الكتاب المقدس، وبالتالي تصبح أكثر بكثير من مجرد منطقة جغرافية أو أمة للشعب اليهودي. وعندما يعتمد خلاص العالم على الوجود المستقبلي لإسرائيل، فمن المهم أن تدعم السفارة إسرائيل من خلال دعم الهجرة اليهودية، والدفاع عن إسرائيل في النقاش العام وإدراج إسرائيل في الصلاة والبركات.
4.2.5 صراع الشرق الأوسط في سياق لاهوتي
كما ذكرت أعلاه، جادل هيدينغ بضرورة رؤية الصراع في الشرق الأوسط في سياق ديني وليس بوصفه نزاع علماني على الأرض، ويكتب: أن السكان العرب “لم يتلقوا بعد تجلي سماوي هام” (53) (Hedding 2006c, 42). ويمكن للمرء أن يفهم أن هذا يعني عدم خضوع الناس هناك إلى تبشير على نطاق واسع نظراً لأن الإسلام يحتل موقعاً قوياً في الشرق الأوسط(54). وقد صرحت السفارة، في المؤتمر الصهيوني المسيحي الدولي الثالث، بأن مصطلح المسلمين “الله” -من وجهة نظر كتابية- هو تحريف معادٍ لليهود ومعادٍ للمسيحيين لكيفية إعلان الرب عن نفسه أمام آباء وملوك وأنبياء الكتاب المقدس في اسرائيل. علاوة على ذلك، ذكرت السفارة أن العناصر في العقيدة الإسلامية، والتي تروج للكراهية تجاه إسرائيل والشعب اليهودي، ستؤدي إلى الشر والاضطراب والقيود الروحية التي ستؤثر على الأفراد وأحفادهم وأممهم. كما تجادل، أيضاً، خلوّ القرآن أو العقيدة الإسلامية من ما يؤكد صحة ادعائها بشأن جبل الهيكل، على أنه تناقض مباشر مع الادعاء التوراتي والتاريخي بالموقع(IKAJ) (55). فالصراع في الشرق الأوسط، يجب أن يرى من منظور ديني، وفقاً للسفارة، لأن الإسلام يحاول كسب أرض في الشرق الأوسط، لكن إسرائيل تقف في طريقه. إن العقيدة الإسلامية الراديكالية ورغبتها في إعادة المنطقة إلى دار الإسلام هي القضية الجوهرية التي لا يعترف بها سوى قلة قليلة من الناس. على الرغم من وجود مجموعات مثل حماس ترتكز على مبادئ لاهوتية إسلامية واضحة للغاية، فإن العالم يرتكب الخطأ المستمر في تجنب الطبيعة اللاهوتية للصراع. بدلاً من محاولة التعامل معه في سياق سياسي إنساني علماني، ولا يمكنهم، على ضوء إصرارهم هذا، حله قط، لأنهم لن يمتلكوا الحقيقة التي تقول بأننا نتعامل مع صراع مع الإسلام. وإذا لم تبدأ من الأساس اللاهوتي، (…) فلا يمكنك أبداً معالجة هذا الشيء بصدق. (…) فمصدر الصراع هو حاجة إسلامية راديكالية للتحقق من الوحي بتفكيك الدولة اليهودية (مالكولم هيدينغ في مقابلة مع جيروزاليم بوست، كانون الثاني\يناير 2007 ، Gilbert 2007). يقول هيدينغ في الاقتباس إن الإسلام الراديكالي يسعى جاهداً لتحويل منطقة الشرق الأوسط بأكملها إلى دار الإسلام. وتقف إسرائيل في طريق ذلك، وبالتالي فإن الصراع في الشرق الأوسط يصبح صراعاً بين الخير والشر، وفقاً لرواية السفارة. ويُوصف العرب في الكتاب المقدس بأن معظمهم سوف يكون موضوعاً للخلاص، لأن الرب يشاركهم المحبة، كما يفعل مع جميع الناس، ولكن يجب على الدول العربية المحيطة أن تلعب، أولاً، دورها في مخطط الرب الخلاصي. هذا الجزء تفهمه السفارة على أنه الأمم المحيطة، التي يستخدمها الرب كعقوبة عند إدانة إسرائيل لعصيانها، ولكن في الجولة الثانية، سيتم إدانة هذه الدول نفسها. لأول مرة عندما يتم فداء إسرائيل، ستنال مصر وآشور (سوريا اليوم) الخلاص، عندما يكشف الرب عن نفسه لهما في العصر المسياني (Hedding 2006c, 42-3, 2006a, 42, see also Isaiah 19:18-25)، راجع أيضاً إشعياء 19: 18-25:” 18 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ فِي أَرْضِ مِصْرَ خَمْسُ مُدُنٍ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعَانَ وَتَحْلِفُ لِرَبِّ الْجُنُودِ، يُقَالُ لإِحْدَاهَا «مَدِينَةُ الشَّمْسِ». 19 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخْمِهَا. 20 فَيَكُونُ عَلاَمَةً وَشَهَادَةً لِرَبِّ الْجُنُودِ فِي أَرْضِ مِصْرَ. لأَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمُضَايِقِينَ، فَيُرْسِلُ لَهُمْ مُخَلِّصًا وَمُحَامِيًا وَيُنْقِذُهُمْ. 21 فَيُعْرَفُ الرَّبُّ فِي مِصْرَ، وَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ الرَّبَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً، وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْرًا وَيُوفُونَ بِهِ. 22 وَيَضْرِبُ الرَّبُّ مِصْرَ ضَارِبًا فَشَافِيًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى الرَّبِّ فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ وَيَشْفِيهِمْ. 23 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ سِكَّةٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ، فَيَجِيءُ الأَشُّورِيُّونَ إِلَى مِصْرَ وَالْمِصْرِيُّونَ إِلَى أَشُّورَ، وَيَعْبُدُ الْمِصْرِيُّونَ مَعَ الأَشُّورِيِّينَ. 24 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلُثًا لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ، بَرَكَةً فِي الأَرْضِ، 25 بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلًا: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ، وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ»). وهذا لا يعني أن مصر وسوريا وحدهما هما اللذان سيخضعان للخلاص: تذكر السفارة أن الكنيسة تنمو وتنشط في العديد من الأماكن في الشرق الأوسط (Bühler 2013).
4.2.6 انقسام الأغيار وإسرائيل
في القسم 2.2، تم توضيح أن العقيدة التدبيرية تميز بين اليهود والأمم، حيث يُختطف المؤمنون الحقيقيون في الكنيسة قبل المحنة. وسبق الذكر أيضاً أن السفارة تعتقد أن الأغيار سيواجهون المحنة مع اليهود، وأنه لن يكون هناك أي اختطاف، وأن اليهود، مثلهم مثل غير اليهود، يمكنهم فقط الحصول على الخلاص من خلال المسيح. وكما يذكر ويدنيز أيضاً، يبدو الأمر كما لو أن السفارة تحاول تخفيف حدة الانقسام بين اليهود وغير اليهود (2007، 77).على الرغم من أن السفارة تحاول التخلص من الخط الفاصل بين اليهود والأغيار، إلا أن هيدينغ يشير إلى اليهود كأغيار أقاموا علاقة خاصة مع الرب لصالخ خلاص وإنقاذ العالم (Hedding 2006a, 20, Widnes 2007, 78). اقترح ويدنز أن الطريقة التي حاولت بها السفارة محو الانقسام بين اليهود والأغيار، هي طريقة لإسقاط معركتهم ومعاناتهم في المعركة والمعاناة اليهودية، لتحقيق النصر في النهاية(Widnes 2007, 78). لا أجد أي إشارة واضحة داخل السفارة إلى أنها تحاول أن تكون جزءً من معارك اليهود ومعاناتهم. على العكس من ذلك، كما سأناقش أدناه، من الواضح، من سردية السفارة، وجود أدوار منفصلة لليهود والأغيار في خطة العناية الإلهية.
4.3 “انظر. سوف أعود إلى الوثنيين “
في تصريحات موقف السفارة، كتب هيدينغ: “يوضح [الرسول] بولس، مراراً وتكراراً، أن اللاهوت يجب أن يكون له فعل عملي” (Hedding). كان البيان موجهاً إلى الكنائس المسيحية السائدة، والتي انتقدتها السفارة لكونها أكثر انشغالاً بمناقشة موقفها اللاهوتي بدلاً من العمل عليه. ومع ذلك، فقد أنشأت السفارة سرداً منفتحاً على الوكالة التي يتلقى فيها غير اليهود الدور الخاص في خطة العناية الإلهية. لذا فإن إشراك الأغيار هو بمثابة تحذير للدول من تدميرها المؤكد، إذا لم تتجه لدعم دولة إسرائيل. إن أكثر آيات الكتاب المقدس التي تستخدمها السفارة هي الآية الأولى من الإصحاح 40 من سفر إشعياء: ” 1 عَزُّوا، عَزُّوا شَعْبِي، يَقُولُ إِلهُكُمْ”. وتصرح السفارة بأن هذه الآية هي “تفويضه من السماء”. وبعدها تأتي الآية الثانية التي تقول: ” 2 طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ وَنَادُوهَا بِأَنَّ جِهَادَهَا قَدْ كَمُلَ، أَنَّ إِثْمَهَا قَدْ عُفِيَ عَنْهُ، أَنَّهَا قَدْ قَبِلَتْ مِنْ يَدِ الرَّبِّ ضِعْفَيْنِ عَنْ كُلِّ خَطَايَاهَا”. على مدار الثلاثين عاماً، عملت السفارة على أساس هذه الآية من الكتاب المقدس ونشطت في إرضاء ودعم المجتمع الإسرائيلي بطرق مختلفة، كما أشرنا في الفصل السابق. ينص الجزء الأخير في الاقتباس الأخير على أن الحرب الإسرائيلية قد انتهت، والتي يتم تفسيرها على أنها نبوءة انتهاء الحرب والصراع الذي تشارك فيه إسرائيل، وبانتهاء الحرب، سيكون العالم كله مندهشاً: قبل كل شيء، سيحصل الرب وحده على المجد لأنه سيحل مشكلة كانت أكبر من أن يتعامل معها العالم. حتى الكنيسة لم تكن قادرة على التعامل معها! في الواقع، لا يرى الكثير من الكنيسة اليوم أي أهمية كتابية في استعادة إسرائيل. يعتقدون أنه مجرد حادث سياسي حاكته ودبرته الأمم المتحدة (Buehler 2012). وهكذا، سيأتي يوم يكشف فيه الرب عن قصده لإسرائيل، وسيكشف الرب أن جميع الإجراءات السياسية والتاريخية، والأحداث المتعلقة بإسرائيل قد حدثت من خلال إرادته، وليس من قبيل المصادفة. إسرائيل هي أداة خلاص العالم، ولكن على الرغم من أن دول العالم قد تتصرف بالشر تجاه إسرائيل اليوم، سيأتي “يوم” يعرف كل العالم أن إسرائيل موجودة لمباركتهم وليس لشتمهم”، وحتى يأتي هذا اليوم، فإن السفارة “ستواصل السير على هذا المسار معها” (Buehler 2012). الدافع الآخر لدعم السفارة لليهود هو البركات التي يعطيها الرب لمن يدعمون اليهود. في سفر التكوين 12: 1-3 قال الرب لإبراهيم أن يترك وطنه القديم ويذهب إلى أرض كنعان حيث يجعله أمة عظيمة. 1 وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ.2 فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً.3 وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ». “أبارك مباركيك، وألعن من لاعنك. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض” (Hedding 2006a, 20). وتذكر الآية 22 من الإصحاح 49 من سفر إشعيا:” 22 هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: «هَا إِنِّي أَرْفَعُ إِلَى الأُمَمِ يَدِي وَإِلَى الشُّعُوبِ أُقِيمُ رَايَتِي، فَيَأْتُونَ بِأَوْلاَدِكِ فِي الأَحْضَانِ، وَبَنَاتُكِ عَلَى الأَكْتَافِ يُحْمَلْنَ. هذا الاقتباس هو أهم حجة تستخدمها السفارة لإضفاء الشرعية على عمل الهجرة المساعد. في هذه الآية من الكتاب المقدس، يدعو الرب الأمم (في العصر الحديث، الصهاينة المسيحيون) لمساعدة اليهود على العودة إلى إسرائيل. ومع ذلك، لن يكون هناك سوى عدد قليل من الأمم [الأغيار] الذين سيستجيبون لكلمة الرب ويعملون وفقاً لمشيئته، وستفشل بقية الأمم في هذا الأمر ويضللهم الشر، كما رأينا في الفصل الفرعي السابق (Widnes 2007, 80). يُشار إلى هؤلاء الأمم الذين يطيعون الرب على أنهم “ملء الأمم” في الرسالة إلى أهل رومية 11:25: “25 فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا هذَا السِّرَّ، لِئَلاَّ تَكُونُوا عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ حُكَمَاءَ: أَنَّ الْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيًّا لإِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ مِلْؤُ الأُمَمِ،”
4.3.1 الصيادون والقانصون
تعتبر مرافقة اليهود من الشتات اليوم إلى إسرائيل مهمة مركزية في سردية السفارة. قامت السفارة ببناء روايتها لتزويد غير اليهود بدور مركزي في تجمع الشعب اليهودي، حيث تعتبر العودة اليهودية للوطن، كما هو موضح أعلاه، ضرورية لتحقيق خطة العناية الإلهية. هنا تستخدم السفارة سفر إرميا 16:16 لإضفاء الشرعية على مساهمتها في جلب اليهود إلى إسرائيل. تقول هذه الآية من الكتاب المقدس: ” 16 «هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَى جَزَّافِينَ كَثِيرِينَ، يَقُولُ الرَّبُّ، فَيَصْطَادُونَهُمْ، ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ أُرْسِلُ إِلَى كَثِيرِينَ مِنَ الْقَانِصِينَ فَيَقْتَنِصُونَهُمْ عَنْ كُلِّ جَبَل وَعَنْ كُلِّ أَكَمَةٍ وَمِنْ شُقُوقِ الصُّخُورِ.”. وبالتالي، يمكن للسفارة أن تقوم بدور الصيادين في سرديتها. وهذه الصورة من إرميا تستخدمها السفارة في عملها التطبيقي، كما هو الحال في الطريقة التي تسميها السفارة في بحثها عن اليهود في الشتات “الصيد عبر الإنترنت” وفي مقال بقلم هوارد فلاور، مدير الهجرة في السفارة، يشرح كيف أن السفارة “تصطاد” اليهود في الشتات(56). وليس من الواضح كيف تفهم السفارة كلمة “الصيادين” الواردة في سفر إرميا 16:16، المذكورة أعلاه. في الآية، سيطارد الصيادون اليهود من كل جبل وتل وحفرة في الصخور. ومع ذلك، يجادل سايزر بأنه يشير إلى معاداة السامية العامة، لأن القائد الأول للسفارة، يان فيلهم فان دير هوفين، أكد أنه حتى اليهود الذين يعيشون في الولايات المتحدة سوف يهاجرون يوماً ما إلى إسرائيل، وأن الرب سيستخدم معاداة السامية. من أجل تحقيق ذلك (Sizer 2004a, 223). فإذا كان صحيحاً أن السفارة تفهم الصيادين على أنهم معادون للسامية، فإنها تنفتح إلى حد ما على مفارقة في هذا الشأن، لأن السفارة تعتمد على معاداة السامية لطرد اليهود من الشتات، بينما تشدد، في ذات الوقت، على أن الأغيار يجب أن يدعموا إسرائيل من أجل تجنب هلاك الرب. ومع ذلك، فإن تركيز السفارة على دورها كـ “صيادين” يصبح التركيز الأكثر شيوعاً في روايتها لمساعدة اليهود في إسرائيل.
4.3.2 دوافع شخصية
بصرف النظر عن المقاطع الكتابية المتشابكة لدور غير اليهود في سرديتها، تركز السفارة أيضاً على المزيد من الدوافع الشخصية حيث تحاول التعويض عن المعاملة السيئة التي تلقاها اليهود من الكنيسة على مر القرون. ومع ذلك، يبدو أن الدافع الأكثر أهمية هو أنه إذا كان الرب صادقاً في وعوده لليهود، فإنه سيحافظ أيضاً على وعوده تجاه الأغيار. يمكن رؤية الجانب الأخير في رد مدير العلاقات العامة ديفيد بارسونز عندما أجاب على سؤال حول ما يحفز المسيحيين على مساعدة الشعب اليهودي: إنه بسبب أمانة الرب، يظهر طبيعته وشخصيته كإله أمين وعد به؛ لقد شتت اليهود، ولكن بغض النظر عن المكان الذي شتتهم فيه، فسوف يعيدهم دائماً كما هو في عهده مع إبراهيم والعهد الموسوي الذي كتبه موسى. نحن ننظر إلى هذا كما نرى الهجرة كدليل على وجود إله أمين لوعوده. (…) يفي بوعوده، وإذا أوفى بوعوده للشعب اليهودي، فسوف يفي بوعوده لنا أيضاً(57). بعبارة أخرى، الدافع وراء السفارة هو أنها ترى عودة اليهود واستعادة إسرائيل، كدليل على تمسك الرب بوعده لليهود، وفي الوقت نفسه يتمسك بوعده للأمم. إن حقيقة عودة اليهود الآن إلى إسرائيل من الشتات دليل واضح من الرب. وقد أعطى هوارد فلاور الإجابة ذاتها إلى حد ما عندما سئل عن الدوافع المسيحية لدعم اليهود: قال معلمي ومرشدي: في الكتاب المقدس يتحدث الرب كثيراً عن الشعب اليهودي وإسرائيل، وعلى غير اليهود أن يساعدوا الشعب اليهودي. هذا هو الجزء الأكثر أهمية. في العديد من الأماكن [في الكتاب المقدس] يمكنك أن ترى: “سأرفع رايات الأمم (…). لماذا أعاد الرب هؤلاء الناس إلى الوطن؟ وهو يقوم ذلك كعلامة لغير المخلصين(58).وبالتالي، فإن عودة اليهود إلى الوطن اليوم هي علامة واقعية على أن الرب في قوة كاملة وأن “غير المُخلَّص” يجب أن يتصرف وفقاً لهذه العلامة الواضحة.
ذكر كل من ديفيد بارسونز وهاورد فلاور أن الدوافع المسيحية لمساعدة اليهود كانت أعمق من مجرد قناعة كتابية. وذكر كلاهما أن معاملة اليهود عبر التاريخ كان دافعًا لمشاركتهم، وعند تحليل ما نشرته السفارة على مواقع الويب الخاصة بها وفي مجلتهم Word From Jerusalem، من الواضح أن العامل المحفز هو التعاطف العميق مع معاناة اليهود. لقد شرح ديفيد بارسونز دوافعه الشخصية لمساعدة اليهود: لأنك علمت أنهم أتوا من خلفيات سيئة، وظروف صعبة لذلك تفضلهم على متطلباتك الذاتية، وعندما سمعنا بما مر به اليهود، ومعاناتهم، فهناك الكثير من الحب الذي يظهر، فأنت أب بديل، وليس بالضرورة أب ناتج عن علاقة دم طبيعية، لكن تحصل على علاقة خاصة حيث تعاملهم على أنهم ملكك، وستقدم لهم تضحيتك لأنك تعلم، تتمنى لهم أفضل مما كنت تمتلكه، لذا يمكنني حقاً تحديد هذا كعامل دافع حقيقي من الروح القدس، حيث تريد الأفضل، أنت تعلم أن أسلافهم مروا بقرون من المعاناة(59).
إن استخدام تعبير “الأب البديل” كاستعارة لوصف الدوافع لمساعدة اليهود، هو أداة بلاغية قوية جداً لشرح مدى عمق حبهم لليهود. وباستخدام مثل هذه الاستعارة، فقد تبدو أيضاً كأنها محاولة لإظهار أن المسيحيين لا يدعمون اليهود فقط لأن “الكتاب المقدس يقول ذلك” بل لأن حبهم لليهود عميق وصادق. ومع ذلك، أدى هذا الدافع إلى انخراطهم لصالح الشعب اليهودي، الأمر الذي أصبح انخراطاً سياسياً شديداً.
4.4 المشاركة السياسية اللاهوتية
كما رأينا حتى الآن، استخدمت السفارة مقاطع توراتية لإنشاء سردية تلقى فيها السفارة دوراً نشطاً في مسار التاريخ بمهمة دعم إسرائيل ومساعدة اليهود على العودة من الشتات. ومن المفهوم أن جانب العمل يتمتع بأهمية خاصة من قبل السفارة. ويمكن ملاحظة ذلك أيضاً في حجة هيدينغ، عندما صرح بأن “مناقشة علم اللاهوت أمر جيد، ولكن لا يمكنه أن يكون هو ” الهدف في حد ذاته “- وهو نقد واضح لقادة الكنيسة السائدة، وهي ملاحظة تعبر عن نقد موقفهم السلبي من الصراع (Hedding). كما لوحظ في الفصل السابق، عقدت السفارة أربعة مؤتمرات صهيونية مسيحية دولية، كان الهدف منها دعوة مسيحيي العالم إلى اتخاذ إجراءات في خطط الرب الخلاصية من خلال مساعدة اليهود على الهجرة ودعم إسرائيل، ولكنها شجعت أيضاً اليهود للنظر في إقدامهم على الهجرة: ندعو اليهود في جميع أنحاء العالم إلى التفكير في هجرة إلى إسرائيل، وندعو كل مسيحي إلى تشجيع ودعم أصدقائه اليهود في هذه الخطوة التي يتم اتخاذها بحرية، ولكن بوحي من الرب (مقتبس في Merkley 2002, 175 ). تكرر هذا النداء في المؤتمر الصهيوني المسيحي الثاني في العام 1988، حيث لم تشجع السفارة الهجرة من إسرائيل. وفي الوقت نفسه، ناشدت اليهود “وقف الإجهاض” من أجل تحفيز النمو السكاني. وبحسب ويدنيز، فقد جاء هذا البيان من أجل زيادة تشجيع السكان الإسرائيليين على الاستيطان في الأراضي المحتلة، لأنه من الصعب المطالبة بالحق في الأرض دون أن يكون هناك سكان يستوطنون هناك (2007). في العام 1996، عقد المؤتمر الثالث في القدس. أكد الإعلان هنا كذلك على حاجة المسيحيين لمواصلة عملهم في الهجرة. في الفقرة السادسة من الإعلان، أعلنت السفارة أن التجمع الحديث للشعب اليهودي في أرض إسرائيل وولادة إسرائيل من جديد هو تحقيق لنبوءات كتابية في كل من العهدين القديم والجديد. وأعلن البيان التالي أن الكتاب المقدس يوجه المسيحيين إلى الاعتراف بالجذور العبرية لإيمانهم والمساعدة بنشاط والمشاركة في مخطط الرب لجمع الشعب اليهودي واستعادة أمة إسرائيل. وأوردت السفارة، في الإعلان ذاته، أهمية قرارات المؤتمر فيما يخص الفقرة الثامنة المتعلقة بالهجرة اليهودية إلى إسرائيل.
لدى السفارة قلق دائم على مصير الشعب اليهودي، الذين هم في خطر في عدة مواقع، ولذلك يجب على المسيحيين أن يسعوا لتشجيعهم ومساعدتهم في العملية الجارية لإحضار المنفيين إلى إسرائيل. يشار إلى الخطر هنا على أنه معاداة السامية، والتي ترتبط بشكل خاص بتزايد عدد السكان المسلمين في أوروبا. ويمكن أن يكون هذا تهديداً له نتيجتين؛ فقد يلعب هذا التهديد دور “الصيادين” الذين سيطردون اليهود من الشتات، أو قد يؤدي إلى أن يفقد اليهود هويتهم اليهودية ويبقون في الشتات(60). وفي العموم، تعتقد السفارة أن معاداة السامية هي عامل مهم في سبب اختيار اليهود للهجرة. كما نص الإعلان على أن السفارة ملتزمة بالعمل مع إسرائيل وتشجيع يهود الشتات على تحقيق الرؤية والهدف المتمثل في تجميع الغالبية العظمى من الشعب اليهودي في إسرائيل (IKAJ). كما شكل الإعلان تسع نقاط حول سبب وجوب دعم المسيحيين لإسرائيل وجادل بأن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها متجذر في الوعود التوراتية لإسرائيل بالاحتفاظ بالمناطق.
عقدت السفارة مؤتمرها الرابع والأخير في القدس في العام 2001، حيث لم يضف الإعلان شيئاً جديداً على التصريحات السابقة بشأن الهجرة. لكنه زاد من أهمية استمرار المسيحيين في دعمهم لإسرائيل وعودة الشعب اليهودي إلى جميع أنحاء أرض إسرائيل (IKAJ). ويتضح من هذه التصريحات كيف تستخدم السفارة الكتاب المقدس في الانخراط السياسي لدعم واستعادة أرض إسرائيل. لطالما كان للسفارة مشاركة قوية في المجال السياسي. في العام 1996، فقد صرحت أولّا يارفيليتو باستحالة غض النظر عن أفعال الرب السياسية من أجل إسرائيل، – إذا أخذ المرء الكتاب المقدس بجدية، فإن دعم إسرائيل والهجرة اليهودية هو أمر يتعلق بالسياسة، وبالتالي لا يمكن أن تكون السفارة محايدةً(Järvilehto in Widnes 2007, 102). ومن ثم، فإن الفهم الكتابي لهدف الرب لإسرائيل يجب أن يصبح فهماً سياسياً من خلال ما يليه من التزام. فقط من خلال المجتمع السياسي يمكن للسفارة أن تنجح في خطط الاستعادة. وكان يان فيلهم فان دير هوفن قد صرح، قبل المؤتمر الصهيوني المسيحي الثالث في العام 1996، بأن: المسيحي الصهيوني هو شخص لا يؤمن بمستقبل شعب إسرائيل فحسب، بل أيضاً باستعداده لأن يكون أداة فاعلة لتحقيقه. بعبارة أخرى، لا تكمن السمة المميزة للصهيونية المسيحية تكمن في التمسك بموقف أخروي معين تجاه الشعب اليهودي فقط، بل يجدر بها أن تعبر عن التزام جاد بتحقيق رؤيتها (مقتبس في Widnes 2007, 100). وبعبارة أخرى، فإن المسيحيين الصهاينة في السفارة يعتبرون أنفسهم أداة ضرورية لاستعادة إسرائيل. إن الانخراط النشط في الدفاع عن إسرائيل ودعمها في النقاش العام هو سبب وضع سايزر السفارة في فئة العقيدة التدبيرية السياسية. ومن خلال هذا، يجادل سايزر بأن السفارة لديها إيسخاتولوجيا أكثر تفاؤلاً من المنظمات التدبيرية الأخرى، مما يعني أن اللاهوت يفتقر إلى الجانب الذي سيموت فيه ثلثا اليهود في هرمجدون، والباقي سوف يتحولون إلى المسيحية(61). علاوة على ذلك، وصفهم سايزر بالتدبيريين السياسيين لأنهم يعتقدون أن هدف الكنيسة هو مباركة إسرائيل، بسبب فهمهم لاختيار الرب للشعب اليهودي كأداة فداء (Sizer 2004a, 302-3).
بعد الاطلاع في هذا الفصل على كيفية فهم السفارة لدور إسرائيل، وضرورة أن يعيش اليهود داخل إسرائيل من أجل الوصول إلى المرحلة التالية في خطة العناية الإلهية، يصبح من الواضح رؤية كيف تروي السفارة نفسها في هذه الخطة. الأمر الذي يسمح لها، بالتالي، العمل كمتبرع لإسرائيل. يكون العالم، في سردية السفارة، على المحك، والعمل السياسي مطلوب من أجل تجنب حكم الرب على الأمم. تحتاج إسرائيل إلى البركات والدعم والراحة من أجل البقاء، ويحتاج اليهود إلى العودة إلى ديارهم.
هوامش
44- في الأصل: Vi lever ikke i en post-bibelsk tid, men vi lever i bibelsk tid
45- يوسف هو السبط الثاني عشر.
46- في مقابلة في المقر الرئيسي للسفارة في القدس، 9 تشرين أول\أكتوبر 2013.
47- هنا تختلف الصهيونية المسيحية عن المسيحية السائدة، لأن المسيحية السائدة تدعي أن هذا قد تحقق في يسوع المسيح.
48- يظل دور اليهود والأغيار منفصلين بشكل واضح حتى من خلال الأخير، من خلال اختيار الطريق مع يسوع، الذي أصبح أيضاً مشمولاً في وعد إبراهيم.
49- في الكتاب المقدس، غيّر يعقوب اسمه إلى إسرائيل بعد لقائه مع الرب كما هو مذكور في سفر التكوين35:10. [10 وَقَالَ لَهُ اللهُ: «اسْمُكَ يَعْقُوبُ. لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِيمَا بَعْدُ يَعْقُوبَ، بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِسْرَائِيلَ». فَدَعَا اسْمَهُ «إِسْرَائِيلَ».] ثم أنجب ما أصبح يُعرف باسم أسباط إسرائيل الاثني عشر.
50- تشير السفارة دائماً إلى إسرائيل على أنها أنثى، مثل العهد القديم. وهذا من شأنه أن يقوي العلاقة المباشرة بين إسرائيل اليوم وإسرائيل العهد القديم.
51- كما لوحظ في الفصل السابق، لدى السفارة مفهوم عن المسيح الدجال الذي سيحاول خداع الأمم من أتباع الرب من خلال تقديم السلام وإنكار الحقيقة. تعتقد السفارة أنه كان هناك العديد من المناهضين للمسيح الصغار، وفقاً لوينديز (2007 ، 85-8). أرسله الرب لاختبار البشرية من أجل معرفة ما إذا كان الناس على “الجانب الصحيح في المعركة الروحية”. مثال عن المسيح الدجال هو ياسر عرفات (2007 ، 89).
52- يُفهم الرايخ الثالث على أنه المحاولة الأخيرة لتدمير إسرائيل
53- الترجمة عن الأصل النرويجي: Vet dere kjære venner, at dette er den siste folkegruppen på jordens overflate som enda ikke har opplevd en betydelig visitasjon fra himmelen? (Hedding 2006c, 42)
54-نظراً لأن بابل الجغرافية (العراق حالياً) تُفهم على أنها مقر الشر، تشير السفارة إلى أن هذا قد يكون السبب في فشل الكنيسة في التبشير بالمنطقة لما يقرب من 2000 عام (مقتبس من 91، Widnes 2007).
55- تفصل السفارة إلى حد ما بين الإسلام الراديكالي والمعتدل، ولكن من الصعب فهم إلى أي مدى يشمل هذا الفصل.
56- هناك أيضاً إشارة إلى الصيادين في إنجيل متّى 4:19 حيث قال يسوع لتلاميذه: “(…)” هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النّاسِ”. يمكن أيضاً تفسير الآية الأخيرة، وفقاً لوينديز، لتقوية آية إرميا وبالتالي زيادة شرعية المسيحيين الصهاينة لاتباع يسوع ( 113، Widnes 2007 ).
57- مقابلة في مقر السفارة, 9 تشرين أول\ أكتوبر 2013
58- مقابلة أجريت في السفارة في القدس، 22 أيلول\ سبتمبر 2013.
59- مقابلة في مقر السفارة, 9 تشرين أول\ أكتوبر 201
60- قال المتحدث باسم الوكالة اليهودية، ناتان شارانسكي، “إلى أولئك الذين يقولون إن معاداة السامية في فرنسا مفيدة للصهيونية، أقول إنهم مخطئون. مقابل كل 10 ممن يعانون من معاداة السامية، ينأى تسعة بأنفسهم عن الحياة اليهودية، وواحد فقط سيصل إلى إسرائيل “، وهو ما صرح به لصحيفة واشنطن بوست (2014
ت الفصل الخامس: الهجرة الداعمة، مفتاح عودة اليهود إلى الوطن
“عندما ننظر، الآن، إلى بعض المقاطع ذات الطابع التنبؤي في الكتاب المقدس حول التجمع العظيم للشعب اليهودي في آخر الزمان، فسوف نرى أن هذا الأمر قد تحقق بمنتهي الدقة والتفصيل”. ديفيد بارسونز، مدير العلاقات العامة في السفارة الدولية المسيحية في القدس(2014a).
عملت السفارة يشكل منهجي، منذ سقوط الاتحاد السوفيتي في العام 1991، على مساعدة اليهود للعودة إلى إسرائيل، من خلال تقنيات تواصلية وتوعوية عن مبدأ الهجرة تجاه يهود الشتات. وتزعم السفارة، أنها ساعدت، منذ بداية برنامج الهجرة، أكثر من 115.000 يهودي من الوصول إلى إسرائيل، من جميع أنحاء العالم، بتكلفة بلغت حوالي 45 مليون دولار أمريكي. وكنت قد أوضحت، في الفصل السابق، كيف قامت السفارة ببناء سردية شجعت الصهاينة المسيحيين على اتخاذ إجراءات تنفيذية بهدف استعادة إسرائيل. وسوف أستخدم في هذا الفصل المعيار النظري لكيفية تصور السفارة لدورها في استعادة إسرائيل من خلال استخدام نظرية هاردينغ حول كيفية إنتاج لغة خلاصية في سياق هذه الجهود لتكون جزءً من تحقيق النبوات. وبناءً على ذلك، سأفحص طريقة تنفيذ عمل السفارة من خلال الإجابة على سؤالي البحثي الثاني، ما هي الاستراتيجيات التي تستخدمها السفارة لمساعدة اليهود في إسرائيل؟ علاوة على ذلك، سأقوم خلال هذا الفصل بإلقاء نظرة على تأثيرات العمل المساعد للهجرة في الحفاظ على الدولة اليهودية، وسوف ألقي نظرة هنا، بعد سؤالي البحثي الثالث (ما هي التأثيرات التي لعبت، أو قد تلعب، دوراً في منهجية السفارة في الحفاظ على الدولة اليهودية؟) على كيفية مساعدة السفارة لليهود في إسرائيل، وسوف ألاحظ كيف تضمن السفارة بقاء اليهود في إسرائيل. وسأنظر أيضاً في الكيفية التي ترى فيها السفارة عودة اليهود إلى الوطن بوصفها وعوداً كتابية تتحقق اليوم. لقد ساعدت السفارة اليهود من جميع أنحاء العالم بطرق مختلفة، وسوف يكون التعمق، في هذه الطرق، واسعاً للغاية بالنسبة لهذه الأطروحة. لذلك ركزت على حالتين، أولاهما السفارة في خدمتها الإعلامية: عودة اليهود الروس وعودة يهود هنود من قبيلة بني منسّي. وسوف أستخدم هاتين القضيتين للخوض في بعض التفاصيل عن أسلوب استخدام السفارة لمواردها لمساعدتهم في إسرائيل. وسأبدأ هذا الفصل بنظرة عامة موجزة عن تاريخ الهجرة اليهودية وقانون العودة
5.1 الهجرة اليهودية עלייה “عاليا” وقانون العودة
على الرغم من أن الأرض المقدسة لم تكن أبداً خارج حدود السكان اليهود ولم يتم “تطهيرها” منهم، وأن الهجرة اليهودية إلى فلسطين حدثت عبر التاريخ، فيمكن الإشارة، بصورة عامة، إلى بداية الـ ” עלייה عاليا” مع تيارات الهجرة اليهودية في أواخر القرن التاسع عشر. حين فرّ، في ذلك الوقت، ملايين اليهود من الاضطهاد ومعاداة السامية في الشتات الأوروبي والروسي إلى “موطن أجدادهم الذهبي”. وتشير كلمة עלייה “عاليا” في اللغة العبرية، في حد ذاتها، إلى معنى الصعود. وكانت تشير في إسرائيل القديمة إلى الاحتفال بالأعياد الدينية عندما كان الإسرائيليون القدماء يرتحلون إلى أورشليم للمشاركة في الاحتفالات. واستخدمت الكلمة، عبر التاريخ، أيضاً لحث الأولاد الصغار على قراءة نصوص من التوراة أثناء القداس في الكُنُس (Groth 2003, 218) . ويبدو أن الكلمة كانت تُنسب، في الثقافة اليهودية، دائماً، للدلالة على التنقل والسفر. وأصبحت ترادف بشكل أو بآخر، في نهاية القرن التاسع عشر، الهجرة إلى الأرض المقدسة تحديداً. لذلك، يشار، اليوم، إلى الهجرة الجماعية خلال الفترة ما بين 1882 إلى 1939، عندما استقرت مجموعات من اليهود في فلسطين، باسم أمواج العاليا(62). وأصبح مصطلح ” עלייה عاليا”، خلال هذه الفترة، مرتبطاً بالحركة الصهيونية، التي أنشأها وتزعمها تيودور هرتزل، ويُنظر إليه الآن على أنه “بناء إيديولوجي للعودة للوطن” (Remennick 2010, 191). وبعد عامين من قيام دولة إسرائيل، أصدرت الحكومة قانون العودة لضمان مبدأ الهجرة اليهودية غير المقيدة إلى إسرائيل. ونصت المادة الأولى من القانون على أن “لكل يهودي(63) الحق في القدوم إلى البلد باعتباره وطناً يخصه אולה [شكل فريد من نوعه للمهاجرين اليهود إلى أرض إسرائيل]” (Knesset 1950 (2003). لكن في العام 1970، تعرض قانون العودة لبعض التعديلات سمح بموجبها لأزواج وأبناء وأحفاد اليهود الحق في الهجرة إلى إسرائيل والحصول على الجنسية تلقائياً (Joppke 2009, 86). وهذا يعني أن أحفاد اليهود وأقاربهم يُسمح لهم بالحصول على الجنسية الإسرائيلية، وبالتالي شمل قانون العودة مجموعة كبيرة من الأشخاص المؤهلين للهجرة إلى إسرائيل. غير أن هذا القانون لا يشمل أولئك الذين يزعمون أنهم ينحدرون من أسباط إسرائيل المفقودة. ويبدو أن الروابط الأسرية أكثر أهمية من الهوية الثقافية والدينية، ولذلك اعتبر القانون، من قبل البعض، تمييزياً ضد اليهود غير الشرعيين، بمعنى الذين لا تعترف بهم الشريعة اليهودية :الهالاخا”. وكان لهذا الأمر تعقيدات مباشرة على عمل الهجرة الداعمة التي تقدمها السفارة. ففي إحدى الحالات التي حصلت في العام 2004، زارت السفارة الجالية اليهودية في كايفنغ Kaifeng في الصين، وأعرب هؤلاء اليهود عن رغبتهم في الهجرة إلى إسرائيل. ولكن السلطات الإسرائيلية لم تعترف بأهليتهم لأن يهود كايفنغ يتتبعون أصولهم اليهودية من خلال خط نسب الأب فقط، بينما يُطلب، حسب الهالاخا، إثبات النسب من جهة الأم (Schiavi 2004, 20). وأحدثت السلطات الإسرائيلية، في السنوات الأخيرة، ثغرة تمكّن اليهود غير الشرعيين من الهجرة بعد تلقيهم دورة تحويل “تحويلهم إلى يهود حسب الهالاخا” مدتها ثلاثة أيام. ومن الواضح أن قانون العودة قانونٌ عمليٌّ ويشمل مجموعة كبيرة من الشعب اليهودي. رغم أنه لا يُسمح لليهود المسيانيين، وهم مجموعة أساسية جداً من الصهاينة المسيحيين، بالذهاب إلى إسرائيل بموجبه.
أشرت في الفصل السابق، إلى أن اليهود، وفقاً للسفارة، لا زالوا بحاجة إلى الاعتراف بيسوع باعتباره المسيح المنتظر من أجل خلاصهم، وكذلك هو الحال بالفعل بالنسبة لليهود المسيانيين. ويُنظر إلى اليهودية المسيانية على أنها حالة توفيقية بين المسيحية واليهودية، حيث تُطبق الشريعة اليهودية، لكنهم يؤمنون بالإضافة إلى ذلك أن يشوع (يسوع) هو الميسيا، مما يجعلهم روحانيين أكثر. وذكرتُ، في الفصل السابق، اعتقاد السفارة بعودة اليهود إلى إسرائيل(64). يقول هوارد فلاورز: يأتي إليّ، من حين لآخر، أناس يسألون: “هوارد، لماذا لا تعظ هؤلاء الناس بالعقيدة الإنجيلية، لماذا لا تضع الكتاب المقدس في صلب إيمانهم؟ ماذا يحدث لو تحطمت طائرتهم ولم يتلقوا مساعدة؟ ” بادئ ذي بدء، لقد وعدنا الوكالة اليهودية بأننا لن نتعامل مع هذا الأمر، وقد قطعنا وعداً بذلك في العام 1990، لكن هذا لا يعني أننا لا نستطيع أن نصلي من أجلهم، بيد أن السبب الحقيقي هو أن الكتاب المقدس يقول بأن الرب سوف يعيدهم إلى الوطن، وبعد ذلك سيضع الروح [فيهم](65). ويبدو أن غياب تبشير السفارة تجاه اليهود له جانب براغماتي أيضاً، لأن معظم اليهود لا يحبون التعرض للتبشير(66) وكوعد للوكالة اليهودية، ولكن أيضاً لن يُسمح لليهود المتحولين بالهجرة وفقاً لقانون العودة. قدم ديفيد بارسونز فكرة مفادها أن السفارة لا تحدد من هو مؤهل للهجرة، وإذا ما رغب اليهود المسيحيون في ذلك، فهناك مكاتب محاماة يمكن أن تساعدهم(67). علماً أن قانون العودة تعرض أيضاً لانتقادات من قبل المجتمع الدولي لمنحه امتيازات لليهود المعترف بهم بحسب الشريعة “هالاخاه”، مما يعني أن إسرائيل دولة يهودية حصرية. علماً أن استخدام كلمة “عودة”، في ديباجة القانون، يؤطر “الحق الطبيعي لكل يهودي في العالم الهجرة إلى إسرائيل”، باستخدام كلمات يوبكه Joppke وروسينهيك Rosenhek ((2009, 78، انظر أيضاً قانون العودة Law of Return 1950 (2003)).
5.2 الانقسام بين الشتات والوطن
سبق أن أشرت إلى المصطلحين “الوطن” و”الشتات”، ولفتت الانتباه إلى استخدام كلمة “العودة” في قانون العودة. ولكن، هل يعقل الحديث عن وطن وشتات “دياسبورا” في عالم معولم كما هو حال عالم اليوم، وهل من الممكن الحديث عن عودة شعب عندما تكون العودة إلى بلاد لم تكن موطنه الأصلي، وليس لديه أقارب يعيشون هناك؟ كيف يمكن أن تكون هذه المصطلحات الثلاثة في سردية السفارة على تلك الدرجة من الأهمية، لفهمها عند مناقشة المزيد عن الطريقة التي تدافع فيها السفارة ليس عن حق اليهود في الوجود في إسرائيل في المجال العام فحسب، بل أيضاً عن كيفية تصور اليهود الذين يعيشون في الشتات في عالم معولم. حيث يمكن للناس التنقل بحرية أكثر أو أقل.
رأينا في الفصل السابق، في القسم 4.2.1-2 كيف تصور السفارة إسرائيل على أنها أرض الميعاد الممنوحة لإبراهيم، مع الكتاب المقدس باعتباره صك نقل هذا العهد، والذي يضمن لليهود الاحتفاظ بأرض كنعان إلى الأبد. لذلك يمكن فهم الوطن على أنه يشير إلى المكان الأسطوري حيث عاش، ذات زمن، أسلاف يهود اليوم ومنه انتقلوا للعيش في المنافي (Stock 2010, 24-25). ولا تزال دولة إسرائيل الحديثة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهذه الأرض الأسطورية، بسبب العهد الإبراهيمي، وبالتالي تم محو الفصل بين إسرائيل الحديثة والأمة الأسطورية المذكورة في الكتاب المقدس. لذلك يجب على اليهود العودة من الشتات إلى “وطنهم”، أرض الميعاد. في حين أن العديد من العلماء والأكاديميين يستخدمون مصطلح الشتات لوصف التشتت وحيث تكون الهويات الجمعية التي تشكلت عبر الزمان والمكان من خلال السلطة والسياسة، فإن السفارة تعيد مصطلح الشتات إلى معناه الأصلي للتجمع المسياني. واستخدم وصف الشتات diaspora لأول مرة في إحدى الترجمات اليونانية الأصلية للكتاب المقدس، الترجمة السبعينية، وكان يشير إلى “تشتت مُنظم إلهياً لليهود من الأرض المقدسة” متجسداً مع مفهوم إيسخاتولوجي لمعنى الاستعادة المسيانية (Shneer 2010, 263). وتنظر السفارة إلى المنفى باعتباره عقاب الرب لليهود لأنهم أساءوا التصرف وبالتالي أجبروا على الهجرة والعيش في الشتات، ولكن يُنظر إلى هذا الشتات على أنه حالة مؤقتة، وقد أوضح هوارد فلاور هذا على النحو التالي: [و] عندما ترى ما يحدث في جيلنا، فهذه أشياء ينبغي النظر إليها كأفعال يقوم بها الرب. هناك هدف تعويضي يؤدي إلى ذلك، ويجب أن نكون جزءً منه. في الواقع، عندما تنظر إلى النبي إشعيا، فقد كان دائماً ما يتجاهل العودة [من المنفى] لأنه كان يعلم أن الرب هو من سيعيد اليهود يوماً ما، وحتى حكماء اليهود قالوا إن الرب سوف يعيد اليهود، في يوم من الأيام، إلى الوعد. كل ذلك مذكور في النبوءات. كان الرب يتوقع دائماً أن يكون الأغيار الوثنيون جزءً من هذا(68). لذلك يمكن اعتبار الوطن والشتات على أنهما “(…) جزء (أجزاء) من مخطط خلاصي”، على حد تعبير بومان (2010). لذلك يجب أن يُنظر إلى اليهود المنفيين ويهود الشتات على أنهم في موضع عقابي. أما الآن، فقد سمح الرب، من ناحية أخرى، لليهود بالعودة إلى إسرائيل بعد أن بددهم في جميع أنحاء العالم. ولا تزال فكرة الشتات كمكان عقابي حاضرة في سردية السفارة. ويمكن ملاحظتها في حديثها عن الخطر الذي يحيق بيهود الشتات. وفي مثالٍ من فرنسا يقول هوارد فلاور:.. لكن في السنوات القادمة جاء المسلمون أيضاً من شمال إفريقيا. لذلك يوجد عشرة مسلمين مقابل كل يهودي. وبعد انتفاضة العام 2000 انتقلت الانتفاضة إلى فرنسا واستمرت تلك المشاكل لمدة عشر سنوات وأحرقت السيارات وخربت المدارس. كانت هناك مناطق في المدن الفرنسية لا يمكن للشرطة أن تتواجد فيها دون دعم خاص، حتى أقسام الإطفاء لم تتمكن من الذهاب لأن الشباب الغاضب كانوا يرمونهم بالحجارة ويثيرون الوضع هناك. لكنهم استمروا على هذا النحو “لأن قانون الزيارة الفرنسي يسهل دخول هؤلاء إلى البلاد دون عواقب. لقد اعتقدت السلطات أنها قادرة على التعامل مع الأمر، لكن الأوضاع لم تتحسن. وفي العام 2007، انتخب [نيكولا] ساركوزي رئيساً وكان الناس يأملون في قدرته على تهدئة الأوضاع. كانت نسبة الهجرة خلال هذا الوقت في فرنسا تتزايد بشكل كبير وحاد. وقدّرت الوكالة اليهودية أن نسبة الهجرة زادت بنسبة 40٪ هذا العام، أي حوالي 2500 شخص [قادمون إلى إسرائيل](69). وهذا يؤكد وجهة نظر سردية السفارة عن الشتات كمكان عقابي وتأديبي لليهود. كان تأسيس إسرائيل في العام 1948 علامة إلهية على أن اليهود لم يعودوا مجبرين على العيش في المنفى، وبالتالي، سُمح لهم بالعودة إلى ديارهم. لذلك لا سبب لبقائهم في الشتات. ولكن، ولسبب ما، يبدو كما لو أن اليهود يقاومون الهجرة إلا عند الضرورة. ويمكن رؤية هذه الملاحظة الأخيرة فيما يتعلق بالمفهوم اللاهوتي للصيادين، الذين سيطردون اليهود من الشتات (انظر الفصل 4). بعبارة أخرى، تصور السفارة هنا على أنه ضرورة للشر في العالم لمطاردة اليهود اتجاه إسرائيل، بينما تظهر السفارة، في ذات الوقت، صورة واضحة لإدانة معاداة السامية (انظر الفصل التالي عن الإسلام). لا تنتظر السفارة قدوم الصيادون الذين سوف يصطادون اليهود من بقاع الشتات كافة، لكنها سوف تأخذ دور أولئك الصيادين الذين “يصطادون” لليهود، كما رأينا في سفر إرميا 16:16.
5.3 مجال عمل الهجرة اليهودية بالنسبة للسفارة على الصعيد العالمي
يهدف هذا الهدف إلى استكشاف أسلوب عمل السفارة في مساعدة اليهود في إسرائيل. وكما ذكرنا في المقدمة، بدأت السفارة برعاية رحلات هجرة في روسيا في العام 1991. ومنذ ذلك الحين كان هناك اهتمام متزايد بالخدمة، ووسعت المنظمة الهجرة الداعمة لتصل إلى جميع بقاع العالم. و تعمل السفارة اليوم (2014) مع ثمانية مكاتب أو وكلاء هجرة. ويشرف هوارد فلاور على أعمال الهجرة، في سانت بطرسبرغ، بمساعدة السفارة ويدير، بالإضافة إلى ذلك، الهجرة الداعمة من روسيا. وفي سيبيريا، تجد الكنائس المحلية مهاجرين يهوداً محتملين، بتمويل من السفارة ومنظمات مسيحية صهيونية أخرى مثل مجموعة دعم إسرائيل the Ministry to Israel ومؤسسة عزرا Ezra Foundation وجسور السلام Bridges for Peace. وفي آسيا الوسطى، يوجد مكتب يديره فرع السفارة الفنلندي ومجموعة دعم إسرائيل حيث يمولون عمليات “الصيد”(70) والمعدات لمكتب الوكالة اليهودية في طشقند، حيث يركز المكتب على هجرة اليهود من أوزبكستان وأذربيجان وجورجيا. يركز مكتب السفارة في لاتفيا على مرافقة المهاجرين من دول البلطيق ومن كالينينغراد، وكذلك تحديد مواقع المهاجرين اليهود المحتملين. كما يمول فرع السفارة الكندي مشاريع دعم وتقوية خطط استيعاب اليهود الروس الكنديين في إسرائيل من خلال برنامج مساعدة السفارة ICEJ-Aid، بينما يمول فرع الولايات المتحدة ما يعادل الفرع الكندي من برامج دعم هجرة اليهود الروس الأمريكان. كما قام فرع السفارة النرويجي برعاية عمليات “الصيد” في ألمانيا مستهدفين اليهود الناطقين بالروسية، وهناك أيضاً مبادرة من قبل إريك سيلي في الولايات المتحدة تستهدف اليهود المحافظين والإصلاحيين. وفي السنوات الأخيرة، توسع عمل السفارة ليشمل فرنسا وأمريكا الجنوبية، وقامت برعاية رحلات جوية من روسيا والسويد وفرنسا وفنلندا (ICEJ 2014a). ويصل عمل الهجرة في السفارة، كما نرى، في الغالب إلى العالم الغربي ودول الاتحاد السوفيتي السابق. ومع كل هذا، لا تمتلك السفارة تفويضاً قانونياً من السلطات الإسرائيلية لإكمال الهجرة اليهودية. وبالتالي، فخدمة الهجرة المدعومة التابعة لها تمر عبر المنظمات الصهيونية الإسرائيلية مع تفويض بمساعدة الهجرة اليهودية.
5.3.1 تحالف صهيوني
تمر جميع أعمال الهجرة بمساعدة السفارة عبر منظمات هجرة إسرائيلية، التي لديها التفويض اللازم لاستقبال المهاجرين في إسرائيل. توفر منظمات الهجرة هذه أيضاً وسيلة نقل أكثر سهولة للمهاجرين اليهود من خلال تنظيم رحلاتهم الجوية واستيعابهم في المجتمع الإسرائيلي. من خلال التعاون مع هذه المنظمات، توسع السفارة وصولها إلى المهاجرين اليهود المحتملين، لأن هذه المنظمات اليهودية لديها شبكة أوسع حيث تتعاون مباشرة مع الجاليات اليهودية في الشتات. وقد رأينا أعلاه كيف تساهم السفارة في العثور على يهود يرغبون في الهجرة، ولكن يجب أن تمر جميع الأوراق القانونية من خلال منظمات الهجرة الإسرائيلية. تتعاون السفارة بشكل أساسي مع الوكالة اليهودية و منظمة שבי ישראל ” العائدون إلى إسرائيل”. ولكن الوكالة اليهودية هي أهم متعاون مع السفارة بهذا الشأن والتي تعمل على مساعدة اليهود الراغبين في الهجرة من الشتات ومساعدة المهاجرين עולים على الاندماج في إسرائيل(71). ووفقاً للمتحدث باسم الوكالة اليهودية جاك كوركوس، فإن الهجرة اليهودية إلى إسرائيل لها أهمية خاصة من أجل إنقاذ اليهود كشعب. حيث يشير كوركوس إلى أربعة أسباب توضح هذه الأهمية: فهي تحافظ على الشعب اليهودي وتمنع الزواج بين الأديان. كما تسهل من عمليات التمسك بالتقاليد اليهودية لجهة تأمين أغلبية يهودية بين السكان الإسرائيليين -والديموغرافيا هي أحد هذه التقاليد وهي ستكون ديموغرافيا يهودية خالصة بصورة تلقائية في إسرائيل، والنقطة الرابعة الهامة هي النظر إلى إسرائيل كمكان خاص لليهود(72). وبعبارة أخرى، لدى الوكالة اليهودية أجندة صهيونية واضحة، وهي بالتالي تشترك في القواسم المشتركة مع السفارة. ويبدو أن الهدف المشترك لعودة اليهود إلى إسرائيل سبب كافٍ للتعاون بين الوكالة اليهودية والسفارة. ووفقاً لكوركوس، لا توجد مشكلة في التعاون مع المنظمات المسيحية الصهيونية مثل السفارة (73). وأشار إلى أن بعض اليهود يواجهون مشاكل في الحصول على مساعدات مالية من المنظمات المسيحية لأنهم يخشون أن تحاول هذه المنظمات تغيير دينهم. ويظهر أن العديد من اليهود يشاركون هذه الفكرة، باعتبارها المشكلة الرئيسية لسلوك المنظمات المسيحية في مساعدة اليهود لإسرائيل. وكما رأينا في القسم 5.1، وعدت السفارة الوكالة اليهودية بعدم التبشير بين اليهود. ومع ذلك، تقوم منظمات مسيحية أخرى بأعمال تبشيرية تستهدف اليهود حصرياً، مما يحافظ على نظرة الشك في أوساط اليهود، بما يخلق صعوبات تواجه عمل السفارة في الوصول إلى جميع المهاجرين اليهود المحتملين. وأشار كوركوس أيضاً إلى أن معظم اليهود لا يعرفون شيئاً عن التعاون مع المنظمات المسيحية(74)، وأكد أنه طالما أن تلك المنظمات تريد مساعدة اليهود في جعلهم يهوداً، وليس فرض معتقداتهم المسيحية عليهم، فهذا بحد ذاته يعد تعاوناً جيداً. ولا يبدو أن المفاهيم الإيسخاتولوجية للسفارة تمثل مشكلة أيضاً. لقد رفض كوركوس هذه القضية موضحاً: نحن نعلم أن السفارة المسيحية والمنظمات المسيحية الأخرى تساعدنا في جلب اليهود إلى إسرائيل، ونحن نعرف ما وراء ذلك، حسناً؟ هذا ليس سراً، لكننا نعتقد أنه طالما أن تلك المنظمات تريد مساعدة اليهود هنا، فنحن نعلم أن هذه ليست طريقة تفكيرنا وطريقة عملنا، نعتقد أنه تعاون جيد جداً(75). بمعنى آخر، على الرغم من حقيقة أن المنظمات اليهودية على دراية بالدوافع الأخروية “الإيسخاتولوجية” للمنظمات المسيحية الصهيونية، فإنها لا تعتبر ذلك ذلك عقبة أمام التعاون. ويبدو أن منظمات الهجرة اليهودية أقل اهتماماً بتلك الدوافع الأخروية طالما أن هذا ليس له أي تأثير على اليهود الذين يتلقون المساعدة. وبالتالي، يعتبر الفهم المتبادل لإسرائيل كوطن لليهود مع العمل السياسي الصهيوني التالي، كافٍ للوكالة اليهودية لتلقي المساعدة المسيحية. ويمكن أن نرى هذا بشكل خاص في المنظمة الثانية، التي تتعاون معها السفارة، شافي إسرائيل שבי ישראל ” العائدون إلى إسرائيل”، التي تتخصص في إعادة القبائل المفقودة في إسرائيل إلى الوطن. وقد أشرت في القسم 2.1 إلى أن المسيحيين في القرن السادس عشر زعموا أنهم اكتشفوا القبائل الإسرائيلية العشر المفقودة. يعتقد العديد من اليهود الصهاينة أن القبائل نجت في الشتات وأن المنظمة الصهيونية “العائدون إلى إسرائيل” متخصصة في الوصول إلى أحفاد اليهود لإعادة ربطهم بجذورهم اليهودية. وتتواصل المنظمة، على وجه الخصوص، مع اليهود “المفقودين” و”المخفيين” في الشتات، حيث يتم تحديد العديد منهم على أنهم القبائل المفقودة “في إسرائيل. علاوة على ذلك، ينظر إلى الجماعات اليهودية على أنها من بقايا الهجرة اليهودية عبر التاريخ، حيث اختفت الممارسات اليهودية تقريباً. بدأ مؤسس المنظمة، مايكل فرويند، النائب السابق للاتصالات في مكتب رئيس الوزراء(76)، أعمال إعادة هؤلاء اليهود إلى إسرائيل بعد أن تلقى رسالة من مجموعة من يهود شمال شرق الهند، يُدعون أنفسهم بني منسّي، رغبوا في الهجرة إلى إسرائيل. ادّعت هذه المجموعة النسب إلى قبيلة منسّي الكتابية. ومنذ ذلك الوقت، ساعدت هذه المنظمة اليهود “المفقودين” من جميع أنحاء العالم على الانتقال إلى إسرائيل (Shavei Israel 2011). وتشارك السفارة في عمل شافيه إسرائيل لمساعدة بني منسّي على الهجرة، وهو ما سيتم تناوله بمزيد من التفصيل في القسم 5.4.2
5.4 المساعدة في العودة للوطن
سنقوم، في هذا القسم، بتحليل حالتين ساعدت فيهما السفارة مجموعتين مختلفتين جداً من اليهود. توضح الحالتان كيف تستخدم السفارة روايتها للمشاركة، بنشاط، في عودة اليهود إلى الوطن. المجموعة الأولى هي مجموعة اليهود الروس الذين كافحوا لمغادرة روسيا خلال الاتحاد السوفيتي. كانت السفارة أكثر نشاطاً هنا في تموضع اليهود الروس، ليس هذا فحسب، بل شاركت أيضاً في جلبهم إلى إسرائيل. المجموعة الثانية: بني منسّي. قبيلة اليهود الهنود المذكورين أعلاه والتي رغبت في الهجرة إلى إسرائيل، لكن أفرادها واجهوا صعوبات في كل من الهند وإسرائيل بسبب افتقارهم إلى ما يثبت يهوديتهم [ وفقا للشريعة :الهالاخاه]. ولا يُقصد من الحالتين أن تكونا دراسة مقارنة، ولكن يجب النظر إليهما على أنهما طريقتان مختلفتان تستخدمهما السفارة لمساعدة اليهود، وكيفية تتوافق عودة هاتين المجموعتين مع سردية السفارة.
5.4.1 اليهود الروس: “دع شعبي يذهب”!
يشكل اليهود الروس، اليوم، غالبية السكان اليهود في إسرائيل بنسبة تصل إلى حوالي 21٪. وتشكلت موجات الهجرة الثلاث الأولى، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أساساً من اليهود الروس الفارين من المذابح في الإمبراطورية الروسية، وسعى معظمهم للحصول على فرصتهم بالذهاب إلى أمريكا، ولكن حوالي 75.000 منهم استقروا في فلسطين أثناء فترة الانتداب البريطاني. وخلال فترة الحكم الشيوعي، كانت الهجرة اليهودية شبه مستحيلة، حيث احتجز اليهود خلف الستار الحديدي (Gitelman 1998, 138). ونظرت العقيدة التدبيرية إلى الاتحاد السوفيتي، على أنه الشخصيات التوراتية يأجوج ومأجوج الذين تحالفوا مع المسيح الدجال (Weber 2004, 204). ومن غير الواضح كيف حددت السفارة روسيا، كجزء من بابل. وبهذا أصبح تحرير اليهود الروس الهدف الأول للسفارة في العام 1991. وخلال المؤتمر الصهيوني الدولي الأول للمسيحيين في العام 1985، ناشدت السفارة الحكومة السوفيتية السماح لما يقرب من أربعمائة ألف يهودي روسي، ممن تقدموا بطلبات للحصول على تأشيرة خروج، بمغادرة الاتحاد السوفيتي، واختتمت السفارة طلبها بعبارة “أطلق شعبي” المأخوذة من بداية الإصحاح التاسع من سفر الخروج حيث أمر الرب موسى بمواجهة فرعون بقوله: “1 ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «ادْخُلْ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقُلْ لَهُ: هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ إِلهُ الْعِبْرَانِيِّينَ: أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي.”. ويقترح ويدنز أن السفارة نشّطت الأساطير الإسرائيلية القديمة باستخدام هذه الاقتباسات من العهد القديم (2007 ، 110). وبالتالي، فإن رفض الاتحاد السوفيتي السماح لليهود الروس بالمغادرة، يمكن أن يُنظر إليه كعمل موازٍ لرفض فرعون السماح لموسى بمغادرة مصر مع الإسرائيليين. ووفقاً لويدنز، لم يكن استخدام هذا الشعار التوراتي مجرد نداء للسلطات السوفيتية، بل كان أيضاً دعوة لليهود في الشتات للاستيقاظ والهجرة، لأن الخروج يلعب دوراً مركزياً في السردية اليهودية حول وضعهم في الشتات (2007، 110). لا تعتبر السفارة القصص التوراتية أساطير، لذلك سأجادل في أن استخدامها لمقطع الكتاب المقدس السابق بهدف التأكيد على أنه سوف يُسمح لليهود بالعودة إلى إسرائيل في نهاية المطاف. لذلك لن يكون الاتحاد السوفييتي قادراً على منعهم من العودة، لأن هذا من فعل الرب، كما سمعنا كلاً من ملاحظات بارسونز و فلاور.
دور المسيحيين الفنلنديين
إن الدور الذي لعبه المسيحيون الفنلنديون في المساعدة على الهجرة هو مثال على كيفية فهم أعضاء السفارة لدورهم كعملاء للرب على الأرض، والذين سوف يجلبون اليهود إلى إسرائيل. ففي العام 1989، احتشد المسيحيون الفنلنديون لإخراج اليهود من الاتحاد السوفييتي. وبدأت أربع منظمات مسيحية صهيونية(77) تعاوناً نتج عنه لجنة الهجرة الجماعية الفنلندية (أو Neliapila باللغة الفنلندية)، حيث لعبت أولّه يارفيليهو، مديرة الفرع الفنلندي للسفارة، دوراً مركزياً. ومنذ ذلك الحين، ساعدت المنظمة أكثر من 17000 يهودي روسي في الهجرة. وتمثل هذه اللجنة الفنلندية اليوم أكثر من 25000 مسيحي فنلندي (Flower 2011a). كان على اليهود الروس المرور عبر فنلندا لعدم وجود رحلات جوية مباشرة من روسيا إلى إسرائيل بسبب موقف العرب من شركات الطيران. لذلك اضطر اليهود الروس إلى المغادرة عبر فنلندا بواسطة وسائل النقل العام. وجهزت اللجنة حافلات خاصة لنقل اليهود خارج روسيا. وأثناء انتظار المزيد من وسائل النقل لنقلهم خارج فنلندا، عاش اليهود بين أسر مسيحية حيث أمضوا ثلاث ليالٍ (Flower 2011a). لقد ظهر دور المسيحيين بشكل مباشر في علاقته بمقطع الكتاب المقدس من الإصحاح 49 من سفر إشعياء :” 22 هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: «هَا إِنِّي أَرْفَعُ إِلَى الأُمَمِ يَدِي وَإِلَى الشُّعُوبِ أُقِيمُ رَايَتِي، فَيَأْتُونَ بِأَوْلاَدِكِ فِي الأَحْضَانِ، وَبَنَاتُكِ عَلَى الأَكْتَافِ يُحْمَلْنَ”. وأتت فكرة رعاية السفارة للهجرة اليهودية من السفير الإسرائيلي في فنلندا، آشر نعيم، في اجتماع حضره ممثلون من فرع السفارة في فنلندا وألمانيا. أرادت السفارة المساهمة في “الخروج” من الاتحاد السوفييتي السابق، وهكذا بدأ أول رحلة هجرة، التي أُطلق عليها اسم “حزقيال” تيمناً باسم النبي حزقيال، الذي عاون اليهود المحتجزين في الأسر البابلي (Flower 2011b). وفي أيار\مايو 1990، هبطت أول رحلة برعاية السفارة في مطار بن غوريون، وكان بانتظارهم “حشد من المسيحيين يغنون مبتهجين بانتظار وصولهم، وانفجر الكثير منهم في البكاء” عندما رأوا المهاجرين الجدد يخرجون من الطائرة، وانتقلت كلمة وصول المهاجرين الجدد إلى المسيحيين في جميع أنحاء العالم، وفقاً لـ Flower (2011b). ويمكن فهم رؤية السفارة هذه على أنها تكتيك تظهر من خلالها لليهود أن المسيحيين هم من يمولون رحلة الهجرة الخاصة بهم، على أمل أن يؤدي ذلك إلى علاقة أفضل بين اليهود والمسيحيين. ولكن، هل لدى السفارة أجندة خفية من خلال عملها هذا؟ يبدو أن السبب الرئيسي لاهتمام السفارة هو أن تثبت لليهود رعايتها للرحلات الجوية إظهار دعم المسيحيين للقضية اليهودية. وهذا أيضاً من الأهداف الموضوعية للسفارة، لإظهار الاهتمام بالشعب اليهودي (انظر القسم 3.1.2). رعت السفارة 54 طائرة كاملة حملت أكثر من 15.000 مهاجر يهودي روسي على “أجنحة النسور”(79) (Flower 2011b). تولى فرع السفارة في فنلندا مسؤولية الهجرة اليهودية من الوكالة اليهودية في العام 2004، عندما أغلق المكتب المحلي بسبب تخفيضات الميزانية. لذلك، تولت لجنة الهجرة دور وكالة هجرة لليهود الروس، وتم نقل هؤلاء اليهود على متن طائرات مستأجرة مع الحجاج المسيحيين إلى إسرائيل (Flower 2011a)
اصطياد اليهود الروس
بدأ هوارد فلاور “صيد” اليهود في روسيا في العام 1991. وفي عملية الصيد هذه، تعمل السفارة بشكل مباشر للعثور على اليهود الذين يريدون الهجرة إلى إسرائيل. ومن الملاحظ أيضاً طريقة استخدام السفارة لمقطع الكتاب المقدس من سفر إرميا 16:16 ، حيث سيرسل الرب العديد من الصيادين لصيد اليهود من أجل إعادتهم إلى إسرائيل، كما رأينا في الفصل السابق. وهذا يعطي السفارة مزيداً من المصادقة على عملها في العثور على يهود الشتات. منذ ذلك الحين، ترأس فلاور المكتب الروسي للسفارة في سانت بطرسبرغ. تم “صيد” اليهود الروس من خلال التحدث إلى الجاليات اليهودية في سانت بطرسبرغ، والإعلان في الإذاعة والتلفزيون والصحف. ومن أجل توسيع نطاق انتشارها، بدأت “مجموعة الصيد” في استخدام دليل الهاتف حيث يمكنهم البحث عن الأسماء التي تبدو يهودية. ووفقاً لفلور، فقد توصلوا إلى قائمة بثلاثين ألف اسم (Flower 2011c). أحضرت القائمة إلى الوكالة اليهودية في سانت بطرسبرغ، التي اختصرتها إلى عشرة آلاف اسم، وبدأت في الاتصال بالعائلات اليهودية. ووفقاً لما ذكره فلاور، فإن 20% من اليهود الذين تم استدعاؤهم كانوا مهتمين بالهجرة، اعتبرها فلاور “نتائج مذهلة” (Flower 2011c). كان هذا جزءً من مشروع المعلومات الوطني “دع شعبي يعرف!”، التلاعب بآية سفر خروج 9: 1 “أطلق شعبي”. وسعت السفارة، في العام 1993، عملية الصيد من خلال استهداف اليهود الروس في ألمانيا. فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، هاجر حوالي 250 ألف يهودي روسي إلى ألمانيا بين عامي 1991 و2005 بدعوة من ألمانيا. ووفقاً للسفارة، كانت عملية الصيد ناجحة هنا أيضاً، حيث رغبت 2600 عائلة يهودية في التواصل مع الوكالة اليهودية (Flower 2011c). وفي الوقت نفسه، تمت تجربة الصيد على اليهود الروس في أمريكا(80). لكنها كانت أقل نجاحاً، واضطرت السفارة لإعادة ترتيب استراتيجيتها لاستهداف هؤلاء اليهود. وهكذا تم اختيار الإنترنت، حيث تمكنت السفارة من الوصول إلى اليهود الأمريكيين بشكل عام عن طريق الإعلانات، والتي تُرجمت أيضاً إلى الإسبانية والروسية(81). واليهود الذين اختاروا الهجرة من أمريكا هم عادة من اليهود المحافظين الأرثوذكس، الذين يشكلون، وفقاً لبارسونز، أقل من 10% من السكان اليهود (حوالي 6 ملايين). تشترك معظم الجماعات المسيحية الصهيونية في قضية عدم اهتمام اليهود الأمريكيين بالانتقال إلى إسرائيل، ولكن بارسونز صرّح بأنهم “يأملون فقط أن يتخذ المزيد من اليهود الأمريكيين القرار، لأنهم ينتمون إلى هنا، لكن هذا هو قرارهم”(82). في غضون ذلك، كان من دواعي قلق السفارة أن الهوية اليهودية في أمريكا آخذة في الضعف. ومع ذلك، أشار بارسونز أيضاً إلى أن الارتباط الإيديولوجي بإسرائيل لا يزال ثابتاً. وأشار أيضاً إلى أن معظم اليهود الأرثوذكس الذين يأتون من أمريكا يهاجرون إلى إسرائيل من خلال عمليات “الصيد”، وبالتالي يبدو أن السفارة حققت بعض النجاح في مساعدة اليهود الأمريكيين في إسرائيل.
5.4.2 بني منسّي: آتي بنسلك من الشرق
تندرج مساعدة هجرة بني منسّي في فئة أخرى من جهود السفارة في مساعدة اليهود في الانتقال إلى إسرائيل، لأنهم ليسوا يهوداً حسب الهالاخا، مما أدى إلى الكثير من الجدل حول هجرتهم إلى إسرائيل. وبحلول العام 2005، وصل 1200 شخص من أفراد بني منسّي، عبر جهود منظمة الهجرة اليهودية شافيه إسرائيل. وعندما سمحت السلطات الإسرائيلية لهم باستئناف هجرتهم في العام 2013، بدأت السفارة في رعاية تذاكر الطيران، في حين تنسق شافي إسرائيل المشروع. يفترض المرء أن هناك ما يقرب من 7000 من بني منسّي قد غادروا في الهند، ووفقاً للسفارة، فإنهم ينتظرون إمكانية الهجرة إلى إسرائيل. وفي إسرائيل، يوجد الآن ما يقرب من 2200 شخصاً منهم (Parsons 2013a). لقد اهتمت السفارة بهذه العودة، والتي كانت أحد الموضوعات التي ذكرها هوارد فلاور في محاضرته خلال عيد المظال في العام 2013، حيث أكد أن بني منسّي يعودون بأعداد كبيرة إلى إسرائيل في الوقت الحاضر. ومنذ استئناف هجرتهم، ساعدت السفارة 700 منهم (Parsons 2013a, 8, 2014a). وتحكي قصة الأسباط المفقودة أن الرب طرد عشرة أسباط إسرائيلية من إسرائيل بعد أن قاوموه بعبادة عجلين ذهبيين كما يذكر الإصحاح 12 من سفر الملوك الأول:” 28 فَاسْتَشَارَ الْمَلِكُ وَعَمِلَ عِجْلَيْ ذَهَبٍ، وَقَالَ لَهُمْ: «كَثِيرٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَصْعَدُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّذِينَ أَصْعَدُوكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ». ووفقاً لتسفي بن دور بينيت، فإن الإبعاد هو “الخطيئة الأصلية” للقبائل العشرة، وهي خطيئة لن تتركهم أبداً (Ben-Dor Benite 2009, 9). من المفترض أن هذا النفي حصل بحدود العام 722 ق.م، عندما غزت الإمبراطورية الآشورية مملكة إسرائيل، حيث طرد الكثير من سكان المملكة الشمالية إلى المنفى، ولا توجد أية إشارة تذكر أولئك الإسرائيليين المنفيين (Groth 2003, 41). وتقول الأسطورة كذلك عن تبعثر القبائل العشرة في أرباع الأرض. ويُنظر إلى عودتهم إلى إسرائيل، حيث يجتمعون مع إخوانهم اليهود، على أنها علامة على دخول العصر المسياني (Lyman 1998, 7). وفي حالة أفراد قبيلة بني منشيه، تعتبر السفارة أن عودتهم دليل واضح على أن العالم يقترب من خلاص إسرائيل (Parsons 2013a, 7). اكتشف المبشرون المسيحيون لأول مرة بني منسّي في أوائل القرن العشرين، الذين حولوهم إلى المسيحية. ثم أطلقوا عليهم اسم تشين-كوكي-ميزو Chin-Kuki-Mizo، ولكن بعد تعقبهم من قبل الحاخام اليهودي إلياهو أفيشيل في نهاية القرن، أخذوا اسم بني منسّي، الذي يعني “أبناء منسّى”، وهو اسم شخصية توراتية، ابن يوسف وأب قبيلة وردت في الإصحاح 14 من سفر يشوع :” 4 لأَنَّ بَنِي يُوسُفَ كَانُوا سِبْطَيْنِ: مَنَسَّى وَأَفْرَايِمَ. وَلَمْ يُعْطُوا اللاَّوِيِّينَ قِسْمًا فِي الأَرْضِ إِلاَّ مُدُنًا لِلسَّكَنِ، وَمَسَارِحَهَا لِمَوَاشِيهِمْ وَمُقْتَنَاهُمْ”.(Udren 2004) (83). تعني عودة بني منسّى إلى إسرائيل، وفقاً للسفارة، تحقيق وعداً كتابياً آخراً في وقتنا الحاضر. يذكر الإصحاح 43 من سفر إشعيا:” 5 لاَ تَخَفْ فَإِنِّي مَعَكَ. مِنَ الْمَشْرِقِ آتِي بِنَسْلِكَ، وَمِنَ الْمَغْرِبِ أَجْمَعُكَ”. وفسرت السفارة “نسلك” على أنهم القبائل المفقودة في الهند. وهذا يبين على قدرة السفارة في توظيف هجرة الأعراق المختلفة لتتناسب مع روايتها الخاصة عن إعادة تأسيس إسرائيل وفقاً للكتاب المقدس.
الاعتراف بيهودية بني منسّى
اعترفت الحاخامية بشرعية هجرة بني منسّي في العام 2005، ولكن في العام 2007، تم إنهاء ذلك لأن السلطات الهندية اعترضت على الفرق الإسرائيلية التي حددت مكان هذه القبائل وحولت بني منسّي ليكونوا يهوداً مؤهلين للهجرة وفقاً لقانون العودة. لذلك تم التشكيك في الهوية اليهودية لبني منسّي ومناقشتها في إسرائيل(84). ومع ذلك، لا تهتم السفارة بمن هم يهود مؤهلون والذين يحق لهم الهجرة، وهذا يتضح عند تحليل ما تتحدث عنه السفارة حول بني منسّي. حيث تشير السفارة هنا إلى المجموعة كشعب يدعي أحفاده أنهم من قبيلة منسّى. كما تمايزت السفارة المسيحية الدولية في القدس بالمشاركة في عودة هذه المجموعة الخاصة من بني منسّي من خلال رعاية رحلاتهم الجوية إلى إسرائيل. بني منسّي (“أبناء منسّى”) هم شعب يعيش في شمال شرق الهند يزعم أنه ينحدر من إحدى “القبائل المفقودة” العشر في إسرائيل (Parsons 2013a, 6). بعبارة أخرى، يبدو أن السفارة لا تدعي أن أعضاء بني منسّي ينحدرون حقاً من قبيلة منسى، ولكن يبدو أن هذه ليست مشكلة كبيرة، لأن السفارة لا تتطرق إلى من هو اليهودي المؤهل للهجرة(85). ويبدو أن عملية التحويل التي يمر بها بني منسّي من أجل استعادة هويتهم اليهودية الحقيقية، دليل كافٍ لاستعداد السفارة لمساعدتهم على الهجرة. ووفقاً لبارسونز، لا تعتبر أهلية اليهود للهجرة مصدر قلق للسفارة: نحن لا ندخل في مسألة من هو اليهودي ومن يحق له الهجرة. نحن نفعل الشيء نفسه إذا كنت تعيش في جبال كازاخستان، وهي في الواقع رحلة بالحافلة لمدة يومين أو رحلة بالقطار إلى مراكز الوكالة اليهودية، وجلب جميع وثائقك اليهودية، وهذا يكاد يكون مثل القيام برحلة هجرة إلى اسرائيل (…). [نحن] سوف نرعى بعض هذه الزيارات ليذهبوا لإثبات أنهم يهود، لذلك عملنا في دعم الهجرة يساعدهم أيضاً في الحصول على مؤهلاتهم مع الوكالة اليهودية (…). نحن لا نتدخل في هذه القضايا(86). ويبدو هنا أن السفارة قد اتخذت حلاً عملياً للمسألة الصعبة المتمثلة في من هو اليهودي من خلال السماح للوكالة اليهودية بتقرير أهليتهم للهجرة. لذلك يبدو في رواية السفارة أن مسألة من هو اليهودي هي مسألة ثانوية، طالما أن المرشحين للقيام بالهجرة أنفسهم لديهم هوية يهودية. ومن أجل تجنب الخلافات الدبلوماسية مع السلطات الهندية، نظمت الوكالة اليهودية الآن عملية تحويل أفراد بني منسّي في نيبال المجاورة، من أجل تجنب القوانين الهندية التي تمنع التبشير في الهند (Parsons 2013b).
أصبحت قبيلة بني منسّى جزءً أساسياً من سرد السفارة، حيث يُنظر إلى العودة على أنها علامة إلهية في خطة العناية الإلهية. وهذا ما يؤكده عنصر مركزي آخر في نبوءة العودة: يُعتقد أن بني منسّي ينحدرون من قبائل مملكة إسرائيل الشمالية، بينما يُعتبر معظم اليهود الآخرين الذين عادوا إلى إسرائيل أحفاداً لقبائل المملكة الجنوبية الإسرائيلية، أي مملكة يهوذا. وحسب السرد التوراتي، اتحدت المملكتان تحت حكم الملك داود، ولكن بعد خلافة الملك سليمان في العام 926 ق.م، بدأت القبائل الإسرائيلية تتعارض فيما بينها حول النزاع أحقية العرش، مما أدى إلى تقسيم المملكة. تتنبأ سردية السفارة بأن هاتين المملكتين ستجمعان وفقاً لما ورد في الإصحاح 37 من سفر حزقيال:” 22 وَأُصَيِّرُهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً فِي الأَرْضِ عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ، وَمَلِكٌ وَاحِدٌ يَكُونُ مَلِكًا عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، وَلاَ يَكُونُونَ بَعْدُ أُمَّتَيْنِ، وَلاَ يَنْقَسِمُونَ بَعْدُ إِلَى مَمْلَكَتَيْنِ”. لقد كانت هناك ثمة إشارة غريبة بعض الشيء عن هذه الفكرة فيما يتعلق بإحدى رحلات الهجرة، حيث جاءت طائرة بني منسّي من الهند عبر طشقند وبالصدفة انتهى بهم الأمر على نفس الطائرة التي استقلها اليهود الروس الذين هاجروا إلى إسرائيل. وهكذا تم تفسير هذا بأن يهوذا وإسرائيل سيعودان إلى الوطن كأمة واحدة. وقد أكدت السفارة على هذه المصادفة كدليل على الوفاء بالوعود الكتابية التي تتحقق في الوقت الحاضر (Parsons 2013b, 6-7).
استراتيجية سياسية؟
هناك أيضاً ثمة جانب سياسي يمكن أن يفسر الحماس لإحضار بني منسّي إلى إسرائيل: يتمتع يهود قبيلة بني منسّي الذين يقيمون بالفعل في إسرائيل بسمعة طيبة لكونهم عمالاً جيدين ومواطنين وطنيين في إسرائيل. وفقاً لمارثا كروجر من معهد سياسة الهجرة، فإن ميل أعضاء بني منسّي إلى الاستقرار في الأراضي المحتلة دفع بعض الإسرائيليين إلى اعتبارهم قوة سياسية (Kruger 2005). ويشير مايكل فرويند من منظمة شافي إسرائيل إلى هذا الجانب، أيضاً، في المقابلة مع Word from Jerusalem، حيث لخص فوائد وجود بني منسّي في إسرائيل على النحو التالي: إنهم أهل إيمان وصهاينة بشدة (…) إنهم يخدمون في الجيش الإسرائيلي، ويدافعون عن الأرض، وهم أعضاء منتجون وملتزمون في المجتمع الإسرائيلي. إنهم يجعلون هذا البلد مكاناً أفضل. والآن على وجه الخصوص، عندما تواجه إسرائيل الكثير من العداء والعديد من التهديدات حول العالم، لن يكون هناك شيء أكثر أهمية من مساعدة بني منسّي على العودة إلى الوطن لتقوية هذه الأمة (Parsons 2013b). لقد وجدت السفارة وشافي إسرائيل أرضية مشتركة حيث ستؤدي عودة قبيلة بني منسّي إلى تقوية دولة إسرائيل والحفاظ على “يهوديتها”. حقيقة أن بني منسّي يستقرون في الأراضي المحتلة يجعل حل الدولتين أكثر صعوبة. لذلك، يمكن للمرء أن يشكك في أن هذه المساعدة لليهود الهنود لإسرائيل هي خطوة تكتيكية من أجل تعزيز مطالبة إسرائيل بالأراضي المحتلة. وفي العام 2003، قامت منظمة شافي إسرائيل بتوطين مجموعة من 80 مهاجراً من بني منسّي في مستوطنة شافي شومرون بالضفة الغربية بالقرب من مدينة نابلس الفلسطينية (Rabinowitz 2003). ووفقاً لمايكل فرويند، فقد تم اتخاذ القرار لأسباب اقتصادية وليست سياسية(87). ومع ذلك، فقد صرح بشكل مباشر: “ليس بني منسّي سلاحاً محتملاً في الصراع الديموغرافي فحسب، بل انتهى بهم الأمر أيضاً إلى تعزيز المستوطنات” (Rabinowitz 2003). بعبارة أخرى، يبدو أن منظمة إسرائيل شافي كانت تستخدمهم لتعزيز الحيازة اليهودية على الأرض المحتلة. وفي العام نفسه، عارض وزير الداخلية، أفراهام بوراز (من الحزب الصهيوني الليبرالي شينوي)، هجرة بني منسّي وادعى أن القبيلة ليس لها روابط يهودية. وقال إن السبب الوحيد للاهتمام بإحضارهم إلى إسرائيل هو تعزيز “المستوطنات المتطرفة” في الضفة الغربية وغزة والخليل، حيث يرغب قلة من الإسرائيليين الآخرين في العيش، ويريدون الهروب من الفقر في الهند (Cook 2010). وهكذا أوقف بوراز هجرتهم إلى إسرائيل. ومع ذلك، بدأ منظمة شافي إسرائيل والأصدقاء المسيحيون لإسرائيل الضغط من أجل استمرار الهجرة (Cook 2010). ويبدو أن هجرة أفراد هذه القبيلة، بالنسبة للسفارة، يؤكد على صحة سرديتها، في الوقت ذاته الذي يضمن وجودهم توسعاً إسرائيلياً [في الأراضي المحتلة]، وبالتالي يعزز موقف إسرائيل للمطالبة بالضفة الغربية.
5.4.3 بناء المعنى من الدعم
أثبتت الحالتان السابقتان مساهمة السفارة المباشرة في مساعدة يهود الشتات من خلال تمويل رحلات الهجرة اليهودية، ولكن في حالة اليهود الروس، تلعب السفارة دوراً مباشراً في تحديد مكانهم. من خلال القيام بذلك، تتصور السفارة دورها على أنه مشاركة في تحقيق النبوءات الكتابية، وفي إنقاذ يهود الشتات من الخطر، كما رأينا في الفصل السابق. في حالة اليهود الروس، تلقى المسيحيون دوراً مباشراً مثل غير اليهود، الذين في الكتاب المقدس “يحملون اليهود على أكتافهم” إلى إسرائيل. قامت السفارة ببناء خدماتها على إضفاء الشرعية من الكتاب المقدس. واستخدمت عبارات ومصطلحات من الكتاب المقدس للتأكيد على ما ورد فيه من أن عودة اليهود إلى إسرائيل تحدث كما يصفها الكتاب، بنفس الطريقة التي عاد بها اليهود من المنفى الأول. وبالنسبة إلى السفارة، فإن القصص التوراتية عن اليهود في الأسر في الشتات وعودتهم هي تلك القصص التي تتحقق اليوم. يمكن القول أيضاً أن السفارة تأخذ، في سياق جهودها لإعادة اليهود إلى إسرائيل، هذه الأسماء التوراتية قيد الاستخدام، على أمل زيادة اهتمام اليهود بالهجوم، نظراً للدور المركزي الذي تلعبه هذه القصص التوراتية في هوية معظم اليهود. ومن ثم فإن استخدامها يمكن أن يشجع اليهود على زيادة الهجرة. وفي حالة بني منسّي رأينا كيف فسرت السفارة هذه القبيلة الهندية لتصبح جزءً من التاريخ المعروف، حيث ستعود قبائل إسرائيل المفقودة يوماً ما إلى إسرائيل. وبهذه الطريقة، فإن جماعة بني منسّي ليست مجرد مجموعة ملائمة من “اليهود المتحمسين”، والذين يمكن استخدامهم في الحفاظ على يهودية إسرائيل. وتصبح عودتهم دليلاً آخر على خطة الرب للعناية الإلهية، حيث يكون في السيطرة المطلقة على العالم. وبالنسبة للسفارة، تصبح هذه طريقة أخرى لمعرفة التاريخ، على حد قول هاردينغ (1994 ، 60). ومن المهم أن تُظهر السفارة لليهود الذين يرعون علاقتهم، مما قد يؤدي إلى تعزيز العلاقة بين المسيحيين (الصهاينة) وجميع اليهود، بما يتماشى مع أهداف السفارة (انظر القسم 3.1.2). سيكون من المثير للاهتمام إجراء بحث مستقبلي لمعرفة ما إذا كان أي من هؤلاء اليهود لا يزال على اتصال بالمسيحيين الإنجيليين، أو إذا كان بعضهم أكثر ميلاً للتحول إلى اليهودية المسيانية. إذا كان الأمر كذلك، فسأفترض أن هذا لم يلق قبولاً جيداً من قبل جميع الجالية اليهودية في إسرائيل.
