كتب

عرض كتاب:العربية لغة العين: دراسة دلالية عرفانية المؤلف :فاطمة بكوش -عرض الدكتور وليد عبد الحي

عرض الدكتور وليد عبد الحي

كتاب قرأته(3)
وليد عبد الحي
عنوان الكتاب:العربية لغة العين: دراسة دلالية عرفانية
المؤلف :فاطمة بكوش
دار النشر: مسكلياني للنشر والتوزيع-تونس-2023
مضمون الكتاب:
يقع متن الكتاب في 411 صفحة، يضم مقدمة وخاتمة و 7 فصول ،في المقدمة تحدد الكاتبة معنى العين بين أداة الرؤيا وبين المعنى الذي نسقطه على ما نرى،وهو ما يتبدى في التمييز بين “اسم عين ” و”اسم جنس”.ويسميه الفلاسفة الماهية بينما يسميه المتصوفة العين ، وينبثق التفاعل في لقاء ما نراه (الأعيان) بما ندركه(الاذهان). وهذه الدراسة بحث في معاني العين المتعددة بمقدار تعدد السياقات النفسية والاجتماعية الثقافية التي ترد فيها وتتغير مع الزمن ويحتاج لفهمه مَلَكَة ” عرفانية “،الفصل الاول: تُميز الدراسة بين الجسم كمدلول فيزيائي وبين الجسد كوعاء للانسان. وتسهب الكاتبة في تحليل ديناميكات الادراك البصري المكاني،وتوظيف الرؤية الحسية في الرؤية اللغوية من خلال اتحاد العين والذهن عن طريق الدماغ،. وجرى توظيف نظرية “جاكندوف”(الاسقاط) والخاصة بكيفية تمثل العالم وادراكه عبر الذهن من خلال النظام البصري. لكن يمكن ان تتم عملية التواصل والإدراك دونه . وتناقش الدراسة ابعاد عدة اهمها :المقولة(كيف نتمثل العالم من حولنا وكيف نكتسب المعلومات عنه) ونظرية الطراز( المرجعية المعرفية لمقولاتنا أو أنساقنا التصنيفية، فهناك معيار يتم على اساسه التصنيف لكل مفردة دون نفي ان بين هذه المفردات ” تشابه عائلي” من خلال تراتبية (نظرية روش) تقوم على اساس المستوى الاعلى والقاعدي والأدنى. ثم بُعد ملكات المعرفة من الحواس(أيها يحدد المعنى والدلالة اكثر مثلا العين ام الأذن؟ أم ان الأمر تكاملي بينهما ؟ وهو ما يتضح في نموذج تضخم دور العين عند الأصم. او في مدلول الشعار الذي هو صورة او رسم تحوله العين الى كلمات.، وهو ما يندرج تحته مفهوم المراجع العمياء التي هي بمثاية بوابة المعاني العرفانية. تنتقل الدراسة الى تطبيق حرف العين لفظا وابدالا وشكلا من خلال مقارنتها بالحروف الاخرى لتصل الى ان العين هي الحرف الاعمق متوافقة في ذلك مع الفراهيدي الذي جعل العين أول الحروف بدلا من الالف لأنها “خاصية عربية” ، وللعين توابع خارجية وداخلية (الاهداب والجفون والبؤبؤ..الخ)لها معان بيولوجية ومعان نفسية ومعنوية وتشرحها الدراسة بالتفصيل وبرسوم توضيحية -الفصل الثاني(العين في لسان العرب) ويناقش لماذا تتعدد دلالات المفردة الواحدة؟ ، ثم تستعرض التداعيات المترتبة على كل معنى (قاعدي او فرعي او مشتق) بامثلة عديدة(صفحة 92 مثلا فتح عينيه..الخ) وتنتقل الى جزء اخر من لسان العرب في الربط بين العين والمال (وما تنطوي عليه من دلالات الحساب والجزاء..الخ) والماء(المكان ودلالاته الواسعة) والشمس( نقول عين الشمس لماذا ليس عين القمر ) والحسد(العين بوابة النفس) والنظر( اي أن كل حركة للعين لها معنى مختلف(الجدول 117)-الفصل الثالث:العين في النص القرآني:وردت 65 مرة يتم سرد بعضها وشرح معناها، وحصر معناها في ثلاثة محاور: الباصرة، عين الماء، والنفس(أو القلب) وهي في تكاملها معا تعطي المعنى الثالث العرفاني النفسي-الفصل الرابع: العين في تفسير الاحلام، وهنا تستعرض التفسير بناء على طبيعة العين في وقائع الحلم من ناحية(هل كانت في الحلم عين يسرى ام يمنى مثلا) وطبيعة الفعل المتعلق بها من ناحية ثانية(وترتبط غالبا تأويلات العين بالموت والحياة في اتجاهات ثلاثة هي المال والاولاد والدين)) وهو ما يتكرر في دلالات اجزاء العين في تفسير الاحلام(الحاجب، الاهداب، لون العين،،نظرة العين،) واغلب ذلك استنادا لتفسيرات ابن سيرين.- الفصل الخامس العين في فقه اللغة. وبُني الفصل على كتاب فقه اللغة للثعالبي( صفات العين وارتباطها بالثقافة العربية مع تركيز على دلالات اللون الاسود ) وربط شكل العين بدلالات معينة او معايب العين او ما يصيب العين من العوارض(الحوادث: الغؤور وتغير أشكال العين والكَلَل اي ضعف العين ثم ينتقل الى امراضها.، الفصل السادس: العين في الامثال العربية: اذا كان المثل هو تعبير لغوي مختصر محبوك بخبرة انسانية فان علاقته بالعين طبيعية في ظل انها هي التي توفر رؤية معطيات الحياة بالمعنيين المادي والعرفاني، وهنا تلتقي العين بالمثل، فتعطي للعين معنى لا يكشفه الا السياق ، وهنا تُبدي لنا الأمثال تباين دلالات العين الجارحة(العضو البيولوجي) والعين العرفانية التي تحول المرئي الى تداعيات نفسية عميقة او مباشرة كما لاحظنا في الامثال والاحلام.- الفصل السابع: العين في الشعر العربي: هي ليست احادية الدلالة، فهناك عين الشاعر وعين قارئ الشعر، وعين العاشق وعين المعشوق..الخ، وعين الغزل لاسيما في الشعر القديم هي الطاغية، وهي عين قد تقتل كما عند جرير ، لكنها قد تحيي كما عند بشار بن برد وهو الاعمى الذي وظف البصيرة بدل البصر.، وللعين لغاتها كما عند بهاء الدين زهير، وتتعدد المعاني لكن السياق هو معيار وعي المعنى، وفي الشعر الحديث حيث تغير السياق تتعدد الوان العين الى حد الحيرة كما يقول محمود درويش الذي صارت العين عنده هي الوطن، وصارت اوصاف العين عنده هي اوصاف الوطن.، ولكنها عند نزار قباني هي البحر الذي يبحر فيه، وعند نازك الملائكة والسياب توثيق العلاقة بين العين والاسطورة بكل ما في الاساطير من فوضى.- الخاتمة- تلخيص لمضمون الدراسة
منهجية الكتاب:
تقع هذه الدراسة في انتمائها العام ضمن فقه اللغة وفي فرعه الخاص علم الدلالة بأبعاده المعجمية والسياقية الصوتية، وإاذا كان لعلم الدلالة مناهج منها الفلسفية (الوجود والحقيقة والعقل) واللغوية ( تحليل اللغة وتراكيبها الدلالية ) والمنهج الاجتماعي (دراسة الدلالة من خلال كيفية تشكل المعنى لمفردات اللغة ومفاهيمها في سياق اجتماعي وثقافي محدد)، فان هذه الدراسة تقع ضمن هذا السياق المعرفي. وقد اعتنت الدراسة بربط حرف معين(ع) بسياقات المجتمع العربي من نصوص دينية وشعر وامثال واحلام ..الخ .وكانت الباحثة ناجحة للغاية في الغوص في الأبعاد العرفانية بشكل خاص في الربط بين الابعاد الثلاثة لدراساتها وهي الحرف (ع) ومدلول الحرف بيولوجيا(العين الجارحة او المبصرة) والمعاني المتغيرة لكلمة العين ، وتمكنت من نبش المعاني المتوارية في كلمة عين من خلال تمرير المفردة في سياقات نفسية (العقل الباطن والمنظور الفرويدي ودلالات الحسد ..الخ) واجتماعية( القبيلة او الذكورة والانوثة ..الخ) او السياق الروحي والديني( الآيات القرآنية) او الانتاج الادبي (الشعر والامثال..الخ) .ولولا استطرادات محدودة وبعض التكرار –احيانا كان ضروريا- ،فان الباحثة لم تخرج في مضمون مادتها العلمية عن موضوعها، ورغم ان التفرعات في موضوعات البحث في الفصول السبعة كانت قرابة 80 فرعا تغطي الأجزاء التشريحية للعين وبعض مظاهر الطبيعة والشعر والنصوص الدينية، إلا انها بقيت تدور في محور العلاقة بين دلالة العين بين الحرف والبصر والسياق وكيف تتوالد المعاني وتتماثل وتتنافر تبعا للسياق .
لقد جمعت الباحثة وقارنت بين توجهات مختلفة وسياقات مختلفة ، فنراها تحاور وتقارن بين اهل الميدان مثل دوسوسير والفراهيدي والجاحظ وابن منظور وذي الرمة وبشار بن برد ومحمود درويش ونزار قباني وغيرهم كثير ، ينتمون لأزمنة مختلفة وبُنىْ ذهنية مختلفة لكنها آلفت بينهم حول العين كحرف او كمعنى ضمني او متواري للعين الناظرة لتقدم لنا “عجائب اللغة”.
مناقشة الكتاب:
تنتمي هذه الدراسة الى علم الدلالة العرفاني الذي هو مقاربة ذهنية للتفاعل النفسي مع اللغة من خلال تحديد المعنى استنادا الى السياق الثقافي الذي انتجه من ناحية والدلالة اللغوية من ناحية اخرى ؟ ومحور الدراسة هو حرف “العين” في العربية شكلا وصوتا ، فالعين هي جسر الترابط بين العين الحسية(التي تبصر) والعين العرفانية (التي تُلبس معنى لما نُبصر” و تتناول الباحثة هذه المسألة التي يتشابك فيها الحرف(ع) والعضو البيولوجي(العين) من خلال الامثال والاحلام والشعر والقرآن لترجح ان العربية هي “لغة العين” لا استنادا لتحليل معجمي بل استنادا “للعرفان” كمقدمة لربطه لاحقا بالمعجم العربي الذي جعل من العين مرادفا للرؤية أو الإبصار، ذلك يعني ان لدينا عين مبصرة(الرؤية الخارجية ) وعين عرفانية (رؤية داخلية)، ولكل منهما دور في بناء المعرفة. وتربط الدراسة بين الأشياء المرئية والنشاط الذهني في العقل والذي يتجسد في ان الذهن يتمثل المعنى من خلال وحدات لغوية ، لنصل في المرحلة الثالثة الى الربط بين دلالة الحرف(ع) معجميا ودلالته عرفانيا(المعنى ) وبوصلتنا في هذا الربط هو السياق . واذا كان تحليل المضمون(Content Analysis) في العلوم الاجتماعية يحدد معنى المفاهيم من خلال سياق النص، فان الامر هنا أكثر تعقيدا لأن مادة البحث هي الحرف، والسعي للربط بين “شكل الحرف-وهو هنا -ع – منفردة أو مرتبطة –مع او متوسطة سعيد- من ناحية، وتجسد الحرف في مدلول عضوي بيولوجي مناظر له في اللفظ ( العين ) من ناحية ثانية،ثم ربط ” المعاني ” لمفردة “العين ” في مختلف النصوص الفكرية والفلسفية والأدبية التراثية او المعاصرة من خلال السياق الاجتماعي والثقافي بكل من العين المبصرة(او الجائحة كما ترد في الدراسة) وشكل الحرف منفردا او مرتبطا من ناحية ثالثة . وتميل الكاتبة الى دعوة لاعتبار اللغة العربية هي “لغة العين ” وترى ان ذلك اكثر دقة من اطلاق صفة “لغة الضاد “على العربية. لا شك ان في الدراسة لمحات ذكية في الربط بين “الحرف والعضو والدلالة العرفانية “، لكن ربط المعاني اللغوية المتعددة “بعضو” بيولوجي ليس جديدا ، فهناك دراسة : حسن ياغي-الاشتراك الدلالي في الفاظ اجزاء الجسد:القلب انموذجا، مقاربة ادراكية، فهذه الدراسة تعمل على الكشف عن البنية الإدراكية التي تجمع المعاني المتعددة للـ ’القلب‘ والكشف عن شبكة العلاقات الدلالية بين المعاني المتعددة التي يحتويها والتي تشير الى أن التوسعات الدلالية والاستعمالات الاستعاريّة والكنائيّة لكلمة ’القلب‘ تتصل بنسقنا التصوّري الذي هو انعكاس للسياق الثقافي والاجتماعي الفردي والجمعي. ثم هناك دراسة أخرى لا تقتصر على دراسة حرف واحد،بل تدرس كل الحروف العربية ومن منطلق يتقاطع مع هذه الدراسة، وتحاول –ولو بايجاز- الربط بين الحرف شكلا وصوتا ثم ربط ذلك –أحيانا- بالدلالة العامة او الخاصة : انظر : مزوز دليلة- سيميائية الحرف العربي: قراءة في الشكل والدلالة ، وهي دراسة منشورة .
ذلك يعني ان هذه الدراسة بنت على ركائز موجودة( ويكفي النظر في مراجع دراسة مزوز دليلة التي اشرنا لها) ، لكنها أثرت ادبيات الموضوع بتركيزها على حرف واحد وهو حرف “العين ” وهو الحرف الذي جعله الفراهيدي أول حروف معجمه ، وكانت في اغلب الاحيان مقنعة في الربط بين الحرف شكلا وصوتا وبين الدلالة لا المباشرة فقط بل والعرفانية وهو الاكثر صعوبة، اضافة الى ان الباحثة ربطت الحرف (ع) والعضو(العين) بمظاهر الطبيعة(الماء، الشمس النخيل…الخ) وبعلم النفس( العقل الباطن وتأويلات ظهور العين في الاحلام) وفي التراث الشعبي(الامثال ) وفي الادب( الشعر العربي القديم والحديث ) وفي النص القرآني( حيث وردت :العين الباصرة والبصيرة، والحور العين،وقرة العين ..الخ) ، ناهيك عن فقه اللغة، وكل ذلك لا يعني أن الباحثة أسست مشروعا بل طورت ما هو قائم، ويكفي الاشارة الى كتاب الباحث العراقي عالم سبيط النيلي: الصادر عام 2008 في الدار البيضاء بعنوان: اللغة الموحدة والذي اكد على رفض نظرية الحروف الاعتباطية(أي ان الحروف جاءت اعتباطا) والتي تبناها بعض اليونان وأعاد التأكيد عليها العالم السويسري دو سوسير(ت.1913)، وهو ما يؤكد ان الباحثة وظفت ولم تؤسس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب