وليد عبد الحي
عنوان الكتاب: المدرسة والذكاء
المؤلف: مبارك ربيع
دار النشر : المدارس للنشر والتوزيع-الدار البضاء-المغرب-2022
مضمون الكتاب:
تقع الدراسة في متنها في 537 صفحة، توزعت –الى جانب المقدمة والخاتمة – على خمسة ابواب،موزعة على 19 فصلا.، اكدت المقدمة على نقد مدى مواكبة المدرسة العربية للتطور.أما الباب الاول (باتجاه مدرسة للذكاء)،فتناول في الفصل الاول(المدرسة ورهان الحداثة) : العلاقة بين المدرسة والتطور ،لينتقل الى مفهوم الحداثة بصفته نتيجة لارهاصات سبقته واسست لدور العقل والعلم التجريبي واستقلال الحقائق العلمية عن الحياة الدينية دون نفي بالضرورة الايمان الروحي. ويشير الكاتب الى علاقة الحداثة التربوية(مؤسسات التعليم) والحداثة المجتمعية والتاثير المتبادل بينهما، ثم ينتقل الى المدرسة المغربية ومدى اتساقها مع الحداثة، مشيرا الى تاثير المدرسة الفرنسية في هذا الجانب مع نقد للمدرسة الفرنسية ،. الفصل الثاني:من اجل بيداغوجيا مقتصدة: العلاقة بين العملية التربوية وبين بعدين اقتصاديين هما: النفقات والمردود ،. ويناقش مراعاة مراحل النمو(تراتيبية المنهاج الدراسي) او العامل الارادي(الوعي بالقدرة الذاتية) والفاعلية التعليمية(توليد الانتباه والتركيز) وتقصير وقت التعليم(يتوظيف التكنولوجيا) الى جانب عرض مشكلات تعليمية مثل الانقطاع عن الدراسة، تغيب المعلمين،اكتظاظ الصفوف بالأعداد الكبيرة من الطلاب و الاكتظاظ المعرفي(تعدد اللغات، وكثرة الاختبارات ، وطبيعة الامتحانات، الفصل الثالث: الذكاء وظيفة مدرسية: بعد تعريف الذكاء يعدد انماطه (اللفظي اللغوي-المنطقي الرياضي- البصري-المكاني-الموسيقي الايقاعي- الجسدي الحركي- العلائقي) وينبه الكاتب الى بعض اثار التكنولوجيا على العملية التربوية(تكريس المطلقية المعرفية، الخمول الذهني)،ثم يكشف مواضع القصور في التعليم العام والخاص. الباب الثاني: عبر القيم -الفصل الاول باتجاه بيداغوجيا القيم, تعريف القيم ودينامياتها وثباتها النسبي وتاثير التكنولوجيا عليها نحو قيم انسانية مشتركة ثم عرض دور القيم في البعد التربوي من خلال تاثير التكنولوجيا. وفي الفصل الثاني تناول العلاقة بين المدرسة والديمقراطية مع التاكيد ان الديمقراطية ليست فقط امرا سياسيا ، بل يؤكد على ان الديمقراطية تتمظهر في المجتمع من خلال جوانب عديدة ومن هنا ياتي دور المدرسة في تكريس هذه القيمة،.ويؤكد ان العلوم كلها (اجتماعية وطبيعية ) تنطوي على ابعاد ديمقراطية يمكن تكريسها في المدرسة عبر الممارسة لا التلقين. في الفصل الثالث:المدرسة والعدالة التشاركية ، ويعرف بشكل عام مفاهيم العدالة والعدالة الانتقالية(تجاوز اخطاء الماضي) والعدالة التوزيعية مركزا على اشكالية مفهوم النقطة الوسطى بين طرفي الخصومة، ثم ينتقل لتطبيق كل ذلك على المدرسة، ،في الباب الثالث(في النموذج البيداغوجي)-الفصل الاول (توجهات ومبادئ)، وبعد تعريف النموذج البيداغوجي، يتابع الابعاد الخاصة بالنموذج من تخطيط،وممارسة وبخاصة انعكاسات التكنولوجيا على مدى ديمومة صلاحية النموذج واستفادته من النماذج العالمية الاخرى من بيئات مغايرة،في الفصل الثاني (المجتمع التربوي) والذي يتمثل في المؤسسات التربوية ثم يقارن بين حال هذه المؤسسات والمنشود منها، ، ثم يتابع التحولات القيمية في هذه المؤسسات، والتي تتبدى في بعض المظاهر مثل ،الخطاب المتداول في اللغة- التذمر و الانفعال- التنمر الالكتروني، الانتحار،العدوانية و التبريرية- في الفصل الثالث(الانتاج التربوي) ويقصد به التراكم المعرفي في ميدان التربية والتكوين مع التركيز على ما يجب ان يكون ثم يستعرض منشورات المغرب في هذا الميدان واهم الموضوعات المتداولة في هذه المنشورات ثم نقدها من حيث مناهجها ومضمونها وراهنيتها .الفصل الرابع :الفضاء اللغوي مع التركيز على تفاعل اللغات وعدم قداستها، ثم امكانية تعددها في المجتمع الواحد ناهيك عن ثنائية الشفوي والمكتوب0 سواء كان التعدد عفويا او طبيعيا او تعددا ضروريا(للتعامل مع الآخر)،او اختياريا (من باب المثاقفة) ثم يطبق هذه النماذج على الحالة المغربية،في الفصل الخامس (المدرسة والمعرفة) جاعلا من مفهوم الادراك بانه “عتبة المعرفة”. في الفصل السادس (المعرفة التطبيقية) والتي تستوجب مراعاة الظروف المحيطة في نطاق التعامل مع العلوم الطبيعية بشكل خاص،وهو مدخل لتفسير الفجوات في المعرفة التكنولوجية والتي تشكل المدرسة احد حواضنها. في الفصل السابع( المعرفة الانسانية) ويناقش اليات تطور المناهج العلمية وتبايناتها تبعا لتباين الميادين المعرفية بخاصة في التعامل مع الظواهر من منطلق الحتمية والاحتمالية-الفصل الثامن(المعرفة الفنية).وهي معرفة حدسية يتم التعبير عنها بلغة رمزية لكن لها بعدا تربويا يقوم به المربي او المعلم من خلال تطوير المعرفة الجمالية والذكاء الجمالي(الابداع) لينتقل الى دور المدرسة ودورها في المعرفة الجمالية،وفي كيفية التعامل مع الذكاء الاصطناعي- الباب الرابع –عبر تكنولوجيا تعليمية-الفصل الاول-باتجاه تكنولوجيا تعليمية وظيفية- ويؤكد هنا على ان ظاهرة التعليم عن بعد فتحت المجال للاستفادة من الطاقات الفكرية والتطبيقية للنخب العربية في الخارج ،ثم يناقش علاقة التكنولوجيا بالعنف المدرسي(التنمر الالكتروني) داعيا الى التركيز على ما اسماه “الذكاء الوجداني ” بهدف ضبط هذا العنف . وفي الفصل الثاني (الطريقة البيداغوجية) يتم التركيز على سؤال كيف؟ اي الخطة التفصيلية لتنمية الذكاء التكنولوجي ثم ينتقل الى اهمية التعامل مع “الخطأ ” باعتبار معرفة الخطأ هي معرفة ، و توظيف “اللعب ” لفهم البعد البيداغوجي في الخطأ الذي وصفه ” نيتشه ” “العلم المرح”. في الفصل الثالث(الزمن البيداغوجي) يتناول اندماج كلي للجهد البشري مع الفعالية التكنولوجية،الباب الخامس (أخيرا وليس أخرا –الفصل الاول(المتعلم قبل كل شيء) ويتم مناقشة دور الوالدين والمربين(مع التنبيه لجوانب قصورهم) مع التركيز على نفي مفهوم الحتمية وكيفية التعامل مع منظومة القيم العائلية والتراتبية والغيرية، الفصل الثاني-المعلم اولا حيث يحاول الباحث تحديد دور ومسؤولية المعلم، وشروط اداء وظيفته البيداغوجية من خلال اللاسلطوية، اما الخاتمة ففيها تاكيد ان بوابة عبور الفاصل بين مجتمعاتنا والمجتمعات المتطورة هي المدرسة والاهتمام بها ، وهي مسؤولية جماعية.
منهجية الكتاب:
الجانب الاول:أزعم أن هذه الدراسة تجميع لبحوث ومحاضرات ومقالات تتناول موضوعات تربوية نفسية ، ولم تكن بحثا له خطة بحثية جرى تحديد موضوعها المركزي بداية ثم تحديد الخطوات المتسلسلة لانجاز البحث، فموضوع الدراسة هو المدرسة من جانب والذكاء من جانب آخر، لكن موضوع الذكاء لم يحظ إلا بحوالي 35 صفحة من اصل 537 صفحة، بل إني عانيت كثيرا عند عرض مادة الكتاب،لأن الموضوعات متناثرة مما يجعل من الصعوبة الأيجاز وربط الموضوعات ببعضها ،ويكفي النظر في عناوين الفصول لنجد ان الذكاء يظهر في عنوان الباب الاول(كعنوان) وفي الفصل الثالث من نفس الباب،وما تبقى يكاد ان يشمل كل الموضوعات ذات الصلة بدور المدرسة في المجتمع بغض النظر عن مدى الصلة بموضوع الذكاء، وهذه الوضعية لم تجعلني قادرا على تحديد المنهجية المستخدمة في الدراسة ، فكل فصل يناقش جانبا معينا، لكن الرابط الواضح والمحدد بين الفصول تعذر علي ادراكه.
الجانب الثاني: تعود اغلب المؤشرات الكمية المستخدمة في الدراسة الى عشر سنوات او اكثر خلت (انظر مثلا الصفحات التي تظهر فيها هذه المؤشرات : 33 (التحضر)، 35(الامية)، 38(الحضري والقروي) 39(شهادات المعلمين)- 40(التمدرس)- 80(التكلفة المهدورة)-84(الانقطاع عن الدراسة)-85 (الاكتظاظ العددي)-و (تغيب المعلمين)..الخ.، فهل يعقل ان هذه المؤشرات العديدة (9 مؤشرات) لم يجر تحديث اي منها او بعضها ولم يتم قياسها من مؤسسات رسمية او من بحوث اكاديمية او من رسائل جامعية خلال 10-15 سنة؟ ويتعزز ذلك بالعودة لمراجع الكتاب التي تعود معظمها تقريبا الى نفس الفترة 10 الى 15 سنة ماضية، مما يعني فقدان المواكبة لأدبيات الموضوع، وساعطي مثالا على انعدام المواكبة ، فمثلا مؤشر الانقطاع عن الدراسة فيه بيان رسمي من وزير التربية وبالتفاصيل لعام2021-2022. ولو كان المجال يتسع لأوردت امثلة اخرى على كل المؤشرات السابقة والتي اصابها تغير كبير،لكن الباحث بنى تحليلاته على بيانات تعود للعقد الماضي.
الجانب الثالث: في صفحة 171- 176 قيم مستقبلية لمدرسة المستقبل: لم اجد ربطا واضحا ومحددا بين العنوان والمضمون،فاذا استثنينا الفقرتين الاولى والثانية، فان الباقي لا يوضح ما هي “قيم المستقبل ولا ما معنى مدرسة المستقبل”، ولو عاد الكاتب لدراسة Valerie Hannon وعنوانه Future School (2022) لاكتشف ان ما كتبه لا يعدو ” نصا عاما للغاية”، ولا يتضمن اي استشراف بالمعنى العلمي لملامح مدرسة المستقبل .
الجانب الرابع:-تكاد الدراسة تنحصر في مرجعيتها بخاصة في مجال المقارنة في النموذج الفرنسي(رغم اعتبارالباحث هذا النموذج اقل تطورا من غيره-( انظر ما يؤكد ذلك في الفقرة الاخيرة صفحة 36- واخر صفحة 242 واول صفحة 243)، فكان من الأولى للباحث ان يختار نموذجا متطورا لنتعرف على الهوة بين النموذج المغربي والعربي وبين التطور العالمي.
الجانب الخامس: حول موضوع اللغة في المدرسة(صفحة 309) يعيد عرض مناقشة مضى عليها”عقود ” حسب النص(الفقرة الثانية)، اي ان الباحث متشبث بعرض الموضوع استنادا لمعطيات لم تعد قائمة ، فموضوع التعريب الذي يثيره الباحث لم يعد بالحدة قياسا للفترة(منذ عقود) التي يشير لها الباحث، ناهيك أنني لم اتمكن من ايجاد أية صلة بين موضوع التعريب وبين الذكاء،بل لم يرد مصطلح الذكاء نهائيا (عنوان الدراسة) من صفحة 309-316)
الجانب السادس: تجنب الباحث البعد السياسي في دور المدرسة التنموي او في تطوير آليات الذكاء، انظر حول هذا الموضوع:
Ben Levin- Curriculum Policy and The Politics of What Should be Learned in Schools- Stroh & Roumeliotis-2007.
مناقشة الكتاب:
تقع هذه الدراسة في صلب العلوم التربوية النفسية ، ووحدة التحليل فيها هي المدرسة بذاتها وبتفاعلاتها المجتمعية وبوظيفتها التربوية والتعليمية، وتحاول الدراسة ان ترصد دور المدرسة في تطوير وظيفتها التنموية من خلال نموذج تربوي(بيداغوجي) يقوم على المعلم (المربي) والطالب(المتلقي) والمجتمع الوطني(وهو المغرب) والبيئة العالمية ، اما الخيط الرابط بين هذه الابعاد كلها فهو بشكل رئيسي التكنولوجيا بخاصة الذكاء الاصطناعي بتجسداته المختلفة.وتحاول الدراسة الاطلال ولو برفق على بعض المقارنات بين النموذج البيداغوجي المغربي وبين بعض النماذج مثل الياباني والفرنسي ليصل لبعض الاستنتاجات حول المشترك في النماذج البيداغوجية وبعض ملامح الخصوصية لكل منها ،وكل ذلك لتطوير الذكاء بأشكاله المختلفة لدى الطالب المغربي.
ومع أن متن الكتاب يقع في 537 صفحة ، إلا أنني اعتقد ان سمة “الورم” تغلب على سمة ” السمنة ” في هذا الكتاب، فالكتاب يكرر أفكاره كثيرا ولو بصياغات مختلفة، فمشاكل المدارس والمعلمين والطلاب والعلاقة بين هؤلاء والمجتمع وضيق ذات اليد في مخصصات المدارس المالية وثنائية الريف والحضر ومشكلات التعدد اللغوي وكيفية انعكاس كل ذلك على النموذج البيداغوجي في المدرسة المغربية تكاد تُطل في الجزء الاكبر من الكتاب بمضمون متكرر ولكن بصياغات مختلفة.
الجانب الآخر في هذه الدراسة ان مؤشراتها الكمية في معظمها تعود لعقد كامل وأكثر ، وهو ما يعني اغفال ايقاع التغير السريع في المجال التكنولوجي والزيادة الديموغرافية وانعكاسها في أعداد الطلاب في الفصل الواحد بشكل يفوق الواقع الذي تشير له المؤشرات الكمية المعتمدة في الدراسة،ويكفي الاشارة الى ان الفترة بين زمن المؤشرات المعتمدة وبين زمن نشر الدراسة عرفت المغرب(مجتمع البحث) زيادة سكانية بحوالي 7 ملايين نسمة، ناهيك عن اتساع انتشار التكنولوجيات الحديثة وبتسارع شديد(وسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات والأتمتة في حقول عديدة…الخ)،وهو ما يجعل الدراسة متخلفة زمنيا في بياناتها التي تؤسس عليها النتائج،وهو ما يستدعي تحديث البيانات.
من العسير الإشارة لإضافات علمية يمكن توصيفها في اطار الجديد او التجديد، دون انكار أن بعض “القبسات” تدل على باحث لماح في حدود معينة، وهو ما يتضح في معالجته لجوانب الابداع الفني او ما اسماه بيداغوجيا الخطأ . وما لفت انتباهي ان الباحث اختار للمقارنة نموذجين هما الياباني(بشكل محدود) اولا ثم اختار النموذج الفرنسي بتوسع اكبر رغم انه يقر بأن هذا النموذج لا ينتمي لمجموعة النماذج البيداغوجية التي تتصدر نماذج الدول المتطورة، وهو امر يبدو انه نتيجة ان هذا النموذج هو الاقرب لمعارف الباحث وليس الأجدى للمقارنة مع النموذج المغربي، وهو ما جعل المقارنة غير ذات اهمية بيداغوجية ، فلو اتسعت دائرة المقارنة بين المغرب مع دول من بيئات مختلفة وامكانيات متباينة ونماذج بيداغوجية متعددة لاستثمار منهج المقارنة لكان البحث أجدى .