5.5 “زرع اليهود في وطنهم”
يذهب جزء حيوي من المساعدة في الهجرة إلى ما يعرف باسم “زرع” اليهود في المجتمع الإسرائيلي، كاستراتيجية للتأكد من اندماج المهاجرين עולים “العوليم” بشكل صحيح. وتصف السفارة هذا بأنه غرس مأخوذ من الإصحاح التاسع من سفر عاموس:” 15 وَأَغْرِسُهُمْ فِي أَرْضِهِمْ، وَلَنْ يُقْلَعُوا بَعْدُ مِنْ أَرْضِهِمِ الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ، قَالَ الرَّبُّ إِلهُكَ». وهكذا، تستخدم السفارة استراتيجيات من أجل دعم الاندماج الجيد للمهاجرين اليهود في إسرائيل، من خلال تمويل برامج استيعاب إسرائيلية مختلفة، مثل السجادة الحمراء Red Carpet وكتفاً لكتف כתף אל כתף (88)، وكذلك توفير برنامج الرعاية المنزلية الخاص به لليهود المسنين من السابق الاتحاد السوفيتي. علاوة على ذلك، تدعم السفارة أيضاً اليهود الذين يعيشون في المستوطنات في الضفة الغربية. يعتبر المجتمع الدولي هذه المستوطنات غير شرعية (Newman 2013, Sylte 2009). وبالتالي يمكن فهم هذا على أنه تكتيك لضمان اندماج المهاجرين עולים “العوليم” في المجتمع الإسرائيلي، وأقل احتمالاً للهجرة من إسرائيل، حيث يُنظر إلى الأخيرة على أنها مشكلة للوكالة اليهودية. ووفقاً لجاك كوركوس، كان التحدي الرئيسي من خلال مساعدة اليهود على الهجرة إلى إسرائيل هو جعلهم يبقون: “جعل الهجرة سهلة للغاية. من أوروبا 4-5 ساعات، من الولايات المتحدة 12 ساعة. ليست هذه هي القضية. المسألة هي الاندماج في إسرائيل. البقاء في إسرائيل هو القضية، لأنه من السهل جداً العودة إلى الوراء “(89). تشارك معظم المنظمات الصهيونية، وكذلك الحكومة الإسرائيلية، هذا القلق، ولكن يبدو أن الاهتمام يشمل في المقام الأول القضايا الأيديولوجية للمنظمات الصهيونية، التي ترغب أن عودة يهود الشتات إلى إسرائيل. وأعلنت السلطات الإسرائيلية، في العام 2007، أنها ستنفق 5،3 مليون دولار أمريكي على حملة لإقناع المهاجرين الإسرائيليين بالعودة، وقدّر معهد سياسة الشعب اليهودي عدد المولودين في إسرائيل الذين يعيشون في الخارج بين 500،000- 600000 شخص (Schwartz 2013, Della Pergola 2011, 152). من ناحية أخرى، لا تعتبر السفارة هذا الأمر مشكلة كبيرة لعملها. يقول ديفيد بارسونز، على سبيل المثال، “لا أعرف أرقام الوكالة اليهودية التي تعتمد عليها. إنهم [اليهود] يكافحون للعودة، وأعتقد أن السكان اليهود يتزايدون (…)، ولكن بسبب كل هذا الإرهاب [من حولنا]، نرى مزيداً من يهود يهجرون إسرائيل”(90). ووفقاً لبارسونز، هذا الأمر ليس مهماً للسفارة على صعيد القرار الشخصي للهجرة، ولا يُنظر إليه على أنه معاناة دائمة لإسرائيل، من قبل(91). تصر سردية السفارة، على أنه لن يتم اقتلاع اليهود من جذورهم مرة أخرى. ومن ثم، يمكننا أن نفهم عدم الاهتمام بالهجرة اليهودية كجزء من هذه الرواية، حيث لن يتم اقتلاع اليهود مرة أخرى. وهكذا، فإن لدى السفارة بعض الاستراتيجيات التي تضمن اندماج المهاجرين اليهود في المجتمع الإسرائيلي، ولكن لا توجد استراتيجيات مباشرة تستخدم لمنع الهجرة اليهودية.
كما رأينا في هذا الفصل، فقد استخدمت السفارة عدداً من الاستراتيجيات من أجل المساعدة في الهجرة اليهودية إلى إسرائيل. من خلال التعاون مع المنظمات الإسرائيلية، يمكن للسفارة المشاركة في جلب اليهود إلى إسرائيل. من خلال مقاربة براغماتية، تتكيف السفارة مع عودة اليهود المختلفين إلى الوطن ليتناسب مع روايتها، حيث تعتبر الوعود الكتابية تتحقق اليوم؛ مثل عودة قبائل إسرائيل المفقودة. وقد تطرقت هذه المساعدة في الهجرة اليهودية أيضاً إلى بعض القضايا المتعلقة بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني المعاصر، حيث تدعم السفارة السياسة الإسرائيلية اليمينية في المجال العام، من أجل ضمان استمرار وجود إسرائيل كدولة يهودية. لقد ساعدت السفارة حتى الآن [2014] أكثر من 115000 يهودي في إسرائيل، وهو عدد كبير. مع شركائه المتعاونين، تستطيع السفارة استهداف اليهود من معظم أنحاء العالم. تساهم آثار هذه العودة إلى الوطن في خلق المزيد من “إسرائيل اليهودية”. قد يساهم هذا في زيادة رغبة اليهود في القدوم إلى إسرائيل وإعادة الارتباط بهويتهم اليهودية (JPPI 2014). من ناحية أخرى، يؤثر هذا أيضاً على الأقلية الفلسطينية التي تعيش في إسرائيل.
هوامش
62- وهذه الموجات هي: موجة الهجرة الأولى: 1882-1903 ؛ موجة الهجرة الثانية: 1904-1914؛ الموجة الثالثة: 1919-1923؛ الموجة الرابعة 1924 – 1929 والموجة الخامسة: 1929 – 1939.
63- كل يهودي يمكن أن يعتبر يهودياً وفقاً للشريعة اليهودية (الهالاخا).
64- لم تكن هذه فكرة جديدة، كما رأينا في القسم 2.1 ، إلا أن مفهوم “العودة مرتين” يعمل لصالح السفارة في مساعدة اليهود إلى إسرائيل.
65- محاضرة ألقاها هوارد فلاور في عيد المظال، 24 أيلول\سبتمبر 2013.
66- طبقاً لجاك كوركوس، في مقابلة أجريت في مقر الوكالة اليهودية، 9 تشرين أول\أكتوبر 2013.
67- في مقابلة أجريت مع ديفيد بارسونز 9 تشرين أول\ أكتوبر 2013 في مقر السفارة.
68- مقابلة بتاريخ 9 تشرين أول\ أكتوبر 2013 في مقر السفارة
69- مقتبس من محاضرة ألقاها هوارد فلاور في مهرجان المظال في 24 أيلول\ سبتمبر 2013.
70- تستخدم السفارة كلمة صيد عند الإشارة إلى تحديد مرشحين محتملين من فئة المهاجرين إلى إسرائيل.
71- الوكالة اليهودية هي منظمة صهيونية عالمية، أسستها المنظمة الصهيونية العالمية في العام 1929. حتى تشكيل حكومة في إسرائيل، كانت الوكالة اليهودية تتولى القيادة. ومع ذلك، فإن المنظمة اليوم غير حكومية وتتلقى تمويلها من تبرعات من المانحين الإسرائيليين والاتحاد اليهودي لأمريكا الشمالية (JFNA). (معلومات من مقابلة مع ممثل الوكالة اليهودية جاك كوركوس، في 9 تشرين أول\ أكتوبر 2013 في مقر الوكالة اليهودية).
72- المعلومات مأخوذة من مقابلة أجريت في مقر الوكالة اليهودية، 9 تشرين الأول\ أكتوبر 2013.
73- المعلومات المأخوذة من مقابلة أجريت في مقر الوكالة اليهودية ، 9 تشرين الأول\ أكتوبر 2013.
74- من المهم بالنسبة إلى السفارة أن يُظهر لليهود أنه وراء عودتهم إلى الوطن، ومع ذلك، هناك العديد من المنظمات المسيحية الصهيونية الأخرى التي تساهم وترعى الوكالة اليهودية، لذلك لا يعرف جميع اليهود أن المسيحيين الصهاينة يدعمونهم.
75- مقابلة أجريت في مقر الوكالة اليهودية في القدس، 9 تشرين الأول\ أكتوبر 2013.
76- تحت إدارة بنيامين نتنياهو.
77-هذه المنظمات هي: السفارة المسيحية الدولية في القدس, هجرة50 עלייה،50 غيشير هاجيستيا גשר הג׳סטסיה, جمعية الكرمل Karmel Association
78- إجمالاً (مع وبدون مساعدة السفارة) غادر حوالي 200000 يهودي الاتحاد السوفييتي السابق، وخلال العقد غادر أكثر من نصف مليون يهودي. بالمقارنة، كان هناك ما مجموعه 170 ألف يهودي غادروا في ظل النظام السوفيتي. (Gitelman 1998, 138).
79- مستوحاة بوضوح الإصحاح 40 من سفر إشعيا التي تقول: ” 31 أَمَّا الرَّاجُونَ الرَّبَّ فَإِنَّهُمْ يُجَدِّدُونَ قُوَّتَهُمْ، وَيُحَلِّقُونَ بِأَجْنِحَةِ النُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلا يُعْيُونَ. يَمْشُونَ وَلا يَتْعَبُونَ.
80- لماذا تفصل السفارة بين صيد اليهود الأمريكيين الروس واليهود الأمريكيين الآخرين غير واضح من تقارير الهجرة الصادرة عنها، ولكن ربما يكون استهداف اليهود الأمريكيين الروس أسهل.
81- وفقاً للسفارة، بدأ اليهود الروس في الهجرة من أمريكا الشمالية إلى إسرائيل على نطاق أوسع بعد هجوم 11 سبتمبر الإرهابي في العام 2001 (Flower 2011b). ومع ذلك، وفقاً لإحصاءات الهجرة الإسرائيلية، ظلت أعداد المهاجرين اليهود من أمريكا الشمالية مستقرة إلى حد ما مع زيادة طفيفة في العقود الماضية (Libary 2014).
82- مقابلة أجريت في مقر السفارة، 9 تشرين أول\أكتوبر 2013.
83- تقول أسطورة قبيلة سبط منسي، بعد نفيهم في العام 722 ق.م، أنهم سافروا من إيران على طول طريق الحرير إلى الصين، حيث أصبحوا جزءً من مجتمع يهود كايفنغ. ومع ذلك، سافروا في وقت لاحق إلى الجنوب واستقروا في ولايتي ميزورام ومانيبور، وهما جيوب هندية تقع بين ميانمار وبنغلاديش، حيث لا يزالون موجودين. يقال إن أفراد سبط منسي استمروا في مراعاة الطقوس والتقاليد اليهودية، مثل قوانين الكوشر، والسبت، والاحتفالات اليهودية.
84- تم إجراء اختبارات الحمض النووي التي أظهرت أن أفراد سبط منسي يمكنها تتبع جيناتها في الشرق الأوسط، لكن النتيجة كانت غير حاسمة (لا ينطبق 2013).
85- وفقاً لديفيد بارسونز في مقابلة بتاريخ 9 تشرين أول\ أكتوبر 2013 في مقر السفارة.
86- مقابلة ديفيد بارسونز في 9 أكتوبر / تشرين الأول 2013 في مقر السفارة.
87- لم تتلق عائلة سبط منسي أي دعم مالي من الحكومة.
88- بمعنى “كتفًا إلى كتف”، وتقوم بتجنيد العائلات الإسرائيلية الأصلية التي تعمل كموجهين للعائلات الإسرائيلية الجديدة من خلال مساعدتهم على التعامل مع البيروقراطية الإسرائيلية، واختيار المدارس للأطفال أو أين يريدون العيش، وغير ذلك من الأساسي يحتاج في مرحلة بدء التوطن.
89- مقابلة أجريت في مقر الوكالة اليهودية في القدس، 9 تشرين الأول\ أكتوبر 2013.
90- مقابلة أجريت في المقر الرئيسي للسفارة في القدس، 9 تشرين الأول\ أكتوبر 2013.
91- ديفيد بارسونز في مقابلة أجريت في مقر السفارة في القدس، 9 تشرين أول\أكتوبر 2013.
مقر السفارة المسيحية الدولية في القدس
ت
الفصل السادس: محاربة نزع الشرعية الإسرائيلية في المجال العام
“إسرائيل هي أيضاً دولة يهودية في عصر يتعرض فيه الدين والقومية للاعتداء، وبالتالي فإن” يهوديتها “تسمى عنصرية”. سوزان مايكل، مديرة السفارة في الولايات المتحدة (2010).
وفقاً لبرامج الأبحاث الصهيونية الإسرائيلية، فإن اهتمام معهد سياسة الشعب اليهودي المستمر لليهود بجعل الهجرة يعتمد على وجود إسرائيل كدولة يهودية (JPPI 2014, 26-7). إن استمرار وجود إسرائيل كدولة يهودية هو شرط مسبق لاستمرار هجرة اليهود، الذين يسعون إلى الهجرة من بين أسباب عدة(92). بالإضافة إلى ذلك، تخشى الحكومة الإسرائيلية من أن غياب السمة اليهودية الأساسية للدولة اليهودية قد يهدد استمرار وجود السكان اليهود المقيمين في الأراضي المقدسة، وإلى أين سيتجه اليهود إذا أصبحوا مرة أخرى بلا وطن؟ أثبت الاعتراف بإسرائيل كـ “دولة يهودية” أنه موضوع مثير للجدل وإشكالي في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية للفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة وللمجتمع الدولي. وترى السفارة أن المنتقدين من المجتمع الدولي والفلسطينيين لا يمثلون سوى محاولات لنزع شرعية وجود إسرائيل. لذلك، فإن السفارة منخرطة في النقاش العام، حيث تدعو وتدعم تصرفات إسرائيل تجاه الفلسطينيين في الصراع المستمر. أوضحتُ في الفصل السابق كيف تنظر السفارة إلى عودة اليهود كجزء من تحقُّق الوعود الكتابية. يفتح قانون العودة الباب على مصراعيه لمنح امتيازات لليهود من خلال الهجرة إلى إسرائيل، وهذا ما أدى إلى بروز أصوات تنتقد بعض الجوانب الإشكالية لهذه العودة، من قبيل ما هو تأثيرات هذا القانون على الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل والأراضي المحتلة. لذلك، يصبح الدفاع عن إسرائيل ودعمها أمراً مهماً للحفاظ على يهوديّة دولة إسرائيل على وجه الخصوص. لذلك، كانت الاستراتيجية المركزية لانخراط السفارة في العمل في إسرائيل هي الدعوة للدفاع عن الدولة في المجال العام. والهدف الرئيسي من هذه الاستراتيجية هو الدفاع عن أفعال إسرائيل وسمعتها ودعمها، بالإضافة إلى التأثير على صانعي السياسة في القضايا الرئيسية التي يثيرها المجتمع الدولي. وقد اهتم هذا بشكل عام بقضايا مثل معادلة الصهيونية بالعنصرية، واتهام إسرائيل بمعاملة الفلسطينيين هو عمل من أعمال نظام الفصل العنصري وعدم رغبتها في قبول حل الدولتين، بالإضافة إلى الدعوات لسحب المستوطنات اليهودية من الأراضي المحتلة. لذلك قامت السفارة بتنفيذ عدة حملات للوقوف في وجه انتقادات المجتمع الدولي. وكانت المديرة الأمريكية للسفارة، سوزان مايكل، قد صرحت في العام 2010، بإن أحد أهداف السفارة هو محاربة “المعلومات المضللة”: “هناك قول مأثور يتبادر إلى ذهني يلخص الأمر جيداً: صلّ وكأن الأمر كله بيد الرب، واعمل كما لو أن الأمر كله متروك لك “(Michael 2010). [ سبيه بالمأثور العربي: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)- المترجم]. ولذلك تتخذ السفارة
تتخذ دوراً فاعلاً من أجل محاربة الشر في العالم الذي يسعى إلى تدمير إسرائيل. ونظراً لأن التوتر بين الخير والشر في العالم واضح بشكل خاص داخل المجتمع الدولي. ولغرض هذه الأطروحة، يُنظر إلى المجتمع الدولي على أنه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنتديات السياسية الأخرى حيث تجتمع الدول، بالإضافة إلى وسائل الإعلام الوطنية. لذلك سوف يبحث هذا الفصل في كيفية محاربة السفارة للشر الذي يستخدمه الرب لضبط وانتظام إسرائيل في المجال العام. ويبدو هنا أن التهديد الأساسي لإسرائيل هو النزعة النسبية الأخلاقية التي يمارسها المجتمع الدولي، حيث يمكن اعتبار الإسلام أيضاً تهديداً. ومن أجل مكافحة الشر في المجتمع الدولي، تبنى المجلس لغة علمانية من أجل اكتساب الحياد الديني، حيث يمكن أن تلقى هذه اللغة صدى لدى صانعي السياسات وغيرهم من المراقبين الذين لا يشاركون السفارة تصوراتها الدينية. الموضوع الرئيسي لهذا الفصل، إذن، هو كيفية استجابة السفارة لمحاولات نزع الشرعية عن إسرائيل في المجال العام، وما هي الاستراتيجيات التي تستخدمها وآثارها مع هذه الاستراتيجيات. وسأبدأ وأختتم بكيفية استخدام السفارة لشبكاتها واستراتيجياتها بهدف التأثير على صانعي السياسات وتعزيز التغييرات في مواقف المجتمع الدولي تجاه إسرائيل.
6.1 مؤازرة إسرائيل في المجال العام
قدمنا في الفصل الثاني مقدمة عن ظاهرة صعود المسيحية الصهيونية آخذين في الاعتبار الضغط الهائل والدعم الذي يستخدمه النشطاء المسيحيون الصهيونيون، بما في ذلك السفارة، من أجل التأثير والضغط على صانعي السياسات في الحكومات والمنتديات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في قراراتهم المتعلقة بإسرائيل. ومن الأهمية بمكان، بالنسبة لأي منظمة غير حكومية (دينية أو علمانية)، الوصول إلى الجمهور أينما كانوا. لذلك تستخدم هذه المنظمات وسائل الإعلام السائدة لوضع أجنداتها بخصوص قضايا محددة ودفعها إلى السطح. ليس مهماً ما إذا كانت وسائل الإعلام الرئيسية تقليدية أو حديثة، أو بديلة -طالما أن نسبة كبيرة من الجمهور المستهدف تتلقى الأخبار من المنظمات غير الحكومية- مثل المدونات والبودكاست على سبيل المثال، والتي أصبحت وسائل الإعلام الرئيسية للمنظمات غير الحكومية (مذكورة في Fenton 2007, 145-6)). ولدى السفارة تغطية إعلامية كبيرة جداً للوضع في إسرائيل، كما هو موضح في القسم 3.2.1، وتستخدم وسائط مختلفة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من أتباع المنظمات. ويهدف هذا، من منظور السفارة، إلى تقديم صورة أكثر “توازنًا” للوضع في إسرائيل مما توفره التغطية الإخبارية السائدة، والتي غالباً ما تجدها متحيزة ومؤيدة للفلسطينيين (Juliussen 2013b) بالإضافة إلى ذلك، تطلق السفارة حملات عرائض من موقعها على شبكة الإنترنت ويتم إرسالها إلى صنّاع القرار، وقد حشدت على نطاق واسع لنشر المعلومات الإيجابية لإسرائيل من خلال استخدام مصادر إعلامية مختلفة، من أجل كسب مؤيدين لقضيتها. يتم تمثيل السفارة أيضاً من خلال العديد من مجموعات الضغط المسيحية الصهيونية الدولية مثل CIPAC و ECI ، من أجل التأثير على صانعي السياسات في المجتمع الدولي(93). وكان يورغن بولر، مدير السفارة، قد أوضح سبب الحاجة إلى لغة علمانية عند الضغط على الاتحاد الأوروبي: “إنهم لا يهتمون بالكتاب المقدس، ولا يقرؤونه” (WFJ 2004, 27). ومن الواضح أن الحجج التوراتية التي تقدمها السفارة للمجتمع الدولي في معرض دفاعها عن إسرائيل لا تحظى بأي درجة من الشرعية في المجتمع الدولي، لذلك عليها أن تؤطر حججها بلغة علمانية. وهذا أمر مفيد لأن استخدام الحجج الدينية غالباً ما يكون مثيراً للجدل في المجال العام، وبالتالي يعتبر استخدام لفة علمانية بمثابة استراتيجية تستخدمها جميع المنظمات غير الحكومية الدينية في الأماكن العامة (Braun-Poppelaars 2011, 3994).
6.2 الحجج ضد نزع شرعية إسرائيل
دونت السفارة العديد من التعليقات، كنوع من استراتيجية دفاعية عن إسرائيل، حول ما يزعم أنه نزع الشرعية عنها من قبل المجتمع الدولي والتي تشمل ادعاءات واتهامات مثل تشبيه أفعالها بالفصل العنصري (إسرائيل تتصرف كدولة فصل عنصري تجاه الفلسطينيين)، واعتبار الصهيونية حركة عنصرية ( النظر إلى قانون العودة وتهجير الفلسطينيين كأفعال عنصرية)، وعدم استعداد إسرائيل لدعم حل الدولتين واستخدامها العنف المكثف تجاه الفلسطينيين. وسوف أبحث هنا في بعض الحالات الخاصة التي أثيرت فيها هذه الادعاءات من قبل المجتمع الدولي وفي كيفية استجابة السفارة لتلك الادعاءات. كما سوف يتم هنا تحليل التهديد الذي تعتقد السفارة بأن إسرائيل تتعرض له من قبل إيران. كما سوف أشرح، بالتفصيل، بعض الأحداث والجوانب المركزية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من موقف أكثر “حيادية”، من أجل الحصول على منظور حول موقف السفارة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
6.2.1 تشبيه إسرائيل بدولة فصل عنصري
يعتبر المؤتمر العالمي للأمم المتحدة ضد العنصرية في دربان، جنوب إفريقيا، 200 (دربان 1)، أحد الأحداث التي تسببت على مر السنين في ردود فعل من السفارة، وبالتالي من المفيد تحليل الحجج التي استخدمتها السفارة تحديداً هنا للتنديد بهذا القياس على أنه مثال على كيفية محاربة السفارة لنزع الشرعية عن إسرائيل. بدأ النضال قبل بضعة أشهر من إطلاق دربان1. ونشرت صحيفة بريتوريا رسالة كتبها ناشطان يهوديان من جنوب إفريقيا مناهضان للفصل العنصري، قاما بجمع مئات التوقيعات من القادة اليهود البارزين، الذين طالبوا بإنهاء فوري للطريقة التي تعامل بها إسرائيل الفلسطينيين، وقارنوا، في الرسالة، تلك المعاملة بما كان سائداً إبان نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا (Urbina 2002, 58) (94)، ألهبت كلمات الرسالة، والتشبيه الحرفي لنظام الفصل العنصري، الموقف، وأصبحت موضوعاً ساخناً في مؤتمر المنظمات غير الحكومية الموازي(95)، والذي نتج عنه ثلاث بنود في بيانات الإعلان: تنص المادة 164 على ما يلي: الضحايا المستهدفون بطريقة الفصل العنصري والتطهير العرقي في إسرائيل هم على وجه الخصوص الأطفال والنساء واللاجئون. تعلن المادة 425: أن سياسة العزل الكامل والتام التي تمارسها إسرائيل بمثابة سياسة دولة فصل عنصري.. وتدعو لفرض عقوبات وحظر إلزامية وشاملة، والوقف الكامل لجميع الروابط (الدبلوماسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والمساعدة، والتعاون العسكري والتدريب) بين جميع الدول وإسرائيل. علاوة على ذلك، تتحدث المادة 426 عن: إدانة تلك الدول التي تدعم وتساعد وتحرض دولة الفصل العنصري الإسرائيلية وارتكابها لجرائم عنصرية ضد الإنسانية بما في ذلك التطهير العرقي وأعمال الإبادة الجماعية (مقتبس من NGO-Monitor 2001).
باختصار، زعمت المنظمات غير الحكومية في مؤتمر ديربان أن إسرائيل تدير نظام فصل عنصري تجاه الفلسطينيين. واعتُبر إعلان المنظمات غير الحكومية عدائياً اتجاه إسرائيل ورفضت عدة منظمات غير حكومية بارزة التوقيع على الإعلان، ورُفض أن يمثلها الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة (Schechter 2005، 180)(96).
يأتي اتهام الفصل العنصري من المشاكل الناجمة عن الجدار الفاصل في إسرائيل الذي يقسم الأراضي الإسرائيلية والفلسطينية إلى قسمين. يعود أصل الجدار إلى الانتفاضة الأولى (1987-1993). حيث بدأت الحكومة الإسرائيلية، في أعقابها، بتأمين الخط الأخضر، من أجل السيطرة على التدفق الفلسطيني إلى الأراضي الإسرائيلية، لأسباب أمنية، ولمنع الهجمات الصاروخية من قطاع غزة والانتحاريين من الضفة الغربية (Newman 2013, 137, 140). يشير الخط الأخضر إلى خط الفصل بين إسرائيل والضفة الغربية، والذي تم رسمه كخط هدنة بعد [حرب الاستقلال] 1948-1949، عندما سيطر الأردن على الضفة الغربية. تم الإبقاء على الخط الأخضر بعد حرب الأيام الستة 1967، على الرغم من الجهود الإسرائيلية لتخفيفه وإزالته من الخرائط. ويرغب الفلسطينيون، في سياق حل الدولتين، في العودة إلى “حدود 67” – الخط الأخضر (Newman 2013, 136). وأدت انتفاضة أخرى بين عامي 2000 و 2005، إلى ذروة العمل على الجدار الفاصل في العام 2004. وكانت النتيجة تقييداً شديداً لحركة الفلسطينيين، وقطع وصولهم إلى القدس الشرقية. لذلك يحتاج جميع الفلسطينيين إلى تصريح خاص حتى يتمكنوا من العبور إلى الأراضي الإسرائيلية، بينما لا يحتاج الإسرائيليون إلى مثل هذا التصريح للعبور إلى الضفة الغربية(97). قامت إسرائيل ببناء الجدار الأمني، بشكل حصري تقريباً، على طول الخط الأخضر. لكنها تحايلت أثناء ذلك بتضمين المستوطنات اليهودية، التي كانت قيد الإنشاء في الجانب الفلسطيني من الخط الأخضر، لتضم المستوطنات في الجانب الإسرائيلي. وفي السنوات التالية، تم تعزيز الحدود وأسفر عن ما أصبح يعرف باسم جدار الفصل منذ العام 2004 (Newman 2013, 137، انظر أيضاً الشكل 3).
شكل (3) الضفة الغربية وقطاع غزة في ظل الاحتلال الإسرائيلي 2007
أدان الفلسطينيون بناء الجدار الفاصل، الذي عزلهم عن أراضيهم وعملهم، وأرغمهم على قضاء عدة ساعات في الانتظار والمرور عبر الحواجز. وقد انتقدت الأمم المتحدة إسرائيل بشدة لمنعها الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم، مدعية أن هذا مخالف للقانون الدولي (UN 2011, Dumper 2013, 128). ووفقاً لـ مالكولم هيدينغ، فإن الهدف من الاتهامات، أي إظهار إسرائيل كدولة فصل عنصري، هو “التمييز ضد إسرائيل، ونزع الشرعية عنها، والدعوة، في النهاية، إلى تفكيكها”(Hedding 2014). وجادل مالكولم هيدينغ، في مقابلة مع الصحيفة الإسرائيلية، جيروزاليم بوست (نُشرت على موقع السفارة)، بأن تشبيه إسرائيل كدولة فصل عنصري هو محض هراء وأن الجدار الفاصل لا علاقة له بالفصل العنصري ولكنه كان يستخدم حصرياً للدفاع عن النفس (Gilbert 2007). لم يتم بناء جدار الفصل من قبل بعد الانتفاضة الثانية، وتم بناء الجدار كإجراء احترازي بعد مقتل عدد من الإسرائيليين على الطرق السريعة. وبالتالي، لا يمكن أن يكون هذا الإجراء مساوياً لنزع الصفة الإنسانية عن أقلية كما هو الحال في سياسة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، على حد قول هيدينغ (Gilbert 2007). ما تقوم به إسرائيل من فصل للأشخاص يعبر عن مخاوف أمنية، وليس بسبب التفوق الإيديولوجي، وبالتالي لا يمكن مساواة هاتين الحالتين، وعلى هذا الأساس لا يوجد لدى السفارة أي معضلات أخلاقية في الدفاع عن جدار الفصل الإسرائيلي. ولأن جدار الفصل بني لأسباب أمنية، يدعي مالكولم هيدينغ أن الوضع في ظل نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا والفصل المعاصر بين الإسرائيليين والفلسطينيين “مختلفان تماماً” (Gilbert 2007). لكن وفقاً لديفيد نيومان، “تحول الجدار إلى حدود دولية”، وفي غضون ذلك، تتوسع المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية، مما يجعل حل الدولتين أكثر صعوبة (Newman 2013, 140-1). كما زعم هيدينغ أن إسرائيل دولة ديمقراطية تتمتع بحقوق متساوية للأقليات: “اليهود والمسيحيون والعرب والدروز والأرمن والعديد من الأقليات الأخرى”، بموجب القانون الإسرائيلي. ويُنظر إلى إسرائيل على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط التي تتمتع بحرية الصحافة، والحق في المظاهرات السلمية، والمساواة بين الجنسين، والتي تتناقض بشكل صارخ مع الدول العربية المحيطة، وفقاً لـ هيدينغ (2009). بعبارة أخرى، تصبح إسرائيل هنا منارة في شرق أوسط مضطرب. ويمكن رؤية هذه الحجة بشكل أكبر في ردود فعل السفارة ضد أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي العالمي في العام 2010. وقد ألقت المديرة الأمريكية للسفارة، سوزان مايكل، خطاباً(98) في السفارة الإسرائيلية في واشنطن العاصمة، زعمت فيه أن أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي لم يكن سوى حملة لنزع الشرعية عن إسرائيل وتساءلت لماذا لم يتظاهر أحد ضد هجوم ثمانية آلاف صاروخ من حماس على المدنيين الإسرائيليين وعلى قتل المسيحيين في غزة. واستنكرت كذلك عدم ردة فعل المجتمع الدولي إزاء “السلطة الفلسطينية لتمجيدها المفجرين الانتحاريين وغسيل دماغ الأطفال الصغار لكي يصبحوا كذلك” وكذلك عدم ردة فعل المجتمع الدولي لما يشكله التهديد النووي الإيراني، بل تجسدت السكوت عن إيران من خلال اختيارها لمقعد لمدة أربع سنوات في لجنة حقوق المرأة التابعة للأمم المتحدة، في حين أن “إيران لا تعترف بحقوق الإنسان الأساسية للمرأة!” (Michael 2010). وبالتالي، فإن السفارة تتواصل مع إسرائيل باعتبارها ديمقراطية حديثة، ولها كامل الحق في اتخاذ خطوة مفرطة لبناء جدار فصل ومنع الفلسطينيين من الوصول إلى الأراضي الإسرائيلية. ووفقاً لمالكولم هيدينغ، سيستمر هذا لأن الصراع بالأساس ” صراعٌ من أجل البقاء إلى أن تتصالح حماس وحزب الله وإيران ورفاقهم في الشرق الأوسط تماماً مع وجود إسرائيل، [وحتى نصل إلى هذا] سوف تستمر معاناة الفلسطينيين”. إن معاناة الفلسطينيين ليست سببها إسرائيل، بل هي نتيجة القيادة الفلسطينية الضعيفة (Hedding 2009). في هذه الحجة، نرى كيف تستخدم السفارة لغة علمانية لشرح الصراع في الشرق الأوسط. من المنظور الديني، يسعى شر العالم إلى تدمير الدولة اليهودية، لكن ترجمة علمانية لهذا المنظور سوف تخبرنا عن وجود رفض إسلامي جزئي للاعتراف بالدولة اليهودية. لقد اعتبرت ردود فعل السفارة على صفة الفصل العنصري لإسرائيل على أنها جزء من “الآلية الفلسطينية”، والتي عبر عنها مالكولم هيدينغ (2014). لم أجد ملاحظات من السفارة حول اليهود الذين بدأوا باستخدام تعبير الفصل العنصري لوصف إسرائيل، ولا على الرسالة في صحيفة بريتوريا التي ابتدأت الضجة. ويمكن فهم هذا الجانب في سردية السفارة حيث يتم إضعاف اليهود في الشتات وسوف يضعف هذا بدروه إسرائيل (انظر 4.2.3). غير أن هذه الاتهامات، بالنسبة ليهود الشتات، الذين لا يرغبون في الهجرة إلى إسرائيل بسبب معاملتها للفلسطينيين، يمكنها أن تشكل معضلة للسفارة. لم تصدر السفارة أي بيان بخصوص هذه القضية، لكن ربما سوف يقوم الصيادون بطرد هؤلاء اليهود من الشتات.
6.2.2 معادلة الصهيونية والعنصرية
ألقى الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، في مؤتمر دربان الاستعراضي في العام 2009 (ديربان 2)، خطاباً طويلاً ادعى فيه أن الصهيونية “[حركة] عنصرية بالكامل”. استقبل خطاب الرئيس الإيراني بردات فعل متناقضة. واضطر حراس الأمن لمرافقة الطلاب المتظاهرين، الذين كانوا يرتدون زي المهرجين بمناسبة خطاب أحمدي نجاد، خارج غرفة الاجتماعات، بينما انسحب مندوبو الأمم المتحدة احتجاجاً على الخطاب. من ناحية أخرى، أشاد آخرون بالرئيس الصريح عندما ادعى أن القوى الغربية قامت من منطلق مصالحها الخاصة بتأسيس دولة إسرائيل بدلاً من التعامل مع معاداة السامية واللاجئين اليهود (Hammond 2009b). ويذكر أحمدي نجاد في خطابه كيف لجأت (القوى الغربية)، بعد الحرب العالمية الثانية، إلى العدوان العسكري لتشريد أمة بأكملها بحجة معاناة اليهود. وأرسلوا مهاجرين من أوروبا والولايات المتحدة وأجزاء أخرى من العالم من أجل إقامة حكومة عنصرية تماماً في فلسطين المحتلة … وفي الواقع، كتعويض عن العواقب الوخيمة للعنصرية في أوروبا، ساعدوا في جلب أكثر الأنظمة قسوةً وقمعاً وعنصريةً في فلسطين (مقتبس في Hammond 2009b). وادعى أحمدي نجاد أن القوى الغربية، بدلاً من التعامل مع عنصريتها وتمييزها، أرسلت اليهود للعيش في فلسطين كحل، مما أدى بالتالي إلى إنشاء “نظام عنصري” أدى إلى تهجير الفلسطينيين بعد حرب العام 1948. إن إشارة أحمدي نجاد إلى تهجير الفلسطينيين بعد قيام دولة إسرائيل، ترجع إلى ما تشير إليه الرواية الفلسطينية بالنكبة، حيث أصبح ما بين 550 ألفاً و 800 ألف فلسطيني لاجئين في العالم العربي (Schulze 2013, 45). كما تم إجراء معادلة الصهيونية والعنصرية من قبل الأمم المتحدة، التي تبنت في عام 1975 القرار رقم 3379 الذي نص على (أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري)*: تذكر أيضاً [ انظر الهامش * أدناه] أنه في قرارها 3151 G (XXVIII) المؤرخ 14 كانون الثاني\ ديسمبر 1973 أدانت الجمعية العامة، من بين أمور أخرى، التحالف الآثم بين العنصرية بأفريقيا الجنوبية والصهيونية. (…) وإذ تحيط علماً بإعلان المكسيك بشأن المساواة بين المرأة والرجل وإسهامها في التنمية والسلام (…) [1975]، والذي أعلن المبدأ القائل بأن “التعاون والسلم الدوليين يتطلبان تحقيق التحرر والاستقلال القوميين، وإزالة الاستعمار والاستعمار الجديد، والاحتلال الأجنبي، والصهيونية، والفصل العنصري [أبارتهيد]، والتمييز العنصري بجميع أشكاله، وكذلك الاعتراف بكرامة الشعوب وحقها في تقرير المصير”، (… ). وإذ تحيط علماً، أيضاً، بالإعلان السياسي واستراتيجية تدعيم السلم والأمن الدوليين وتدعيم التضامن والمساعدة المتبادلة فيما بين دول عدم الانحياز، (…)، اللذين أدانا الصهيونية بأقصى شدة بوصفها تهديداً للسلم والأمن العالميين وطلبا إلى جميع البلدان مقاومة هذه الأيديولوجية العنصرية الإمبريالية. تقرر أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري. (الأمم المتحدة 1975). ونتج عن قرار الأمم المتحدة انتقادات شديدة من إسرائيل والشبكة الموالية لها، وفي العام 1991، تم إلغاء القرار، كشرط لمشاركة إسرائيل في مؤتمر مدريد للسلام (MFA 1991).
أصبحت يهوديّة إسرائيل قضية محفوفة بالمخاطر في محادثات السلام بين إسرائيل وفلسطين. وطالبن إسرائيل، في العقد الماضي، عدة مرات من السلطات الفلسطينية الاعتراف بها كدولة يهودية، وهو ما اعتبره الفلسطينيون مطلباً لـ “إضفاء الشرعية على العنصرية”، على حد قول حنان عشراوي العضو في منظمة التحرير الفلسطينية (Cook 2014). من ناحية أخرى، تجادل السفارة بأن الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية أمر أساسي لضمان وجود إسرائيل في المستقبل. إن إلغاء القرار لم يضع حداً لاستخدام المساواة بين العنصرية والصهيونية، ولذلك دافعت السفارة عن القضية الإسرائيلية، وخاصة ضد أحمدي نجاد. وردت السفارة على خطاب أحمدي نجاد في ديربان 2 واصفةً إياه بأنه معادٍ للسامية. لقد كانت الحركة الصهيونية رداً على الاضطهاد ومعاداة السامية في أوروبا بهدف ومحاولة إيجاد وطن آمن للشعب اليهودي. من ناحية أخرى، لقد بات الحديث، في وقتنا الحاضر مع التحديث والعولمة، عن القومية “موضة” قديمة، وهكذا خلصت مديرة السفارة في الولايات المتحدة سوزان مايكل إلى القول ” أن تؤمن بيهوديتك هذا يعني أنك عنصري” (2010). لم يعد هناك “صواب أو خطأ، خير أو شر، حقيقة أو باطل -الأمر كله يتعلق بروايات متنافسة” (Michael 2010)(99). وزعمت سوزان مايكل كذلك أن اتهامات الصهيونية بالعنصرية هي نتيجة لعالم ضعيف يسمح بنزع الشرعية عن إسرائيل. هنا وجد أعداء إسرائيل “طريقة سياسية صحيحة لهزيمة إسرائيل ورؤيتها وهي تتفكك”، ولكن يجب فهم هذا على أنه عداء للسامية، فمعاداة السامية الكلاسيكية مازالت قائمة، لاسيما لجهة إلقاء اللوم على اليهود “بسبب أمراض العالم “( Michael 2010). يدعم هذا البيان الافتراض أن مايكل تتبنى سردية ترى في الحقيقة مفهوماً مطلقاً. لقد أدى الشر إلى إضعاف العالم وجعله يعتقد أن هناك نسخاً أخرى من الحقيقة، ولكن هنا يتم تصوير إسرائيل على أنها منارة تحمل الحقيقة ضد العالم الذي يتحدث بلغة الباطل، والذي ينوي تدمير إسرائيل (انظر أيضاً القسم 4.2.4). وتزعم سوزان مايكل، من خلال تقسيمها العالم بين الخير والشر، أن العالم قد تفكك أخلاقياً. وتصبح النسبية الأخلاقية -الإحجام عن الاعتراف بدولة قومية محجوزة لشعب واحد (الدولة اليهودية)- جزءً من الصورة المعادية للسفارة. وهكذا يبدو أن السفارة تساوي بين الصهيونية واليهودية وبين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية. ولا ترى فرقاً بين هذين المصطلحين، وبالتالي فإن انتقاد الجوانب الإيديولوجية للصهيونية أصبح شبه مستحيل. ثم هناك مشكلة السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في أرض الميعاد، الذين يطالبون بدولتهم الفلسطينية على الأرض التي أعطاها الرب لإبراهيم. فبالنسبة للسفارة، لا يوجد خيار لإنشاء مثل هذه الدولة الفلسطينية وهي النتيجة التي لا ترعب بها السفارة، فثمة احتمال أن تصبح مطالبة الفلسطينيين بأن تكون لهم دولتهم، مدعومة من جانب جزء كبير من المجتمع الدولي، حقيقة واقعة يوماً ما.
6.2.3 الحجج ضد حل الدولتين
قامت منظمة أصدقاء إسرائيل الأوروبيين (EFI)، وهي منظمة مقرها بروكسل وتتألف من برلمانيين أوروبيين يكنون الود إلى من إسرائيل، بترتيب مؤتمر سياسي في العام 2008، حضره العديد من البرلمانيين الأوروبيين، ورؤساء الوزراء السابقين والرؤساء، بالإضافة إلى السفارة التي مثلها مالكولم هيدينغ ويورغن بوهلر وكانت المنظمة غير الحكومية الوحيدة. كان المؤتمر فرصة لها لترويج أفكارها ومشاركتها مع الحضور بخصوص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ركز هيدينغ وبوهلر، في المؤتمر، على موضوعات الإسلام الراديكالي ومشكلة اللاجئين (Parsons 2009, 4). وشدد مالكولم هيدينغ على قضية الإسلام الراديكالي حيث زعم أن ياسر عرفات(100) ألقى “خطاباً عدوانياً (…) بعد بضعة أشهر من توقيعه لاتفاقيات أوسلو مع الزعيم الإسرائيلي إسحاق رابين في حديقة البيت الأبيض” حيث صرح زعيم منظمة التحرير الفلسطينية الراحل “سندمر إسرائيل بالسلام قطعة قطعة” (Parsons 2009). لا تزال السفارة تجادل بأن الفلسطينيين تخضع، في ظل قيادة ضعيفة، لأهواء إسلاميين متطرفين ويساورها القلق بشأن التهديد الذي تشكله حماس في غزة. كان التعاون بين فتح وحماس من القضايا الرئيسية عندما جادلت السفارة ضد محاولة السلطة الفلسطينية للحصول على اعتراف بها في الأمم المتحدة. ووفقاً لمالكوم هيدينغ، فإن حماس تقرّ بـ “عقيدة إسلامية راديكالية ورغبتها في العودة إلى دار الإسلام (…)، و”ترتكز مجموعات مثل حماس على مبادئ دينية إسلامية واضحة جداً “. علاوة على ذلك، ادعى هيدينغ أن الإسلام إمبريالي ويرغب في تضمين إسرائيل في خلافة إسلامية (Gilbert 2007). ومشكلة اللاجئين التي أشار إليها يورغن بوهلر في المؤتمر لا تزال قائمة حتى اليوم. إن استمرار منح صفة اللاجئ للأجيال المتعاقبة من الفلسطينيين الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين خارج إسرائيل يعني أن هناك أكثر من 4 ملايين شخص يطالبون الآن بحق العودة. وهذا من شأنه، حسب بوهلر، القضاء على الدولة اليهودية من خلال “الانفجار الديمغرافي!” (Parsons 2009).
الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة
مُنحت فلسطين، في العام 2012، وضع دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، وهو قرار نددت به السفارة. حاولت السلطات الفلسطينية الحصول على اعتراف الأمم المتحدة كدولة بحدود ما قبل العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. لكن مثل هذا الاعتراف سيتطلب موافقة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وأغلبية الثلثين من قبل الجمعية العامة، وهي موافقة من المرجح أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض ضدها. لذلك قام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالالتفاف حول مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من خلال السعي للحصول على اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية بدون عضوية كاملة في الأمم المتحدة في عام 2012 (UN 2012). وفي حين تعتقد السفارة أن خيار حل الدولتين يخضع في نهاية المطاف لإرادة الرب، كما ذكرت في القسم 4.2.4، فإنها تنصح بشدة بعدم تقسيم الأرض المقدسة إلى دولتين قوميتين (IKAJ). لذلك، أصدرت السفارة بياناً رسمياً فور الاعتراف، حيث زعمت أن الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب هذا القرار “تكافئ الفلسطينيين على رفضهم المتعنت الدخول في مفاوضات ثنائية مباشرة مع إسرائيل، وبالتالي إعاقة البحث عن السلام” (Parsons 2012). هذه الحالة مثيرة للاهتمام لأنه مع اعتراف الأمم المتحدة، اقتربت فلسطين خطوة من إقامة الدولة، وهو السيناريو الذي تخشاه السفارة وتخشى أن يقوض إسرائيل كدولة يهودية. لذلك سأستخدم بعض المساحة، هنا، لتحليل حجة السفارة المعارضة لاحتمال قيام دولة فلسطينية كاملة. مع طلب عباس للاعتراف به في العام 2011، قدمت السفارة موجزاً بإعلان من جانب واحد تعارض قيام دولة فلسطينية. وقد زعمت، في موجز القضية، أنها تعرف النية الحقيقية للفلسطينيين وتتنبأ بالعواقب التي قد تترتب على إقامة دولة كهذه على إسرائيل. بدأ موجز القضية بخلفية لتمكين السلطة الفلسطينية من اتخاذ خطوة للأمام نحو الأمم المتحدة، حيث ذكر الموجز أن الفلسطينيين تخلوا عن جهود السلام الإسرائيلية وبدأوا حرباً دبلوماسية ضد إسرائيل في الأمم المتحدة (Michael 2011). وكتبت السفارة في الموجز أن أهداف الفلسطينيين هي تعزيز موقفهم التفاوضي في محادثات السلام المستقبلية من خلال إلقاء اللوم ضمنياً على إسرائيل في محاولاتها السابقة الفاشلة لإقامة دولة، حيث رفض العرب إقامة الدولة في السنوات الثمانين الماضية؛ لزيادة نزع الشرعية عن إسرائيل وشيطنتها؛ وللتحايل على الحاجة إلى الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية ولتسهيل متابعة الدعاوى ضد إسرائيل في مختلف منتديات حقوق الإنسان (Michael 2011). تم إصدار الملخص بلغة علمانية ضمن إطار سياسي، وبالتالي تم استبعاد الحجج الكتابية من الموجز. وسوف أرسم بعض الخطوط لوجهة نظر السفارة التوراتية عندما أقوم بتحليل الموجز من أجل مناقشة كيف يؤثر فهم الكتاب المقدس على السياسة الواقعية في الصراع.
يبدو أن المشكلة بالنسبة إلى السفارة في هذه الحجة هي الطريقة التي يتم بها تصوير إسرائيل دولياً فيما لو حصل الاعتراف بفلسطين بمفردها. فمع إقامة الدولة، يمكن أن يكون لفلسطين موقف مضخم ويمكن أن تقدم إسرائيل لمحاكم حقوق الإنسان. ومن المحتمل أن تكون هذه مشكلة يمكن أن تضعف إسرائيل كدولة يهودية إذا تمت إدانتها، على سبيل المثال بارتكاب أعمال تمييزية ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في دولة إسرائيلية ويحملون جنسيتها. وإلى جانب وضع إسرائيل في مكان سيئ، كتبت السفارة في موجز القضية أن السلطة الفلسطينية سعت إلى إقامة دولة على أساس حدود العام 1967 مع عدم الاعتراف بالمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، مما يعني تهجير الإسرائيليين الذين يعيشون هناك. كما كانت القدس الشرقية مرغوبة كعاصمة في اقتراح عباس لإقامة دولة. وزعمت السفارة أن مثل هذا الاعتراف سيؤدي إلى وقوع الأماكن المقدسة في اليهودية والمسيحية في “سيطرة كيان إسلامي معاد” (Michael 2011). وأشارت إلى البديل المتمثل في العودة إلى خطط التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة في العام 1947 حيث ستوضع القدس تحت السيطرة الدولية(101). وكان الاعتراض الأخير في موجز السفارة يتحدث عن عودة أربعة ملايين لاجئ فلسطيني، والذين من المرجح أن يسعوا للحصول على حق العودة إلى منازلهم داخل إسرائيل. ووفقاً لرواية السفارة، فإن أي خسارة للأرض أمر غير مرغوب فيه للغاية، خاصة إذا كانت إسرائيل ستفقد القدس الشرقية. تعتبر القدس الموحدة أمراً محورياً بالنسبة إلى السفارة -وهو سبب إنشاء السفارة في العام 1980- وبالتالي فإن تقسيم القدس سيكون مشكلة. كما رأينا في القسم 4.2.3 ، تعتقد السفارة أن المجيء الثاني سيحدث على جبل الزيتون الواقع في القدس الشرقية، والذي سيكون مستحيلاً إذا أصبح هذا الجزء عاصمة لدولة فلسطينية. فمع عودة اللاجئين الفلسطينيين وتهجير اليهود في الأراضي المحتلة، سيؤدي ذلك إلى اختلال التوازن الديموغرافي، مما يعني تعرض “يهوديّة” إسرائيل للخطر. وكما أوضحت في القسم 4.2.3 ، تعتقد السفارة أن امتياز اليهود للعيش في إسرائيل يعتمد على إخلاصهم للرب. وبالتالي فإن الخسارة المحتملة للأرض تعتبر عقاباً من الرب. ومع ذلك، ولأسباب لاهوتية، ترى السفارة نفسها ملزمة بدعم إسرائيل بغض النظر عن التطور السياسي الإسرائيلي في الدولة اليهودية، مما يجعل من الأهمية بمكان لها تشجيع ودعم إسرائيل عبر كلمة الرب (IKAJ). لذلك من المهم للسفارة أن تكون مقاتلة نشطة من أجل ضمان استمرار وجود إسرائيل كدولة يهودية، على الرغم من أن التصحيحات الإلهية يمكن أن تضرب إسرائيل، وبالتالي من المحتمل أن تخسر إسرائيل الأرض.
ناقش الجزء التالي من موجز القضية التداعيات التي قد يواجهها الفلسطينيون ضمن دولة مستقلة. التضمين الأساسي، وفقاً للسفارة، هو “الانخفاض المحتمل للتمويل الدولي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى خسارة إعانات الأمم المتحدة الكبيرة لشرائح واسعة من السكان الفلسطينيين” اللاجئين “في غزة” (Michael 2011)(102). إن قيام الدولة الفلسطينية سيقوض الدعم المالي من المجتمع الدولي، وقد تؤدي التخفيضات إلى زيادة مستوى الاضطرابات في المناطق الفلسطينية (Michael 2011). يمكن فهم ذلك حيث تدعي السفارة أنه من مصلحة الفلسطينيين أن يكونوا تحت السيطرة الإسرائيلية. علاوة على ذلك، جادلت السفارة بأن الاستقلال يمكن أن يؤدي إلى زيادة التوترات بين الفصائل السياسية المختلفة في فلسطين. ووفقاً للسفارة، فإن حماس لن تعترف بعباس كرئيس لفلسطين الموحدة، وثانياً، تزعم السفارة أن عباس يفتقر إلى المصداقية الديمقراطية. (103). أخيراً ترى السفارة أن حماس لن “تقبل أبداً أي دولة فلسطينية لا تنطوي على القضاء على دولة إسرائيل القائمة” ( Michael 2011). تعتقد السفارة أن دولة فلسطينية محتملة ضمن حدودها المقترحة سوف تؤدي إلى زعزعة أي بنية قد تحتفظ بها فلسطين، مما يؤدي إلى اضطراب وهيجان في المنطقة. وبالتالي لا تجد السفارة أي أساس لدعم القومية الفلسطينية (IKAJ). في الواقع، تنفي السفارة وجود دولة أو أمة فلسطينية عبر التاريخ، مما يعني عدم وجود أي رابط تاريخي للفلسطينيين بالمنطقة (Juliussen 2013a). والجدل هنا يحوم حول فكرة ترى أن المنطقة الفلسطينية كانت خاضعة على الدوام لحكام أجانب، منذ الوقت الذي أطلقت فيه الإمبراطورية الرومانية على المنطقة اسم فلسطين. وخضعت المنطقة، إثر سقوط الإمبراطورية الرومانية، إلى نفوذ حكام أجانب مختلفين. وفي العام 1922، وافقت عصبة الأمم رسمياً على السيطرة البريطانية على فلسطين الانتدابية في مؤتمر سان ريمو في إيطاليا، بناءً على النوايا البريطانية بتأسيس وطن مستقبلي للشعب اليهودي في المنطقة، كما ورد في وعد بلفور (Juliussen 2013a، راجع أيضا Lutes 2013, 367، والقسم 2.3). ووفقاً للسفارة، لا توجد أي حجج علمانية تدعم قيام دولة فلسطينية. لأن الانتداب البريطاني قصد أن تصبح المنطقة وطناً لليهود، فليس للفلسطينيين أي حق قانوني في نفس المنطقة. بيد أن الفلسطينيين والدول العربية المجاورة كان لهم رأياً مغايراً، ومع قيام دولة إسرائيل في العام 1948، اندلعت الحرب، حيث سيطر الأردن على الضفة الغربية -وهي منطقة مخصصة للوطن اليهودي. تدعي السفارة أن هذا كان احتلالاً غير قانوني استمر لمدة 19 عاماً حتى حرب الأيام الستة في العام 1967، وبالتالي لا يمكن القول أن الضفة الغربية تخضع لاحتلال [إسرائيلي] غير قانوني عندما عادت إلى إسرائيل (Juliussen 2013a). فللفلسطينيين دولتهم الخاصة بهم في الأردن، كما صرح المدير النرويجي السابق، ليف ويلروب، وبالتالي يمكنهم الانتقال إلى هناك إذا كانوا يريدون العيش في دولة فلسطينية(104).
أشرت في الفصل السابق إلى قيام السفارة بتقديم دعم مالي للأفراد الذين يعيشون في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، وهي لفتة لا تحظى بتقدير أقل من قبل المجتمع الدولي. يعود تاريخ المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية إلى حرب الأيام الستة 1967 عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية) وشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة ومرتفعات الجولان. وصار بإمكان الإسرائيليون، من خلال “تحرير” القدس الشرقية والضفة الغربية، الوصول إلى المواقع الدينية المهمة، وبناء المستوطنات في غزة والضفة الغربية (Lutes 2013). وعندما تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 242 في العام نفسه، الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب وإعادة الأرض إلى العالم العربي(105)، ادعت إسرائيل أن هذا ينطبق فقط على القوات المسلحة، وليس المستوطنات اليهودية، بينما يطالب الفلسطينيون بالانسحاب الإسرائيلي الكامل(106). ومع ذلك، من الواضح في حجج السفارة أن لليهود الحق الكامل في العيش في الأراضي المحتلة. ويبدو أن الجدل متجذر عميقاً في مقاصد وعد بلفور، الذي ذكر أن الحكومة البريطانية ستشارك في استعادة “الوطن القومي للشعب اليهودي” (Balfour 2013).ولذلك، لا تأخذ السفارة في اعتبارها، ، عند المساواة بين الجنسين، السردية الفلسطينية التي تدعي أن السكان الفلسطينيين يسبقون الوجود الإسرائيلي في الأرض، وبالتالي لديهم جذور تاريخية عميقة وارتباط بالمنطقة (Scham 2013) بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الرواية الفلسطينية الانتداب البريطاني على فلسطين مؤسسة غير شرعية، مدعية أن وعد بلفور كان استراتيجية إمبريالية ليس لها حق في القانون الدولي. وعندما صادقت عصبة الأمم على انتداب فلسطين، فقد حصل ذلك في أماكن غير قانونية، حيث جاء في السردية الفلسطينية قولاً مأثوراً عندهم يرى أن الوعد أتى “من لم يمتلك لمن لا يستحق”، في إشارة واضحة إلى بريطانيا التي لم تهتم بالناس الذين يعيشون بالفعل على الأرض (Scham 2013 ، 33-4). وكما رأينا أعلاه، تدحض السفارة هذه الرواية بزعم أنه من حق القوى الغربية العظمى إقامة وطن لليهود في فلسطين دون النظر إلى السكان الفلسطينيين، لأن لديهم دولة فلسطينية في الأردن. ومع ذلك، يبدو أن الحجة القاطعة تستند إلى الفهم اللاهوتي حيث أعطى الرب الأرض لليهود (انظر القسم 4.2.1). ورأينا في مثل هذه الحالات كيف أجبرت السفارة على استخدام لغة علمانية للدفاع عن إسرائيل في المجال العام. ومع ذلك، من الملاحظ أيضاً أنها تحاول تحويل مناقشة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى خطاب ديني. ويبدو هذا الجانب أكثر وضوحاً في حجج السفارة عندما يتعلق الأمر بإيران.
6.2.4 التهديد الإيراني
سلّمت السفارة، في العام 2008، عريضة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بتوقيعات أكثر من 55000 مسيحي من 120 دولة، تطالب بضرورة “توجيه لائحة اتهام ضد الرئيس الإيراني بالتحريض على الإبادة الجماعية ضد إسرائيل” (Parsons 2008). لطالما تبنت السفارة مواقف صريحة ضد إيران، خاصة في عهد الرئيس أحمدي نجاد (2005-2013) الذي كان، في المقابل، صريحاً في تهديداته في عدة مناسبات بـ “محو إسرائيل من الخريطة”، وفي نفيه للهولوكوست(107)، وساوى بين الصهيونية والعنصرية (Freedman 2013, 331). ووفقاً للسفارة، استخدم الرئيس الإيراني لغة تحريضية مكثفة، حيث دعا، على سبيل المثال اليهود “الأورام السرطانية التي يجب إزالتها”(Hedding 2008). وأعربت السفارة، من خلال رسالة هيدينغ إلى بان كي مون، عن قلقها الشديد بشأن هجوم نووي إيراني. وجادلت بأن أحمدي نجاد رأى نفسه عنصراً أساسياً لعودة الإمام الثاني عشر(108). ويبدو أن السفارة قد ألقت، في هذا المزيج الخطير، ما تراه حقيقي أن السيد أحمدي نجّاد قد طوّر، على ما يبدو، وعياً ذاتياً محيراً بأنه سيلعب دوراً رئيسياً في ظهور المهدي الذي يتوقعه العديد من المسلمين الشيعة المتدينين. حتى أنه في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أصر على أن “هالة من الضوء” غمرته بينما كان يصلي من أجل مجيء هذه الشخصية الأسطورية (Hedding 2008). وبناءً على هذا البيان، يحذر هيدينغ من تبني الرئيس الإيراني لأجندة دينية خفية. حيث من المتوقع أن تحدث عودة الإمام الثاني عشر في عالم يسوده الاضطراب مليء بالأوبئة والزلازل والحروب، وهذه ليست سوى بعض الأمثلة لما سيحدث عند مجيئه (Vogt 2005, 203). لذلك تخشى السفارة من لجوء إيران إلى القصف النووي لإسرائيل على أمل تسريع عودة المهدي. إن تصور السفارة لعودة يسوع، والذي يحدث بعبارات مماثلة، لا يتجاهل أي أفكار. وثمة ملاحظة أخرى هنا، هي في استخدام السفارة للتصور الديني لتشويه صورة إيران. بعبارة أخرى، تدعي السفارة هنا أنه نظراً لأن أحمدي نجاد قد لعب دوراً في قدوم الإمام الثاني عشر، فإنها تطالبه بمعاقبته. نرى هنا بوضوح الجانب الأصولي لرواية السفارة، حيث تدعي أنها تحمل الحقيقة المطلقة، في حين يتم رفض الآخرين الذين لديهم توقعات مماثلة في الديانات الأخرى باعتبارهم أشراراً ويسعون إلى تدمير إسرائيل. ويمكن النظر إلى تركيز السفارة على لاهوت نهاية الزمان الإسلامي كمحاولة لتوجيه الصراع ليتم التعامل معه من خلال المصطلحات الدينية، بدلاً من المصطلحات العلمانية أيضاً في الأمم المتحدة.
6.3 عامل مؤثر
من الصعب قياس آثار عمل الدعوة، وحده، الذي تقوم بها السفارة. ومع ذلك، فإن السفارة هي جزء من شبكة مناصرة أكبر بكثير من الصهاينة المسيحيين واليهود الموالين لإسرائيل – باختصار اللوبي المؤيد لإسرائيل، وهو الأكثر تأثيراً في الكابيتول هيل. يُعتقد عموماً أن اللوبي اليهودي كان عقبة السلام في الشرق الأوسط، لأنه يضغط لتعزيز المصالح الإسرائيلية. وتتلقى إسرائيل أيضاً حزمة مساعدات سنوية تبلغ 3 مليارات دولار أمريكي كمساعدات عسكرية، بالإضافة إلى تمويل إضافي لتطوير أنظمة الدفاع الصاروخي، مما يجعل إسرائيل أكبر دولة تحظى بالمساعدات الأمريكية (Waxman 2013, 360). ووفقاً لـ دوف واكسمان، دعم اليهود الأمريكيون إسرائيل، خاصة بعد حرب الأيام الستة عام 1967. كما قام غالبية هؤلاء اليهود بدعم إسرائيل بدافع الهوية وليس لأسباب إيديولوجية (Waxman 2013, 362). لذلك فإن غالبية اليهود يؤيدون اللوبيات الوسطية المؤيدة لإسرائيل، والتي تعتبر أكثر حيادية في دعمها لإسرائيل من اللوبيات اليسارية واليمينية الأصغر بكثير. بعبارة أخرى، أفراد اللوبي اليهودي الموالي لإسرائيل ليسو متجانسين وكثيراً ما يعارضون بعضهم البعض، وبالتالي لا يتمتعون بذات القدر من القوة فيما بينهم (Waxman 2013, 362-4). وتدعم الشبكة المسيحية الصهيونية اللوبي اليهودي اليميني، وبالتالي فإن تأثير اللوبي المؤيد لإسرائيل واسع للغاية ومؤثر. وبالمقارنة مع الجماعات المسيحية الصهيونية الأخرى، يعتبر تأثير السفارة على صانعي السياسة أكبر بكثير. وبالإضافة إلى ذلك، تعمل السفارة في الفروع الوطنية، حيث يمكن أن تدعو إلى جلسات نقاش ووضع أجندات. وقد رأينا، في الحالات التي عرضتها في هذا الفصل، كيف استجابت السفارة، وجادلت ضد “نزع الشرعية” عن إسرائيل. وبذلك، فإن مثل هذه الممارسات تخدم، بلا شك، المصالح الإسرائيلية.
ولكن هل يمكن أن يؤدي هذا أيضاً إلى نتائج عكسية؟
وفقاً لاستطلاع أجرته الجامعة العبرية في القدس في صيف العام 2014، أظهرت الإحصائيات أن 52٪ من سكان إسرائيل يرغبون في حل الدولتين -وليس كما ترغب السفارة (KAS 2014). مع دعم نصف المواطنين الإسرائيليين لحل الدولتين، وإذا أثمرت مفاوضات السلام نظرياً، فيمكن أن تصبح الدولة الفلسطينية حقيقة واقعة. هل ستكون هذه خطوة إلى الوراء بالنسبة إلى السفارة؟
صرح مالكولم هيدينغ أنه إذا خسرت إسرائيل الأرض، فلن يؤثر ذلك على إيمان السفارة. لأن الوقت الوحيد الذي ستصبح فيه إسرائيل أرض إسرائيل بشكل كامل وكامل، هو في العصر المسياني. قبل ذلك، سيكون الصراع في الشرق الأوسط حول فداء إسرائيل والمجيء الثاني للمسيح (Hedding 2006c، 37). وبعبارة أخرى، فإن حل الدولتين أو أي حلول أخرى يطرحها المجتمع الدولي تبقى حلول محتملة في سياق سردية السفارة ولكنها ليست النتيجة المرجوة، كما رأينا في هذا الفصل. وتواصل السفارة مع الصهاينة المسيحيين الآخرين الدفاع عن يهودية إسرائيل في المجال العام، مما أدى إلى إهمال العديد من الأقلية الإسرائيلية غير اليهودية. وقد نددت بعض الكنائس المسيحية الفلسطينية بالطريقة التي يعمل بها المسيحيون الصهاينة داخل إسرائيل وادعت أن الصهيونية المسيحية تشكل عقبة أمام السلام في المنطقة.
….
هوامش المترجم
*نص القرار
الجمعية العامة للأمم المتحدة
قرار رقم 3379 (الدورة 30)
بتاريخ 10 تشرين الثاني/نوفمبر 1975
الإقرار بأن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية
إن الجمعية العامة،
إذ تشير إلى قرارها 1904 (د ـ 18) المؤرخ في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1963، الذي أصدرت فيه إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وبوجه خاص إلى تأكيدها “أن أي مذهب يقوم على التفرقة العنصرية أو التفوق العنصري مذهب خاطئ علمياً ومشجوب أدبياً وظالم وخطر اجتماعياً”، وإلى إعرابها عن القلق الشديد إزاء “مظاهر التمييز العنصري التي لا تزال ملحوظة في بعض مناطق العالم، وبعضها مفروض من بعض الحكومات بواسطة تدابير تشريعية أو إدارية أو غيرها”،
وإذ تشير، أيضاً، إلى أن الجمعية العامة قد أدانت في قرارها 3151 زاي (د ـ 28) المؤرخ في 14 كانون الأول/ديسمبر 1973، في جملة أمور، التحالف الآثم بين العنصرية بأفريقيا الجنوبية والصهيونية،
وإذ تحيط علماً بإعلان المكسيك بشأن مساواة المرأة وإسهامها في الإنماء والسلم، 1975 المعلن من قبل المؤتمر العالمي للسنة الدولية للمرأة، الذي عقد في مكسيكو في الفترة من 19 حزيران/يونيو إلى 2 تموز/يوليو 1975، والذي أعلن المبدأ القائل بأن “التعاون والسلم الدوليين يتطلبان تحقيق التحرر والاستقلال القوميين، وإزالة الاستعمار والاستعمار الجديد، والاحتلال الأجنبي، والصهيونية، والفصل العنصري [أبارتهيد]، والتمييز العنصري بجميع أشكاله، وكذلك الاعتراف بكرامة الشعوب وحقها في تقرير المصير”،
وإذ تحيط علماً، أيضاً، بالقرار 77 (د ـ 12) الذي اتخذه مجلس رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الافريقية في دورته العادية الثانية عشرة المعقودة في كمبالا في الفترة من 28 تموز/يوليو إلى 1 آب/أغسطس 1975، والذي رأى “أن النظام العنصري الحاكم في فلسطين المحتلة والنظامين العنصريين الحاكمين في زيمبابوي وافريقيا الجنوبية ترجع إلى أصل استعماري مشترك، وتشكل كياناً كلياً، ولها هيكل عنصري واحد، وترتبط ارتباطاً عضوياً في سياساتها الرامية إلى إهدار كرامة الإنسان وحرمته”،
وإذ تحيط علماً، أيضاً، بالإعلان السياسي واستراتيجية تدعيم السلم والأمن الدوليين وتدعيم التضامن والمساعدة المتبادلة فيما بين دول عدم الانحياز، اللذين تم اعتمادهما في مؤتمر وزراء خارجية دول عدم الانحياز المنعقد بليما، في الفترة من 25 إلى 30 آب/أغسطس 1975، واللذين أدانا الصهيونية بأقصى شدة بوصفها تهديداً للسلم والأمن العالميين وطلبا إلى جميع البلدان مقاومة هذه الأيديولوجية العنصرية الإمبريالية،
تقرر أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.
….
هوامش
92- يهاجر العديد من اليهود إلى إسرائيل بدافع الظروف الاقتصادية في الدولة المضيفة لهم ويبحثون عن فرص عمل في إسرائيل. مع ذلك، من المهم بالنسبة للصهاينة المسيحيين الدفاع عن الحق في يهودية إسرائيل، بغض النظر عن دافع اليهود للهجرة إلى إسرائيل.
93- حملة العمل العام المسيحي الإسرائيلي.
94- لم تكن اتهامات الفصل العنصري جديدة: ففي أواخر الثمانينيات، نشر عالم الأنثروبولوجيا الإسرائيلي يوري ديفيز كتاب “إسرائيل: قانون الفصل العنصري”، الذي أثار ضجة كبيرة (Urbina 2002، 58).
95- كان منتدى المنظمات غير الحكومية مبادرة منفصلة حيث اجتمع حوالي 7000 ممثل للمنظمات غير الحكومية (Schechter 2005).
96- من بين المنظمات غير الحكومية التي انسحبت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ولجنة المحامين لحقوق الإنسان (Schechter 2005، 180).
97- على الرغم من أن دخول المنطقة “أ” غير قانوني للمواطنين الإسرائيليين. والضفة الغربية مقسمة إلى مناطق مصنفة حسب مدى السيطرة الإسرائيلية. تخضع المنطقة “أ” للسيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية، ومع ذلك يمكن للجيش الإسرائيلي التدخل تحت عنوان مخاوف أمنية؛ تخضع المنطقة “ب” للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، لكن يُنصح المواطنون الإسرائيليون بعدم الدخول؛ تخضع المنطقة “ج” لسيطرة إسرائيلية مدنية وأمنية كاملة. كان التقسيم كحل مؤقت في اتفاقية أوسلو الثانية، لكنه لا يزال سارياً (Golan 2013، 93)
98- الخطاب تم نسخه ونشره على موقع السفارة في إطار الحملة المناهضة لنزع الشرعية عن إسرائيل.
99- يعطي مصطلح “الروايات المتنافسة” ارتباطات لأفكار ما بعد الحداثة لإمكانية تفسير هذا البيان حيث تعتبر مايكل أن سردية السفارة واحدة من العديد من الروايات الحقيقية على حد سواء، وفي المقابل، تعتقد أن روايتها هي الحقيقة المطلقة، لكنها أدركت أن الحقيقة لا قيمة لها في المجال العام، لأن الآخرين لا يتصورونها على أنها صحيحة. وبافتراض أن هذا الأخير هو الأرجح، يستند إلى مفهوم السفارة لعصمة الكتاب المقدس.
100- كان يُنظر إلى عرفات هنا على أنه زعيم إسلامي متطرف. يبدو أن السفارة هنا لا تميز بين الإسلام والحركة الإسلامية. كما تم تحديد عرفات على أنه المسيح الدجال (Widnes 2007 ، 88).
101- لم تتخذ السفارة أي موقف بشأن ما إذا كانت ستوافق على مثل هذا الحل، لكنها على الأرجح ستعارض ذلك لأن إسرائيل وحدها هي التي يجب أن تمتلك القدس.
102- على الرغم من أنه يبدو من غير المحتمل أن يقوم المجتمع الدولي بإنهاء الدعم المالي لمجرد أن فلسطين سوف تصبح دولة ذات سيادة، في حين أن العديد من الدول النامية الأخرى (وكذلك إسرائيل)، هي من يتلقى تمويل المساعدات.
103- الجدل هنا هو أن عباس لم يجتمع أبداً في المجلس الوطني الفلسطيني حيث يخضع عباس للمساءلة أيضاً، بالإضافة إلى أنه علّق الانتخابات ومدد فترة ولايته، وفقًا للسفارة (Michael 2011)
104- مقابلة مع المدير السابق للسفارة النرويجي ليف فيليروب في 1 آذار\مارس 2013 في مؤتمر ندوة أوسلو 2013.
105- في المقابل سيعترف العرب بوجود إسرائيل وسيادتها (Lutes 2013, 370).
106- ينص قرار الأمم المتحدة رقم 242 على ما يلي: “(1) انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي المحتلة في النزاع الأخير. (2) إنهاء جميع المطالبات أو حالات الحرب والاحترام والاعتراف بسيادة كل دولة في المنطقة وسلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها خالية من التهديدات أو أعمال القوة (1967).
107- من الحالة المثيرة للجدل الزعم بأن أحمدي نجاد نفى المحرقة بالفعل، أو إذا تساءل لماذا يجب على الفلسطينيين دفع ثمن ذلك بالتخلي عن الأرض لصالح دولة يهودية (Hammond 2009a).
108- إن مذهب الاثنا عشرية الشيعي المتمثل بعودة الإمام الثاني عشر مبنية على الإيمان بأن الإمام كان قائداً للمجتمع كله وكان من نسل علي الخليفة الرابع. كان للإمام مكانة مقدسة وكان يتمتع بقوى خارقة للطبيعة، ولكن في نهاية القرن العاشر، أُجبر الإمام الثاني عشر على الغيبة الكبرى، لكنه سيعود يوم القيامة (Vogt 2005 ، 185 ، 202-204 ).
الفصل السابع: المضامين السياسية الدينية لأنشطة السفارة
“نحن نرفض تعاليم المسيحية الصهيونية التي تسهل وتدعم هذه السياسات لأنها تعزز المحتوى الحصري العنصري والحرب الدائمة بدلاً من تعزيز إنجيل الحب الكوني الشامل والفداء والمصالحة، تلك المبادئ التي كان يعظ بها يسوع المسيح”. إعلان القدس حول المسيحية الصهيونية (Stephen Sizer 2006).
أصدر أربعة من قادة الكنائس الفلسطينية، في العام 2006، بياناً مشتركاً أعلنوا فيه أن “الصهيونية المسيحية حركة لاهوتية وسياسية حديثة تتبنى الموقف الإيديولوجي الأكثر تطرفاً في الحركة الصهيونية، مما يجعلها دعوة ضارة بالسلام العادل داخل فلسطين” (Stephen Sizer 2006). وعلى إثر ذلك قامت السفارة المسيحية الدولية في القدس، بالتعاون مع مؤسسة “جسور من أجل السلام وأصدقاء إسرائيل المسيحيين”، بتقديم رد مشترك على البيان المشترك، زعمت فيه أن البيان يستخدم لغة تحريضية ويعرب عن وجهات نظر بعيدة عن الحقيقة. تلقت السفارة انتقادات كثيرة لعملها في مساعدة اليهود في الهجرة إلى إسرائيل ودعم السياسة الإسرائيلية اليمينية. وتستخدم السفارة، كما رأينا في الفصول السابقة، عدة استراتيجيات لضمان مستقبل أرض إسرائيل. وسوف أحاول، في هذا الفصل، السعي لمناقشة النتائج الرئيسية التي توصلت إليها من تحليل استراتيجيات السفارة، والإشارة إلى بعض المعضلات الأخلاقية التي أثارتها بعض الأصوات الناقدة. لذلك، سوف أتناول، في هذا الفصل الأخير، إعلان القدس بشأن الصهيونية المسيحية كبداية لمناقشة الانتقادات التي تلقتها السفارة من الكنائس المسيحية الأخرى في إسرائيل وفلسطين، وكيف يُنظر إلى عملها على أنه جزء من عقبة أمام تحقيق حل سلمي. وسأبدأ بتقديم إعلان القدس، ومن ثم مناقشة النقاط الرئيسية للنقد الذي تلقته السفارة، وكيف استجابت السفارة. والقضايا التي سأسلط الضوء عليها تتمثل في أن أنشطة السفارة تعبر عن إيديولوجية سياسية حديثة أو إيمان متجذر بعمق في المسيحية. وما إذا كان عمل السفارة في مساعدة اليهود لإسرائيل هو حقاً استعمار لإسرائيل بدلاً من المساعدة في عودة اليهود إلى الوطن وأخيراً عقبات حل السلام في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
7.1 إعلان القدس حول المسيحية الصهيونية
وقّع على إعلان القدس رؤساء كنائس القدس: البطريرك ميشيل صبّاح من البطريركية اللاتينية، والمطران سويريوس مالكي مراد من بطريركية السريان الأرثوذكس، والأسقف رياح أبو العسل من الكنيسة الأسقفية في القدس والشرق الأوسط، والمطران منيب يونان من الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة. وشارك دونالد فاغنر وستيفن سايزر من مركز تحرير اللاهوت المسكوني “سبيل” Sabeel Ecumenical Liberation Theology Center في كتابة الإعلان بناءً على طلب من رؤساء كنائس القدس. وابتدأ الإعلان برفض اللاهوت المسيحي الصهيوني وزعم أن الصهيونية المسيحية هي “حركة لاهوتية وسياسية حديثة تتبنى المواقف الإيديولوجية الأكثر تطرفاً للحركة الصهيونية” (Stephen Sizer 2006). كما أدانت التعاون بين المسيحيين الصهاينة مع “عناصر” من حكومتي إسرائيل والولايات المتحدة اللتان تعملان، حالياً، على “فرض حدوده وجهات نظرهما الاستباقية أحادية الجانب وهيمنتها على فلسطين” وتقويض أمن جميع شعوب الشرق الأوسط (Stephen Sizer 2006) . كما نص الإعلان، أيضاً، على أن الصهيونية المسيحية لا تحمل أي شرعية لاهوتية كونها حركة لاهوتية وسياسية حديثة ذات موقف متطرف مؤيد للصهيونية وتقف عقبة أمام تحقيق السلام، فصلاً عن أن تعاليم المسيحية الصهيونية “عززت التفرد العنصري والحرب الدائمة بدلاً من إنجيل الحب الشامل والمصالحة التي لقنها يسوع المسيح” (Stephen Sizer 2006) . وبدلاً من التركيز على شفاء الأمم وتحرير أنفسهم من العسكرة والاحتلال، حكم الصهاينة المسيحيون على العالم الهلاك في هرمجدون. وقد شجب الإعلان المستوطنات اليهودية وجدار الفصل، وادعى أنهما يشكلان عقبة أمام قيام دولة فلسطينية مستقبلية. وينتهي الإعلان بتوجيه دعوة للمصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وقد أكد قادة الكنائس الفلسطينية أن المسلمين والمسيحيين في الأرض المقدسة هم الشعب الفلسطيني القادر على العيش بسلام مع الإسرائيليين، وأن “الصهاينة المسيحيين وحلفاءهم يبررون الاستعمار والفصل العنصري وبناء الإمبراطورية”، وهي ذات الاتهامات التي أثارها المجتمع الدولي في وجه الصهيونية المسيحية (Stephen Sizer 2006). وعلى الرغم من توجه الإعلان نحو المسيحية الصهيونية، بشكل عام، فقد قامت السفارة (بالتعاون مع منظمات الجسور من أجل السلام وأصدقاء إسرائيل المسيحيين) بهجوم مضاد وأصدرت، مع حلفائها، بياناً من ست نقاط لخصت فيه اعتراضها على الإعلان (انظر أيضاً Clark 2007, 227)، حيث عبرت عن قلقها من الآراء السلبية، حول الصهيونية المسيحية، التي قدمها رجال الدين، وادعت أنهم استخدموا لغة تحريضية تجانب الحقيقة للتعبير عن آرائهم (ICEJ 2006). وتابع بيان السفارة القول بأن المسيحية الصهيونية هي وضع لاهوتي يقرأ الكتاب المقدس بطريقة حرفية رافضة اللاهوت “البديل” الذي تعترف به الكنائس الفلسطينية. وحول الاتهام بمساهمة المسيحية الصهيونية في قمع الفلسطينيين، ترد السفارة بانتقاد “الدور المحوري” للكنيسة تجاه اضطهاد اليهود عبر التاريخ. كما ادعت السفارة أن المسيحية الصهيونية كانت ظاهرة حديثة وهرطقة من خلال الادعاء بوجود مسيحيين من جميع الخلفيات التقليدية على مدى 2000 عام، والذين أكدوا وفقاً للاهوت الذي يذكر كيف “أعطى الرب أرض كنعان كملكية أبدية للشعب اليهودي” “(ICEJ 2006). ورفضت السفارة، أيضاً، التهم الموجه للصهاينة المسيحيين باعتبارهم يروجون للعنصرية الاقتصارية، وزعمت أن الصهاينة المسيحيين يحبون المساواة بين جميع الناس، لكن تم اختيار اليهود لتحقيق خلاص البشرية. بالإضافة إلى ذلك، وُلد يسوع المسيح، “مسيحنا وملكنا” من أبوين يهوديين، مما يجعل الشعب اليهودي “كعائلتنا الملكية”، لكن المسيحيين الصهاينة يرفضون كراهية أي شعب (ICEJ 2006). وصرحت السفارة، أيضاً، أن الصهيونية المسيحية لا تبني لاهوتها على نبوءات نهاية الزمان، بل على وعود العهد الصادقة التي أعطاها الرب لإبراهيم لتملكها إلى الأبد. كما رفضت مزاعم “تعطش الصهاينة المسيحيين إلى هرمجدون” وادعائها بمعرفة “تسلسل الأحداث التي ستؤدي إليها” (ICEJ 2006). وفيما يتعلق بالموقف الأمني، يعترف الصهاينة المسيحيون بحق إسرائيل في الوجود بسلام وأمن، لكن الاعتبارات التوراتية تنظم الوجود القومي لإسرائيل، و”هذه لها علاقة بقضايا العدل والاستقامة ومعاملتها للغريب بين ظهرانيها” (ICEJ 2006). وتزعم النقطتان الأخيرتان أن الصهاينة المسيحيين لا يشكلون تهديداً لأي شخص -في الواقع، لقد تبرعوا بملايين الدولارات لمجموعات الأقليات غير اليهودية، ويدعو المسيحيون الصهاينة إلى الحوار مع رجال الدين في القدس. واختتمت السفارة الإعلان بالقول إن إعلان القدس كان أحادي الجانب وغير متوازن لتجاهله تهديد حماس الإرهابي. لم تكن إسرائيل هي المشكلة الوحيدة في الصراع. على غرار إعلان القدس -دعوة المسيحيين إلى رفع صلواتهم عالياً من أجل المصالحة في الأراضي المقدسة. كما دعا إلى التأكيد على حق إسرائيل في العيش بسلام وأمن دون تهديد الجهاديين الذين يسعون إلى “استعمار الدولة اليهودية من خلال إدخالها إلى إمبراطورية الإسلام” (ICEJ 2006).
7.2 عقيدة سياسية حديثة؟
تمثلت النقطة الأولى في انتقاد إعلان القدس في الجانب “السياسي” للاهوت المسيحي الصهيوني. وقد ادعت السفارة، سابقاً، أن عملها يدخل في الإطار الديني البحت، كما هو موضح في القسم 4.4 (Weber 2004, 217). غير أنه، وبعد أن رأينا كيف تعمل السفارة من خلال المشاركة في المساعدة على الهجرة وفي النقاش العام حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يجب أن يُفهم عملها على أنه عمل سياسي واضح للغاية. فهل المسيحية الصهيونية حركة سياسية بسبب انشغالها في الشؤون السياسية أم هي سياسية بحد ذاتها بحيث يمكن أن تطلق عليها صفة الإيديولوجيا؟ يتمتع الخطاب الديني بفعالية وتوجهات سياسية على حد قول سوزان هاردينغ، مما يعني أن النظر إلى الدين من وجهة نظر غير سياسية سوف تدخله في فضاء أسطوري مصدره مثقفي القرن العشرين كما تقول هاردينغ. كان يُعتقد أن المذاهب يمكن أن سبباً للسلوك الإنساني أو تؤثر عليه “عندما يتوافق هذا السلوك بشكل حرفي مع المقولات المعبر عنها مسبقاً”، ولكن إذا كانت المذاهب تغظ بما يخالف هذا السلوك، فإن هذا الدين المعين يصبح اعتقاداً غير سياسي (Harding 1994, 59) (109). عمل هذا الفكر -الفصل بين الدين والسياسة- لصالح الفاعلين الدينيين، الذين استطاعوا منع الأفكار النقدية حول الخطاب الديني. وتجادل هاردينغ هنا بأن ينبغي النظر إلى الطابع السياسي للحركات التدبيرية بوصفه عملاً سياسياً في قراءته للأحداث المعاصرة للتاريخ باعتبارها الطريقة التي يتعامل فيها الرب مع عالم اليوم (Harding 1994, 60). ويعتبر هذا المفهوم لـ “تاريخ المعرفة” أمراً أساسياً في السردية المسيحية الصهيونية، وفي اللغة الخلاصية الأبوكالبتية لهذا “التاريخ المعرفي” المؤدي إلى السلوك. ويُنظر إلى هذا، بالنسبة للسفارة، على أنه “يعرف” سيتم إعادة إسرائيل إلى أرض إسرائيل، وأن “الغالبية العظمى” من اليهود “سوف” تعود في النهاية إلى هناك في المستقبل (IKAJ 2012a). لقد أدت “لغة” هذه المعرفة إلى قيام السفارة بدور مركزي في مسار التاريخ هذا. ومن ثم، فإننا نرى كيف أنها بنت سرداً يدعو إلى سلوك سياسي في مساعدة اليهود للوصول إلى إسرائيل، حيث لا يوجد تمييز بين الدين والسياسة. ويبدو أن هاردينغ كانت منشغلة، في المقام الأول، بالأسلوب الذي يمكن من خلاله أن استخدام اللغة الخلاصية المتسببة للفعل، وكيف بنت العقيدة التدبيرية سردية يكون فيها المسيحيون وكلاء في سياق ومجرى التاريخ. وعندما تحدثتُ بدوري، إلى كل من ديفيد بارسونز وهوارد فلاور، كان لديّ انطباع بأن دافعهم لم يكن فقط من خلال الالتزامات الكتابية. حيث أكد كلاهما على الاهتمام العاطفي العميق برفاهية الشعب اليهودي والرغبة في تعويضهم قروناً من الاضطهاد المسيحي لهم، وهو ما ورد أيضاً في رد السفارة على إعلان القدس. لذلك، بالإضافة إلى “معرفة” السفارة بعودة اليهود إلى إسرائيل، فإن الدوافع لاستعادة سمعة المسيحيين بين الشعب اليهودي هي عامل من عوامل اهتمامهم أيضاً، غالباً ما يطغى عليه العلماء ووسائل الإعلام. ثم يجب طرح بعض الأسئلة من قبيل: هل هذه الدوافع العاطفية مجرد “ترجمة” براغماتية للالتزامات التوراتية للأمم بـ “تعزية” اليهود لكي يقبل اليهود دعمهم؟ هل يمكن فصل هذا الاهتمام برفاهية اليهود عن الالتزامات الكتابية؟ وأخيراً، يمكن التساؤل عن أهمية هذه الدوافع. وأود أن أزعم أنه من الأهمية بمكان للسفارة أن تتواصل مع هذه الدوافع، لأنها تمثل جانباً مركزياً في هدفها المتمثل في المصالحة بين اليهود والمسيحيين. ومع ذلك، لا يبدو أن كل اليهود يبدون اهتماماً فعلياً بشأن إيسخاتولوجيا المسيحيين الصهاينة، كما هو موضح في القسم 5.31. فالأمر الأكثر أهمية، بالنسبة للوكالة اليهودية، هو دعم المسيحيين لقضيتهم، ولم ينظر إلى توقعات نهاية الزمان على أنها أمر على تلك الدرجة من الأهمية. ولا يزال بإمكاننا أن نفهم أن تركيز السفارة على الرفاه اليهودي -بدلاً من اعتباره مجرد جزء من خطة العناية الإلهية- يُستخدم لتعزيز شرعيتها داخل المجتمع الإسرائيلي. من خلال جانب “المواساة” هذا، بدا أنه من المهم تعويض التاريخ المضطرب للاضطهاد والإبادة الجماعية لليهود كشرعية دينية وسياسية لليهود بأن تكون لهم دولتهم الخاصة. ومن ثم، تنفي السفارة أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية. فهي، بالنسبة لهم، بدت كأنها جزءً لا ينفصم من الديانة اليهودية وحق اليهود في الحصول على ملاذ آمن (انظر أيضاً القسم 6.2.2). ولم ترد السفارة بشكل مباشر على إعلان القدس بشأن هذه النقطة الناقدة فيما يتعلق بالمضمون السياسي لمنطلقاتها اللاهوتية. رغم أن السفارة تنزع إلى الفصل التام بين الدين والسياسة بيس في التزاماته فحسب، بل أيضاً في خطابها الرامي إلى إعادة اليهود إلى إسرائيل. وتزعم المديرة السابقة لفرع السفارة الفنلندي د. أولّه يارفيليهتو، أن دعم الهجرة اليهودية وإسرائيل هما أمران سياسيان، وبالتالي لا يمكن للمرء أن يكون غير سياسي أو محايد فيهما، كما هو موضح في القسم 4.4 (تم الاستشهاد به في Widnes 2007 ، 102). وهكذا اتخذت السفارة توجهاً سياسياً للغاية، من خلال انتقاد الكنائس المسيحية السائدة الأخرى لعدم تبنيها موقف من إسرائيل.
7.2.1 القراءة الحرفية البراغماتية للكتاب المقدس؟
هل رواية السفارة تشكل مثال لمظهر حديث من اللاهوت المسيحي، كما أشار إعلان القدس (علماً أن الإعلان لم يحدد ما يقصد بكلمة حديث)؟ وزعمت السفارة في ردها أن عقيدة الاستعادة متجذرة في التقاليد المسيحية المختلفة التي حافظت على هذا الرأي لمدة ألفي عام. على الرغم من أن الحركات الألفية كانت لديها تصورات حول المجيء الثاني للمسيح قبل الإصلاح، إلا أن هذه التصورات لم تلق رواجاً إلا بعد حركة الإصلاح، عندما أدت أفكار عودة اليهود إلى إسرائيل إلى ظهور الحركة المسيحية الصهيونية. ويذكر خوسيه كازانوفا أن التفكير التدبيري، حيث يمتلئ الكتاب المقدس بالمعاني الخفية والحقائق العلمية للماضي والحاضر والمستقبل، كان تفكيراً جديداً نسبياً (Casanova 1994, 141، انظر الفصل الثاني). منذ ظهور حركة الإصلاح، قرأت الحركة المسيحية الصهيونية إشارات نهاية الزمان في أحداث العالم وكان لها آراء مختلفة حول الدور الفعال الذي يجب على المسيحيين القيام به في خطة العناية الإلهية. بعبارة أخرى، كانت المسيحية الصهيونية، منذ الإصلاح، حركة ديناميكية في سرديتها، حيث تمت قراءة الأحداث العالمية المعاصرة في ضوء الكتاب المقدس. بهذه الطريقة، وتشكلت الأحداث العالمية الصهيونية المسيحية، لكي يكون للعالم معنى في سردها (Clark 2007, 289). وتجادل هاردينغ بأن حقبة الثمانينيات كانت نقطة تحول أصبح فيها التدبيريون نشطين سياسياً، لكن الصهاينة المسيحيين شاركوا منذ القرن السابع عشر في الأمور السياسية (انظر القسم 2.2.4). ويتعلق، أيضاً، انتقاد إعلان القدس بالجوانب الأخلاقية في لاهوت نهاية الزمان، حيث يتهم الصهاينة المسيحيين بحكمهم على العالم بهلاك هرمجدون. لقد رفض الإعلان لاهوت نهاية الزمان الخلاصي باعتباره تعليماً كاذباً، لأنه يفسد الرسالة الكتابية عن الحب والعدالة والمصالحات. يعتبر الجزء الأخير جانباً مركزياً لدى السفارة أيضاً. وتؤكد السفارة على اللاهوت حيث يوجد مساحة للخلاص لجميع أفراد الجنس البشري – كما سيحصل العرب على الخلاص عندما يعود المسيح إلى الأرض وينشأ الملكة الألفية، كما رأينا في القسم 4. 2.5. وتؤكد السفارة أيضاً أن الرب يحب جميع الناس، وبالتالي يمكننا أن نفهم أن رسالة الحب هذه موجودة في سردية السفارة. بالإضافة إلى ذلك، توفر السفارة، أيضاً حوالي 20٪ من ميزانيتها للأقليات غير اليهودية في إسرائيل. غير أن هذا يشمل الأقليات “الإسرائيلية” فقط -وليس الفلسطينيين. ويُنظر إلى الحوار بين الأديان بين المسلمين والمسيحيين واليهود، والذي تهتم به الكنائس الرئيسية في فلسطين، بشكل مختلف من قبل السفارة. وبينما تصبح المصالحة بين اليهود والمسيحيين ضرورية لعملها، فإن المصالحة اليهودية والمسيحية مع المسلمين ليس لها دور مركزي في عمل السفارة. ورأينا في القسم 4.2.5 ، كيف تفهم السفارة الإسلام على أنه دين شرير وأن المصطلح الإسلامي “الله” معادٍ للسامية. يمكننا أن نفهم هذا كما لو أن الرب -ومن ثم السفارة- يحب جميع الناس، المسلمون، الذين يغويهم الإسلام، يتأثرون بالشر، ومن ثم فهم في طريقهم للوفاء بالوعود الأخروية. تعتقد السفارة أن [معركة] هرمجدون سوف تحدث في نهاية الزمان، ولكن السفارة، بدلاً من تركيزها على هذا الجانب، اتخذت نهجاً تركز فيه أكثر على الوعود الكتابية. وبالتالي فإن روايتها موجهة بشكل أكبر نحو الأحداث المعاصرة بدلاً من أحداث نهاية العالم. رأينا في الفصلين الثالث والرابع، كيف ابتعدت السفارة عن النظرة التدبيرية الأرثوذكسية للاختطاف ومجيء المسيح الدجال في المحنة قبل المجيء الثاني للمسيح. وسيبقى المسيحيون، وفقا لها، على الأرض مع اليهود وسيختبرون كل الكوارث قبل المجيء الثاني للمسيح. ويبدو، بهذه الطريقة، كما لو أن السفارة قد تبنت لاهوتاً أكثر براغماتية. من ناحية، قد يعني هذا أنها، كمنظمة غير حكومية جامعة تجتذب أعضاء من مختلف الطوائف المسيحية، يمكن أن تستعيد المزيد من الأتباع، الذين لا يؤمنون بنهاية العالم الأبوكالبتية. من ناحية أخرى، يمكننا أيضاً تفسير هذا على أنه نهج براغماتي من قبلها لكسب المزيد من القبول من المجتمع اليهودي ومن السياسيين الإسرائيليين، وهو ما يمكن رؤيته في رفضها للجوانب المثيرة للجدل للعقيدة التدبيرية، مثل الحاجة إلى بناء هيكل ثالث، كما هو موضح في القسم 3.4.1.
ويقول جاك كوركوس من الوكالة اليهودية، كما هو موضح في القسم 5.3.1، إنه هو واليهود الآخرين لا يهتمون بالمفاهيم الأخروية للسفارة والجماعات المسيحية الصهيونية الأخرى. لذلك يبدو أنه هذه القصية لا تحظى بكبير اهتمام بالنسبة لجميع اليهود، ومع ذلك، لا يزال من الممكن فهم تأكيد السفارة على توفير الراحة والدعم للشعب اليهودي على أنه نهج براغماتي من أجل كسب المزيد من الدعم في المجتمع الإسرائيلي.
7.3 استعمار أم عودة للوطن؟
يعتبر مفهوم استعمار فلسطين أخد النقاط التي طرحها منتقدي الحركة المسيحية الصهيونية، وهو ما أشار إليه إعلان القدس أيضاً. ونتذكر من القسم 5.2 ، مسألة ما إذا كان من الممكن التحدث عن عودة شعب ليس له صلات وثيقة بالوطن، وفكرة الوطن الموجودة فقط في الذكريات (Baumann 2010). تعتقد السفارة بالتأكيد أنها عودة للوطن، والتي يُنظر إليها على أنها تحقيق للوعود التوراتية في “معرفتها” للتاريخ، باستخدام كلمات هاردينغ. تنطوي عودة جميع اليهود إلى الوطن على تأثير كبير على المجتمع الإسرائيلي من خلال الحفاظ على الطابع اليهودي لإسرائيل، كما سوف تحافظ هذه العودة على الهوية اليهودية لليهود المهاجرين إلى إسرائيل، كما أشار جاك كوركوس (انظر القسم 5.3.1). ومن ثم، فإن مشاركة السفارة في المساعدة في عودة اليهود إلى الوطن هي استراتيجية مفيدة ليس فقط في سردية السفارة الخاصة، ولكنها تخدم أيضاً القضية اليهودية الصهيونية، وتعزز موقف إسرائيل كدولة يهودية. غير أن محاولة السفارة مساعدة جماعة بني منسّي أظهرت بعض المعضلات التي أثيرت داخل المجتمع الإسرائيلي. فقد تم التشكيك في الهوية اليهودية لبني منسّي، فضلاً عن التساؤل فيما إذا كان نقل أفراد هذه الجماعة إلى إسرائيل بهدف تعزيز مطالبة إسرائيل بأراضي الضفة الغربية فقط. غير أن هذه المعضلات لا تشكل فرقاً بالنسبة للسفارة، لأن هذا لا يجعلها منخرطة في تعريف من هو اليهودي، ولا يجعلها تعترف باحتلال الضفة الغربية. ونظراً لأن هجرة أفراد قبيلة بني منسّي تنسجم مع رواية السفارة، فإن هذه الأخيرة ترعاهم. ومع ذلك، يبدو أن تعريف السفارة الغامض لمن هو اليهودي، أصبح تكتيكاً براغماتياً في الحفاظ على إسرائيل. من ناحية، يمكن للسفارة أن تقرر بحرية من هم الأشخاص الذين يتناسبون مع الوعود التوراتية بالعودة إلى الوطن، ولكن من ناحية أخرى، يمكن لهذا أن يتقرر كطريقة استراتيجية لمساعدة المهاجرين الوطنيين للدولة الإسرائيلية. زفي حالة بني منسّي، قام الشريك التعاوني للسفارة منظمة شافي إسرائيلShavei Israel، بتوطين المهاجرين من أفراد هذه القبيلة في الضفة الغربية. على الرغم من حقيقة أن السفارة ليس لها تأثير مباشر على مكان توطين اليهود عند عودتهم إلى إسرائيل، فمن المنطقي الاعتقاد بأن بعض هؤلاء المهاجرين الجدد من الهند قد يستقرون أيضاً في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. فإذا كان الأمر كذلك، فسوف يسهم بشكل أكبر في مطالبة إسرائيل بالأراضي المحتلة في حل سلمي، مما سوف يسبب مشكلة للفلسطينيين. كما تقوم السفارة برعاية الأفراد في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. وتعزز هاتان القضيتان، بالتالي اتهامات الاستعمار في الأراضي المحتلة. لكن بالنسبة للسفارة، يُنظر إلى هذه القضايا على أنها غير إشكالية؛ كما هو موضح في الفصل السادس، فهو لا تعترف بالأراضي المحتلة، وتدعي أنه لن يُسمح للمستوطنين اليهود، في حل الدولتين المحتمل، بالعيش في دولة فلسطينية، وهو إنكار سيكون بشعاً (Juliussen 2013a). لا تذكر السفارة حقاً ما الذي سيحدث للفلسطينيين إذا أدت مفاوضات السلام إلى حل الدولة الواحدة. اقترح ليف ويلروب، المدير السابق لفرع السفارة في النرويج، أن الفلسطينيين الذين لا يريدون العيش داخل دولة إسرائيلية، يمكنهم الانتقال إلى الأردن، التي اعتبرها دولة فلسطينية (Sylte 2009). ووفقاً للسفارة، يمكن للفلسطينيين العيش في إسرائيل إذا أرادوا. غير أنه ينبغي عليهم، بعد ذلك، قبول أن إسرائيل هي دولة يهودية، وهو ما رأيناه في الفصل السادس يمثل مشكلة في المجتمع الدولي. والسؤال إذن هو ما إذا كان الفلسطينيون سيعيشون في دولة يهودية يحظى فيها الإسرائيليين اليهود بامتيازات معينة، ولكن ألا يجعل مثل هذا الحل الشعب الفلسطيني مواطنين من الدرجة الثانية ومن إسرائيل دولة فصل عنصري؟ ورغم هذا، تؤكد السفارة على أن هناك حقوقاً متساوية لجميع المواطنين الإسرائيليين. وفقاً للقانون الأساسي للأقليات، هناك حقوق متساوية لجميع الأقليات داخل الحدود الإسرائيلية (انظر القسم 6.2.1). هناك ما يقرب من خمسة ملايين فلسطيني يعيشون في البلدان المجاورة، ويطالبون بحق العودة (Brynen 2013(110) ولا يبدو من المحتمل السماح لهم بالعودة إلى إسرائيل، لأن هذه العودة ستؤثر على تعداد السكان اليهود ونسبتهم، وتقوض، بالتالي، يهودية الدولة. ومن المرجح، في حل الدولة الواحدة، أن يطالب المجتمع الدولي بحقوق متساوية لجميع المواطنين في دولة إسرائيلية ديمقراطية، مثل الحق في التصويت (لقد رأينا في الفصل 6 كيف شددت السفارة أيضاً على الطابع الديمقراطي لإسرائيل والحقوق المتساوية لسكانها). فإذا كانت الديموغرافيا الإسرائيلية تتكون من أغلبية فلسطينية، فإن يهودية إسرائيل ستنهار. إن حاجة السفارة للاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية أمر ضروري، وإلا ستصبح إسرائيل، إذا ما فقدت طابعها اليهودي، مجرد “مركبة” فارغة بدون هدف خلاصي، لأن إسرائيل لن تعود “مُلكاً” لليهود. ولكن كيف سيؤثر ذلك على سردية السفارة إذا فقدت إسرائيل فجأة سكانها اليهود كأغلبية؟ رأينا في القسم 4.2.3، أن السفارة تعتقد باحتمال وجود حالتي نفي للشعب اليهودي الذي يعود الآن من منفاه الثاني إلى الأرض الموعودة. غير أن الرب سوف يستمر في معاقبة إسرائيل وتأدبيها، وهذا يعني أنها قد تخسر أرضاً بسبب ذلك، وبالتالي لن يؤثر حل الدولتين على رواية السفارة. من ناحية أخرى، في حل الدولة الواحدة هذا، لن يتم نفي اليهود ولن يفقدوا أية أراضٍ، ولكنهم سوف يصبحون أقلية دون أي حقوق أو امتيازات خاصة، ومن المحتمل أن يتحول هذا إلى مشكلة دينية(111). يمثل الوضع الراهن للحالة الإسرائيلية الفلسطينية أفضل خيارات السفارة، حيث يمكنها الاستمرار في مساعدة المهاجرين اليهود الذين قد يستقر بعضهم في الأراضي المحتلة، مما يزيد من صعوبات انسحاب اليهود الذين يعيشون في هذه المستوطنات، وفي الوقت نفسه ضمان أن السكان الفلسطينيين لا يقوضون يهودية إسرائيل.
هل هذه عودة للوطن أم استعمار لإسرائيل؟ يبدو أن المرء لا يستبعد الاحتمال الثاني.
تعمل السفارة مع حلفائها الصهاينة، المسيحيين واليهود، على جلب اليهود إلى إسرائيل في سياق هدفهم المشترك المتمثل في الحفاظ على يهودية إسرائيل. كان هناك قلق من تفكك الهوية اليهودية لليهود الذين يعيشون في الشتات، حيث اعتقدت الوكالة اليهودية أن إسرائيل هي المكان الوحيد في العالم حيث يمكن الحفاظ على الهوية اليهودية. واعتُبر أيضاً أن الشرط المسبق لكثير من اليهود للانتقال إلى إسرائيل يعتمد على الطابع اليهودي لإسرائيل (انظر الفصل السادس).
7.3.1 معضلات الشتات؟
على الرغم من أن السفارة أثارت مخاوف بشأن الوضع الحالي ليهود الشكتات، فقد تم اتهامها بالاستفادة من تعرض اليهود للخطر في الشتات. فعلى سبيل المثال، اتهمت الصحيفة المعمدانية الرقمية Ethics Daily السفارة باستغلال الأزمة الأوكرانية (2014) من خلال تشجيع اليهود الأوكرانيين على الهجرة إلى إسرائيل (Kaylor 2014). كما تشارك السفارة في هجرة اليهود الفرنسيين الذين يرغبون في الانتقال إلى إسرائيل نتيجة لتزايد معاداة السامية والأزمة الاقتصادية هناك (انظر القسم 5.5.2). قد يبدو هذا وضعاً مربحاً لكل من السفارة وصانعي الـ “عاليه” اليهود. غير أن هذا يرسل إشارات مقلقة إلى دول الشتات عندما تشجع السفارة اليهود على مغادرة “الدول المضيفة”. ويبدو أن السفارة تستفيد من الظروف المعيشية السيئة في الشتات (سواء كان ذلك فقراً أو معاداة للسامية)، والتي يجدها البعض، مثل Ethics Daily، مثيرة واستفزازية. ويمكن الإشارة أيضاً إلى القضايا الإشكالية مثل كيفية تعامل البلدان المضيفة مع مسألة خسارة القوة العاملة بسبب الهجرة الكبيرة، أو الضغط الذي سيضطلع به المهاجرون اليهود على المجتمع الإسرائيلي، عندما تقوم منظمات مثل السفارة بمساعدة اليهود حصرياً إلى الهجرة إلى إسرائيل. من ناحية أخرى، فإن معدل الهجرة اليهودية المرتفع سوف يحافظ على الديموغرافيا الإسرائيلية باعتبارها يهودية أساسية ويوفر قوة عاملة عالية لإسرائيل. يمكن أيضاً فهم الدفاع العام للسفارة على أنه طريقة لإضفاء الشرعية على إسرائيل على أمل أن يشعر المزيد من اليهود بأنهم مدعوون للهجرة إلى إسرائيل. وبهذه الطريقة، يمكن أن يُنظر إلى السفارة أيضاً على أنها تلعب دور عامل جذب استراتيجي تجاه الشعب اليهودي في الشتات. وسوف يكون من المثير للاهتمام، في هذا الصدد، النظر، في بحث مستقبلي، في كيفية عمل الحركة المسيحية الصهيونية من أجل مواجهة “حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات” ضد إسرائيل BDS -التي أثارها ممثلون عن المجتمع المدني الفلسطيني. وهكذا يبدو أن الحركة المسيحية الصهيونية، بما في ذلك إسرائيل، أطلقت حملة مضادة حيث يستطيع “أصدقاء إسرائيل” شراء المنتجات الإسرائيلية عبر صفحات الإنترنت الخاصة بالمنظمات المسيحية الصهيونية(121). لذلك، قد يكون مثيراً للاهتمام معرفة ما إذا كان لهذا تأثير على الاقتصاد الإسرائيلي.
7.4 التهديدات التي تطال الدولة اليهودية
عندما انتقد قادة الكنائس في إعلان القدس المسيحيين الصهاينة لعدم تعاطفهم مع معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال، كان رد السفارة يقول أن زعماء الكنائس لم يأخذوا في اعتبارهم تهديد الجهاديين. إن أي سوء معاملة للفلسطينيين إنما هي نتيجة لعجزهم عن اختيار قادة جيدين. وكما رأينا في القسم 6.2.3، تدعي السفارة أن كلا من حماس وفتح غير قادرتين على حكم دولة فلسطينية ذات سيادة، وأن معاناة الفلسطينيين ليست نتيجة للاحتلال الإسرائيلي. ويُنظر إلى القيادة الفلسطينية الضعيفة التي تعارض إسرائيل على أنها قيادة شديدة الصلة بالشر الذي يحاول منع خطة الرب للعناية الإلهية. ومن وجهة نظر السفارة الثنائية للعالم، يُنظر إلى إسرائيل على أنها نور لجميع الأمم – كحاملة للحقيقة، بينما يقع بقية العالم تحت تأثير قوى الشر. ويتم تفسير صراعات ونكسات إسرائيل من خلال نهج براغماتي من قبل السفارة: فاليهود لا يعيشون في مصالحة مع الرب، ومن ثم فهو يعاقبهم من خلال تسليط الشر عليهم، والذي يتجلى في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي (انظر القسم 4.2.5). وهكذا فإن صراعات إسرائيل تؤكد سردية السفارة حول “معرفة التاريخ”. وترى السفارة أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وكذلك التهديد من الدول المجاورة مثل إيران، بحاجة إلى معالجة لاهوتية. غير أن وجهة نظر السفارة، في تحويل الصراع إلى نوع من المخاوف الدينية، لم تحظ سوى بصدى ضئيل من المجتمع الدولي. لذلك، حاولت تبني لغة علمانية، تمكنها من الدفاع عن القضية الإسرائيلية.
7.4.1 معركة كونية بلغة علمانية
تدور المعركة الكونية في ساحة المجتمع الدولي، حيث تدعم السفارة إسرائيل من خلال محاربة نزع الشرعية عن إسرائيل ونفي الاتهامات الموجهة لها (انظر الفصل السادس). وسوف تشكل الاستنسابية الأخلاقية والتهديد الإسلامي، في معركة نزع شرعية إسرائيل، التهديد الرئيسي لاستمرار وجود إسرائيل كدولة يهودية. وقد أدركت السفارة في معركتها مع الاستنسابية الأخلاقية أن سرديتها الخاصة مجرد قصة من العديد من القصص التي تتنافس على استقطاب الحيز العام. وهكذا يتم إعادة صياغة الحجج الكتابية بهدف الحصول على صدى داخل المنتديات الدينية المحايدة من أجل مكافحة نزع الشرعية عن إسرائيل (انظر القسم 6.1). ويعد عمل السفارة، في هذا الإطار، جزءً من شبكة عمل ناشطين مسيحيين صهيونيين. وكان العديد من المؤلفين قد ذكروا في أبحاث سابقة عن المسيحية الصهيونية أن الصهاينة المسيحيين لهم تأثير هائل في الشؤون الخارجية الأمريكية. ومع ذلك، وكما رأينا، فإن شبكة الناشطين المسيحيين الصهاينة هي ظاهرة عالمية، تروج من خلالها للمصالح الإسرائيلية والمسيحية بحجج علمانية. ويجب أن تلقي القوة الكامنة التي يتمتع بها الصهاينة المسيحيون في أوروبا، وعلى نطاق عالمي، أن تُلقي مزيداً من الضوء في الأبحاث المستقبلية. إن قدرة السفارة، مع المنظمات المسيحية الصهيونية الأخرى، على إيجاد حجج علمانية في هذا الصراع مثيرة للاهتمام لأنها متجذرة في القرارات التي تتخذها القوى الغربية، دون موافقة الدول المتأثرة بهذه القرارات. فعلى سبيل المثال، كانت بعض الحجج العلمانية التي استخدمتها السفارة، متجذرة في وعد بلفور 1917 وقرار عصبة الأمم 1922 بإنشاء الانتداب البريطاني على فلسطين، والتي كان من المفترض أن تصبح وطناً للشعب اليهودي. ومع ذلك، فإن هذا القرار اتخذته القوى الغربية، وهو يتناقض بشكل صارخ مع السردية الفلسطينية، التي تعتبر منح الانتداب الفلسطيني لبريطانيا أمراً غير قانوني (Scham 2013, 34). بعبارة أخرى، هل يمكن النظر إلى هذا القرار على أنه حجة صالحة للسفارة، أو هل تستخدم ما لديها من الحجج من أجل رفض أي مطالب من الفلسطينيين بأن تكون لهم دولتهم الخاصة؟ فإذا كانت هذه الحجة غير صحيحة، فلا يتبقى للسفارة سوى حججها الكتابية، التي لا تلقى صدى يذكر في المجتمع الدولي الاستنسابي. ندد إعلان القدس بدعم المسيحيين الصهيونيين للجدار الفاصل على الأرض الفلسطينية المصادرة، في حين رفضت السفارة ذلك باعتباره حماية ضرورية ضد تهديد حماس والجهاديين الإسلاميين الذين يسعون إلى تضمين الدولة اليهودية في إمبراطورية الإسلام (ICEJ 2006). وهذا تهديد تراه السفارة مقلقاً على مستويات مختلفة. أولاً، لأنه يسعى إلى تدمير الدولة اليهودية، وثانياً، لأن عاقبة اليهود بالعيش تحت تهديد الإرهاب قد تؤدي إلى هجرة اليهود الإسرائيليين، كما أشار ديفيد بارسونز (انظر القسم 5.5.5).
ترى السفارة أن الصراع في الشرق الأوسط هو صراع ديني، ويجب التعامل معه على هذا النحو بدلاً من اعتباره نزاعاً على الأراضي أو الموارد المائية أو اتهامات بنظام الفصل العنصري (انظر القسم 4.2.5). وفقاُ للسفارة، يدور الصراع حول الإسلام الذي يسعى إلى تدمير إسرائيل، وفي حين زعم إعلان القدس أن الإسرائيليين والفلسطينيين قادرون على العيش معاً، فإن ما تخشاه السفارة أن يقوض هذا التعايش، ضمن إطار حل الدولة الواحدة، الديموغرافيا السكانية اليهودية في إسرائيل، وبالتالي يهدد وجود الدولة اليهودية. إن رغبة السفارة في التعامل مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بطريقة علمانية لم يكن لها تأثير يذكر على المجتمع الدولي. ومع ذلك، مع تزايد التهديد من الإسلاميين الراديكاليين في المنطقة، من المحتمل أن تجذب السفارة مزيداً من الاهتمام لقضيتها؛ يمكن للشبكة المسيحية الصهيونية أن تتلقى بعد ذلك الدعم من الأحزاب السياسية المعادية للإسلام واليمين الشعبوية والقومية في تحالف مشترك ضد الإسلام (انظر على سبيل المثال Wodak و KhosraviNik و Mral 2013). زعم إعلان القدس أن المسيحيين الصهاينة يقوضون السلام في المنطقة، ولكن بالنسبة للسفارة، فإن دعم إسرائيل يعني ببساطة الوقوف إلى جانب الرب في معركة كونية، كما رأينا في هذا الفصل. أشرتُ، في ضوء إعلان القدس، إلى بعض النقاط المركزية للنقد الموجه نحو المسيحية الصهيونية، حيث رد السفارة. لقد رأينا هنا كيف أن السفارة تركز بشكل أكبر على الوعود الكتابية والدوافع الشخصية بدلاً من الأحداث الخلاصية في المستقبل. ومن خلال عملها مع اليهود، قامت السفارة بتكييف قراءة عملية للكتاب المقدس من أجل تسهيل عملها في مساعدة اليهود في الانتقال إلى إسرائيل. ويزعم منتقدوها أن هذا العمل يقوض الحل السلمي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومع ذلك، ووفقاً لما تراه السفارة، فسوف يحل السلام في المنطقة عندما يعود المسيح إلى الأرض لتأسيس المملكة الألفية -وحتى ذلك الحين، سوف تستمر السفارة في المساعدة في عودة اليهود إلى الوطن على أمل حدوث نهاية وشيكة للعالم.
الفصل الثامن: ملخص و نتائج
“لذا فإن الكتاب المقدس هو كتاب مدهش حقاً، ويروي حقاً قصة شعب رائع. إنه ليس مجموعة من الخرافات والقصص الخيالية. بل هو كلمة الرب المثبتة! وعودة إسرائيل الحديثة دليل على مصداقيته، وكذلك على إخلاص الرب لوعوده وسلطته على شؤون الناس”. ديفيد بارسونز ، مدير العلاقات العامة في السفارة المسيحية الدولية في القدس (Parsons 2014b)
كان هدفي الرئيسي من هذه الأطروحة هو توضيح كيف تساهم استراتيجية السفارة المسيحية في دعم الهجرة في الحفاظ (والتأكيد) على إسرائيل كدولة يهودية. لقد أجبت على هذه المسألة من خلال إجراء مقابلات مع ممثلين من السفارة بالإضافة إلى تحليل المقالات المنشورة من قبلها. وبهذه الطريقة، أوضحت، في ضوء منظور سوزان هاردينغ للنزعة التدبيرية، كيف تستخدم السفارة النصوص الكتابية لبناء سردية تساهم في المساعدة على الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، كمساعدة لخطة العناية الإلهية. وكان سؤالي البحثي الأول حول كيف تتصور السفارة المقاطع الكتابية المتعلقة بضرورة عودة اليهود إلى إسرائيل والحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية باعتباره جزء من مخطط خلاصي؟ راينا كيف أنه في مفهوم السفارة لعصمة الكتاب المقدس، والذي يعتبر تاريخاً مكتوباً مسبقاً، ستعود الغالبية العظمى من السكان اليهود إلى أرض الميعاد. وفي نهاية المطاف, وكهدف نهائي, ينبغي أن تصبح إسرائيل أرض إسرائيل كما هي مذكورة في نصوص العهد القديم؛ عندها فقط سيعود يسوع المسيح ليؤسس المملكة الألفية على الأرض. لذلك، تستخدم السفارة عدداً من الاستراتيجيات من أجل المشاركة في خطة العناية الإلهية، كما رأينا في العمل المساعد للهجرة وعملها الدعوي لصالح إسرائيل. والاكتشاف المثير للاهتمام في هذه الدراسة هو أن السفارة أكثر اهتماماً بالوفاء بالوعود الكتابية، بدلاً من التركيز على الأحداث الخلاصية المستقبلية. ومن خلال القيام بذلك، يبدو أنها قد طورت مقاربة عملية في تعاونها مع الجهات الفاعلة في المجتمع اليهودي، مثل الوكالة اليهودية من أجل تسهيل استعادة أرض إسرائيل. وهذا ما سوف يقودني إلى أسئلتي البحثية الثانية والثالثة، ما هي الاستراتيجيات التي تستخدمها السفارة لمساعدة اليهود في إسرائيل، وما هي التأثيرات التي تحدث أو قد تحدث؟ من خلال المقابلات وتحليل المقالات المنشورة، حصلت على معلومات حول عمل السفارة وبحثت في كيفية تعاملها من وجهة نظرها الخاصة مع عملها. لقد مثل هذا نهجاً مناسباً لأنني كنت مهتماً بشكل أساسي بالاطلاع على النسخة الرسمية الصادرة عن السفارة فيما يتعلق باستراتيجياتها الخاصة بمساعدة اليهود في إسرائيل. وتساهم السفارة، من خلال الهجرة المساعدة، في الحفاظ على الطابع اليهودي لإسرائيل، لأن مساعدة اليهود في إسرائيل يساهم في الحفاظ على الأغلبية اليهودية في الديموغرافيا الإسرائيلية. وهذا ضروري من قبل السفارة, إذا كانت عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية ستؤدي إلى حل الدولة الواحدة. فإذا كانت الدولة الواحدة هي الحل المستقبلي للصراع، فإن عودة اللاجئين الفلسطينيين سوف تعرّض الطابع اليهودي لإسرائيل للخطر. وبالتالي، فمن مصلحة السفارة تشجيع اليهود على العودة إلى إسرائيل لضمان أغلبية يهودية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، استخدمت السفارة عدداً من الاستراتيجيات، والتي يبدو أنها صنعت بسبب من بعض الاعتبارات العملية. على سبيل المثال، الاستراتيجية الضرورية للسفارة من أجل تحقيق هدفها تكمن في التعاون مع المنظمات الصهيونية اليهودية الأخرى التي لديها التفويض القانوني لجعل المهاجرين اليهود مواطنين إسرائيليين. من خلال التعاون مع منظمات مثل الوكالة اليهودية ومنظمة شافي إسرائيل، تستطيع السفارة أيضاً توسيع نطاق وصولها في العثور على مرشحين للهجرة. لم يكن لدى السفارة أي تعريف خاص لمن هو اليهودي، لذلك كانت مرنة جداً بشأن من تكفل مساعدته لليهود وترك هذا القرار لمنظمات الهجرة الإسرائيلية. لقد رأينا كيف تستخدم السفارة عملية “الصيد” كتكتيك للعثور على مرشحين للهجرة، ولكنها استخدمت أيضاً الإعلانات على الإنترنت لتشجيع اليهود على الهجرة. وفي حالة اليهود الروس، قامت بدور مباشر في البحث عن يهود الشتات. وكانت تساعد، في معظم الحالات، في عودة اليهود إلى الوطن من خلال التكفل بتذاكر الطيران. ومن المثير للاهتمام أنها عناصرها كانوا يلتقون دائماً بالمهاجرين الواصلين حديثاً إلى المطار. ومن خلال القيام بذلك، يمكن لها تعزيز المصالحة بين المسيحيين واليهود والحصول على مزيد من التأثير على المجتمع الإسرائيلي.
ومن خلال تعاونها مع شافيه إسرائيل ( منظمة العائدين إلى إسرائيل) تساعد السفارة اليهود غير المعترف بهم أنه يهود حسب الهالاخا، بيد أن السفارة تنظر إليهم باعتبارهم من سبط منسي من نسل قبائل إسرائيل العشر المفقودة، وبالتالي تصبح هجرة هؤلاء الأشخاص جزءً مركزياً من عملها. واعتبر أحد شركاء السفارة أن سبط منسي هم وطنيون إسرائيليون ولديهم هوية يهودية قوية. ومن خلال المساعدة في هجرة بني منسي، من المحتمل أن تعزز السفارة الهوية اليهودية والمواقف الوطنية تجاه إسرائيل ، والتي تبدو خطوة استراتيجية في الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية. تم العثور على اكتشاف آخر مثير للاهتمام في اتجاه بني منسي للاستيطان في مستوطنات يهودية غير شرعية في الأراضي المحتلة، وفقاً للمجتمع الدولي. من المعقول أن نفترض أن بعض المهاجرين الجدد سينضمون إلى المستوطنين في هذه المجتمعات. بالإضافة إلى ذلك، تقدم السفارة أيضاً مساعدات مالية لليهود الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، وبالتالي فهي تشارك في تعزيز حق إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، ومن المحتمل أن تكون النتيجة ضعف موقف حل الدولتين. كما تساهم السفارة في اندماج المهاجرين في المجتمع الإسرائيلي بعد وصولهم. وهي في هذا الصدد ترعى عدداً من المنظمات اليهودية. وتأمل في منع الهجرة من إسرائيل. ولا تشعر السفارة بقلق بخصوص الهجرة اليهودية مثلما عبر عنه جاك كوركوس من الوكالة اليهودية، ورغم هذا تقدم السفارة المساعدة المالية الضرورية والمعدات لليهود الذين يعيشون في إسرائيل كجزء من “المواساة” لليهود، من أجل التأكد من أنهم قادرون على العيش في وطن تحت وطأة صراع معادي.
نظرتُ، في هذه الأطروحة، فقط في بعض الانتقادات التي تتلقاها إسرائيل من المجتمع الدولي ومن الفلسطينيين المحليين. هذه الأصوات الناقدة تتعارض مع جوهر مصالح السفارة المسيحية الصهيونية في القدس، مثل الهجرة اليهودية الحصرية، والمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وعودة إسرائيل إلى حدود العهد القديم الكتابية، والتي تعتبر في سردية السفارة ضرورية للغاية لخطة العناية الإلهية. لذلك فهي تستخدم الاستراتيجيات المستخدمة في المجال العام، من أجل الدفاع عن أفعال إسرائيل، كضمان ليهودية إسرائيل في المستقبل. وتعد السفارة جزء من شبكة أوسع من النشطاء المسيحيين الصهيونيين الذين يدافعون عن إسرائيل عبر وسائل الإعلام، من خلال الضغط في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وفي الكونغرس الأمريكي، ومن خلال رفع حملات الالتماسات. كما اعتمدت، في هذا العمل، السفارة لهجة علمانية من أجل خلق صدى لدى صانعي السياسات. واعتبرت أن الدفاع ضد نزع الشرعية عن إسرائيل جزء من سرديتها عن سبب حدوث أشياء سيئة لإسرائيل. ومن أجل حل مشكلة مواجهة الشر, تقسم السفارة العالم إلى الخير والشر؛ حيث يعمل الشر كل ما في وسعه ليدمر إسرائيل. وبهذه الطريقة، سوف تكون السفارة قادرة على شرح سيناريوهات مختلفة تسبب الخسارة لإسرائيل، على سبيل المثال، الأرض في حل الدولتين، بينما تدعي في الوقت نفسه أن الرب يتحكم بشكل مطلق في مجرى التاريخ.
بعد النظر إلى عمل السفارة في الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية في المستقبل، رأينا كيف أنها تجمع بين اللاهوت والسياسة في إضفاء الشرعية القوية لعملها. فهي متحالفة، في إسرائيل، مع أحزاب سياسية يمينية، مثل الليكود، بينما تعتبر، على نطاق عالمي، جزء من الحركة المسيحية الصهيونية التي تؤثر على صانعي السياسة. ومن خلال هذا الموقف البراغماتي، اكتسبت مكانة قوية في المجتمع الإسرائيلي. وفي حين شجب منتقدوها وجودها في إسرائيل، فقد رحّب حلفاؤها الصهاينة بحرارة بالجهود الحثيثة التي تبذلها لإعادة الشعب اليهودي إلى أرض الميعاد القديمة.
هوامش
109- في أبحاث الظواهر الدينية، كان الرأي السائد هو أن المؤمنين “كانوا دائمًا على حق”، ولكن في الأبحاث الحديثة حول الدين، يوصى الآن بالحصول على منظور نقدي، من خلال أطروحة”cui bonum” (لصالح من؟)، وفقًا لـ Siv Ellen Kraft (2006, 260).
110- هناك 4.8 مليون فلسطيني مسجلين لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في العام 2012. ومع ذلك، تتعامل منظمة التحرير الفلسطينية مع 7 ملايين فلسطيني في الشتات (Brynen 2013, 110).
111- على الرغم من أن الحركة المسيحية الصهيونية، كما لاحظت فيكتوريا كلارك وهاردينغ، قد غيرت في عدة مناسبات إيديولوجيتها -مثل الحرباء- حيث يتم تعديل تفسير الأحداث لتناسب روايتها. لذلك، لا ينبغي أن يسير كل شيء وفقاً للخطة، فمن المحتمل أن تكون السفارة قادرة على تعديل روايتها أيضاً.
112- أطلقت السفارة، في العام 2014، “دليل المشتري الإسرائيلي”، وهو كتيب تم نشره للمساعدة في مكافحة حملة المقاطعة BDS والمقاطعات الإسرائيلية الأخرى. ووفقاً للسفارة، سيتم توزيع الكتيب على “ملايين الإنجيليين في جميع أنحاء العالم” الذين سيتم اطلاعهم على المنتجات الإسرائيلية التي يجب شراؤها في وطنهم، ولتعزيز مساهمات إسرائيل الابتكارية في مجالات الطب والعلوم والتكنولوجيا (ICEJ-News 2014 ).
المراجعBibliography
Ariel, Yaakov. 2006. “An Unexpected Alliance: Christian Zionism and Its Historical Significance.” Modern Judaism 26 (1):74-100.
Balfour, Arthur James. 2013. “The Balfour Declaration.” In The Routledge handbook on the Israeli-Palestinian conflict, edited by Joel Newman David Peters. London; New York: Routledge.
Barkun, Michael. 2003. “A culture of conspiracy apocalyptic visions in contemporary America.”
Baumann, Martin. 2010. “Exile.” In Diasporas concepts, intersections, identities, edited by Kim McLoughlin Seán Knott. London; New York: Zed Books.
Ben-Dor Benite, Zvi. 2009. The ten lost tribes: a world history. Oxford: Oxford University Press.
Ben-Gurion, David. 1948. “Declaration of Establishment of State of Israel.” Israel Ministry of Foreign Affairs Accessed 26 Nov. 2014. http://www.mfa.gov.il/mfa/foreignpolicy/peace/guide/pages/declaration%20of%20establishment%20of%20state%20of%20israel.aspx.
Boyer, Paul. 1998. “Bible Prophecy Belief in Contemporary American Culture.” Anglican and Episcopal History 67 (4):448-466.
Braun-Poppelaars, Caelesta and Marcel Hanegraaff. 2011. “Conceptualizing religious advocacy: Religious interest groups and the process of public policy making.” In Religious actors in the public sphere means, objectives and effects, ed Jeffrey Hennig Anja Haynes. London; New York: Routledge. Kindle (accessed 15 October).
Brekke, Torkel. 2012. Fundamentalism: prophecy and protest in the age of globalization. New York: Cambridge University Press.
Brynen, Rex. 2013. “Palestinian refugees.” In The Routledge handbook on the Israeli-Palestinian conflict, edited by Joel Peters and David Newman. London; New York: Routledge.
Buehler, Juergen. 2012. “Mandate.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 26 Aug. 2013. http://int.icej.org/about/mandate.
Bühler, Jürgen. 2013. “Egypt My People: God’s purposes for a troubled Middle East.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 29 Oct. 2014. http://ca.icej.org/news/commentary/egypt-my-people.
Casanova, José. 1994. Public religions in the modern world. Chicago, Ill.: University of Chicago Press.
Clark, Victoria. 2007. Allies for Armageddon: the rise of Christian Zionism. New Haven: Yale university press.
Cohn-Sherbok, Dan. 2006. The politics of apocalypse: the history and influence of Christian Zionism. Oxford: One world Publ.
Cook, Jonathan. 2010. “‘Lost tribe’ on Fast Track to Israel: Settlers seeks to recruit Indian immigrants.” Global Research Accessed 3 Nov. 2014. http://www.globalresearch.ca/lost-tribe-on-fast-track-to-israel/17254.
Cook, Jonathan. 2014. “Netanyahu rolls out new roadblock to peace.” Al Jazeera Accessed 17 Nov. 2014. http://www.aljazeera.com/indepth/features/2014/01/netanyahu-rolls-out-new-roadblock-peace-201411983736917969.html.
Czarniawska, Barbara. 1998. A narrative approach to organization studies. Thousand Oaks, CA: Sage. 102
Della Pergola, Sergio. 2011. “Jewish Demographic Policies: Migration from Israel.” The Jewish People Policy Institute Accessed 3 Nov. 2014. http://jppi.org.il/uploads/Migration_from_Israel.pdf.
Dumper, Michael. 2013. “Jerusalem.” In The Routledge handbook on the Israeli-Palestinian conflict, edited by Joel Newman David Peters. London; New York: Routledge.
Eglash, William Booth and Ruth. 2014. “Immigration to Israel slowing — except from France.” The Washington Post Accessed 3 Oct. 2014. http://www.washingtonpost.com/world/middle_east/immigration-to-israel-slowing-except-from-france/2014/01/24/162861b8-8416-11e3-a273-6ffd9cf9f4ba_story.html.
Fenton, Natalie. 2007. “Getting alternative messages in mainstream media.” In The alternative media handbook, edited by Kate Dowmunt Tony Fountain Alan Coyer. London; New York: Routledge.
Flower, Howard. 2011a. “Aliyah through Finland.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 16 Nov. 2013. http://int.icej.org/news/special-reports/aliyah-through-finland.
Flower, Howard. 2011b. “ICEJ Aliyah.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 16 Nov. 2013. http://int.icej.org/news/special-reports/icej-aliyah.
Flower, Howard. 2011c. “Net Fishing.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 16 Nov 2013. http://int.icej.org/news/special-reports/net-fishing.
Freedman, Robert O. 2013. “Russia.” In The Routledge handbook on the Israeli-Palestinian conflict, edited by Joel Newman David Peters. London; New York: Routledge.
Gilbert, Lela. 2007. “Still Fighting Apartheid.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 19 Sept. 2014. http://int.icej.org/media/still-fighting-apartheid.
Gitelman, Z. V. I. 1998. “Native Land, Promised Land, Golden Land: Jewish Emigration from Russia and Ukraine.” Harvard Ukrainian Studies 22:137-163.
Golan, Galia. 2013. “Peace plans, 1993-2010.” In The Routledge handbook on the Israeli-Palestinian conflict, edited by Joel Newman David Peters. London; New York: Routledge.
Goldman, Shalom. 2009. Zeal for Zion: Christians, Jews, & the idea of the Promised Land. Chapel Hill: University of North Carolina Press.
Groth, Bente. 2003. Jødedommen. Oslo: Pax Forlag 2000.
Haija, Rammy M. 2006. “The Armageddon Lobby: Dispensationalist Christian Zionism and the Shaping of US Policy Towards Israel-Palestine.”
Hammond, Jeremy R. 2009a. “Ahmadinejad Holds Up a Mirror to Western Powers, Inviting Scorn.” Foreign Policy Journal Accessed 12 Oct. 2014. http://www.foreignpolicyjournal.com/2009/04/21/ahmadinejad-holds-up-a-mirror-to-western-powers-inviting-scorn/.
Hammond, Jeremy R. 2009b. “Full Text of President Ahmadinejad’s Remarks at U.N. Conference on Racism.” Foreign Policy Journal Accessed 8 Oct. 2014. http://www.foreignpolicyjournal.com/2009/04/21/full-text-of-president-ahmadinejads-remarks-at-un-conference-on-racism/.
Harding, Susan. 1994. “Imagening the Last Days: The Poltics of Apocalyptical Language.” In Accounting for fundamentalisms: the dynamic character of movements, edited by Martin E. Appleby R. Scott Marty. Chicago: University of Chicago Press.
Hedding, Malcolm. 2006a. Basis for den Kristne støtten til Israel. edited by International Christian Embassy Jerusalem: Internationale Kristne Ambassade, Norsk Avdeling.
Hedding, Malcolm. 2006b. De store paktene i Bibelen. edited by International Christian Embassy Jerusalem. Stabekk: Internasjonale Kristne Ambasse, Norsk Avdeling.
Hedding, Malcolm. 2006c. Den bibelske sionismens hjerte. edited by International Christian Embassy Jerusalem. Stabekk: Internasjonale Kristne Ambassade, Norsk Avdeling. 103
Hedding, Malcolm. 2006d. Det nye testamentet og Israel. edited by Internasjonale Kristne Ambassade Jerusalem. Norge: Internasjonale Kristne Ambassade, Norsk Avdeling.
Hedding, Malcolm. 2006e. Feiringen av Løvhyttefesten. edited by Internasjonale Kristne Ambassade Jerusalem. Norge: Internasjonale Kristne Ambassade, Norsk avdeling.
Hedding, Malcolm. 2008. “Re: ‘Stop A Nuclear Iran’ Petition.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 12 Oct. 2014. http://int.icej.org/sites/default/files/en/pdf/icej_iran_petition_submission.pdf.
Hedding, Malcolm. 2009. “Demonizing the Jews: Misusing ‘Apartheid’ to Delegitimize Israel.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 19 Sept. 2014. http://int.icej.org/campaigns/demonizing-jews.
Hedding, Malcolm. 2012. “Postition Statements: The ICEJ’s core beliefs.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 19 Sept. 2014. http://int.icej.org/about/position-statements.
Hedding, Malcolm. 2013. “Biblical Zionism: Giving definition to the movement.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 25 Oct. 2014. http://int.icej.org/media/biblical-zionism.
Hedding, Malcolm. 2014. “Delegitimization of Israel: Why Christians must defend the nation of Israel.” International Christian Embassy Jerusaelm Accessed 19 Sept. 2014. http://int.icej.org/delegitimization-israel.
Hunt, Stephen. 2003. Alternative religions: a sociological introduction. Aldershot: Ashgate.
ICEJ. 2006. “The Jerusalem Declaration On Christian Zionism: A joint response by the ICEJ, Bridges for Peace and Christian Friends of Israel.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 9 Nov. 2014. http://int.icej.org/media/jerusalem-declaration-christian-zionism.
ICEJ. 2012a. “About Us: Work and vision of the ICEJ.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 22 Mar. 2014. http://int.icej.org/about/about-us.
ICEJ. 2012b. “History: The ICEJ’s story and purpose “. International Christian Embassy Jerusalem Accessed 23 Mar. 2014. http://int.icej.org/history.
ICEJ. 2012c. “Objectives.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 21 May 2014. http://int.icej.org/about/objectives.
ICEJ. 2013a. “Endorsments: What leaders have said about the ICEJ.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 22 Mar. 2014. http://int.icej.org/endorsements.
ICEJ. 2013b. Feast of the Tabernacles 2013 Official Program International Christian Embassy Jerusalem.
ICEJ. 2014a. “Defining Aliyah.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 16 Nov. 2013. http://int.icej.org/aid/defining-aliyah.
ICEJ. 2014b. “Susan Michael ICEJ USA Director.” International Christian Embassy Jerusalem, US branch Accessed 25 Oct. 2014. http://us.icej.org/susan-michael.
IKAJ. 2012a. “Proklamasjon fra den fjerde Internasjonale Kristne Sionist Kongress.” Internasjonale Kristne Ambassade Jerusalem, Norsk avdeling Accessed 16 nov. 2013. http://www.ikaj.no/content/proklamasjon-fra-den-fjerde-internasjonale-kristne-sionist-kongress.
IKAJ. 2012b. “Proklamasjon fra den tredje internasjonale kristne sionist kongress “. Internasjonale Kristne Ambassade Jerusalem, Norsk avdeling Accessed 16 nov. 2013. http://www.ikaj.no/content/proklamasjon-fra-den-tredje-internasjonale-kristne-sionist-kongress.
Israel, Shavei. 2011. “About us.” Shavei Israel Accessed 10 Sept. 2014. http://www.shavei.org/about-us/?lang=en. 104
Jamal, Amal. 2013. “Palestinian citizens of Israel.” In The Routledge handbook on the Israeli-Palestinian conflict, edited by Joel Peters and David Newman. London; New York: Routledge.
Joppke, Christian and Zeev Rosemhek and. 2009. “Contesting Ethnic Immigrations: Germany and Israel Compared.” In Diasporic homecomings: ethnic return migration in comparative perspective, edited by Takeyuki Tsuda. Stanford, Calif.: Stanford University Press.
JPPI. 2014. “Jewish and Democratic: Perspectives from Word Jewry.” Jewish People Policy Institute Accessed 5 Oct. 2014. http://jppi.org.il/uploads/jewish_and_democratic-eng.pdf.
Juliussen, Dag Øyvind. 2013a. “Bosetninger og etnisk renskning av Jøder.” Internasjonale Kristne Ambassade Jerusalem, Norsk avdeling Accessed 20 jan. 2014. http://www.ikaj.no/kommentarer/bosetninger-og-etnisk-rensning-av-j % C3 % B8der.
Juliussen, Dag Øyvind. 2013b. “Støtten til Israel.” Internasjonale Kristene Ambassaden Jerusalem, Norsk Avdeling Accessed 16 Oct. 2014. http://www.ikaj.no/kommentarer/st % C3 % B8tten-til-israel.
KAS. 2014. “Joint Israeli Palestinian Poll June 2014.” Accessed 7 Nov. 2014. http://www.kas.de/israel/en/publications/38212/.
Kaylor, Brian. 2014. “Controversial Christian Zionist Group Exploits Ukrainian Crisis.” Accessed 2 Nov. 2014. http://www.ethicsdaily.com/controversial-christian-zionist-group-exploits-ukrainian-crisis-cms-21860.
Knesset. 1950 (2003). “The Law of Return 5710.” Accessed 18 Oct. 2013. http://www.knesset.gov.il/laws/special/eng/return.htm.
Knesset. 1980. “Basic Law: Jerusalem, Capital of Israel.” Accessed 24 Oct. 2014. https://www.knesset.gov.il/laws/special/eng/basic10_eng.htm.
Kraft, Siv Ellen. 2006. “Kritiske perspektiver – Etiske utfordringer ved samtidsstudier av religion.” In Metode i religionsvitenskap, edited by Siv-Ellen Kraft and Richard J. Natvig. Oslo: Pax.
Kruger, Martha. 2005. “Israel: Balancing Demographies in the Jewish State.” Migration Policy Institute Accessed 3 Nov. 2014. http://www.migrationpolicy.org/article/israel-balancing-demographics-jewish-state.
Lewis, Donald M. 2010. The origins of Christian Zionism: Lord Shaftesbury and evangelical support for a Jewish homeland. Cambridge; New York: Cambridge University Press.
Libary, Jewish Viritual. 2014. “Total Immigration, by Country per Year.” American Israeli Cooperative Enterprise Accessed 12 Sept. 2014. https://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/Immigration/immigration_by_country2.html.
Lutes, Steve. 2013. “Chronology.” In The Routledge handbook on the Israeli-Palestinian conflict, edited by Joel Newman David Peters. London; New York: Routledge.
Lyman, Stanford M. 1998. “The Lost Tribes of Israel as a Problem in History and Sociology.” International Journal of Politics, Culture, and Society 12 (1):7-42.
Marrs, Texe. n.d. “Jesus Prophesied the End of the Nation Israel.” Accessed 17 Nov. 2014. http://www.texemarrs.com/102013/end_of_israel.htm.
McGuire, Meredith B. 2002. Religion, the social context. Belmont, CA: Wadsworth Thomson Learning.
Merkley, Paul Charles. 1998. The politics of Christian Zionism, 1891-1948. London; Portland, Ore: F. Cass.
Merkley, Paul Charles. 2002. “Christian attitudes towards the State of Israel.” Choice Reviews Online 39 (08):39-4757-39-4757. 105
MFA. 1991. “260 General Assembly Resolution 46-86- Revocation of Resolution 3379- 16 December 1991- and statement by President Herzog.” Israel Ministry of Foreign Affairs Accessed 7 Nov. 2014. http://mfa.gov.il/MFA/ForeignPolicy/MFADocuments/Yearbook8/Pages/260%20General%20Assembly%20Resolution%2046-86-%20Revocation.aspx.
MFA. 2014. “Christian Tourism to Israel in 2013.” Ministry of Foreign Affairs Accessed 28 Aug. 2014. http://mfa.gov.il/MFA/PressRoom/2014/Pages/Christian-tourism-to-Israel-2013.aspx.
Michael, Susan. 2010. “Siding with the Truth.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 19 Sept. 2014. http://int.icej.org/media/siding-truth.
Michael, Susan. 2011. “Unilateral Declaration of Palestinian Statehood.” International Christian Embassy Jerusalem, US branch Accessed 6 Oct. 2014. http://us.icej.org/sites/default/files/en/pdf/issuebrief_unilateraldeclarationpastate.pdf.
Mæland, Jens Olav. 2009. Glemt av sine egne: rapport fra de kristnes situasjon i Det hellige land. Oslo: Luther forlag/Avenir.
n.a. 2013. “Israel approves immigration of lost tribe of Jews from India.” I24News Accessed 27 Nov. 2014. http://www.i24news.tv/en/news/israel/society/131019-lost-tribe-of-jews-in-india-immigrating-to-israel.
Newman, David. 2013. “Territory and borders.” In The Routledge handbook on the Israeli-Palestinian conflict, edited by Joel Newman David Peters. London; New York: Routledge.
NGO-Monitor. 2001. “NGO Forum at Durban Conference 2001.” NGO Monitor Accessed 9 Oct. 2014. http://www.ngo-monitor.org/article/ngo_forum_at_durban_conference_.
NKJV, ed. 2010. The Holy Bible: New King James Version. Edited by Thomas Nelson. Nashville, Tenn.: Thomas Nelson, Publishers.
Parsons, David. 2008. “ICEJ Petitions Un to Stop Iran: Global petition urges UN to indict Ahmadinejad.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 11 Oct. 2014. http://int.icej.org/news/press-statements/icej-petitions-un-stop-iran.
Parsons, David. 2009. “Destroying Israel with ‘Peace’.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 18 Oct. 2014. http://int.icej.org/sites/default/files/en/word_jerusalem/2009/pdf/WFJJan09.pdf.
Parsons, David. 2010. “Israel and Christians: Friends and foes of the Jewish people.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 18 Jun. 2014. http://ca.icej.org/media/israel-and-christians.
Parsons, David. 2012. “ICEJ Statement on the U.N. Recognition of Palestine.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 19 Sept. 2014. http://int.icej.org/news/press-statements/icej-statement-un-recognition-palestine.
Parsons, David. 2013a. “Home at Last.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 17 Nov. 2014. http://issuu.com/icej/docs/wfj_jan-feb_2013.
Parsons, David. 2013b. “Living out their dream.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 10 Dec. 2013. http://int.icej.org/news/special-reports/living-out-their-dream%E2%80%99.
Parsons, David. 2014a. “The Great Ingathering.” Word From Jerusalem 3.
Parsons, David. 2014b. “The Great Ingathering.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 12 Sept. 2014. http://issuu.com/icej/docs/issuu_june_2014_wfj.
Rabinowitz, Gavin. 2003. “Israeli ‘Lost Tribes’ Living in W. Bank.” Shavei Israel Accessed 3 Nov. 2014. http://www.shavei.org/communities/bnei_menashe/articles-bnei_menashe/israeli-lost-tribes-living-in-w-bank/?lang=en. 106
Remennick, Larissa. 2010. “Russian-Jewish diaspora at the beginning of the twenty-first century.” In Diasporas concepts, intersections, identities, edited by Kim McLoughlin Seán Knott. London; New York: Zed Books.
Scham, Paul. 2013. “Competing Israeli and Palestinian narratives.” In The Routledge handbook on the Israeli-Palestinian conflict, edited by Joel Newman David Peters. London; New York: Routledge.
Schechter, Michael G. 2005. United Nations global conferences. London; New York: Routledge.
Schiavi, Nicole. 2004. “5,000 Jews, nowhere to go.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 15 Sept. 2014. http://int.icej.org/sites/default/files/en/word_jerusalem/2004_07/pdf/WFJ_sept_oct_2004.pdf.
Schulson, Michael. 2014. “Why evangelicals’ love for Jews is a case of unrequited love.” Accessed 27 Nov. 2014. http://www.religionnews.com/2014/07/18/commentary-evangelicals-love-jews-case-unrequited-love/.
Schulze, Kirsten E. 2013. “The 1948 war: The battle over history.” In The Routledge handbook on the Israeli-Palestinian conflict, edited by Joel Newman David Peters. London; New York: Routledge.
Schwartz, Amy E. 2013. “Going Down from Heaven – or Israel.” Moment Magazine Accessed 3 Nov. 2014.
Sharif, Regina. 1976. “Christians for Zion, 1600-1919.” Journal of Palestine Studies 5 (3/4):123-141.
Shneer, David and Caryn Aviv. 2010. “Jews as rooted cosmopolitans: the end of diaspora.” In Diasporas concepts, intersections, identities, edited by Kim McLoughlin Seán Knott. London; New York: Zed Books.
Sizer, Stephen. 2004a. Christian Zionism: road map to Armageddon?
Sizer, Stephen. 2004b. “The International Christian Embassy Jerusalem: The Most Influencial & Controversial Christian Zionism Agency.” Accessed 25 Oct. 2014. http://www.stephensizer.com/articles/icej.htm.
Spector, Stephen. 2009. “Evangelicals and Israel: the story of American Christian Zionism.” In. Oxford: Oxford University press.
Stephen Sizer, Donald Wagner 2006. “The Jerusalem Declaration on Christian Zionism.” Accessed 2 Sep. 2014. http://stephensizer.blogspot.no/2011/09/jerusalem-declaration-on-christian.html.
Stock, Femke. 2010. “Home and memory.” In Diasporas concepts, intersections, identities, edited by Kim McLoughlin Seán Knott. London; New York: Zed Books.
Sylte, Turid. 2009. “Israelvennenes delte meninger.” Vårt Land Accessed 17 Nov. 2013. www.vl.no/samfunn/israelvennenes-delte-meninger.
Thagaard, Tove. 2003. Systematikk og innlevelse: en innføring i kvalitativ metode. Bergen: Fagbokforlaget.
Trangerud, Hanne Amanda Magrethe Kalvatn. 2014. “Evangelical Law Firms and the Translation of Arguments: A study of the Evangelical Movement s Influence through National and International Courts.” Master’s Degree, Faculty of Humanities, Universitetet i Oslo.
TVVisjon. 2014. ICEJ sommerkonferanse – Jørgen Kristiansen, Jürgen Bühler, Dag Øyvind Juliussen. In Studio Direkte. Norway: TVVisjon Norge.
Udren, Jonathan. 2004. “The Long Journey Home.” Shavei Israel Accessed 2 Nov. 2014. http://www.shavei.org/communities/bnei_menashe/articles-bnei_menashe/the-long-journey-home/?lang=en. 107
- “Resolution 181: Future government of Palestine (Partition Resolution).” United Nations General Assembly Accessed 17 Nov. 2014. http://unispal.un.org/unispal.nsf/0/7F0AF2BD897689B785256C330061D253.
- “Resolution 242: Israel.” United Nations Security Council Accessed 17 Nov. 2014. http://unispal.un.org/unispal.nsf/9a798adbf322aff38525617b006d88d7/7d35e1f729df491c85256ee700686136?OpenDocument&Highlight=0,242.
- “Resolution 3379: Elimination of all forms of racial discrimination.” United Nations General Assembly Accessed 17 Nov. 2014. http://unispal.un.org/UNISPAL.NSF/0/761C1063530766A7052566A2005B74D1.
- “Resolution 478: Israel.” United Nations Security Council Accessed 30 May 2014. http://unispal.un.org/UNISPAL.NSF/0/DDE590C6FF232007852560DF0065FDDB.
- “Movement and Access in the West bank.” Office for the Coordination of Humanitarian Affairs occupied Palestinian territory (OCHA) Accessed 17 Oct. 2014. http://unispal.un.org/UNISPAL.NSF/0/8F5CBCD2F464B6B18525791800541DA6.
- “Resolution: 67/19: Status of Palestine in the United Nations.” United Nations General Assembly Accessed 17 Nov. 2014. http://unispal.un.org/UNISPAL.NSF/0/19862D03C564FA2C85257ACB004EE69B.
Urbina, Ian. 2002. “The Analogy to Apartheid.” Middle East Report (223):58-64.
Vogt, Kari. 2005. Islam– tradisjon, fundamentalisme og reform. Oslo: Cappelen.
Wagner, Donald E. 1995. Anxious for Armageddon: A Call to Partnership for Middle Eastern and Western Christians. Scottdale, Pennsylvania: Herald Press.
Waxman, Dov. 2013. “The Jewish diaspora and the pro-Israeli Lobby.” In The Routledge handbook on the Israeli-Palestinian conflict, edited by Joel Newman Peters, David. London; New York: Routledge.
Weber, Timothy P. 2004. On the road to Armageddon: how evangelicals became Israel’s best friend. Grand Rapids, Mich.: Baker Academic.
WFJ. 2004. “Taking on the beast in Europe: ICEJ battles anti-Israel and anti-Semitic thought at the EU.” International Christian Embassy Jerusalem Accessed 17 Nov. 2014. http://ca.icej.org/sites/default/files/en/word_jerusalem/2004_07/pdf/WFJ_novdec2004a.pdf.
Widnes, Hege Kristin. 2007. “Vi som elsker Israel”: en analyse av International Christian Embassy Jerusalems teologi og praksis.” Master’s degree, Religionsvitenskap, university of Tromsø.
Wodak, Ruth, Majid KhosraviNik, and Brigitte Mral. 2013. Right-wing populism in Europe: politics and discourse.
المصدر :مرطز دراسات الجرمق