منوعات

طفل غزّة يتساوى في قيمته الإنسانية مع كافة أطفال العالم وقتل الأطفال قتل لفكرة الحياة

طفل غزّة يتساوى في قيمته الإنسانية مع كافة أطفال العالم وقتل الأطفال قتل لفكرة الحياة

بيروت /زهرة مرعي

يستمر معرض مؤسسة رمزي وسائدة دلول للفنون DAF في بيروت «أمير غزّة الصغير» إلى 15 نيسان/ابريل المقبل. أقيم المعرض بالتعاون مع المتحف الفلسطيني في بيرزيت في الضفة الغربية ـ فلسطين. ويشكّل هدية لأطفال غزّة الأبرياء، ومستوحى من تمثال برونزي للفنان اللبناني شوقي شوكيني وعنوانه «الأمير الصغير: طفل غزّة 2010». وكذلك مستمد من رواية «الأمير الصغير» للكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري، ومن كتاب «الأمير» للكاتب الإيطالي نيكولو مكيافيلي.

المعرض التحية لأرواح الآلاف من الشهداء الأطفال ترك أثراً بالغاً لدى المتفرجين، وأظهر وعياً من الجمهور بدور الفن في حياة البشر، وبتجسيده لمراحل مفصلية من حياة الشعوب، وفلسطين مثال بالغ الدلالة.
هنا حوار مع القيمة على معرض «أمير غزّة الصغير» وفاء الرز:
○ كيف وجدت مؤسسة دلول للثقافة سبيلها إلى معرض «أمير غزّة الصغير»؟
• لنبدأ من العنوان «أمير غزّة الصغير» إنها منحوتة برونزية تتوسط المعرض، وتنتمي للمدرسة التكعيبية. نفّذها الفنان اللبناني شوقي شوكيني سنة 2010 وأهداها لأطفال غزّة الذين تعرّضوا حينها لقصف صهيوني دموي مروع. وعندما أصبح العدوان على غزّة في منتصف شهر اكتوبر 2023 فجائعياً، قررنا في دار دللول للثقافة البدء بإحصاء أسماء الشهداء من الأطفال الذين يبيدهم الصهاينة. ففكرة المعرض تنطلق من تسليط الضوء على الأطفال ونسبتهم 60 في المئة من الشهداء في غزّة. افتتحنا المعرض في 20 كانون الأول/ديسمبر، وحينها كان عدد الأطفال الشهداء بحدود الستة آلاف. الرقم كان صادماً، والآن بات أكبر بكثير. وكان إصرارنا الحصول على أسماء وأعمار هؤلاء الأطفال الشهداء. دوّنا بطاقة هويتهم من أسماء وتاريخ الميلاد والاستشهاد على قطعة مستطيلة، مستوحاة من رأس منحوتة «أمير غزّة الصغير». وثقنا المعلومات من موقع وزارة الصحة في غزة، وتمكنّا من تسجيل 2660 اسماً. ولاحقاً بات الشهداء من الأطفال مجهولي الأسماء وفاقوا 16 ألف طفل.
○ الأطفال الشهداء شكلوا حافزاً للمعرض فماذا عن عشرات الأعمال الفنية التي تملأ جنباته؟
• شكّل الأطفال نقطة ارتكاز، كانوا وما زالوا رقماً مرعباً لضحايا العدوان المستمر. الاعتداءات الصهيونية على الشعب الفلسطيني تزيد على المئة عام، ولهذا تحيط باقي الأعمال الفنية بهذا النصب الحامل لبعض أسماء الشهداء الذي صممه ونفّذه دار دلول للثقافة، وتوسط النصب منحوتة شوقي شوكيني البرونزية، وعلى طرفه تمثال صغير لحنظلة. للمعرض دلالتان، الأولى عنوان «أمير غزّة الصغير» الذي استوحيناه من رواية «الأمير الصغير» للكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري، الذي يُظهر بساطة وبراءة الطفل الأمير الذي كان يجول في رحلاته، ويلتقي بالبالغين ويلمس المصاعب اليومية للحياة. عندما بدأ الأمير الصغير يكبر ويراقب ورْدَتَه التي خسرت أوراقها الخضراء، تأكد أن الأمور ليست بالبساطة التي يعتقدها، وأن الإنسان مسؤول عن الشخص الذي يحبه. ومن جهة ثانية استوحينا من كتاب «الأمير» للكاتب الإيطالي نيكولو مكيافيلي الأكثر تعقيداً من سابقه. كتاب يُظهر أن الحاكم الذي يقود البلد يحق له ما يشاء، فالغاية عنده تُبرر الوسيلة. من خلال هذين النصين سعينا لإيصال الرسالة التي نريدها من المعرض. والإعمال الأخرى التي يتضمّنها المعرض نفّذها فنانون من فلسطين، ولبنان، والعراق، والمغرب، ومصر وسوريا، من بينها عمل منفذ على الورق لضياء العزاوي يمثل المأساة التي عاشها مخيم تل الزعتر في شرق بيروت مع بداية الحرب الأهلية. اضطررنا لسحبه حرصاً، بعد أن لمسه الكثير من الزوّار دون قفّازات، وهو ما يزال موجوداً على موقعنا.
○ ماذا عن عبد الرحمن المزين الذي قدّم حكاية متكاملة في لوحاته؟
• بشكل عام هي حكاية المرأة الفلسطينية التي أصبحت رمزاً للأرض، والثوب الذي ترتديه تلك المرأة يُعتبر من أهم رموز الفن الفلسطيني، إضافة طبعاً إلى الزيتون والليمون. فأينما رأينا غصن زيتون وغصن ليمون نسمح لذاتنا بالقول أنه ذو صلة بالفن الفلسطيني.
○ كيف تمكنتم من تكوين معرض متكامل بين 7 أكتوبر و20 ديسمبر؟
• يتمتع دار دلول للثقافة بمجموعة صاحبه التي تتجاوز 3000 عمل فني من كافة أنحاء العالم العربي، ونحن لسنا كاليري. تنتمي المقتنيات الفنية لكافة أنحاء العالم العربي وقد بدأ بجمعها الدكتور رمزي دلول منذ سنة 1970. ولهذا حدّدت كقيِّمة على المعرض الرسالة التي نرغب بقولها، فكان الطفل في الطليعة، ومن ثمّ رموز الفن الفلسطيني، إلى منطقة الحلم الضائع، والحديقة الفلسطينية التي يرغب الكثير من الفنانين برسمها. وكان مقصوداً أن تتصدّر لوحة «الثائر» لأيمن بعلبكي مكاناً مميزاً من المعرض، وهي رسالتنا بأن الكوفية ليست تعبيراً عن الإرهاب، بل ترمز إلى الفدائي الذي يفدي بروحه، ويسوع المسيح هو الفدائي الأول عبر التاريخ. وتميزت الأعمال التي ضمتها القاعة والتي أحاطت بتمثال شوقي شوكيني بلسعة من السخرية بهدف فتح العيون على مأساوية الوضع.
○ وسخرية عامر الشوملي تأتي في طليعة تلك اللوحات؟
• وله خمسة أعمال تنطلق جميعها من علامة النصر. عامر الشوملي مدير المتحف الفلسطيني في بيرزيت. وحين تبلورت فكرة المعرض تواصلنا معه، فزوّدنا بصور لأطفال من غزّة عبر البروجكتور، صور تعود لسنة 1920 وأخرى حديثة، أظهرت أطفال غزّة في حياتهم الطبيعية، يلعبون ويمرحون ويتسبحون ويذهبون إلى المدرسة، ولديهم عائلة واحتفالات. طفل غزّة يتساوى في قيمته الإنسانية مع كافة أطفال العالم. وشكّلت أعمال عامر الشوملي نوعاً من السخرية على علامة النصر. نقل في لوحاته حقيقة ما جرى بعد نجاح حماس في انتخابات 2006 بعضهم كان يحتفل والبعض الآخر كان يعترض. قرأ الشوملي في من هالهم وقف الدعم الأمريكي لحكومة أوسلو بعد فوز حماس نوعاً من الإنفصام. لوحته تحكي الحقيقة غير المرئية في أسفلها، والحقيقة المرئية في أعلاها. الحقيقة التي قرأها أننا ما نزال مصلوبون إلى الحائط، نمد يدنا للمساعدات الدولية، ونُباع ونُشرى. إنه عامر الشوملي الفنان والناقد اللاذع.
○ كيف تفاعلت كقيِّمة على المعرض مع الجمهور؟ وما هي ملاحظاتك حوله؟
• انتظرت تأثراً من الجمهور، فنحن بصدد حرب متواصلة منذ حوالي الخمسة أشهر ونتابعها لحظة بلحظة، وليست حرباً حدثت في الماضي. لم أكن أتخيل رؤية دموع المتفرجين أمام اللوحات. نعرف تلك الأعمال ونعيش معها، لكننا بمجرد ملاحظتها نرى الفاجعة، كمثل عمل نذير نبعة عن مدرسة بحر البقر في مصر التي قصفها الصهاينة سنة 1970.
○ كيف تقرأين في لوحة أو جدارية شادي زقزوق «السماح»؟
• تُمثّل «السماح» الإبادة التي تعرّض لها اليهود في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية على أيدي النازيين. إبادة يعيد تنفيذها الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني والعالم أبكم وأعمى، وكأن العالم يعمل لغسل يديه وخاصة منهم الأوروبيون والأمريكيون من الذنب الكبير الذي اقترفوه بإبادة الشعب الفلسطيني. هذه اللوحة الكبيرة وضعت في إطار كلاسيكي لأنها تعود للتاريخ، ففي مقدمها امرأة خسرت زوجها تحمله كما حملت السيدة العذراء ابنها عيسى بعد انزاله عن الصليب ميتاً. السيدة الفلسطينية ترثي زوجها الشهيد، كما رثت السيدة العذراء وحيدها الذي افتدى العالم. لوحة تذكرنا بالتمثال الذي نفّذه مايكل انجلو «مادونا دو لا بيتّا». يسوع المسيح ضحى بنفسه من أجل البشر، وإذ بالغرب أجمع يضحّي بالشعب الفلسطيني، ليغسل يديه من إبادة اليهود. وفي اللوحة رسم غرافيتي لبانكسي يمثّل الشهيد وهو فنان غرافيتي قضى وعبوة السبري بيده. فالفنانون الذين يرسمون على الجدران منخرطون جداً في القضايا السياسية والاجتماعية اليومية التي تعيشها الشعوب، وخاصة في فلسطين. لوحة شادي زقزوق اُنجزت سنة 2017 وللمرة الأولى تُعرض للجمهور.
○ اخترتم موضوعات تركت المتفرجين يتفاعلون مع الواقع؟
• صحيح. لم تكن الفرجة فنية فقط، بل هي تفاعل إنساني كما السياسي. بعضهم بكى، ليست المرة الأولى التي نعرض فيها موضوعاً له صلة بالقضية الفلسطينية، وكان التفاعل سياسيا، حالياً التفاعل إنساني. فبعد منع لوحة ايمن بعلبكي من مزاد دار كريستيز بات الوعي أكبر بدور الفن في القضايا السياسية، ليس البشر فقط من يتعرّضون للإبادة، بل حتى الثقافة مستهدفة بحرب الإبادة. وهنا يبرز دور الفن.
○ هل من فن دون التزام سياسي وإنساني برأيك؟
• ثمة فن شخصي، آت من تجربة شخصية، وثمة فن يحكي الحياة اليومية وهي سياسة. هناك فن يجسّد الحياة الثقافية والاجتماعية، وآخر يبحث عن وجودية الإنسان بالمطلق. يصعب أن يكون الفن بعيداً عن السياسة، فهي الحياة اليومية. يعيش الفنان يومه، يشعر مع الناس في حالات الأزمات أو البهجة، باختصار الفنان هو الأكثر إحساساً بما يحيط به. وخلفك لوحة «المشهد الفلسطيني» تمّ تنفيذها سنة 1960. إنها العائلة التي يترصدها الجيش الإسرائيلي بأسلحته. وكذلك عمل يوسف عبدلكي الذي اسماه «طفل غزّة» والمستوحى من الميتولوجيا حيث التنين يفترس الطفل. «طفل غزّة» اقتنيناه كمؤسسة يوم افتتاح معرض «أمير غزة الصغير». بين عمل في سنة 1960 وآخر في 2023 الحقيقة الثابتة هي استهداف الصهيونية للفلسطينيين بالإبادة، وقتل الأطفال هو قتل لفكرة الحياة.
○ ماذا عن اللوحات الخمس المتشابهة لبشار الحروب؟
• أهدى بشار الحروب لوحاته لأطفال الحجارة. كذلك عمل الفنان بشير مخول الذي كتب بالخط الكوفي وبألوان العلم الفلسطيني «أطفال الحجارة». ضمن الإطار الذهبي وضع بشار الحروب لوحاته ووضع على رأس كل منها تاج السيد المسيح والنور المقدّس ينضح منه، لكنه بدّل بين التاج والشوك والأزهار والكوفية. مع بشار الحروب دخلنا حالة الأيقونة.
○ هل زار الطلاب المعرض؟
• زارتنا الكثير من وفود الطلاب من الجامعات، وكذلك تلامذة المدارس. كما قصدت المعرض عائلات من أماكن بعيدة، تلك العائلات رغبت بإطّلاع أطفالها على الفن الذي يحكي عن فلسطين. وهذا ما أخبرتني به أكثر من أم.
○ ختاماً؟
• لم أتوقع هذا القدر من الحساسية الإنسانية الجيّاشة حيال ما يحدث في غزّة. لم يكن التعبير ناتجاً فقط عن حالة إنسانية، بل من وعي. ما يرتبكه الصهاينة في غزّة دفع الناس لوضع النقاط على الحروف في الحالة الفلسطينية. وبالمناسبة تكررت الأسئلة حول حنظلة وكيف ولد بريشة الفنان ناجي العلّي، والسؤال لماذا تمّ اغتيال ناجي العلي؟ وحنظلة الصغير منحوتة لضياء العزاوي اسماه «توقيع».

بيروت ـ «القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب