مقالات

ثورة المستضعفين!

ثورة المستضعفين!

خلدون الشيخ

كاتب من أسرة القدس العربي

ربما سينطلي العنوان مجدداً على المتابعين، الذين توقعوا، على غرار مقالة الأسبوع الماضي، سرداً في تاريخ أمتنا المتهالكة، المستضعفة والمستغفلة، لأكتفي مجدداً في سرد أمنياتي الوطنية بما يتعلق بالمعارك الكروية التي تدور رحاها في الدوحة وأبيدجان ضمن بطولتي كأس أمم آسيا وأفريقيا، وسأفرغ انفعالاتي وشجوني بالنتائج المفاجئة خلال أول أسبوعين من منافسات البطولتين، اللتين للدهشة تقامان في توقيت متزامن.

مر أسبوعان على معارك آسيا وافريقيا، وأنهك من أنهك، وما زال الجوع والعطش والرصاص والذخائر تفتك بأهالينا في غزة والضفة الغربية. وفي حين يسمح للكيان الصهيوني بالحظي بالدعم اللوجستي والعسكري غير المسبوق من كل المحيطين، بما فيها صناديق و«سحارات» الخضار والفواكه من البر، والذخائر الغربية من البحر، فانه حصل أيضاً على تطوع الآلاف من المرتزقة من كل أنحاء العالم، وبينهم هنود دفعهم كرههم للمسلمين في مساندة قوات الاجرام الصهيونية، ومع ذلك لا قطرة ماء ولا حبة برتقال ولا رغيف خبز دخل الى أهلنا، ومع كل ذلك الصمود يبقى هو العنوان، وهو ما كان في الدوحة عندما نجح «الفدائي» في أن يسطر انجازا تاريخياً بتحقيقه أول انتصار في تاريخ مشاركاته في نهائيات كأس أمم آسيا، عندما هزم هونغ كونغ في المباراة الاخيرة في مجموعته، ليحتل المركز المشرف الثالث، وكان يمكن أن يكون ثانيا لولا تسجيل الامارات هدفا في الثواني الأخيرة أمام ايران منحها أفضلية بفارق هدف عن «الفدائي»، علما انهما تعادلا في عدد النقاط، لكن المهم ان انجازا آخر تحقق في التأهل الى الدور الثاني (أدوار خروج المغلوب) للمرة الاولى أيضاً، علماً أن هذه هي المشاركة الثالثة له فقط في النهائيات، فبعدما خسر كل مبارياته الثلاث في المشاركة الاولى في 2015، فانه نجح في تحقيق تعادلين وخسارة في 2019، لكن هذه المرة كان نجوم «الفدائي» مصرين على تحقيق انجاز لأهاليهم، مثلما قال مدافع الفريق محمد صالح الذي يتحدر من قطاع غزة: «لا أدري ان كان أهلي علموا (بانجازنا) أتمنى أن يكونوا بخير… نحن فعلنا كل ما نستطيع هنا من أجلهم» والدموع تصارع عينيه.
غداً الاثنين سيواجه المنتخب الفلسطيني صاحب الأرض وحامل اللقب المنتخب القطري، الذي كانت قيادته وشعبه خير سند وصديق، وربما لا يهم نتيجة المباراة في دور الـ16، لأنني واثق من أن الفوارق الفنية تصب لمصلحة «العنابي»، لكنني واثق أيضا من أننا قد نرى الأعلام الفلسطينية ترفرف أكثر من القطرية في استاد «البيت» غداً بسبب الدعم الهائل الذي يحصل عليه «الفدائي».
ربما من أبرز سمات البطولة الآسيوية، هو ضبابية هوية البطل، فالمنتخبات الخمسة المرشحة للقب لم تقنع، فعدا عن حامل اللقب المنتخب القطري الى جانب الايراني والعراقي، لم يحقق أي فريق العلامة الكاملة، بل أخفق المرشحان بقوة الياباني والكوري الجنوبي في الاقناع، بل كانت هناك علامات استفهام على الجولة الاخيرة من المجموعة الخامسة التي أفضت الى اعتلاء البحرين الصدارة وحلول كوريا ثانيا والاردن ثالثاً، ما جنب الكوري لقاء ناريا ضد جاره الياباني، لكنه سيصطدم بـ«الأخضر» السعودي في أقوى مباريات الدور الثاني. لكن المفاجآت كانت كثيرة جداً، بدءاً بخروج المارد الصيني بخفي حنين من الدور الأول، وتأهل المنتخب السوري الى الدور الثاني للمرة الاولى في تاريخه، في مشاركته السابعة، وانتصار العراق على اليابان وتصدره لمجموعته، واقصاء عمان ولبنان على عكس التوقعات، وتأهل طاجيكستان الى الدور الثاني في مشاركتها الأولى في النهائيات، وأيضا نجاح اندونيسيا في التأهل الى الدور الثاني.
لكن الاثارة الحقيقية، أو ربما ثورة المستضعفين الحقيقية، كانت في البطولة الافريقية، التي شهدت مفاجآت بالجملة باقصاء الجزائر وتونس وغانا، وتأهل صاحب الأرض والمستضيف منتخب كوت ديفوار بشق الأنفس وبانتظار خدمات المنتخبات الاخرى كي يتأهل من المركز الثالث، وتأهل مصر من دون تحقيق أي فوز في مجموعتها، واقالة ورحيل 6 مدربين بينهم 3 عرب بحلول الدور الأول، ابرزهم مدرب الجزائر جمال بلماضي الذي رفض اعتباره «أول مدرب يخرح المنتخب من الدور الأول مرتين على التوالي» مفضلاً ان يكون «ثاني مدرب جزائري يحرز اللقب»، وتبعه مدرب تونس جلال القادري الذي أصبح عقده لاغياً كونه نص على ضرورة تأهل تونس الى نصف النهائي، لكن الفرحة العربية الحقيقية، لم تكن فقط في العروض الجيدة من المنتخب المغربي، بل بما فعله المنتخب الموريتاني بنجاحه في تحقيق أول فوز في تاريخ مشاركاته في النهائيات (على الجزائر)، والتأهل الى الدور التالي.
ثورة المستضعفين قادتها منتخبات مثل ناميبيا وأنغولا والرأس الأخضر وغينيا الاستوائية التي قارعت الكبار وتحدت التاريخ ولم تستسلم لقواعد الدهر وقلصت الفوارق بعملها وتنظيمها وحسن ادارتها، رغم أن أسماء لاعبيها لا تضيء السماء وتلمع على غرار ما تملكه المنتخبات الكبيرة من نجوم ربما فضل بعضهم العودة مبكرا الى الأحضان الاوروبية الباردة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب