ما المواطَنة؟
ربما يكون السؤال حول المواطنة من أكثر الأسئلة التي شُغلنا بها على مدى عقود. فلقد اجتهد الكثيرون من أجل صياغة تعريفات وتفسيرات حول معنى المواطنة ودلالتها، ما أنتج حرصًا على تثمين باب الحقوق والحريات في دساتير ما بعد “الحراكات” العربية. والسؤال الذي أظنه مشروعًا، هل جنى المواطن العربي حصاد مطالبه الحراكية والنصوص الدستورية الحقوقية الثمينة؟.. من هنا يأتي سؤالنا عن المواطنة وماهيتها.
لا نسعى من سؤالنا الأولي/المبدئي أن تأتي الإجابة في صورة صياغات تضاف إلى زخم التفسيرات والتعريفات السابقة، أو تتحوّل إلى نصوص دستورية معدلة أو جديدة، وإنما القصد من إعادة طرح سؤال “ما المواطنة”؟ مجددًا؛ هو الالتفات إلى أنّ سؤال المواطنة ليس هو من الأسئلة التي تُطرح لمرّة واحدة ومن ثم يتم الإجابة عنها وينتهي الأمر. ولكنه سؤال “دينامي” متجدد لأنه يرتبط بالسياق المجتمعي لا النصية الدستورية. أي أنه ينطلق من الواقع، بلغة أخرى متى طرحنا سؤال: ما المواطنة؟، علينا أن نتوجه بأنظارنا إلى الواقع ونرصد أمرين هما: أولًا: حدود الممارسة المواطنية في شتى المجالات، ثانيًا: إلى أي مدى يتم تفعيل النصوص الحقوقية الدستورية عمليًا على أرض الواقع.
ونحن ننطلق من مقاربتنا للمواطنة باعتبارها تجسيدًا: لحركة المواطنين الدؤوب – النضالية من أجل: أولًا: “اكتساب الحقوق”، وثانيًا: “المشاركة”؛ في شتى المجالات. وثالثًا: “المساواة التامة”. ورابعًا: “اقتسام الثروة العامة على قاعدة اقتصاد إنتاجي”.
بلغة أخرى، لا يعني النص على المواطنة دستوريًا أنّ المواطنة سوف تتحقق تلقائيًا. ومن ثم يجب أن نميّز بين ما أطلقنا عليه في دراسة مبكرة، بين دساتير “الحركة الوطنية”، وبين دساتير “ولي الأمر- صاحب الغلبة”، فالأولى تأتي لتترجم نضالات المواطنين في سياق مجتمعي محدد، وتأتي النصوص لتعبّر عن حصيلة النضال وتوازنات القوى المجتمعية/الطبقية/السياسية في لحظة تاريخية معينة. والمحصلة تُفعل النصوص ماديًا وتضيق الفجوة بين النص والواقع بضغط “الحراك المواطني”.
أما الثانية فتفرض قسرًا من أعلى ولا تعبّر إلا عن مصالح القوة المهيمنة على مقادير الأمور بمعزل عن السياق المجتمعي/الطبقي/السياسي وتوازناته وتفاعلاته وصراعاته، حيث تُغيّب المواطنة قسريًا من أعلى، أو تَغيب إراديًا بامتناع المواطنين عن المشاركة خاصة مع تنامي العراقيل التي تحول دون الممارسات “المواطنية”.
ونشير هنا إلى أنّ نصوص دساتير “أولي الأمر/أهل الغلبة” قد تكون مثالية، وربما بالغة المثالية، ولكن “المثالية النصية” في هذه الحالة لا تزيد عن أن تكون تجميلًا للنظم السياسية لأنّ تفعيلها، وإتاحة المجال من أجل تمكين المواطنين من منظومة الحقوق، إنما يتناقض مع مصالح “أولي الأمر/أصحاب الغلبة”.
ولعلّ ما سبق يفسر لماذا تصبح مكتسبات المواطنة التي يتم اكتسابها بفعل حركة المواطنين النضالية “فعلًا تاريخيًا متقطعًا غير مستدام”؛ يبدأ وينطلق ويؤسس لحقوق تاريخية ويبلور نصوصًا دستورية تعبّر عن الحركة النضالية/الوطنية ثم يحدث الارتداد على ما تم اكتسابه من مكتسبات مواطنية. فبعد أن يتحرك المواطنون من دوائر الانتماء الأولية (العشيرة، القبيلة، الطائفة،…،إلخ) وينخرطون في المجال العام الجامع للمواطنين على اختلافهم، وبعد أن توحد بينهم الهموم ومن ثم ينتظمون في تشكيلات سياسية ومدنية حديثة، وبعد أن تجمعهم الولائية الوطنية الدستورية ويتحركون يطالبون بحقوقهم بما يحقق الخير العام والمصلحة العامة على الجميع، نجدهم يرتدّون على كل ما سبق.
عروبة 22