الصحافه

مؤيدو إسرائيل في بريطانيا يهاجمون فيلما مروعا عن غزة عرضته “بي بي سي” ويتهمون راويه بأنه نجل مسؤول في حماس

مؤيدو إسرائيل في بريطانيا يهاجمون فيلما مروعا عن غزة عرضته “بي بي سي” ويتهمون راويه بأنه نجل مسؤول في حماس

إبراهيم درويش

في يوم الاثنين، عرضت القناة الثانية في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) فيلما وثائقيا عن الحياة اليومية للفلسطينيين في غزة أثناء الحرب التي استمرت 15 شهرا، بعنوان “كيف تنجو في محور الحرب؟”، واستند على روايات أطفال عانوا من ويلات الحرب. ووصف ناقد الأفلام  في صحيفة “الغارديان” جاك سيل، الأطفال بأنهم يقدمون ومضة أمل. وقال إن الأطفال الذين يصورون على “تيك توك” ويعملون كحمالين في المستشفى وصمموا على الابتسام في وجه الرعب الذي لا يمكن تخيله، يمثلون مستقبل غزة لو كان بإمكانهم البقاء فيها.

وأعطى جاك سيل الفيلم تقييما بخمسة نجوم أي ممتاز جدا. وصنع الفيلم المخرجان المقيمان في لندن جيمي روبرتس ويوسف حماش، من خلال متابعة مصوريْن في غزة وتوجيههما لمتابعة الأطفال. والمصوران هما أمجد الفيومي وإبراهيم أبو شيبة، حيث صورا الحياة فيما أطلقت عليها إسرائيل “المحور الآمن”. وحقيقة متابعة الكاميرات للأطفال بشكل رئيسي، تترك أثرا مزدوجا غير متوقع: فهي تجعل لحظات الفيلم العديدة المؤلمة والعميقة لا تطاق، ولكنها في الوقت نفسه تضفي عليها نوعا من الأمل.

 ويقود الأطفال عبدالله (13 عاما) والذي يقوم بالسرد ويظهر أمام الكاميرا. ويقول وهو يتجول بسرعة في مشهد الدمار المروع في خان يونس، حيث عاش في منزل كان يؤوي 40 شخصا قبل أن تحوله القنابل الإسرائيلية إلى أنقاض: “كانت هذه المنطقة ملونة في الماضي. الآن، أصبحت رمادية اللون”. ويحافظ عبد الله على نبرة ساخرة مشرقة وهو يصف كيف تعيش بعد أن فقدت كل شيء، ويتوافق تصميمه على الابتسام أثناء البقاء على قيد الحياة مع ريناد البالغة من العمر 10 سنوات، والتي تشق طريقها في التعامل مع القذائف التي تسقط على مسافة قصيرة مرعبة في الضحك والدردشة، حتى مع اهتزاز الأرض.

وتركز ريناد بدلا من ذلك على قناتها في الإنترنت للطهي: نراها تسجل دليلا لصنع الحلوى، وتعتذر للمشاهدين عن اضطرارها إلى استخدام الحليب المجفف. إنها مقدمة برامج طبيعية وطليقة ومتفائلة بشكل مثير للإعجاب.

تقول ريناد عن قاعدة المعجبين المتزايدة لديها على تيك توك: “إنهم من جميع أنحاء العالم. إذا كان هناك وقت طويل بين نشر مقاطع الفيديو، فإنهم يسألون عني، معتقدين أنني قتلت”.

إن أكثر ما يلفت الانتباه هو زكريا، وهو طفل لا يعرف الكلل ويبلغ من العمر 11 عاما، اختار أن يقضي كل وقته في التجول في أنحاء مستشفى الأقصى، المستشفى الوحيد الذي لا يزال يعمل بكامل طاقته في غزة، بعد أن عيّن نفسه وتطوع للعمل في المستشفى. وهو يعمل كمساعد وحارس ومسؤول عن الاتصال الإعلامي ويعمل في نوبات عمل مزدحمة عندما تداهم القوات الإسرائيلية مخيم البريج للاجئين القريب، فتقتل العشرات من الفلسطينيين.

وبينما يتدفق المدنيون الذين أصيبوا بجروح ناجمة عن الانفجارات أو الطلقات النارية، يفتح زكريا الصغير الأبواب الخلفية لسيارات الإسعاف، ويقود نقالات الإسعافات الأولية، ويقدم للصحافيين موجزاعن حالتهم الصحية، ويتنقل بلا نهاية هنا وهناك، واثقا من نفسه وسط الحشد.

وعندما سئل عن يديه الملطختين بالدم، أجاب بنبرة واقعية مربكة تشبه نبرة كل الأطفال في الفيلم: “دماء الجرحى والقتلى”. وعندما خلفت غارة جوية ليلية حفرة بعمق عشرين قدما في مكان آخر بـ”المنطقة الآمنة”، كان الصبي عبد الله الذي التقاه وهو يفحص الأضرار متفائلا بنفس القدر. فقال: “فجأة تحولت السماء إلى اللون الأحمر ودوت الانفجارات”، ثم أشار إلى وفاة عمه وخالته وابن عمه. وأضاف: “لقد وجدنا رأس الفتاة هنا، إلى جانب عظمة مغطاة باللحم”.

ويستمر هذا التنافر المروع بينما نسمع الأطفال يحاولون التوفيق بين الخسائر والتصريحات الرسمية الصادرة عن الجيش الإسرائيلي. يقول عبد الله وهو ينطق بحذر عن قصف خيام المشردين: “قال الجيش الإسرائيلي إن الضربات استهدفت ثلاثة من كبار قادة حماس”.

وفي وقت لاحق، عندما أصابت الصواريخ مدرسة بالقرب من مستشفى الأقصى، مما تسبب في اندفاع دموي آخر: “قال الجيش الإسرائيلي إن المدرسة كانت تستخدم كمركز قيادة لحماس”.

ويقول جاك سيل إن ذروة الرعب في الفيلم تصل مع لقطات تم تصويرها في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، والتي تقدم حرفيا زاوية جديدة لواحدة من أكثر صور الحرب التي لا تنسى: صور الهواتف الذكية على وسائل التواصل الاجتماعي تعني أن العالم بأسره رأى شعبان الدلو البالغ من العمر 19 عاما يحترق حيا على سريره في المستشفى، عندما تم قصف الخيام المليئة باللاجئين والمرضى خارج مستشفى الأقصى. نحن الآن على جانب واحد، ننظر عبر نفس المشهد بزاوية قائمة، ونركز على رجال الإنقاذ الذين لا يستطيعون اختراق الحريق.

يقول زكريا: “رأيت الصبي يحترق بأم عيني”. ويضيف عبد الله في التعليق الصوتي: “قال الجيش الإسرائيلي لاحقا إنها كانت ضربة دقيقة على الإرهابيين الذين كانوا يعملون داخل مركز قيادة وتحكم”.

ويحتوي فيلم “كيف تنجو في محور الحرب؟” على صور لا تنسى، مثل صورة طفل عمره 10 أعوام لم يكشف عن هويته، يجري الأطباء له عملية استكشافية لمحاولة تحديد فيما إن كانوا قادرين على إنقاذ طرفه المصاب. ونعرف المصير بعدما يقطع المشهد لاحقا ونرى الجرّاح وهو يعطي الطرف المبتور إلى زميل له للتخلص منه. وما يبقى هو ما يقوله الجرّاح لنفسه فيما بعد وهو أنه “يحترق من الداخل” بالغضب، ويعزي نفسه بأن الطفل سيتكيف مع وضع ويصبح “مشرقا” مرة ثانية.

وفي وجه المذبحة القاتمة لم يتم إطفاء النور بعد. واللافت للانتباه أن لغة عبد الله الإنكليزية فصيحة وفيها لغة واثقة، ويسجل حالات الإخلاء المبررة بملاحقة زعيم حماس، يحيى السنوار. وفيه صور الفوضى والفزع التي تتبع كل استهداف وقصف.

ورغم ما فيه من رعب وروايات لا يمكن تحمل رؤيتها أو سماعها، إلا أن اللوبي المؤيد لإسرائيل هاجم الفيلم وحاول تشويه الرواي له.

ونشرت صحيفتا “ديلي ميل” و”ديلي تلغراف” وقناة “جي بي نيوز” (وكلها يمينية وداعمة لإسرائيل) تقارير قالت إن الفيلم استعان بعبد الله وهو ابن زعيم لحماس وجده أحد مؤسسي الحركة.

وفي تقرير “تلغراف” الذي أعده باتريك سيور، اتهم فيه “بي بي سي” بالتركيز على نجل وزير في حكومة حماس بدون أن تكشف العلاقة، كما قال. وأضاف أن عبد الله اليازوري هو ابن أيمن اليازوري، الذي يعمل نائب وزير الزراعة في حكومة غزة. وقال إن “بي بي سي” سمحت لنفسها بأن تُستخدم كمنبر دعاية لحماس، من خلال منح صوت لأحد أبناء رمز من حماس.

ومشكلة مؤيدي إسرائيل كما تقول “تلغراف” أن أرضية الراوي وعائلته لم يتم الكشف عنها للمشاهد. وأشارت إلى أن “مجموعة العمال ضد معاداة السامية” قدمت شكوى رسمية ضد “بي بي سي”، وزعمت فيها أن فريق الفيلم لم يتحقق من هوية المشاركين.

ودافعت “بي بي سي” عن الفيلم الوثائقي الذي بُث لمدة ساعة، بأنها هي التي تحكمت بمحتواه ولم يكن لآباء الأطفال أي دور في تحديد ما ورد فيه.

وزعم من قالت الصحيفة إنه صحافي استقصائي، ديفيد كوليير، هو من كشف عن هوية عبد الله، الذي درس في المدرسة البريطانية في غزة قبل الحرب. وظهر عبد الله في نشرة أخبار القناة الرابعة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وتحدث عن الدمار الذي تسبب به القصف الإسرائيلي.

ومهما كان أصل الراوي، فمَن يشاهد الفيلم لا يرى أنه دعاية لحماس أو أي طرف، ولكنه سرد لمذبحة يومية وتمسك بالأمل ومحاولة للعيش كبشر طبيعيين، ولعل هذا ما أثار قلق الجماعات المؤيدة لإسرائيل.

– “القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب