الصحافه

إسرائيل عن السنوار: ظنناه “داعش” واتضح أنه حماس.. فعلقنا في كل الساحات

إسرائيل عن السنوار: ظنناه “داعش” واتضح أنه حماس.. فعلقنا في كل الساحات

محور فيلادلفيا مؤشر دال، ولا حاجة للمرء أن يكون استراتيجياً عظيماً ليفهم أن القاطع الرملي الذي يربط غزة بسيناء هو خط حياة حماس. وما دام بوسعها أن تهرب وسائل قتالية عبره، من مال وأشخاص، فسيبقى حياً يرزق. إسرائيل تحتاج إلى مصر لسد محور فيلادلفيا: مصر هي المفتاح. السيسي يبدي استعداداً، وهو مستعد ليس فقط للتسليم بأعمال إسرائيل في المحور الغزي للحدود؛ بل ومستعد لتنفيذ أعمال في جانبه – عملياً، بخلق قاطع أمني موازٍ في الجانب المصري، فيلادلفيا المصري. لكنه يضع شروطاً: تعهد إسرائيلي لمشاركة السلطة الفلسطينية في غزة في اليوم التالي. وهو تعهد يرفضه نتنياهو، بل ويرفض البحث فيه: منذ أسابيع وهو يقوم بكل المناورات الممكنة كي يؤجل البحث.

 ما الذي يحركه؟ هذا سؤال قابل للتفسير: فهل وقعت عليه روح مسيحانية ثم بات يطلب الآن، هذه اللحظة، لقاء بين محور الشر ومحور فيلادلفيا، دخولا للتاريخ بصفته الرجل الذي منع إقامة دولة فلسطينية مهما كان الثمن، أم أن الخوف من انسحاب بن غفير وسموتريتش وضياع حكمه هو الذي سكنه ويرفض الرحيل. ربما التفسيران صحيحان: نتنياهو أكثر إبداعية من كل المفسرين.

 لكن ليس الدافع هو المهم، بل النتائج: نحن عالقون. “عالقون” هو التعبير السائد اليوم في خطاب داخلي في الجيش الإسرائيلي. مثل “المراوحة” فقط مع تفاؤل أقل بكثير. رفض البحث والقرار في اليوم التالي يقضم الأهداف التي حققتها القوات المقاتلة بجهد ودم كثير. لا يقضم فقط، بل يعرض الإنجازات للخطر.

 أمل الجيش في دخول المستوى السياسي للعمل في ثلاثة مواضيع حرجة. الأول، فيلادلفيا والمصريين، وسبق أن ذكرت؛ والثاني قرار حول إدارة قطاع غزة في اليوم التالي؛ والثالث تنفيذ قرار 1701 في جنوب لبنان. والمواضيع الثلاثة يتعلق أحدها بالآخر. وسأشرح.

 تعمل الإدارة الأمريكية منذ بداية الحرب على خطة لليوم التالي، بدايتها في غزة ونهايتها تطبيع إسرائيلي – سعودي. والفكرة الأساس إقامة قوة متعددة الجنسيات أو عربية متعددة تحكم القطاع مؤقتاً، من نصف سنة حتى سنة، وتستبدل تدريجياً بجهاز فلسطيني محلي في إطار سلطة فلسطينية جديدة، مرممة.

 تستوجب الخطة انسحاب قوات الجيش من معظم القطاع أو كله. اللغم الأساس فيها هو الدور الفلسطيني. فقد أعلن نتنياهو على الفور بأنه لن يسمح بإقامة “فتحستان” في غزة. ومن بدون سيطرة فلسطينية في الأفق، فلا مصلحة للدول العربية في إرسال جنود أو استثمار مال في إعمار غزة. بهذا ذهب الإعمار وذهب التطبيع أيضاً.

 حسب تقارير الأمم المتحدة، تقف غزة الآن على شفا المجاعة. مليونا نسمة في ملاحقة يومية إثر الطعام. من يوزع الطعام والأدوية هو المتحكم. هذه هي الضائقة وهذه هي الفرصة.

 في شمال القطاع كان يفترض الآن تنفيذ مشروع تجريبي، تجربة في إدارة ذاتية بدون حماس. رفض نتنياهو البحث وهو قرار أحبط الخطوة.

 لكن لا فراغ في الحياة؛ ففي هذا الأسبوع فتحت سوق في جباليا. تبقى هناك في هذه اللحظة 100 – 150 ألف نسمة، ويحتاجون إلى الطعام. أدار السوق رجال حماس غير المسلحين. ووقفت وحدات الجيش الإسرائيلي جانباً. تقول الأوامر إنه لا يجب إطلاق النار على أشخاص غير مسلحين، إلا إذا كانوا في المستوى العالي لمنظمة الإرهاب. إن فتح السوق دل على بداية عودة حماس إلى شمال القطاع، وبداية سيطرة مدنية، بعد ذلك عسكرية. الأنفاق لا تقيم حكماً بل الاحتياجات اليومية للناس. أما إسرائيل فركزت على الأنفاق.

 عاموس هوكشتاين، المبعوث الأمريكي، أنهى جولة عقيمة أخرى من المحادثات في بيروت وتل أبيب. تسعى الوساطة الأمريكية للوصول إلى اتفاق يحرر الأموال لإعمار لبنان ويعيد فتح المفاوضات على مزارع شبعا، وبالمقابل يسحب “قوة الرضوان” إلى ما وراء الليطاني. نصر الله على حاله: ما تتوقف النار في غزة، فلن يسمح باتفاق في بيروت. الأمريكيون يشتبهون بنتنياهو بأنه ينوي جرهم إلى حرب في إيران. أما هم فيسمعون من نتنياهو رؤيا ما، ومن غالنت رؤيا أخرى، ومن غانتس رؤيا ثالثة.

 يؤمن الجيش بأن اتفاقاً يتبنى مطالب قرار 1701 لمجلس الأمن من جديد، إضافة إلى مرابطة قوة بحجم فرقة على طول الحدود، سيعيد السكان إلى بيوتهم. هذا سيحصل بالتدريج، بعد فترة هدوء.

 لكن ما دام القتال في غزة متواصلاً، فلا اتفاق في لبنان. تبادل النار يشتد، والخطاب في الطرفين يدفع نحو الحرب. إذا نشبت الحرب فستكون مبررة تماماً، لكن في نهايتها، بعد أن نعيد لبنان إلى العصر الحجري كما وعد غالنت، وهم سيشددون ضرباتهم في جبهتنا الداخلية، سنصل إلى النقطة ذاتها بالضبط: قرار 1701 الذي يسحب قوات حزب الله إلى ما وراء الليطاني.

 نحن عالقون في المخطوفين أيضاً. فقد تبنى الجيش الإسرائيلي المفهوم القائل إنه كلما استخدمنا قوة أكثر، سنحصل على مخطوفين أكثر. أتاح المفهوم عرض الهدفين المعلنين للحرب (تصفية حماس وتحرير المخطوفين) كهدف واحد. كان هذا مريحاً، لكنه ليس صحيحاً بالضرورة. بعض من المخطوفين قتلوا من أعمال الجيش الإسرائيلي، ما يسميه رجال القانون بتعبير لا يطاق، “جوانب هامشية” لأعمال الجيش. لا أدلة على أن الضغط العسكري سيليّن السنوار، خصوصاً الآن.

 الخطأ الاستراتيجي كان في عدم فهم قدرات السنوار ومنظمته. هذا الخطأ جلبنا إلى إخفاق 7 أكتوبر. حتى بعد الإخفاق، افترضنا أنه بعد مرور بضعة أيام، سيخرج الحماسيون بجموعهم من فوهات الأنفاق، بصدور مكشوفة وبأعلام بيضاء. تبين أنهم قتلة، مغتصبون، جهاديون متعطشون للدماء، لكن فيهم حصانة، وبخلاف ما يثرثره لنا مقدمو البرامج التلفزيونية؛ يهمهم مصير السكان.

 لقد قدمت إسرائيل سلسلة من التنازلات في غزة. قلنا إننا لن ندخل لتر وقود واحداً، فأدخلنا مئات آلاف اللترات. وقلنا إننا سنقطع غزة عن إسرائيل ففتحنا معبر كرم سالم. قلنا إ لن ندخل مساعدات إنسانية وأدخلناها… والآن نستجدي المزيد. مثلما قال وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في دافوس هذا الأسبوع، كل هذه التنازلات قدمتها إسرائيل تحت ضغط أمريكي. لم نتمكن من استخدام الأوراق التي بين أيدينا لننزع مزيداً من المخطوفين من بين يدي السنوار. اعتقدنا أن مصلحة السكان لا تهمه. ظننا أنه “داعش”؛ تبين أنه حماس.

 هذا صحيح اليوم أيضاً. وجود الجيش الإسرائيلي في خانيونس وعودة المواطنين إلى شمال القطاع هما الأوراق التي يمكن استخدامها في المفاوضات. على أي حال، نحن في الطريق إلى الخارج؛ وبتنا نعي أن حماس لن تختفي، ولا حتى في السنة القريبة القادمة، وإطلاق الصواريخ أيضاً سيستمر بهذه القوة أو تلك. فليحرروا المخطوفين على الأقل.

 الاستنتاج: لكل قرار تتخذه إسرائيل ثمن، لكن عدم القرار هو القرار الأخطر. لشدة الأسف، عدم القرار هو الطبيعة، الجوهر، استراتيجية رئيس وزراء إسرائيل.

  ناحوم برنياع

 يديعوت أحرونوت 19/1/2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب