
كيف يتكون وعي الإنسان ….
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
هذا سؤال كبير، يصعب الإجابة عليه، ولكن أستاذا فذا في الفلسفة (جامعة دمشق)هو طيب الذكر عليه الرحمة الدكتور نايف بلوز درسنا موضوعات فلسفية بالغة العمق، منها كيف يتكون وعي الإنسان، وسأسرد تجربتي الشخصية، وهي ليست بعيدة أبداً عن ما تلقيناه من دروس على مقاعد الدراسة الجامعية الأولية والعالية.
الإنسان اليقظ النبه المنتبه، هو من يراقب كل ما يدور حوله، يدور ولا يكتفي بمشاهدة الظواهر السطحية، بل وتلك العميقة تلك الغير ظاهرة، وبذلك يدرب حواسه على التقاط ما يتكرر منها، وما يبدو أساسيا في الظاهرة المتكررة، ربما تكون هذه اليقظة الذهنية تسمى بالفضول (كما يفعل الأطفال حين يكثرون الأسئلة لذويهم، لأبائهم خاصة)، أو الرغبة في المعرفة، وتخزين ما يحصل عليه من معارف، وبدرجة الانتباه، والقدرة على التخزين (كجهاز الكومبيوتر)، ثم القدرة على استعادة الخزين واستخدامه في تجاربه الابتدائية. وهنا تكمن أولى القدرات على التطور العقلي والذهني للإنسان.
الوعي يتكون عبر سلسلة من التشكلات، وهذه هي خلاصة التجربة الذاتية، والتجارب الجمعية، والتعلم من خلال القراءة والتثقيف الذاتي، والتعلم عن طريق المحاكاة والتقليد، ومن خلال التجربة والتعييث، وهذه بمحصلتها ستقود إلى إدراكات، ومجموعة الإدراكات ستقود إلى وعي بجزئية، التي بمجموعها يؤلف الوعي. والوعي بتقديري هو قدرة أي إنسان على تقدير عواقب أي فعل يقوم به هو أو غيره من الجمع المحيط به، وبمعرفة عميقة لقوانين التطور سيكون بوسعه التقدير بدرجة عالية من الدقة، وبتوظيف شامل متلازم للقدرات. فسيكون بوسعه مثلاً أن يقدر الوقت اللازم لغليان لتر واحد من الماء، وبدرجة حرارة معينة، بيد أن الغليان سيحتاج لوقت أقل لنصف لتر، وبدرجة حرارة ضعف تلك التي تعرض لها لتر الماء. وأن يصيغ من هذه التجربة قاعدة : أن أي زيادة في الكمية تغير النوعية. وهذا سيوصلنا إلى قاعدة مهمة أن الإنسان المتعلم جيداً والعميق التجربة، ستقل أخطاؤه. والأكثر صلاحية في الممارسة العملية.
وعلى صعيد الفرد الواحد، فإن وعي الإنسان بموضوعة معينة، تعني إحاطته بآلياتها، وبدرجة وعيه، وباستحضاره وباسترشاده بمغزى النظرية العلمية والتجربة العملية، سيكون بوسعه توظيف هذا الوعي.
ولكن الشعوب تسعى إلى خلق وعي جمعي، وهذه ستنجم عن تجربة جماعية سيستغرق تشكلها وقتاً أطول، بناء على تفاوت قدرة الافراد على إدراك عمق التجربة وأبعادها، ومغازيها الظاهرة والكامنة، وقد يستغرق هذا وقتاً غير قصير (بحسب التعقيد في التجربة) والأفراد الطليعيون المولجون بدراسة الظواهر من رجال الفكر والمثقفين، والقيادات السياسية والاجتماعية، حتى يتكامل التراكم بدرجة أن الإشكاليات المعقدة تبدو بسيطة بسبب التدريب المتواصل على التعامل مع القضايا والإشكالات المطروحة.
التجارب التاريخية، وإجمالي خلاصات الثقافة الشعبية، والاساطير، والعبر والحكم الشعبية التي هي خلاصة لثقافة متعددة الأصعدة
الوعي الجمعي لكنهة التفاعلات تزيح أختام السرية وتكشف ما يحاول أصحاب الشأن إخفاؤه، وتغليفه، بهذه الدرجة أو تلك من المهارة والاحكام، ولكن لا يمكن التعويل على جهل الناس إلى الأبد، فأعقد القضايا تزيح عنها الادراكات العلمية وانتشار التعليم، محاولات التعتيم، لذلك تجد أن الجهات الظلامية أول ما تخشاه هو العلم والتعليم. وهذه معركة لم تتوقف يوماً، تدور بقوة في قلب المجتمعات، مذ أقدم العصور وحتى وعصرنا الراهن.
والثقافة الجمعية هي أولى منجزات العيش المشترك البناء، والذي منه ومن خلاله ستنسج روابط جمعية عميقة، فمن خلال تجربة العيش في أوربا، لاحظت مثلاً أن الأكراد العراقيين، يختلفون كثيرا “أقول كثيراً ” عن أكراد تركيا وإيران في كثير من الخصائص ويقتربون من سائر العراقيين، ومن نافلة الكلام القول، أن العراقيين بكافة أطيافهم، (أعراقهم والتزاماتهم الثقافية) هم قريبون لبعضهم جداً، وقد حاولت جهات أجنبية لا تريد الخير للعراق والعراقيين، وهذه الجهات الخارجية هي ذاتها تكيد وتخيط المكائد، وهي في ذلك لا تريد أن تشاهد هذه المكونات متفقة، ففي أتفاقها تراجع وانحسار لنفوذهم ….. وهم فشلوا بعد 22 عاماً في كل ما فعلوه وسيفشلون أكثر، لأن ما يقترفونه من أفعال هي ليست تاريخية، وكل حركة غير تاريخية مصيرها في مهب الرياح… هذا ضياع جهد ووقت … في زمن الهدر الإنساني.