تحقيقات وتقارير

لماذا تعامل دول أفريقية “حميدتي” بوصفه رجل دولة بعدما كان منبوذاً؟ هكذا تمنحه الإمارات “الأفضلية”

لماذا تعامل دول أفريقية “حميدتي” بوصفه رجل دولة بعدما كان منبوذاً؟ هكذا تمنحه الإمارات “الأفضلية”

نشرت وكالة Bloomberg الأمريكية تقريراً عن قائد قوات الدعم السريع السودانية، قالت فيه إن الفريق أول محمد حمدان دقلو كان ينصب نفسه رئيساً منتظراً للسودان، في جولة خاضها مؤخراً وزار فيها بلاداً أفريقية. وقالت الوكالة إنه في تطور لم يكن قابلاً للتصور عندما بدأت الحرب الأهلية في السودان قبل 10 أشهر، كان الجنرال الشهير بـ”حميدتي”، يُعامَل بالفعل في هذه الجولة على أنه رجل دولة.

في كينيا، وقف دقلو على مدرج المطار وقوبل بتحية من راقصي الماساي التقليديين، وفي إثيوبيا اصطُحب بسرعة إلى نزل بيئي فاخر لعقد محادثات رفيعة المستوى، وفي رواندا اصطُحب إلى نصب تذكاري، حيث وقف وقفة ذات طابع رسمي حدَّق خلالها في نصب تذكاري للصور الباهتة التي تخص ضحايا الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا عام 1994، حتى في الوقت الذي توجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى قواته شبه العسكرية اتهاماتٍ بارتكاب مجازر ذات دوافع عرقية في منطقة دارفور بالسودان.

كيف قدّم “حميدتي” نفسه رجل دولة في هذه الجولة الأفريقية؟

تقول بلومبرغ: يبدو أن الرياح جرت بما اشتهت سفن دقلو قبل الزيارة في أواخر ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني، عندما أخرجت قواته قوات الجيش السوداني، الذي يقوده الفريق أول عبد الفتاح البرهان، من غالبية مناطق دارفور، وعززت سيطرتها على المدن الرئيسية، التي ضمت مناطق كثيرة من العاصمة السودانية الخرطوم.

ويقول سليمان بلدو، مدير المرصد السوداني للشفافية والسياسات: “أستطيع تفهم السبب وراء صعوده، لديه اليد العليا”، وذلك في حديثه عن حميدتي.

كان من المفترض لدقلو والبرهان أن يساعدا في التحول الديمقراطي بالسودان، في أعقاب ثورة 19 ديسمبر/كانون الأول، التي أدت إلى إطاحة عمر البشير في عام 2019. وبدلاً من ذلك جرّ صراعُ السلطة الذي اندلع بينهما البلاد نحو الحرب. تدخلت العديد من الأطراف الفاعلة الأجنبية- التي تسعى إلى بسط نفوذها على السودان للاستفادة من موقعه الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر، وثرواته الهائلة من المعادن والأراضي الخصبة الواسعة- ما أدى إلى تعقيد جهود الوساطة.

دمّر القتال اقتصاد السودان، وصارت مساحات كبيرة من مركزه التجاري الخرطوم في حالة خراب. قُتل ما لا يقل عن 12 ألف شخص، وتُوجَّه اتهامات إلى جانبي القتال بارتكاب جرائم، تتضمن الاغتصاب والاستهداف المتعمد للمدنيين والنهب. وتقف دارفور ومناطق من العاصمة السودانية على حافة المجاعة لأول مرة منذ عقود. كذلك أُجبر 9 ملايين سوداني على ترك منازلهم في أكبر نزوح جماعي داخلي على مستوى العالم، مع وجود 1.5 مليون سوداني نازح إلى البلاد المجاورة، التي تعاني بالفعل من الجفاف والصراعات ونقص الغذاء.

لماذا تعامل دول أفريقية “حميدتي” بوصفه رجل دولة؟

تقول “بلومبرغ” بالنسبة لقادة الدول الستة التي زارها دقلو، وهي: أوغندا، وإثيوبيا، وجيبوتي، وكينيا، وجنوب أفريقيا، ورواندا، يمكن أن تحمل زيارته أهمية براغماتية لإنهاء الحرب التي زعزعت استقرار المنطقة الأوسع، لا سيما في بلدان على شاكلة تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى.

وينبع جانبٌ من الأفضلية التي يتمتع بها دقلو من العلاقات التي تجمعه بالإمارات، التي تدعم حملته القتالية بالطائرات المسيرة ومدافع الهاوتزر، وقاذفات الصواريخ المتعددة، والمدافع المضادة للطائرات، وذلك حسبما ذكر محققو الأمم المتحدة في تقرير اطلعت عليه وكالة Bloomberg.

طالما طمعت الإمارات في الوصول إلى ساحل السودان المُطل على البحر الأحمر، والبالغ طوله أكثر من 850 كم، وقد وقَّعت قبل اندلاع الحرب في الدولة الأفريقية على اتفاقية تمهيدية بقيمة 6 مليارات دولار مع شركتين لإنشاء ميناء جديد.

تناهض الإمارات أحزاب وجماعات الإسلام السياسي، التي يقول دقلو إن لديها علاقات راسخة مع البرهان، وهو اتهام ينكره رئيس مجلس السيادة السوداني. وتنكر الإمارات إمدادها “أسلحة وذخائر لأي من الأطراف المتحاربة”، وتقول إنها “لا تنحاز لأي جانب في الصراع الحالي”، على حد زعمها.

واكتشف محققو الأمم المتحدة أن دقلو قادرٌ كذلك على الاعتماد على عائلته والأشخاص المقربين منه، الذين يديرون شبكة من المصارف، والصناعات، والثروة الحيوانية، والعقارات، وأعمال التعدين والنفط، وهي شبكة تحوز أسلحة وتدفع رواتب وتمول الحملات الإعلامية وتمارس الضغط على الحكومات وتشتري الدعم من الجماعات المسلحة.

لم يردّ متحدث باسم قوات الدعم السريع على التساؤلات، لكن المجموعة قالت في منشور على موقع X (تويتر سابقاً)، إنها “ملتزمة التزاماً راسخاً بالقانون الدولي والإنساني، وإنها ملتزمة بقواعد الاشتباك في الحرب خلال هذا الصراع”، على حد تعبيره.

جيش من المرتزقة يقوده حميدتي تمده الإمارات بكل ما يحتاجه

يقول دبلوماسي أفريقي وغربي في المنطقة إن قوات الدعم السريع التي يقودها دقلو- والتي تطورت من ميليشيا الجنجويد التي قتلت غير العرب في دارفور قبل 20 سنة- تعززت قوتها عن طريق المرتزقة القادمين من تشاد والنيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتستعد للاستيلاء على حقل نفط استراتيجي يسيطر عليه البرهان ويقع على الحدود مع جنوب السودان.

بيد أن أكثر من 10 محللين ودبلوماسيين، بل وساسة سودانيين سابقين وحاليين، يقولون إنه برغم الأبهة التي زينت زيارته الإقليمية، وبرغم الانتصارات التي حققها حميدتي مؤخراً، لا تزال قبضته على السودان غير محكمة.

في الأيام الأخيرة التقى كبار الشخصيات من الجانبين المتحاربين في العاصمة البحرينية المنامة، لمناقشة خارطة طريق تقود إلى وقف أعمال عدائية وتسوية سياسية يمكن أن تحافظ على وحدة السودان، وذلك وفقاً لمسؤولَين غربيَّين اطلعا على المحادثات. تأجلت المحادثات، مع عدم موافقة أي طرفٍ منهما على عقد صفقة.

وفي غضون ذلك، اشتدت وتيرة القتال في الخرطوم، ويتأهب الجيش- الذي يتمتع بعلاقات تاريخية مع مصر- لاسترداد الأراضي التي فقدها في مناطق أخرى، وذلك حسبما قال مسؤولا مساعدات إنسانية. وأوضح كلاهما أنه لا يزال من المحتمل أن يستمر الجنرالان في القتال حتى يصلا إلى طريق مسدود ويُقسما البلاد.

وحتى إذا انتصر دقلو، فسوف يواجه على الأرجح معارضة شديدة من جماعات المجتمع المدني، الذين يشكك كثيرون منهم في وعوده التي يقدمها أمام المجتمع الدولي بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية.

قالت رشا عوض، المتحدثة باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، وهو ائتلاف يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك: “قالوا إنهم يريدون هزيمة القوى الإسلامية، وإنهم بعد ذلك يدعمون الحكم المدني، لكنهم ليسوا قوى ديمقراطية، إنهم قوى عسكرية يريدون السيطرة على البلاد بالقوة”.

وأوضحت رشا عوض أنه سيواجه أيضاً انتفاضات من الجماعات المسلحة، والإسلاميين، والقبائل الأخرى التي قاومت تاريخياً قوات الدعم السريع. وأضافت: “ثمة صعوبات كبيرة أمام حميدتي للسيطرة على السودان كله، في ضوء الانقسامات العميقة بين السودانيين، وبسبب افتقار حميدتي نفسه إلى الخبرات اللازمة لحكم بلد معقد”.

ولد دقلو، الذي يُعتقد أنه في أواخر العقد الخامس من عمره، لعائلة من تجار الجمال الذين وصلوا إلى دارفور من تشاد في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. وقد واجه منطقة تضم حوالي 80 قبيلة وجماعة عرقية، عاشوا معاً بسلام على مدى قرون.

لكن عقوداً من الكوارث المناخية وسوء الإدارة المركزية دفع أبناء السكان غير العرب لإطلاق ثورة مسلحة ضد الحكومة في عام 2003. انضم دقلو إلى قوات الجنجويد وحوَّلها إلى أداة رئيسية في يد نظام البشير، في قتاله الوحشي، الذي لاقى إدانة دولية، ضد التمرد المسلح.

“لا يريدون نتيجة ديمقراطية في السودان”

وبينما يضغط مقاتلو قوات الدعم السريع في هجومهم، فإنهم بذلك لا يساعدون دقلو في التخلص من تلك الصورة. تقول الجماعات الحقوقية ومحققو الأمم المتحدة إنهم يرهبون السكان في السودان، وينهبون ويغتصبون ويقتلون دون عقاب، وينفذون هجمات واسعة ضد المدنيين والبنى التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس.

في نوفمبر/تشرين الثاني، قتلوا أكثر من 1300 من أبناء قبائل المساليت في أردمتا غرب دارفور، وهي واحدة من أكبر جرائم القتل الجماعي خلال الحرب، وفقاً لجماعات حقوق الإنسان.

لكن الدبلوماسيين يقولون إن دقلو أبدى استعداده للعب على الجانبين، إذ يستبدل البدلات المصممة خصيصاً له بالزي العسكري، من أجل توطيد علاقات أدفأ مع الولايات المتحدة.

اتضح ذلك في إثيوبيا، المحطة الثانية التي توقف فيها دقلو في جولة العلاقات العامة التي انطلق فيها، حيث حط رحاله في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا على متن طائرة فاخرة تنتمي لشركة مملوكة من أحد كبار مستشاري الرئيس الإماراتي، وذلك وفقاً لبيانات تتبع الرحلات الجوية التي جمعتها وكالة Bloomberg.

بحسب الدبلوماسيين الغربيين، قال دقلو هناك إنه كان على استعداد لخوض محادثات مع البرهان، الذي كان محتمياً بدرجة كبيرة في مدينة بورتسودان الساحلية، التي تعد البوابة الرئيسية للبلاد إلى تجارة البحر الأحمر، والتي تضم أهم المنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة.

تتغير خطوط المعركة باستمرار، ولكن فيما بين الجنرالين اللذين يتنافسان على السيطرة، والأطراف الخارجية التي يدفع كل طرفٍ منها برهانه على حصانه، تبدو النتيجة النهائية واضحة.

قال جوناس هورنر، الخبير المستقل المتخصص في الشأن السوداني الذي يقدم الآن استشارات إلى وزارة الخارجية الأمريكية: “الأطراف الأقوى في السودان -الإمارات، ومصر، والسعودية- متحدة جميعاً على شيء واحد هو أنها لا تريد نتيجة ديمقراطية في السودان”.

عربي بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب