منوعات

العم «قذيفة» في مواجهة مسؤول خارجية الاتحاد الأوروبي… وما قصة جزيرة الأحلام؟

العم «قذيفة» في مواجهة مسؤول خارجية الاتحاد الأوروبي… وما قصة جزيرة الأحلام؟

مريم مشتاوي

أول أمس كنت أتصفح الجرائد وقرأت أخباراً كثيرة، يصلح معظمها إما أن يكتب كرواية تراجيدية، أو أن ينشر كقفشات ساذجة، نضحك لسماعها فقط في ساعات الفراغ واللا جدوى. لا أعرف هل نضحك أو نبكي أولاً، ولكن لنبدأ بالضحك لنشق به باب القهر والظلم والجبروت المستفحل في أرضنا وأطفالنا ونسائنا وشبابنا وشيوخنا وأيضاً قططنا، نعم قططنا. تلك الكائنات الخائفة اللطيفة التي سنروي العديد من أخبارها في فصل الشقاء المقبل.

باب الضحك

طرقته عدت مرات.. طرقته حتى سالت الدماء من كفيَّ.. طرقته وأنا أغسله بالأحمر الداكن.. نمت تحت عتبته وانتحبت طويلاً.. صليت وبكيت.. صليت كثيراً ولم يفتح.. مارست كل طقوس الشعوذة واستعانت بكل الشيوخ والكهنة ولم يفتح.. طرقت باب المنجمين والعرافين والمشعوذين ولم يفتح.. ولكن بعد طول انتظار فتحه لي رجل.. ويا له من رجل.. «يا لطيف» كم يصعب وصفه.. ولكني سأحاول نقل صورته بأكبر قدر من المراعاة كي لا أخيفكم.. فالهدف هو الضحك، وعلينا أن نلتزم بالعنوان.. سأكتب فيه مقطعاً نثرياً بعنوان «أنشودة القذيفة». لا لن أسرق سطور بدر شاكر السياب، ولكنها أنشودة أيضاً:
حاجباه غابتا قذيفة المدفع في كل ساعة قبل النوم وبعده.. نعم لا تستغربوا، هناك بالفعل شجرة اسمها قذيفة المدفع. وقد سميت كذلك، لأن ثمارها كبيرة وكروية وحين تقع على الأرض تصدر صوتاً يشبه صوت القذيفة، ومع ذلك، لا تقلقوا لن يسقط حاجباه وإن سقطا لن يصيبا أحداً سواه. فهما معلقان بحرص في وجهه.. وقد ينفجران غضباً في أية لحظة. أما عيناه فهما كعيني ذئب أحمق.. لا شفتان له إنما خطان خفيفان.. ولا حاجة لهما أصلاً، لأنه لا يَضْحَك، بل يُضْحِك.
نعم إنه مهرج من الدرجة الأولى. لقد اقترح، كما ذكرت جريدة «الغارديان» البريطانيّة، خلال اجتماع مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، نقل سكان غزة إلى جزيرة صناعية في البحر المتوسط.
وما أن وصلنا طرحه حتى مات أغلبية سكان العالم العربي من الضحك. كم هو طريف، وحباب وحنون وذكي. هل هناك خطة سلام أشمل من خطته؟ هكذا سينادي على أهالي فلسطين بمكبر الصوت: عالجزيرة يا حلوين! يجمعهم كلهم: الكبير والصغير والمقمط بالسرير.. ثم يرصفهم في المراكب فوق بعضهم البعض، ويوصلهم إلى الجزيرة.. أو الأفضل أن يرميهم بالبحر وهم يسبحون بمعرفتهم! يكفي أنه سهر وفكر وتعب وجاء بفكرة «عبقرية». إذاً لن نقلقه بالتوصيلة. «إن كان حبيبك عسل ما تلحسه كلو»؟!
لقد نفت إسرائيل الخبر كعادتها لحرصها الشديد على «المصداقية»، لكن لسوء حظها، قام مسؤول خارجية الاتحاد الأوروبي بوريل، الذي كان حاضراً في الاجتماع بتأكيد الخبر، بعد انتقاد شديد للقذيفة أو وزير خارجية إسرائيل يسرائيل كاتس.
ذلك الرجل القذيفة ذكرني بامرأة أعرفها اسمها مصيبة، وهي اسم على مسمى. كانت مصيبة من أبناء قرية شمالية في لبنان، وكانت متزوجة من رجل طيب يحبها وتحبه، مات أبواها في سن مبكرة، وليس لها إخوة أو أخوات، لكن لها صديقة وحيدة تدعى سعاد تسكن في نيويورك. وفي يوم أصيب زوجها بمرض خطير فقررت أن تنام في كنيسة «مار الياس» ثلاثة أيام متتالية كنذر للقديس، علّه يشفي رجلها. وبعد أيام قليلة من عودتها من الكنيسة، بدأت صحة رجلها في التحسن، رويداَ رويداً، إلى أن شفي بشكل كامل. حينها طلبت من زوجها ووجهاء الضيعة مرافقتها في زيارة لبيت أهل صديقتها، التي تعيش في نيويورك، وذلك لأمر في غاية الأهمية، أمر قررت ألا تفصح عنه، إلا في ليلة الاجتماع. جلس الرجال بانتظار ما ستقوله لهم مصيبة. أما هي فكانت غارقة في صمتها الغريب. وبعد عدة دقائق قال والد سعاد: خير يا بنتي قلقتينا، ما القصة؟
فأجابته بثقة وعزيمة: كل الخير يا عمي. ثم أضافت: كلكم تعلمون أن أبو وحيد، زوجي، كان مريضاً جداً، وقد نذرته لـ«مار الياس». و«مار الياس» أكرمني وشفاه. وقد وعدته في صلاتي إن شفي زوجي من سقمه، سأقدم كل ذهب صديقتي سعاد للكنيسة لمساعدة المحتاجين والفقراء.
نظر إليها زوجها بحنان كبير قائلاً: كم أنت طيبة يا حبيبتي شكراً لك. وبدأت الدموع تنهمر من عينيه، تأثراً في لحظات من ذهول عجيب أصابت كل الحاضرين.
أما والد سعاد فضحك بصوت عال: لا بد أنك تمزحين.. تقصدين أنك نذرت ذهبك؟!
غضبت مصيبة، من «قلة فهمه»، وراحت تصرخ: لا لم أنذر ذهبي! إنه لي. لقد نذرت ذهب سعاد و«مار الياس» استجاب. انتهت الجلسة بخلاف كبير بين الأسرتين، خلاف لم ينته، ولن ينتهي حتى مع مرور السنين.
إن «مصيبة» والعم «قذيفة» عملتان لوجه أهبل واحد. ولكن قذيفة عصري أكثر في أفكاره وتطلعاته وأفاقه أوسع بكثير، لا يكفيها نهر أو بحر أو محيط. إن قذيفة وأجداده لم يكتفوا بطرد الفلسطينيين من أرضهم واحتلال بيوتهم،بل تناسوا أيضاً أنهم احتلوا الأرض. وهم اليوم مقتنعون أن الأرض أرضهم.. والمقلوبة بكل مكسّراتها مقلوبتهم. وها هم يطالبون الفلسطينيين بالرحيل والسكن في جزيرة صناعيّة!!

باب الوجع

هو ليس بباب، بل قطاع كامل. قطاع من الموت والحزن والألم. مات 24 ألفا من سكان الأرض في بضعة أسابيع. وهناك كثيرون تحت الركام لم ينتشلهم أحد. حروق قاتلة وجراح ملتهبة وإصابات مميتة في البطن والصدر وفقدان أطراف. صراخ وعويل وبكاء حارق. إنه الجحيم على الأرض. أو هذا ما وصفه البروفيسور نيك ماريند، وهو طبيب بريطاني عمل في غزة من نهاية ديسمبر/كانون الثاني2023 حتى 9 يناير الجاري. لقد أكد هو وزملاؤه الذين عملوا في مستشفى «شهداء الأقصى» مثل الدكتور جيمث سميث والدكتورة ديبورا هارينجتون «أن الإصابات التي رأوها في غزة لم يصادفوا مثلها طوال حياتهم المهنية وبأنها الأسوأ على الإطلاق».
لكن الألم زاد من عزيمة السكان عزيمة، ومن قوتهم قوة، ومن إنسانيتهم إنسانية مضافة. بالرغم من الجوع والعطش كان هناك طفل صغير يطعم قطته من وعائه المنمنم، يأكل لقمة صغيرة ويطعمها لقمة، يرتشف القليل من الماء، ثم يسقيها وكأنها أخته الصغيرة. وفي ناحية أخرى فتاة استعدت كي ترحل مع أهلها هرباً من الموت، ولكنها لم تقبل الرحيل من دون هرتها، على الرغم من إصرار أهلها على ترك ذلك الكائن الصغير لمصيره. راحت تبكي وتشبثت بالقطة، مشت معها مسافات طويلة، وهي اليوم تنام بجوارها وتحرص على تغطيتها كي لا تموت من البرد.

كاتبة لبنانيّة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب