مقالات

١٣نيسان١٩٧٥ ، بداية حرب لم تنتهِ بعد ! بقلم نبيل الزعبي

بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان -

١٣نيسان١٩٧٥ ،
بداية حرب لم تنتهِ بعد !
بقلم نبيل الزعبي
“في لحظةٍ بالغة الحساسية يقف فيها لبنان على مشارف التهديد بحربٍ إسرائيلية، بينما تتسع هوة التباعد بين اللبنانيين، إلى حدود دقّ جرس الإنذار”(مقتطف من مواقع اخبارية ١٠/٤/٢٠٢٤) .
لا يبدو الحديث عن حرب السنتين ١٩٧٥/١٩٧٦ مُريحاً للمزيد من الخوض في النقد والتحليل السياسي ، والعمر الحقيقي للحرب قد تعدّى السنتين كما تم تسميتها في حينه لتقارب اليوم التاسعة واربعين عاماً وهي على مشارف النصف قرنٍ من الزمن ، فلا يعرف بشاعتها الا من عاش أيامها ولياليها ، ولا يتجنب تكرارها سوى العاقل الذي ادرك كم الاثمان الباهظة التي دفعها اللبنانيون ولم يزل الوطن ينزف بسببها حتى يومنا هذا ، وان تعددت اشكال وأنواع النزيف وتوزعت على ماضٍ أليم وحاضرٍ بائس ومستقبل ٍ مجهول .
لقد قيل في حرب “السنتين” وعنها ، ما يفوق المجلّدات كأخطر حرب اهليه يعرفها لبنان ، شطرت بين عاصمته إلى شرقية وغربية وارتفعت المتاريس بين الطوائف والمناطق ، وسقط مئات الآلاف بين شهيد وجريح ومعاق في ظل تدمير مدن وقرى وترحيل سكانها في اوسع عملية تغيير ديموغرافي لم يسلم منها برئ ولم ينجُ اعزل لا يحمل السلاح . ومع ذلك ، اختلف الباحثون على تحديد المدة الزمنية لهذه الحرب ، هل هي حرب السنتين حقاً ، ام انها الحرب التي امتدت إلى العام ١٩٩٠ مع انعقاد مؤتمر الطائف ، ام انها الحرب المستمرة التي لم يتوقف فيها سوى البندقية والمدفع بعد ان فُتِحَت المناطق على بعضها ليجد الجميع ان الوجوه الأخرى البشعة وحدها هي التي لم تتوقف ، لتبقى متلبّسةً بفسادٍ غير مسبوق ، ومنظومة سياسية وميليشيوية أفرزتها الحرب وتوابعها لترمي البلد برمته في آتون الجحيم الآخر من الموت ويستفيق اللبنانيون على حقيقة ان من أوقف السلاح للحفاظ على حياتهم والموت مرةً واحدة ،يصادر هذه الحياة ويدفعهم إلى الموت البطيئ اليومي مرات ومرات في اليوم الواحد ، جوعاً ومرضاً ، إفقاراً وتجهيلاً ،انهياراً لمؤسسات الدولة وافلاساً للخزينة ومديونيةً عامةً جرفت اموال المودعين في المصارف في ظل لجؤ المنظومة الحاكمة إلى حماية نفسها مع كل جولة ، بتسعير الخطاب المذهبي والطائفي المناطقي كوسيلةٍ لإشغال الناس عن اية حركة اعتراضية التي سرعان ما كتموا صوتها بعد انفجارها في انتفاضة ال٢٠١٩ التشرينية في اوسع تحالف جهنمي للمنظومة الفاسدة التي تخطت “خلافاتها” الصورية في سبيل اغراق اللبنانيين يأساً وإحباطاً ولو ادى ذلك إلى استعمال سلاح السلطة لفقأ العيون وتكسير العظام وصولاً إلى مصادرة العدالة وتكبيل القضاء للتعتيم على اضخم تفجير يطال مرفأ بيروت الذي دمّر نصف العاصمة وأودى إلى وفاة مئتين وعشرين مواطناً ومواطنة وإصابات تعدت السبعة آلاف ونازحين جاوزوا الثلاثمائة الف.
هل تنفع الاستفاضة في نكأ جراح الحرب ومآسيها ، ام ان المصلحة الوطنية تحتاج إلى وقفة ٍ وجدانية مسؤولة لتدارك ما ينتظرنا غداً من مخاطر لا تقتصر عن الدعوات المشبوهة إلى فدرلة لبنان ، لتطال ايضاً الذين يتباهون بفائض القوة وجعل دعاة الفدرلة يجهرون بها ذريعة لذلك ، والبلد دفع في عامي ١٩٧٥/١٩٧٦ مئات آلاف الشهداء تحت شعار الحفاظ على وحدة لبنان وحريته وعروبته
والدفاع عن المقاومة الفلسطينية ضد العدو الصهيوني او تحريره من كل “الأغراب” بين يسار ويمين ، كلاهما قاتل الآخر من منطلق انه يحافظ على البلد اكثر من الآخر وكان لكل منهما مشروعه الآحادي الخاص به الذي لم يُكتَب له الاستمرار بمعزل عن “شريكه” في الوطن وبالتالي لا مناص من التوافق على مشروع وطني موحّد يجمع ولا يفرّق ، سيّما وان كل طرف لبناني يملك من التجربة الخاصة به ما يفرض عليه التلاقي مع الآخر حول قاسم مشترك يقي البلد كوجود يتعرض للانحلال ، وتسعير طائفي يتشعب في النفوس ليترك اللبنانيين غرقى في بحرٍ متلاطم الامواج من التكاذب المتبادل بين “حظائر” سياسية مصطنعة مع كل حديث عن العيش المشترك والوحدة الوطنية وعلى الجميع ان يعي ان العاصفة ان اقتربت ، سوف تصيب الجميع ولن تميّز بين لبناني ولبناني لنحسم الجدل بالتساؤل : هل كانت حرب السنتين حرباً اهلية حقاً وهي التي لم يستفد منها سوى امراء الحروب ، ام انها حرب الآخرين على لبنان ، ام ان الشرارة التي احدثت الحرب في ١٣ نيسان ١٩٧٥ في عين الرمانة كانت بسبب القلوب الملآنة من نظام الأربعة بالمئة ، وهل سنبقى مختلفين على جنس الملائكة وكل طرف يعتبر نفسه الملاك الحارس “للوطن” فيما العدو على الابواب ينتظر اقتتالنا من جديد ، ليتدخل طامعاً لا مصلحاً بكل تأكيد .
انه،وبعكس الضراوة القتاليّة التي احدثتها حرب السنتين وأدت إلى انقسام طائفي ومناطقي في صفوف الجيش اللبناني ولم يستتب الوضع حينها إلا بمؤتمر القمة العربية في الرياض عام ١٩٧٦ الذي اسفر عن انشاء قوات ردع عربية لانهاء الاقتتال فلم تنجح سوى مرحلياً لتنتقل الأوضاع إلى ما هو اسوأ ،
فإن وجود المؤسسة العسكرية اللبنانية اليوم وعلى رأسها الجيش ، تترك فسحة كبيرة من الامل بان معالجة الوضع الداخلي اللبناني لن يكون إلا من خلال اللبنانيين الذين يمثلهم الجيش العابر للطوائف والمذاهب والمناطق بمشاركة القوى الوطنية الحية التواقة للامن والاستقرار مع الغالبية الساحقة ممن خبروا الحرب واكتووا بنارها التي احرقت الاخضر واليابس على مدى عقود خمس متتالية من السنين كفرصة وحيدة لتكريس وتعزيز العيش الوطني الواحد ،الأمر الذي يجب ان يسحب البساط من ايدي اية اطماع اقليمية وخارجية ترمي إلى وضع اليد على لبنان ومصادرة قراره الوطني السيادي المستقل ،ذلك لمنع اعادة عقارب الساعة إلى الوراء ويبقى لنا بلداً نستظل بسمائه اسمه لبنان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب