
الأونروا والاحتلال: جولة في حرب قديمة متجددة
كذلك لم يكن مفاجئاً أن دولاً مثل إسبانيا وإيرلندا والنروج، التي سعت في الأصل إلى موقف متوازن بصدد جرائم الحرب الإسرائيلية، امتنعت عن اللحاق بالركب لأنها تنبهت على الفور إلى مخاطر قطع الشريان الحيوي الذي يتكفل بتقديم الغذاء والدواء والتعليم والإيواء إلى أكثر من 5,6 مليون لاجئ فلسطيني على امتداد الشرق الأوسط، ونحو 2.2 مليون شخص في قطاع غزة وحده.
وهذه الدول التي تزعم الاحتكام إلى القانون الدولي، أو حتى إلى المبدأ البسيط الذي يقول ببراءة المتهم حتى تثبت إدانته، سارعت إلى اعتماد تقرير الاستخبارات الإسرائيلية الذي يزعم تورط 10 من موظفي الوكالة في التعاون مع «حماس» والسير على الفور خلف الولايات المتحدة وقطع التمويل دون انتظار نتائج تحقيق أعلنت الوكالة ذاتها أنها شرعت فيه. وإذا لم يكن قادة الدول الـ13 على درجة من السخف العقلي تدفعهم إلى أخذ 30.000 موظف في الأونروا بجريرة أفعال مزعومة تخص 10 أشخاص بين هؤلاء، فإن الاستعداد لاستكمال انخراط هؤلاء الساسة خلف حرب الإبادة الإسرائيلية لا يصح أن يكون مستبعداً من حيث المنطق البسيط.
وثمة سؤال عاجل يتوجب أن يُطرح على الدول الـ13 الغيورة على حقوق الإنسان: إذا تعطلت خدمات الأونروا وأغلقت مراكزها ومدارسها ومنشآتها المختلفة، فهل ستتولى سلطات الاحتلال الإسرائيلية تزويد الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال بالاحتياجات الإنسانية الضرورية، بموجب القانون الدولي خلال الحروب؟ الإجابة بالنفي ليست منتظرة فقط بل سبق أن برهن عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ ابتداء حرب الإبادة، وحتى قبلها من خلال سنوات حصار القطاع.
سؤال آخر على صلة بإجراء روتيني تعتمده الأونروا ويتضمن تقديم لائحة مفصلة بالعاملين لديها إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية، فأين كانت الاستخبارات الإسرائيلية حين بلغتها آخر اللوائح؟ ولماذا لم «تكتشف» الأجهزة الإسرائيلية ذلك التورط المزعوم لعناصر الأونروا في التعاون مع «حماس» إلا بعد أكثر من 100 يوم أعقبت «طوفان الأقصى»؟
وأما السؤال الثالث فهو ينبثق من تاريخ العداء المستحكم بين دولة الاحتلال والوكالة منذ تأسيسها في سنة 1949 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتفويضها بتقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك حتى يتم التوصل إلى حل عادل لمشكلات لجوئهم. ولأن أي حل يتوجب أن يمر بمبدأ حق العودة، وهذا ما تبغضه دولة الاحتلال وترفض الامتثال لأي قرار أممي بخصوصه، فإن الاستعداء ضد الأونروا لن يقتصر على السلطات الإسرائيلية وتوجب أن ينخرط فيه أصدقاء الكيان الصهيوني.
وبذلك فإن تعليق التمويل ليس سوى الجولة الأحدث في حرب أخرى قديمة متجددة.