دراساتمقالات

خسر نزار حمدون ذاته بعد وفاته -مذكرات نزار حمدون -بقلم عبد الواحد الجصاني  

بقلم عبد الواحد الجصاني  

خسر نزار حمدون ذاته بعد وفاته

بقلم عبد الواحد الجصاني  

  ليت “أم علا” زوجة المرحوم نزار حمدن أبقت “الطابق مستور” كما يقول المثل المصري، ولم تسيء الى تاريخ زوجها بنشر مذكراته بعد (21) سنة من وفاته.

          عندما توفى نزار حمدون في الرابع من تموز 2003 نعاه العراقيون كدبلوماسي بارز خلال فترة الحكم الوطني، وكمناضل اعتنق عقيدة البعث مذ كان يافعاً، وتجاوز العراقيون تصريحات نزار للإعلام الأمريكي بعد احتلال بلده ورسالته المطولة الى المحتلين الأمريكان التي قدم لهم فيها النصائح عن كيفية إدارة العراق ونشر الديمقراطية وحقوق الانسان فيه.

              تسامح العراقيون  إزاء  نزار كان من باب “ليس على المريض حرج” فقد كان ينازع الموت في نيويورك محاطا بشلة من الصحفيين والسياسيين الصهاينة أقنعوه بأن “اللعبة انتهت-The game is over” وأن نظام البعث انتهى الى الأبد، وبدأ عصر الديمقراطية.

          ولم يعرف العراقيون كثيراً عن خفايا شخصية نزار حمدون إلى أن نشرت مذكراته قبل عدة اسابيع، وكشفت المذكرات عن شخصية مبهورة بالسياسة والقيم الامريكية وتضعها فوق الولاء للوطن والأمة.  

          المذكرات ضمها كتاب من (600) صفحة، الثلاثين صفحة الأولى عن تاريخ اسرته ونشأته، والمائة وأربعين صفحة الأخيرة خصصت للصور الشخصية والوثائق، وبقية المذكرات كانت متخمة بمحاضر الاجتماعات واللقاءات. وبرزت مواقف نزار في ثنايا هذا الخضمّ، وهي مواقف تقيّم سياسات  بلده العراق وفق معايير “البراغماتية” الامريكية التي هي خليط من النفاق والمصلحة الذاتية وقياس المواقف بالربح والخسارة الآنيّة، ولم تتضمن مواقف نزار  بعداً أخلاقياً أو تأصيل تاريخي  أو تحليل فكري لاستراتيجية العراق وسياساته المقاومة للعدوان الإيراني ثم الأمريكي.  وأظهرت المذكرات نزار بصورة سفير عراقي تأثر لحد النخاع  في البيئة السياسية الامريكية، وتشرّب بآراء النخبة السياسية في واشنطن التي يهيمن عليها اليمين المتطرف الأمريكي المتحالف مع الصهيونية، ولم يتحصن نزار بخصوصياته، بدءا بتاريخ اسرته ومدينته الموصل “أم الرماح”  وقيم وطنه وأمته،  لذلك تراه في مذكراته يروج للفكر السياسي الغربي وينتقد بغير انصاف أغلب مواقف دولته التي يفترض أن يدافع عنها !!

          وزاد من طين نزار بلّة أن الدكتور عودة أبو ردين هو من تولى اعداد مذكراته للنشر بعد وفاته. وأبو ردين هو رجل اعمال امريكي متصهين من اصل اردني وعضو مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، الذي هو  أكبر مؤسسة لصنع الرأي في الولايات المتحدة يشرف عليها الصهاينة، وضخ أبو ردين في المذكرات أقصى ما يستطيع من عناصر حملة شيطنة العراق وصدام حسين، حتى ان القارئ للمذكرات يتساءل: هل كان نزار وكيلا لوزارة الخارجية العراقية ومشاركا في صنع القرار فيها، أم انه كان من المعارضة الممولة من امريكا وإيران والكويت؟  وجدير بالذكر أن ايران رحبت بهذه المذكرات، وتولت توزيعها في العراق بأقل من كلفة الطبع (سعر النسخة في العراق اقل من سبعة دولارات وسعرها في خارجه 25 دولار).

            من يقرأ الثلاثين صفحة الأولى من مذكرات نزار يرى فيه الفتى القومي العربي الذي انتمى لحزب البعث وهو ابن خمس عشرة سنة، وشارك في النضال القومي، وكان من مؤسسي الاتحاد الوطني لطلبة العراق، وعضوا في منظمة “حنين” وهي تنظيم سري مسلح تابع لحزب البعث، واستمر مناضلا بعثيا وتبوأ مناصب رفيعة في الحزب والدولة، ثم جاءت مرحلة التغيير في تفكيره وانتمائه حين عُيّن قائما بالأعمال في واشنطن عام 1983ثم سفيرا فيها لغاية خريف عام 1987.  ونزار يعترف بهذا التغيير الجذري في تفكيره، إذ يقول في الصفحة (31) من مذكراته “أنا نفسي كنت مختلفا في رؤياي للأمور ولقضايا السياسة قبل أن افهم العالم كما ينبغي في نهاية عام 1983″.

       ففي واشنطن بدأت الأجهزة الاستخبارية الأمريكية تبحث عن نقاط ضعفه، ووجدوا أن نقطة ضعفه الأساسية هي النرجسية وحب الشهرة، فأعطوه منها ما يرضي غروره، وأصبح ضيفا دائما على محطات التلفزة الرئيسية وضيف شرف في حفلاتهم ومناسباتهم،  ووضعوا صورته على غلاف مجلة “واشنطن بوست” في عددها يوم 8/12/1985، مع مقابلة مطولة عنه (نفس صورة نزار في غلاف المجلة استخدمت في غلاف المذكرات)، وانغمس نزار في مجتمع النخبة الامريكي وكوّن صداقات واسعة مع صناع القرار ومجموعات الضغط ” اللوبي” في واشنطن وهي صهيونية بالمجمل وقال في الصفحة (189): “كانت واشنطن مدينة محببة لي منذ اليوم الأول لإقامتي فيها”. وتحدث في الصفحة (129) عن تعامله مع اللوبي الصهيوني في واشنطن، إذ قال:” ان ادارة التحرك في واشنطن لا بدّ وأن تجعلك تحتك بالحزام العريض الذي يحيط باللوبي الإسرائيلي وأن تتعامل معهم سلباً أو ايجاباً، فإمّا أن تؤثر أو تتأثر”.

       وأثارت تحركات نزار في واشنطن شكوك القيادة، واشار نزار في الصفحة (293) الى استفسار رئاسة الجمهورية منه في شهر تموز 1990 عن خبر نشر في صحيفة اسرائيلية يقول ان نزار التقى في واشنطن بوزير الطاقة الاسرائيلي موشيه شاحال، فرد نزار بالقول انه تلقى أكثر من عرض للقاء شاحال لكنه اعتذر، كما تلقى عرضا بلقاء دبلوماسي في سفارة اسرائيل في واشنطن أصبح رئيس وزراء إسرائيل  وهو بنيامين نتنياهو، ورفض أيضا. لكن نفي نزار لا يبدو  قاطعا، ولا يعفيه من المسؤولية، والسفير عليه أن يبتعد عن موضع الشبهات في عمله السياسي.

           وفي مقال نشر في خريف 2003، وصف الكاتب الصهيوني المتخصص في نقد الإسلام “دانيال بايبس” نزار بالقول “كان نزار حمدون دبلوماسيا له شعبية في الأوساط الدبلوماسية في واشنطن، ولم يمدح صدام حسين في حضوري أبدًا، ولم يتهجم على الولايات المتحدة، ولم يروج لدعاية نظامه مثل المبعوثين العراقيين الآخرين”، واضاف “كان بصورة غير مباشرة يقرّ  بمزايا الديمقراطية وبحق اسرائيل في الوجود”. (أنظر مقال بايبس على الرابط:

“Thank you for everything. But do not stay.”: An exchange with the late Nizar Hamdoon :: Middle East Quarterly (meforum.org)

         ونقل نزار من واشنطن الى بغداد خريف عام 1987 بعد أن فشل في تمثيل بلده كما يجب ، وخاصة بعد أن أغرق بغداد بتقارير تقول إن الولايات المتحدة حظرت بيع الاسلحة لإيران وأنها تحث حلفاءها على ذلك، واعتبرها بعضاً من إنجازاته، وتبين  فيما بعد أن ادارة ريغان كانت تمارس الغش والخداع  معه ومع  العراق، وأنها، في تلك الفترة بالذات (1985-1986)،  تفاوضت سرا مع ايران وزودتها بالسلاح عن طريق اسرائيل (فضيحة ايران-كونترا).

وعندما غادر واشنطن في  17 أيلول 1987 شعر بأنه فقد مصدر إلهامه، فذكر في الصفحة (9) “وبقيت تجربتي من 1983 الى منتصف 1990 ملهمتي في البقاء بهذه المهنة الى حد اللحظة”.

أولا: نماذج من مواقف نزار في مذكراته:

      ومن أجل ان لا أرهق القارئ بالكثير من الاستشهادات من المذكرات للتدليل على تبني المرحوم نزار السردية الامريكية في تحليل العلاقات الثنائية بين العراق وأمريكا، حتى وصل في بعضها الى ما يمكن تصنيفه بأنه كان صدى للصوت الأمريكي، أو ما يعرف في الادبيات السياسية ب “صوت سيده- His master’s voice”. واكتفي بالنماذج أدناه:

  • بدلاً من أن يفخر باعتزاز قيادته باستقلال العراق وكرامته، أخذ عليها أنها كانت تتعامل الأمريكان بروحية الند للند، إذ قال في الصفحة (181) عن لقاء طارق عزيز بريتشارد ميرفي وكيل الوزير الامريكي في نيويورك يوم 27 تموز 1987:”من يقرأ نص هذا المحضر يتصور بأن طارق عزيز هو الذي يمثل الدولة العظمى”. وأضاف: “إن القيادة العراقية باتت تتصور أن عظمتها وجبروتها التي تمارس على شعب العراق إنما يفرض على دولة عظمى مثل أمريكا هذا التعامل”. وفي الصفحة (153) وصف تعليمات طارق عزيز له بشأن لقاءه مع مساعد وزير الخارجية الامريكي ريتشارد ميرفي في 21 ابريل 1987 بالآتي:” اللغة المستخدمة من الوزير فيها قلة الصنعة الدبلوماسية إضافة الى عجرفة وتطاولا غير مألوف على دولة عظمى”. وفسر هذا الموقف العراقي تفسيراً تافهاً، إذ قال في الصفحة 151 بأن سببه ” عقدة مركب النقص الدوني تجاه أمريكا”.
  • كان يرى أن امريكا كانت تساهلت مع العراق كثيراً خلال الحرب العراقية-الإيرانية وأضاف في الصفحة (188):”وكان لذلك [التساهل] الدور المهم في تعزيز النَفَس العدواني للعراق واستهانته بمواقف ومصالح الدول الأخرى، وقد انعكس هذا السلوك العراقي بالتمادي في استخدام الأسلحة الكيمياوية ضد الاكراد بعدما استخدم ضد الايرانيين في الجبهة، وكذلك تصنيع وتكديس كافة انواع الأسلحة المحرمة وغيرها ، بما فييه من تبذير لأموال وثروات الشعب العراقي”. ولو قرأنا هذه الفقرة بدون نسبتها لنزار لتوقعنا انها مأخوذة من تقرير احدى السفارات الغربية في بغداد.
  • عندما عرض تفاصيل اجتماع جنيف بين المرحوم طارق عزيز وجيمس بيكر يوم 9 كانون الثاني 1990، وكان مشاركا فيه بصفته وكيل وزير الخارجية، لم يستند الى المحضر الذي أعده الجانب العراقي، ولا الى ملاحظاته هو، بل عرض على القارئ تلخيص جيمس بيكر للاجتماع، إذ قال في الصفحة (399): “لا يمكن أن يلخص الحوار بأفضل مما لخصه جيمس بيكر في برقية عاجلة الى رئيسه”. وعرض ترجمة برقية بيكر الى بوش الأب المكونة من ست صفحات. وتلك كانت إحدى صور “صوت سيده” في مواقف نزار.
  • لم يشر الى القصف الامريكي لمدن وقرى العراق خلال عدوان 1991 بما يعادل ست قنابل نووية من التي ألقيت على هيروشيما، بل برر هذا القصف، إذ يقول في الصفحة (421): ” أرجعتُ عائلتي من بعقوبة الى بيتنا في بغداد بعد اسبوع من القصف مثل بقية السكان الذين اكتشفوا بعد حين أن الحرب لم تقترب من بيوتهم وإنما كانت تركز على المواقع الحيوية وغيرها”. كما اتهم القيادة العراقية باستخدام المدنيين دروع بشرية، وهي نفس اتهامات الكيان الصهيوني لحماس هذه الأيام لتبرير جرائم الابادة التي يرتكبها الكيان، إذ قال في الصفحة (418) عن قصف ملجأ العامرية: “في عصر 15/1 توجهت مع غيري من الوكلاء والموظفين الى ملجأ اليرموك الذي خصص طابق منه لمقر وزارتنا في حين استخدم الطابق الآخر للمواطنين الاعتياديين، تماما كما حصل مع ملجأ العامرية الذي يبكي النظام على ضحاياه ليلا ونهاراً وهو كان قد استخدم أيضا للرئيس وجماعته”.
  • يكرر السردية الامريكية- الصهيونية في موضوع الصراع العربي-الإسرائيلي ويقول في الصفحة (197):” ان أساليب العنف التي تعتمدها المجموعات الإسلامية المتطرفة وبشكل خاص الفلسطينية منها إنما تجعل من المستحيل أن يقتنع الرأي العام الأمريكي والغربي بشكل عام بعدالة القضية الفلسطينية”. وليته عاش الى اليوم وشاهد كيف اقتنع الرأي العام الغربي بأغلبيته بعدالة القضية الفلسطينية نتيجة “العنف المسلح” للمقاومة الفلسطينية وغطرسة القوة الصهيونية.
  • يرى ان مشكلة العرب مع أمريكا هي “ضعف الرابطة الأخلاقية بمعنى عدم وجود مفاهيم أخلاقية وقيمية مشتركة مع العرب كما هي الحال مع إسرائيل ومجتمعها اليهودي مثلاً” (الصفحة 197). وهذه الاستنتاج يردده كثيرا اللوبي الصهيوني في أمريكا ويكرره نزار.

 ثانيا: دور الناشر في تضمين المذكرات عناصر من حملة شيطنة العراق وصدام حسين

              مذكرات نزار صدرت بعد واحد وعشرين سنة من وفاته،  ولذا فإن نسبة المذكرات ، بقضها وقضيضها، الى نزار قد لا يبدو صحيحا، إذ  يلاحظ أن استطرادات كثيرة وردت في ثنايا المذكرات لا تمت الى السياق بصلة، ويحتمل أنها من إضافات  الدكتور عودة أبو ردين، وربما ساهمت الصحفية راغدة درغام في هذه الإضافات أيضا، إضافة الى احتمال حذف أجزاء  من المذكرات من التي لا تناسب السيد أبو ردين  أو من دفعوا له، ومنها على سبيل المثال:

  • في سياق سرد المفاوضات التي قادت لوقف اطلاق النار في الحرب العراقية-الايرانية ، تقفز المذكرات من رسالة ريغان الى الرئيس صدام حسين في 21 تموز 1988، الى رسالة شولتز الى طارق عزيز في 17 آب 1988، ولا تذكر شيئاً عن الفترة بينهما، وخاصة إعلان اتفاق وقف اطلاق النار يوم الثامن آب 1988واحتفال العراقيين بيوم النصر العظيم.
  • المبالغة في التهجم على قرار قيادة العراق احتلال الكويت، واتهام العراق بارتكاب مجازر مروعة هناك وقتل الاسرى الكويتيين،  ولم تتطرق الى جذور الأزمة واعتداء الكويت على حقوق العراق وتأمرها السياسي والاقتصادي عليه، ولم تشر الى الاسرى العراقيين الذين أخفاهم ثم أعدمهم النظام الكويتي او الذين دفنوا أحياء.
  • الحديث عن تهريب منفذي اغتيال حردان التكريتي من الكويت، وقوله “كانت هذه اول تعريف لي بأساليب عمل المخابرات العراقية واستهتارها بكل الأعراف العربية والدولية”. مفترضا ان بقية أجهزة الاستخبارات، وخاصة (CIA) تقدّس الأعراف الدولية!!
  • في الصفحة (260) قال: “في 4 تموز 1989 بدأنا بالتصعيد المدروس مع المستويات العليا في الولايات المتحدة ورفع العقيرة بالعداء لإسرائيل كأنها ستضرب غدا، ولأغراض فهمها المجربون العالمون واثبتتها الشهور والسنوات اللاحقة بإن الهدف من كل ذلك كان احتلال الكويت وتوسيع دائرة العظمة والسلطة للزمرة الحاكمة”. هل يعقل ان نزار يسمي قيادة بلده ب “الزمرة الحاكمة” وهو جزء من هذه “الزمرة” ، وأن يفترض جزافاً أن احتلال الكويت كان مقررا منذ تموز 1989 ، وأن الأمر لا علاقة له بتآمر الكويت على العراق وسرقة نفطه وتجاوزها على اراضيه!!
  • نقده لحديث الرئيس صدام حسين خلال لقائه مع سفراء الدول دائمة العضوية الخمس في مجلس الأمن يوم 31/8/1988 الذي جاء فيه  قوله: ” من الناحية العملية ان الذي جعل إيران تطبق قراركم (598) ليس اتفاقكم على إجراءات محددة بالتضامن ضد إيران وإنما هزيمة إيران في ساحات القتال”، واعتبره استهانة بمؤسسة مجلس الأمن برمتها والدول دائمة العضوية فيها  (الصفحة 232).  وكان المفروض بنزار أن يثني على هذا الموقف الصادق  لا السخرية منه. فمجلس الأمن منذ نشأته كان أداة سياسية بيد الدول دائمة العضوية فيه وليس لحفظ السلم والأمن الدوليين، ورأينا اليوم عجزه عن وقف الإبادة الجماعية في غزة.
  • استنكاره إسلام المرحوم ميشيل عفلق وتبديل اسمه من ميشيل الى أحمد وقوله في الصفحة (32): “كانت هذه العملية بالنسبة لي وللكثيرين مثل سلخ جلد الانسان عنه”! وهذا التعليق يعني إما أنه جاهل أو مغرض، فعلاقة المرحوم أحمد عفلق، ومنذ اربعينات القرن الماضي، بالإسلام عميقة، ولخص العلاقة بين العروبة والإسلام بقوله (كان محمد كل العرب فليكن كل العرب اليوم محمداً)، فعن أي “جلد مسلوخ” يتحدث نزار، ثم ما الذي استثاره في موضوع الدين، وليس معروفاً عن نزار تدينه، ولم ينشر سجادة الصلاة أمامه يوما، وذكر في الصفحة (17) من المذكرات أن والداه أيضا “كانا لا يصليان يوميا ولكن يفعلان ذلك خلال رمضان”.  

  وإذا احتجت “أم علا” على فرضيتنا هذه فلها أن تقدم للقارئ مقاطع من المسودة المكتوبة بخط يد نزار التي تثبت ان هذه الاستطرادات له.

ثالثا: نصيحة لأسرة المرحوم نزار

           هذا نداء لزوجة المرحوم نزار حمدون، من أجل احترام ذكرى زوجها وصورته أمام شعب العراق والأمة، أن تقول جملة واحدة هي أن مذكرات زوجها جرى التلاعب بها، وأنها لن  تنشر الجزء الثاني والثالث منها. إن التبرؤ من المذكرات سيفرح نزار في قبره، والإصرار عليها سيؤذيه يوم يقوم الأشهاد، إضافة الى أن  اسرة نزار وأبنائها واحفادها سيواجهون بصفات سيئة لجدهم ستتناقلها الأجيال نتيجة ما ورد في هذه المذكرات، ومن بينها:

1-كان نزار رجلاً غير مبدئي:

 فمن يدعي أنه كان معارضا لسياسات حكومته ويبقى يمثلها بأعلى المناصب حتى 2003، ولا يملك الشجاعة للاستقالة من المنصب إنما هو مصلحي ومنافق. فكيف يستطيع نزار أن يمثل نظاما قال عنه في الصفحتين (31-32): “إننا نسير بطريق لا يؤدي إلاّ الى المزيد من الدكتاتورية والدموية والفردية … وممارسة الترهيب والبطش وعبادة الشخصية وطغيان الفرد القائد”. وقال عن مقابلاته مع القائم بالأعمال الأمريكي في بغداد (الصفحة 9): “كنت اتحدث مع ولسون بموقف الدولة الرسمي وأنا اتمزق من داخلي لإني كنت أرى، نتيجة لسيادة المنطق الأعوج والثقة غير المبررة بالنفس،  بأننا سائرين نحو الدمار والكارثة”. وبذات الوقت تنافق الرئيس صدام حسين  في الصفحة (145) بإرسالك برقية الى وازرة الخارجية في 9/2/1987 اقترحت فيها ” إجراء بعض المقابلات الإعلامية للسيد الرئيس القائد مع وسائل اعلام أمريكية وغربية لإعادة التركيز الإعلامي الخارجي على شخصية الرئيس الفذة، ودوره الهام في التعبير عن الاحتياجات الوطنية العراقية وعدالة القضية التي يمثلها”.

2 – كان نزار يروج لمفاهيم غربيةصهيونية:

ورد في الصفحات 289-291 خلاصة لرسالة وجهها الى الرئيس صدام حسين بتاريخ 10/6/1990، اشتكى فيها من بعض الظواهر، ومن بينها “إن زيادة السكان في العراق ستكون بالضرورة قوة مضادة للنهوض والتقدم الاقتصادي والتكنولوجي والغذائي.” وأضاف:”إن التفوق السكاني الساحق للعرب على اسرائيل، الذي لم يعطهم طيلة 43 عاماً من الصراع عشر معشار التفوق العراقي الأخير في التكنولوجيا والصناعة العسكرية”. ويلاحظ ان سياق المقارنة يفترض أن يقول “عشر معشار التفوق الاسرائيلي” وهذا ما كان في ذهنه كما يبدو ثم حولها الى “التفوق العراقي”  وأوقع نفسه في تناقض، فإذا كان العراق متفوق تكنولوجيا فما داعي الحديث عن مخاطر  زيادة السكان؟  ولا بد من الإشارة هنا الى أن إحدى عناصر خشية الغرب والصهيونية العالمية من العرب ومن الفلسطينيين بالذات هي النمو الديموغرافي الذي يقابله ضمور ديموغرافي للغربيين من الجنس الأبيض ولليهود على وجه الخصوص، فماذا أراد نزار تمريره في مقترحه هذا؟

 3-كان نزار عديم الوفاء :

 قيادة العراق، وبالذات الرئيس صدام حسين، كانت كريمة في دعم نزار معنويا وماديا خلال فترة اصابته بالسرطان، فمنذ أول ظهور لأعراض المرض عليه سنة 1985، تكفلت بمواصلة علاجه في الولايات المتحدة كلما عاوده المرض، وآخرها كانت إرساله الى الولايات المتحدة للعلاج  بناء على طلبه قبل الغزو الأمريكي بأسابيع ، واقام في دار سكن الممثل الدائم  في نيويورك، لكنه تنكر لقيادته وقائده ووصف قيادة العراق في الصفحة (181): ب “الزمرة الحاكمة”.

4 –كان نزار جاهلاً بالتاريخ:

 في خضم الحرب العراقية -الإيرانية، انتقد نزار ندوة فكرية أقيمت عام 1982 سخرت من “ولاية الفقيه” وكتب الى الرئيس صدام حسين يقول: “إن نصف العراق يؤمن من المهد وبتلقائية معروفة بعقيدة أساسها ولاية الفقيه” (الصفحة 41). وهذا جهل مطبق من نزار بمعنى ولاية الفقيه، فولاية الفقيه هي فرقة متأخرة من عشرات الفرق في الفكر الشيعي، ثم حولها الخميني الى عقيدة دولة تفرض ولايتها العامة على المسلمين ويصبح فيها الخميني ظل الله على الارض. وشيعة العراق هم الأبعد عن ولاية الفقيه.

5- كان نزار نرجسياً ومغرورا:

في رسالة وجهها الى الرئيس صدام حسين بتاريخ 18/2/1986 مدح نفسه مستشهدا  بما يقال عنه في واشنطن من انه: “ابرز السفراء العرب الذين جاءوا الى واشنطن منذ عقود في النشاط والمقدرة على التأثير”. (الصفحة 145). وقال في الصفحة (189) عن سبب نقله من واشنطن الى بغداد:” أغلب الظن أن النقل قد تقرر بعد التغطيات الإعلامية الواسعة التي حصلت عليها في واشنطن مما لم يروق للقيادة التي كانت تعتمد في الدعاية الاعلام مبدأ كل شيء للقائد وحده”.

هكذا إذاً، غرور نزار وزهوه  الطاووسي جعله يعتقد أن القيادة كانت تخشى منافسته للرئيس صدام حسين. ونسي أن ريش الطاووس الذي يفخر به هو صناعة  “جماعات اللوبي” واشنطن.

6 – كان نزار حقوداً :

عمل نزار وكيلا لوزير الاعلام المرحوم لطيف نصيف جاسم، الذي استخدم الاعلام، وبنجاح منقطع النظير، في تعبئة الجماهير خلال الحرب العراقية-الإيرانية، وساهم في النصر على ايران، ولا زال العراقيون والعرب يتغنون بما انتجه الفنانون العراقيون خلال تلك الفترة، لكن نزار وصف الوزير لطيف نصيف جاسم كان وصفا مخجلاً، إذ قال عن الوزير لطيف في الصفحة (38) :”إنه معروف بالجهل المطبق بكل ما له علاقة بالعالم الخارجي بل حتى بالمجتمع العراقي الحضري كما نعرفه ، ريفي بدوي وغرائزي بكل معنى هذه الكلمات ….. النفاق والتطبيل والتزمير ديدنه، يؤمن بعبادة الفرد أي القائد وتوظيف كل شيء في المؤسسات الثقافية والإعلامية لهذا الغرض”. 

خاتمة

إن هذه التجربة “المريرة” للمرحوم  نزار حمدون هي جرس انذار لأبناء بعض المسؤولين السابقين في الدولة، من الذين كتبوا مذكرات  في ظروف غير طبيعية وتركوا لأهلهم تقرير وقت نشرها. على الأهل أن لا يفكروا في المكسب من النشر وأن يعيدوا النظر فيها، فإن  كانت تخدم الوطن فخيرا على خير، وان كان فيها نكوصا ونفاقا فننصحهم بعدم نشرها احتراما لموتاهم ولسمعة عوائلهم.

والله المستعان

بغداد -في 18 حزيران 2024

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب