مكسيم رودنسون يتحدث عن نفسه ( الحلقة – 1 -)
إعداد وتلخيص : علي رهيف الربيعي (1)
ضمن سلسلة المحاضرات الفكرية التي تنظمها دائرة العلاقات الثقافية في معهد العالم العربي دعي المفكر والمستشرق الفرنسي الشهير مكسيم رودنسون للتحدث أمام جمهور غفير من الباحثين والطلاب. وقد دعي بصفته مفكرا وسياسيا في آن معا..
فتحدث لمدة تزيد عن الساعة والنصف. وفيما يلي نقدم بعض المحاور الأساسية لمداخلة رودنسون.
يسألوني غالبا : لماذا أصبحت مستعربا أو عالما بالاسلاميات أو مستشرقا؟ واجيب قائلا : لانه كانت لدي رغبة في المعرفة ، وكان فضولي العلمي شرها جدا. وبما انني لم استطع ان أتعلم بسبب فقري، فقد اعتمدت على نفسي في القراءة والمطالعة الشخصية . وانا رجل عصامي من هذه الناحية. واحب ان اقول لكم بأنني أشعر بالنقمة الاجتماعية لأنني لم أستطيع أن اتعلم في المدارس كبقية طلاب البورجوازية من جيلي . وكنت دائما اشعر بالسخط على أبناء الطبقات العليا في المجتمع الفرنسي . وهذا ما قربني من أبناء الشعوب المستعمرة آنذاك والمستغلة كالشعوب العربية والإسلامية، وعموما شعوب العالم الثالث . كنت اشعر نحو أبناء هذه الشعوب بنوع من التعاطف والقربى ، ولعل ذلك هو السبب الذي دفعني للتخصص في الدراسات العربية والإسلامية . كان عمري (13) سنة عندما وقعت على كتاب ” لتاريخ الأديان” فأعجبت به على الرغم من اني ولدت في وسط يهودي غير متدين إطلاقا . وقد دفعني هذا الكتاب لدراسة الأديان والتخصص فيها. وأبتدأت أقرأ كل ما يقع تحت يدي من كتب، في هذا المجال ومنها كتب أرنست رينان . ثم قرأت كتب أستاذي مارسيل موس، وجذبت بالثقافات الأخرى والأديان الأخرى ونسبية الثقافات البشرية.
ينبغي أن أقول لكم بهذا الصدد اني ولدت في عائلة ووسط كوسموبوليتي منقطع الجذور. ولهذا الوسط ميزة اساسية وهي انه يتيح لك حرية التفكير أكثر من غيره. وكان أبي شيوعيا منذ زمن طويل، وفي أوساط الثلاثينات انتسبت بدوري للحزب الشيوعي الفرنسي لأن الماركسية كانت تقدم آنذاك إطارا مناسبا لاستقبال الناس من أمثالي ومن طبقتي الاجتماعية. كانت تشكل نظرية كليانية شمولية مرفقة بأخلاقية محددة تجذب الناس. كنا في سن المراهقة وبحاجة لتلفيقة من هذا النوع تفسر لنا الأشياء بكل بساطة وسهولة.
وعندما يسألوني الآن : هل لا تزال ماركسيا؟ أجيب : وماذا تقصدون بالماركسية؟
انا ماركسي بمعنى ما ، ولست ماركسيا بمعنى آخر. هناك قطاعات تصلح فيها افكار ماركس وقطاعات أخرى لا تصلح فيها ابدا. واعترف رودنسون هنا ( ربما لأول مرة) بأن ريمون آرون كان على حق عندما ألف كتابه الشهير ” أفيون المثقفين” في أوساط الخمسينات. وقال بأن الصورة التي يقدمها آرون عن المثقفين الشيوعيين كانت صحيحة وتنطبق عليه شخصيا في تلك الأيام . فالانخراط الحزبي كان أعمى…
يتبع..
المصدر :
(1)مجلة الوحدة، السنة السادسة، العدد – 69 – حزيران 1990، ص 172.