«جمهورية فلسطين» حلم يقترب من الحقيقة… والمشكلة في تعدد الناطقين باسمها

«جمهورية فلسطين» حلم يقترب من الحقيقة… والمشكلة في تعدد الناطقين باسمها
القاهره /حسام عبد البصير
استحوذ الحديث عن اللحظة التي ستغادر فيها حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، اهتمام الكثيرين، بعد أن استحكمت الأزمة حول رقاب الملايين، ويأمل الكثيرون أن يتولي حقيبة رئيس الوزراء المقبل من يمتلك الموهبة والقدرة على التعامل مع الملفات الكارثية التي وصلنا إليها، خاصة الغلاء وانهيار قيمة العملة لأدنى مستوياتها وسائر الملفات الاقتصادية.
وأكد الإعلامي خيري رمضان، نقلا عن مصادر حكومية أن «أزمة الدولار ووجود سعرين للصرف سوف تنتهي في غضون أسابيع»، مشيرا إلى رفض الجهات المسؤولة الإفصاح عن الحلول، خشية أن يؤدي ذلك إلى نتائج سلبية. وقال عبر شاشة قناة «المحور» نقلا على لسان المسؤولين: «لن يكون هناك سعران للدولار، ولن يكون هذا السعر الحالي في السوق الموازية أبدا، ولن يكون هناك تعويم». وأشار إلى تبني الحكومة بدائل لتحرير سعر الصرف الكلي «التعويم»، مثل سعر السوق المرن، أو التحريك الجزئي، قائلا «هذا الكلام يعني أن الحكومة متأكدة من وصول 20 إلى 25 مليار دولار إليها خلال أسابيع؛ من أجل السيطرة على السوق وتدبير الدولار». وتساءل الإعلامي «الدولار راح فين؟» مجيبا بنفسه، «الدولار راح في الحرب.. وراح في الوباء».
وفي سياق المحاولات الرامية لاستدعادة الآثار المسروقة قال الدكتور زاهي حواس عالم المصريات، ووزير الآثار الأسبق، إن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونيسكو» أعطت غطاء قانونيا لعدم استعادة الآثار المهربة والمسروقة. وكشف خلال لقاء مع الإعلامي أسامة كمال، أن يونيسكو وضعت مجموعة من القوانين «السيئة»، مستشهدا بالقانون الذي ينص على عدم إعادة أي آثار مسروقة ما قبل عام 1972. وأشار إلى أن مزادات البيع لا تفصح عن مصادر الآثار، مشددا على أهمية بذل العديد من الجهود للحفاظ على الآثار المصرية وإعادتها مرة أخرى إلى المتاحف الوطنية. وناشد وسائل الإعلام تبني موضوع استعادة الآثار المصرية من المتاحف العالمية قائلا، إن توقيع مليون مصري على الوثيقة التي أطلقها للمطالبة بإعادة حجر رشيد، سيكون له تأثير على الرأي العالم العالمي.. وأوضح أن الوزارة عقدت اجتماعا معه منذ أسبوعين لمتابعة الملف، معقبا: «أنا لا أرغب إلا في الوقوف إلى جواري ودعمي، كما طالبت خلال الاجتماع بعودة المؤتمر الثالث للآثار، الذي أطلقه الوزير الأسبق خالد العناني». وأضاف، أن المتحف المصري الكبير من أعظم متاحف العالم، مشيرا إلى أن عامة الشعب في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا يتساءلون عن موعد افتتاحه. وطالب بعرض 3 قطع أثرية مهمة في المتحف الكبير، وهي: رأس نفرتيتي وحجر رشيد والقبة السماوية، وأن تلك القطع معروضة في المتاحف الأوروبية الآن، وأوضح أنه دخل في مناظرة في جامعة أكسفورد للتشديد على أهمية استعادة جميع الآثار المصرية، وتوقف المتاحف عن «الممارسات الاستعمارية». وأن مدير المتاحف في أوروبا زعم أن مصر لا تمتلك متاحف جديدة، وصرح بأن الآثار ستسرق منها إذا قامت ثورة في البلاد. ورد على مدير المتاحف الأوروبي مؤكدا أن مصر تمتلك متاحف عظيمة كمتحف الحضارة والمتحف المصري الكبير، كما أنها تمكنت من استعادة 52 قطعة آثار سرقت من المتحف المصري بالتحرير عقب ثورة 2011.
خرافة قديمة
أبرز مظاهر خداع الذات لدينا أننا ما زلنا نتحدث عن سوق سوداء للعملة في مصر، وفق التعبير الذي تم صكه منذ الستينيات. كانت تجارة السوق السوداء، كما أخبرنا مصباح قطب في “المصري اليوم” في الدولار كتجارة المخدرات في الميزان الأخلاقي للجمهور العام… وكان يصادف أحيانا مرور رجل من النوع المريب بالقرب من جالسين على مقهى أو تجمع ما، فينبري أحدهم هامسا للجميع: ده تاجر عملة، مُحمِّلا همسه بكل شحنة الإدانة الممكنة أو الواجبة. كانت تجارة العملة أيضا عملا منتشرا بدرجات، لكنه شائن، وتمارسه قلة هنا أو هناك، وهي ذات خلفية اجتماعية معينة أو سوابق. كانت محاصرة هذا النشاط بشكل أساسي مهمة البوليس، وقليلا ما تدخل البنك المركزي، لكن دور الأخير برز فقط عندما زحف أصحاب شركات الصرافة، والإخوانجية منهم بخاصة، إلى هذا المجال، وتوسعوا فيه وزادوا بأن قدموا خدمات لتهريب العملة بالعمولة، وعندها تدخل «المركزى» ضدهم باعتباره المنظم ومانح التراخيص.تحركت تجارة العملة في الأساس لتلبية طلبات فعلية لأغراض السفر والعلاج والدراسة بالخارج لأفراد أو أسر، أو جلب بضائع للأثرياء من لبنان إلى شارع الشواربى وأشباهه، وحتى مع تطوره بظهور دور شركات الصرافة والإخوان في التسعينيات وما تلاها، ظل حجم الكتلة التي تدور في فلك تلك التجارة محدودا، ولو أن النشاط نفسه ظل مزعجا لأجهزة الدولة لأنه تشابك مع مخاوف أمنية مشروعة من تغذية الإرهاب.
المسؤول يحاسب
لا يختلف اثنان على أن اقتصادنا الوطني يمر بأكبر أزمة تواجهها الدولة، الأمر الذي يتطلب من وجهة نظر محمود الحضري في “المشهد” رؤية جديدة لا ينفذها من تسببوا فيها، ولا يمكن الاعتماد على أفكار من أغرقوا البلاد فيها. ومن مظاهر الأزمة تراجع مؤشر مصر على معظم مؤشرات وكالات التصنيف العالمية، التي تعتمد على مجموعة من العوامل، منها سياسية، واقتصادية، وبينها ما يتعلق بإنفاق الديون والقروض التي حصلت عليها الدول، وهل تم توجيهها إلى أدوات تنمية وإنتاج، وتشغيل عمالة وفرص استثمار حقيقية، أم لسداد ديون، وعلى قطاعات غير إنتاجية وبالأساس خدمية. وهناك عوامل تتعلق بطرق الاستدانة، ومدى تحميلها لأعباء جديدة على اقتصاديات الدول، بخلاف سعر الفائدة المعمول به في أدوات الديون وفي البنوك، علاوة على سعر العملة القومية للدول، ومعدلات التضخم، ونسب البطالة، والأهم حجم التدفق الاستثماري المحلي للداخل، وأسباب هروبه للخارج. ولا يمكن أن نقلل من الأهمية النسبية لتصنيف اقتصاد الدول على مؤشرات الوكالات العالمية، ولا نتعامل معها باستخفاف، ونقلل من التعامل معها والعمل على إصلاحها، لأن العوامل التي تعتمد عليها مؤشرات التصنيف هي إقرار واقع، والأهم هو معالجة كل مظاهر الخلل الاقتصادي التي أظهرتها أسباب تراجع التصنيف على مؤشرات تلك الوكالات. من هنا يأتي الحديث عن جدوى طرح الحكومة التي تسببت في الأزمة “روشتة” حلول لها، تحت عنوان “أبرز التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري للفترة الرئاسية الجديدة 2024-2030″، لأنها حتما ستكرر السياسات نفسها التي أغرقت البلد في الأزمة، والطبيعي أن يأتي آخرون لإدارة “حكومة أزمة” في السنوات المقبلة، برؤية واقعية تعيد هيكلة الأوضاع الاقتصادية بالشكل الصحيح.
المقبل صعب
حتما والكلام ما زال لمحمود الحضري سيكون هناك عبء كبير على من سيأتي في المرحلة المقبلة، فالمسؤولية صعبة جدا، ولكنها تحتاج لصلاحيات في اتخاذ القرارات، دون تدخلات غير اقتصادية وفرض قرارات، فالوضع لم يعد يحتمل أي مغامرة. وقبل أيام ولأسباب اقتصادية بنسبة مئة بالمئة، أعلنت مجموعة الشايع الكويتية عن تقليص عدد متاجرها في مصر، وهو مؤشر خطير يحتاج إلى مناقشة اقتصادية حول أسباب تقليص أو خروج مستثمرين باستثماراتهم من مصر. قد يقول البعض إن هذه النوعية من الاستثمارات ليست إنتاجية أو صناعية، لكن الرد أن دولا كثيرة تعتمد في معظم اقتصادياتها على هذه النوعية من الاستثمار التجاري، ثم إن الأسباب التي أعلنتها المجموعة الكويتية، ستأخذها مؤسسات التصنيف العالمية مأخذ الجد، وتضمها إلى تقاريرها، الأمر الذي سيؤثر على موقع مصر ضمن مؤشرات تلك المؤسسات، بخلاف ما قد يؤدي ذلك إلى فقدان الثقة في الاقتصاد المصري. ومن المؤكد أن “الشايع” اتخذت قرارها بعد دراسة، لتقرر تقليص عملياتها في مصر، بسبب الوضع الاقتصادي بخفض عدد المتاجر التي تديرها في البلاد، بغلق 60 متجرا بحلول الأول من مارس/آذار المقبل، والأخطر التخلي عن 450 موظفا، من خلال سحب 5 علامات تجارية بالكامل ومنها “مذركير، دبنهامز، بينك بيري، كليرز”، وتقليص عدد من العلامات التجارية ومنها H&M التي سيتم الاكتفاء بسبعة فروع لها فقط، وفيكتوريا سيكريت وأمريكان إيغل. ولا شك في أن عودة الشايع للسوق المصري مرة أخرى مرهون بتجاوز كل الأسباب التي دفعتها لاتخاذ قرارها. وهذا يعني أن تحرير سعر الصرف أصبح مطلبا دوليا، ومن كل المؤسسات، رغم مخاطره الكبيرة على المواطن، الذي يتحمل في النهاية عبء كل الإصلاحات، وأخطاء الحكومة المتراكمة التي وصلت بالدولة للأزمة الراهنة.
اللحظة المفصلية
هذه لحظة من وجهة الدكتور أسامة الغزالي حرب في “الأهرام” قد تكون مفصلية، في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني من أجل إقامة دولته المستقلة فبعد العدوان الإسرائيلي الغاشم، غير المسبوق، على غزة، الذي تلاحقه الآن دوليا التهمة الشائنة بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، يفرض الآن حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة نفسه على العالم كله، كما لم يحدث من قبل، في إطار فكرة حل الدولتين. وتعالت أصوات عديدة في العالم تدعم تلك القضية: سمعناها أكثر من مرة على لسان جو بايدن رئيس الدولة الأعظم في العالم، والراعي والداعم الرئيسي لإسرائيل على الإطلاق، وسمعناها من جانب دول أخرى عديدة في العالم مثلما لخصته دعوة جوزيب بوريل منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الذي صرح مؤخرا بأن حل الدولتين، يجب أن يفرض من الخارج من أجل السلام في المنطقة. وأن الحل الوحيد هو وجود دولتين، فلسطينية وإسرائيلية، تقتسمان الأراضي التي قاتلوا من أجلها منذ مئة عام. أما إسرائيل، فقد كررت بصلافة وعجرفة شائنة، على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو رفضه إقامة دولة فلسطينية، في سيناريو بعد انتهاء الحرب. ولكن ما هو رأي فلسطين نفسها؟ ألا ترون أن وقع الكلمة يبدو غريبا غير مألوف؟ لأن هناك عشرات الأطراف تتحدث باسمها. نعم لدينا الرئيس الفلسطيني محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المخضرم، الذي أعلن استعداده لتحمل مسؤوليات الدولة الفلسطينية الواحدة، ولدينا أيضا رئيس الوزراء المتميز النابه محمد اشتية.. ولكن لدينا أيضا حركة حماس، التي انفردت بقرارها وطوفانها على إسرائيل، ولدينا المنظمات الأخرى المتعددة المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية، أو ما يسمى الغرفة المشتركة، إلخ. أتمنى أن يخفت صوت هؤلاء جميعا لنسمع أساسا اسم فلسطين ليعلو فوق كل الأسماء. نعم.. جمهورية فلسطين.
بوركت أياديهم
قليلة هي السنوات والأحداث التي تعتبر مفصلية في التاريخ الإنساني، وتُحدث تغييرات جذرية واستدارات تقاس بزوايا تامة الانفراج، كما يخبرنا السفير الفلسطيني في نيجيريا عبد الله أبوشاويش في مقاله في “بوابة أخبار اليوم”: مقتل ولي عهد النمسا فرانز فرديناند وزوجته يعتبر حدا مفصليا، لأنه تسبب في الحرب العالمية.. عام 1979، يعتبر عاما مفصليا وأدى إلى تغيير التاريخ، ففيه قامت الثورة الإيرانية وانزاح رجل الغرب بامتياز عن صدارة المشهد الفارسي، وفيه غزا الاتحاد السوفييتي أفغانستان، خطوة أسست لانهياره في ما بعد، وفيه أيضا وقّعت مصر معاهدة السلام مع إسرائيل، وأسقطت مخرجات قمة اللاءات الثلاث، وغيرت جذريا مفاهيم الحرب والسلام في الشرق الأوسط. يمكن القول – وبكل أريحية – إن السبت الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2023 شكّل حدا مفصليا في التاريخ الإنساني، على الرغم من أن تبعاته الملتهبة لا تزال قائمة، وحتى ينقشع غبار جنازير الدبابات وتبرد سبطانات المدافع، فإنه من المبكر جدا – إن لم يكن من المستحيل – استطلاع نتائجه كاملة الآن، ذلك لأن مصدر معلوماتنا الأول هو ما تتناوله الصحف ووسائل الإعلام حول العالم، وهذا بالطبع لا يعكس بالضبط ما يُدبّر بليالي الفنادق والاجتماعات السرية والقنوات الخلفية للعمل السياسي بين اللاعبين، إلا أن هذا لا يمنعنا من محاولة استشراف المستقبل والحديث عنه، حتى إن أعلن – وَسَيُعلن – أي من طرفي الحرب لجمهوره ومؤيديه أنه المنتصر، فالحقيقة الدامغة أن الجميع خاسر، والحقيقة الأكثر إيلاما أن “الجميع”، هنا تتخطى إسرائيل والفلسطينيين الطرفين المباشرين في هذه الحرب، فالكل غارق حتى أذنيه في هذا المستنقع المميت، فلا دول الإقليم بمنأى عما يحدث الآن، أو في المستقبل، ولا أوروبا ولا الأمريكتين بشمالها وجنوبها، الجميع متورط حاضرا، وخاسر مستقبلا، وإن حاول تبرئة نفسه فلا مجال لذلك، جميع مبررات الكون لن تضمن النجاة لأحد، فالصمت وحده تواطؤ، وغض الطرف عن تاريخ الصراع تواطؤ، والقبول منذ زمن بالمزيد من المسكنات، بدلا من الحلول الجذرية، أوصل الجميع لأن يكون مدانا وبسهولة ويمكن إثبات ذلك.
متخمون بالعزم
المسافة صفر دخلت، كما قال السفير الفلسطيني عبد الله أبو شاويش قاموس الوعي الشعبي الجمعي، العربي والإسلامي والعالمي، والجرأة منقطعة النظير التي أبداها أفراد الفئة القليلة ستظل محفورة للأبد في أذهان الجيل الجديد، الذي يَتوقُ لأن يكون له دور في المسافة صفر، صحيح أنه بعيد جغرافيا عن تحقيق ذلك، ولكن هناك الكثير من الوسائل التي ستمكنه من الالتحاق بالركب، حتى لو بدور جامع الحطب وحمّال الماء، أدوارٌ بسيطة يمكن له أن يلعبها في كل الساحات العالمية، المهم أن يشعر بأنه مشارك في المعركة، ومثلما صارت الكوفية الفلسطينية رمزا للكفاح، ومثلما صورة أرنستو تشي جيفارا أيقونة للحرية تزين صالونات ومقاهي اليساريين والمثقفين وأشباه المثقفين، فإن أصحاب المسافة صفر صاروا – رغبنا أم كرهنا – أيقونة للحرية والتحرر، وضد كل ما هو صهيوني. في أوروبا وأمريكا الشمالية، بين كارهي اليهود من أصحاب الموروث الأوروبي القديم المقزز – ويبدو أنهم كُثر- أصبحوا رمزا لهم أيضا حتى إن اختلفوا دينيا معهم. الأيقونة دوما ترسخ في التاريخ ولا يمكن محوها، انظروا إلى الأيقونة ياسر عرفات، باتريس لومومبا، نيلسون مانديلا، جيفارا، الهواري بومدين، عبد الناصر والقائمة تطول. الهجوم القاتل الذي شنته الفئة القليلة على التحصينات الإسرائيلية، أسقط العديد من المفاهيم وأحيا في المقابل ضدها وعلى رأس هذه المفاهيم المُسقطة، أن إسرائيل قوة لا تقهر. وأثبت بدائيو التسليح – مقارنة بإسرائيل – المتخمون بالعزم والعزيمة للقتال عكس هذا المفهوم تماما. ساعات طويلة مرت بعد السادسة والنصف صباحا، هُزمت فيها إسرائيل هزيمة نكراء لا يمكن لها أن تُمحى، هزيمة تعتبر بالمفهوم العسكري أكثر قوة وأشد تعقيدا من أي هزيمة أخرى، على الأقل مقارنة بما نعرفه نحن، ولعل أحشاء التاريخ طوت هزائم أشد وطأة لا نعلم – لقلة اطلاعنا – عنها. الفئة القليلة المحاصرة منذ ما يقارب العقدين وبالإمكانيات البدائية أخذت وبلمح البصر ولسويعات قليلة جدا ثارات قديمة للعرب عند دولة إسرائيل. وعند الحديث عن الثأر، علينا أن نعترف بأن هذا موروثٌ أصيل في الثقافة الإنسانية وذاكرة الشعوب العربية الجمعية المليئة بالمآسي التي خلقتها إسرائيل على مدار عمرها الممتد منذ سبعة عقود ونيف. أقول إنهم وبالإمكانيات البسيطة أثبتوا أنه جيش بالإمكان هزيمته وحصل ذلك. هذه الهزيمة عززت سؤالا خطيرا في عقول الشرق أوسطيين والمناصرين للقضية الفلسطينية عامة، ماذا كنا نفعل طوال العقود الماضية.
تخاريف بايدن
بين الحين والآخر، والكلام للدكتور محمد حسن البنا في “الأخبار” يفيق الرئيس الأمريكي جو بايدن من سكرته ويهذي عن الدولة الفلسطينية التي يراها منزوعة السلاح، ويتواصل مع رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو لتحديد شكل وهوية الفلسطينيين في الدولة المزعومة، ثم يتوه ويعود ليقول: أحد أسباب هجوم حركة «حماس» على إسرائيل، كان رغبة الولايات المتحدة في تطبيع العلاقات مع الدول العربية. وأن الأسباب وراء أفعال الحوثيين، والسبب وراء قيام حماس بما فعلته «في 7 أكتوبر/تشرين الأول» هو أنني كنت سأحصل على صفقة التطبيع الكامل للعلاقات مع إسرائيل، وإشراك ست دول عربية أخرى لتغيير الديناميكيات في المنطقة». بايدن يتحدث عن مخططه الشيطاني الذي طرحه في قمة مجموعة العشرين عندما اجتمعت في نيودلهي العام الماضي، والذي يتضمن مشروع إنشاء ممر يربط الهند بدول الشرق الأوسط وأوروبا، ويشمل «خط سكة حديد» من الرياض ثم الأردن ثم إسرائيل وصولا إلى إنكلترا تحت الماء». يعترف بايدن بأنه يحاول استخدام مخططه كوسيلة ضغط على نتنياهو للموافقة على دعم الخطط الأمريكية لليوم التالي للحرب في غزة. ويسعى البيت الأبيض لمحاولة إنجاز مثل هذه الصفقة بحلول الربيع، قبل أن تطغى حملة الانتخابات الرئاسية على جدول بايدن بالكامل، يعتقد مسؤولون أمريكيون كبار آخرون أن هذا مستحيل في ظل المناخ السياسي الحالي في المنطقة. من المؤكد أن القيادات العربية لن تتنازل عن إقامة الدولة الفلسطينية قبل السير في أي مفاوضات للتطبيع.. والدولة الفلسطينية تعني حدود 4 يونيو/حزيران 1967، وهذا يحتاج أولا إلى وحدة الصف العربي، ووحدة الشعب الفلسطيني تحت قيادة واحدة. لا مانع من وجود فصائل أو أحزاب لكن المهم أن تكون ملتزمة بقيادة وسلطة تحكم الدولة الفلسطينية.. ثبت أن التشتت والتشرذم يضر بالقضية، وهو ما يستغله العدو الصهيوني. أتمنى من قادة الفصائل أن ترحم شعبها.
الحل هناك
لا يكاد الدكتور مدحت نافع في “الشروق”، يسأل أحدا من الأصدقاء عن ابنه أو ابنته، إلا علم أنهما في مكان ما عبر الحدود، إما لتلقي العلم ونيل شهادة فاخرة، أو للهجرة والعمل في الخارج براتب بالعملة الصعبة.. البيوت في محيط معارفي تبدو فارغة كئيبة، تحن إلى الصغار الذين غادروها إلى أجل لا يعلمه إلا الله. يتجرع مرارة الفراق والغربة الأبوان، بينما يتلهى الأبناء قليلا في خوض تجارب جديدة، يدركون بعد فوات سكراتها أنهم فقدوا الكثير مما لا تعوضه الشهادات والمراتب. لم تكن تلك الظاهرة قد تفشت في البيوت المصرية حتى سنوات قريبة، صار استيراد خدمات التعليم من الغرب عبئا كبيرا على موارد البلاد من النقد الأجنبي، وصارت منظومة التعليم الجامعي في مصر طاردة للطلاب إلا في القليل من الكليات ذات التصنيف العالمي المتميز.. المشكلة الأكبر تكمن في أن نوعية التعليم الذي يتلقاه هؤلاء الأبناء في الخارج، ودرجة الاحتكاك بأسواق العمل كمتدربين أثناء فترة الدراسة، تجعل من الصعب عليهم العودة لمزاحمة المنتج التعليمي المحلي، على فرص عمل غير مناسبة، نظير رواتب غير مجزية، خاصة إذا ما قورنت اليوم بأي راتب في الخارج بالعملة الصعبة، وبعد تراجع الجنيه المصري إلى مستويات غير مسبوقة. وكأين من أسرة خلت أخشى أن يأتى اليوم الذي يتعين عليّ فيه إرسال ولديّ إلى جامعة أوروبية أو أمريكية لتلقي العلم، كي لا يتوقف طموحهما عند ما هو متاح في السوق المحلية من تعليم وفرص عمل منخفضة التنافسية. التكلفة أكبر مما يظن الكثيرون، فهي تتخطى تكاليف السفر والإقامة ومصاريف الجامعة، التي يجب سدادها بالدولار أو اليورو على ندرتيهما.. التكلفة تتحملها الأسرة أولا من مرارة الشعور بالغربة والفراق، وتتعدى إلى الوطن كله الذي ربما يكسب بعض الدولارات من تحويل عامليه في الخارج، إن هم استقروا هناك بعد نيل الشهادة، لكنه بكل تأكيد يخسر إنتاجية هؤلاء المهاجرين إلى الأبد، وهي فرصة بديلة باهظة الثمن..
رغبة ملحة
يظن البعض حسب الدكتور مدحت نافع أن تصدير خدمات العمل، بأي شروط وبأي كيفية، يحقق أهدافا اقتصادية مرجوة، وهو استنتاج منقوص، يغفل ما تخسره البلاد من عملية تصدير أو تسرب العقول النابهة إلى الخارج، مثل ذلك التصدير لخدمات العمل، كمثل أي نوع آخر من التصدير السلعي أو الخدمي، لا يكون مفيدا إلا إذا كانت البلاد المصدرة تحقق قدرا من الاكتفاء الذاتي من السلعة أو الخدمة المصدرة. الواقع في مصر اليوم خلاف ذلك، فمصر تعاني نقصا شديدا في المهارات المؤهلة للقيادة والإبداع. هذا النقص يأتي في سياق رغبة ملحة في تحقيق معدلات نمو مرتفعة مستدامة، وتنمية شاملة، تنتقل معها الدولة من موقعها بين دول العالم الثالث، إلى الأسواق الناشئة الأوفر حظا، كمرحلة أولى، ثم إلى دولة الرفاهية الجاذبة للسكان من مختلف البقاع. وتقدر إحدى الدراسات (عبدالباقي 2009) إجمالي خسائر هجرة العقول المصرية خلال الفترة من عام 1998 إلى عام 2007 بنحو 12 مليار جنيه مصري في عام 1998، صعدت تلك الخسائر إلى 20.4 مليار جنيه في عام 2004 ثم 30.7 مليار جنيه عام 2007. في حين سجلت الإيرادات الناتجة عن تلك الهجرة ما قيمته 5.8 و9.7 و14.6 مليار جنيه مصري في السنوات نفسها على التوالي والترتيب. أي أن الخسائر الناتجة عن هجرة العقول النابهة كانت دائما أكبر من مثلي قيمة المكاسب. إن التحديات التي تؤثر على مصر في مواجهة هجرة العقول وإقامة المصريين المؤهلين في مختلف الدول المتقدمة، هي تحديات بارزة وجوهرية، خاصة في ضوء الحاجة إلى تحقيق أهداف الإصلاح الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، وحال صعوبة التواصل مع تلك العقول وجذبها مجددا للإثمار داخل الحدود.
احذروا السجين
حذّر الشيخ عبد العزيز النجار، أحد علماء الأزهر الشريف، من الانتهاكات التي يحتوي عليها الجزء السابع من فيلم الرعب الإندونيسي «سجين»، قائلا، في تصريحات نقلها محمد أباظة في صحيفة “الوطن”، إن الخطورة الكامنة في الفيلم أولها في استخدام القرآن الكريم كآيات مع الموسيقى، واستخدامها كأنها طلاسم بطريقة معينة، وإظهار القرين كأنه يظهر خلف من يصلي. وأضاف، أن ترسيخ فكرة وجود سحر أسود وغيره، وأن من يشاهد الفيلم يصيبه هذا السحر عندما يقرأ الطلاسم، كل هذا نوع من الخرافات التي ينبغي الابتعاد عنها، مشددا على احترام القرآن؛ لأنه منهج حياة ودستور أمة، وينظم للناس حياتهم، وليس من أجل أن يستخدم في السحر والشعوذة. وأكد، أن بعض المعلقين من السحرة والمشعوذين هم الذين يروجون للفيلم، ولكن الفيلم في حد ذاته فيه تجاوزات كثيرة من الناحية الشرعية، فضلا عن الترويج لأن من يشاهده يصيبه السحر إلى آخره، وهو أمر غير حقيقي وبعيد عن الدين. وأن مثل هذه الأفلام ينبغي أن تُنظر فيها آراء العلماء المخلصين المجتهدين، وإذا أجاز العلماء فلا بأس، وإذا وجد أن العلماء يتناولونها بالنقض والتجريح ومخالفة النصوص الشرعية، بالتالي عليهم أن يبعدوا أبناءهم عن مشاهدة مثل هذه الأفلام. وتابع، لعل البعض يحدث ضجة حول الفيلم كنوع من أنواع الدعاية السريعة التي تجعل البعض يريد أن يشاهده كي يتعرف على حقيقة هذه الادعاءات التي تنتشر حول هذه الأفلام. ووجه النجار رسالة إلى الأسر وأولياء الأمور، قائلا إنه ما دام أن العلماء قالوا كلمتهم بأن هناك مخالفات، فليس من داع لمشاهدة الفيلم، خاصة أن المقاطعة تجعل هذه النوعية من الأفلام تحقق خسائر ولا يلجأ المنتجون لإنتاجها مرة أخرى، بينما المشاهدة تحت أي مسمى تحقق أرباحا للمنتج، وتجعله يكثر منها.
ليه يا صلاح؟
أثارت أزمة مغادرة محمد صلاح لاعب المنتخب لمعسكر الفريق الوطني والعودة إلى ليفربول لاستكمال علاجه من الإصابة، جدلا كبيرا. واهتم بالموضوع أحمد أسامة في “المصري اليوم”: علق المحلل الكروي خالد بيومي، عبر حسابه الرسمي موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «كنت أتمنى بقاء صلاح مع منتخبنا بعيدا عن المشاركة، ولكان دعما نفسيا ومعنويا لفريق يحتاج إلى كل اسم من الأسماء الكبيرة». وخلال المنشور الخاص به وجه رسالة إلى نجم المنتخب الوطني وليفربول الإنكليزي قائلا: «صلاح.. منتخبنا أهم من ليفربول، أهم من إصابتك، بقيمتك واسمك الكبير، كان من الممكن أن يأتي فريق طبي من فريقه ليفربول للعلاج للحفاظ على اللاعب أمام جماهيره في مصر». وأشار خلال حديثه أن إعلان القرار من خلال ليفربول قبل الاتحاد المصري لكرة القدم، هو دليل على ضعف من يدير كرة القدم في مصر. وذكر أن هناك أمثلة للاعبين استمروا مع منتخباتهم بعد الإصابة، أقربها نصير مزراوي مع المغرب، الذي رفض العودة إلى بايرن ميونيخ واستدعى طبيب الفريق الألماني لمعالجته واستمراره لدعم منتخبه الوطني. واختتم بيومي معلقا: «مصر ومنتخبنا يحتاج إلى تضحية مهما كانت الأسباب.. بالتوفيق للمنتخب اليوم في أصعب وقت، ولكننا نثق في كل أولاد مصر».
سيدة التوقعات
يبدو أن عمرو أديب في برنامجه «الحكاية» أراد مفاجأة الجميع، وقرر دمج مناهج العلوم السابقة، وما يؤثر فيها مع علم الفلك والتنجيم، وسأل ليلى عبد اللطيف المعروفة بـ«سيدة التوقعات»، عن «إلهامها» بشأن مستقبل الاقتصاد والجنيه المصري في 2024؟ لتبتسم «سيدة التوقعات»، وفق ما أخبرنا به أشرف عزب في “الوفد”، ثم تفتش في الأوراق، لتخبرنا أن الجنيه المصري سيتعثر بسبب التطورات في المنطقة، ثم سيعود ويتحسن ويرتفع بشكل غير مسبوق، وينتعش معه الاقتصاد المصري، لأنها ترى في أوراقها أن أكثر من دولة عربية ستحمي الاقتصاد والجنيه المصري، خاصة من الأشقاء في دول الخليج، ليؤكد ويتأكد الإعلامى «المخضرم» في دهشة تغمرها البهجة هذا «الإلهام»، بإعادة توجيه الإجابة في شكل سؤال: «الله يبشرك بالخير، يعني إنتِ شايفة أن الدنيا في 2024 هتتحسن وأن الجنيه هيرجع بقوة، بفضل مساندة الإخوة في الخليج؟ ليرتد التأكيد مرة أخرى بنعم». ثم تابعت سيدة التوقعات «إلهامها» وقالت: «إنها ترى أن الأراضي والبيوت اللي «حقه» أي ثمنه مليون جنيه سيصير بخمسة ملايين، وأن البيوت والأراضي هتغلى قوي دون معرفة السبب، والزراعة هتتحسن والصناعة كمان»، ولا تدري «سيدة التوقعات» بهذا التتابع أنها قد ضربت علوم الحساب والفلك والاقتصاد ومناهج السياسة في مقتل، لأنه كلما ارتفعت الأسعار، كان ذلك دليلا على انهيار العملة وخفض قيمتها وتدهورها، وهنا يجب استحضار خبراء «علم النوايا»، ليجيبوا عن السؤال: لماذا أراد عمرو أديب «حشر» مستقبل الجنيه والاقتصاد المصري في أوراق السيدة ليلى عبد اللطيف؟ وهل يدخل هذا السؤال في باب الترفيه والتسالي والفضول، أم ينتمي لفصول النوايا السيئة؟
شال أبيض
تزداد الإجابة تعقيدا بحسب أشرف عزب، إذا قفز خبراء التحليل الاستراتيجي إلى حلبة الصراع، وخرج السياق من نطاق «علم النوايا» إلى فضاء التكهنات والرسائل المبطنة، والشيفرات المتضاربة حسب الأهواء والأغراض و«الأجندات».. والسبب في ذلك كله هو المخضرم عمرو أديب الحسنة الوحيدة في الموضوع، أن رياح اللقاء بين أديب و«سيدة التوقعات» قد ضربت شراع ذاكرتي وحركتها بقوة نحو الماضي البعيد، عندما تعرض أحد الأقارب إلى السرقة، وقرر المسروق أن يفتح «المندل» ليعرف من السارق، ثم استدعوني كطفل لم يتجاوز عمره الخمس سنوات، لأجدني جالسا أمام «طشت صغير» مملوء بالماء، وقد ربط صاحب «المندل» رأسي بـ«شال» أبيض، وقال بعد أن تمتم بكلمات غريبة، عندما ترى شيئا في الماء أخبرنى. مرت دقائق صامتة، ثم كرر الرجل السؤال: هل رأيت شيئا؟ وكانت إجابتى مثل الدقائق التي مرت، ثم بدأ الرجل يخبرني الإجابة، ألم تر أحدا يرتدى عباءة بيضاء، يكنس الأرض ويرش الماء أمام دكانه؟ لم أفكر كثيرا، ووجدت «الشال» الأبيض الملفوف حول رأسي يهتز أمامي في الماء، فقلت له: نعم، وهنا انتبه الحاضرون، وكأن الكنز فتح أبوابه، وحضرت الأسياد واستجابت للنداء، ثم قال صاحب «المندل»: عندما ينتهي الرجل من الكنس ورش الماء.. «عرفني». تحرك رأسي ومعه وجهي الغارق في ماء «الطشت»، وسط ابتسامة تخفيها براءة طفولتي، وعندما تأخرت الإجابة، بدأ يلقنها لي مرة تلو الأخرى، هل أتى رجل على حصان أبيض؟ قلت: نعم، هل نزل وجلس على الكرسي؟ قلت: نعم. كانت الإجابات سريعة بقدر أسئلة الرجل، تلك السرعة جعلته يكتشف أمري قبل أن يكشف السارق، أو يكتشف «المسروق» وهم صاحب «المندل»، فقرر الرجل استبدالي بطفل آخر، وقال إنني لا أصلح، وتم له ما أراد، وانتهت القصة، ليفتحها الإعلامي عمرو أديب بعد أربعة عقود من الزمان في ثوب جديد يتناسب مع الأيام وضحكاتها المدفونة في الصدور.
ـ «القدس العربي»: