مقالات

معنى الزاد والملح بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

معنى الزاد والملح
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
كنت أتحدث مع صديقي عوني القلمجي بالهاتف، فكورونا اللعينة منعتنا من اللقاءات التقليدية بيني وبينه إما عنده في كوبنهاغن، أو عندي في برلين، وقد سافرت لكوبنهاغن نحو 18 مرة، مرتان بالقطار، و16 مرة بالباص، الذي يمثل لوحده سفرة ممتعة والمسافة مقسمة بين ألمانيا ثم على متن الباخرة تعبر بك بحر البلطيق لمدة ساعة تقريباً، تتمتع برؤية البحر الجميل، والجلوس في المطعم الرائع، ثم في الاراضي الدانمركية وصولا لكوبنهاغن. لكن كورونا حرمنا من هذا اللقاء الصداقي الجميل.
في حديثي مع القلمجي، تحدثنا بدهشة عن ارتداد شخصيات مهمة. فأرتداد ونكوص البعض ظاهرة مألوفة في التاريخ السياسي قديماً وحديثاً، بسبب الخوف، وإغراءات الارتداد، أو ضعف الذات البشرية عموماً من الوقوف بوجه الأهوال .. ولكن أن يرتد شخص نعتبره قائداً 180 درجة من أقصى الموقف إلى أقصاه .. فهذا حقاً مدهش ومستغرب قبل أن يكون مستهجن. ولم نجد له سبباً نظيفاً …! فينسى مواقفا أتخذها طيلة عمره (لا أقل من 60 عام)، وتناسى الرفقة التي كان عليها والعشرة والنضال المشترك، وألاف المواقف والأحداث الكبيرة والصغيرة التي طبعت حياتنا .. عجباً … هذه قدرة مدهشة للتيارات القذرة لم نكن نقدر قيمتها حق قدرها ..! ومفهوم أن تكسب ضعاف البنية السياسية والثقافية و… الخلقية، لكن أن تكسب بعض القيادات فهذه لم نكن نألفها في السابق، والقوى المهيمنة تبذل المال بوفرة .. وتغتال خصومها بوفرة أيضاً .. ولا يثبت على المبدأ إلا الرجال الرجال… ممن استطاعوا عبور بحر اللهب والطين .. التأريخ سيذكر الجميع ..
تذكرنا أنا والقلمجي فروى لي حادثة، أن لصوصاً (وهم فئة واطئة من الناس) سطوا ليلاً على دار ينام أهله في السطوح آمنين مطمئنين، فسرقوا ما خف وزنه وغلا ثمنه، وقبل مغادرتهم الدار أراد كبيرهم أو قائدهم أن يشرب الماء من الثلاجة، ووجد صحناً شهياً من الدولمة (الملفوف / المحشي) فأشتهى أن يأكل منها، وبعد أن أكل وشرب الماء، قال لجماعته : ” أتركوا كل شيئ على الطاولة هنا … السطو فشل … لقد أكلنا من زاد الناس وبالبغدادية نقول ” لقد تمالحنا معهم .. عيب أن نسرقهم ..! هذه ما بها شجاعة ولا شرف أو ناموس …..! “.
*** هذه أخلاق اللصوص والحرامية والسرسرية … لنأت على أخلاق الرجال …
أعرف صديقاً لي، كان قد أشترك مع صديقان له في مشروع در عليهم الثلاثة أرباحاً طيبة، ولكن “الشيطان” والشيطان هنا يتمثل بهيئة رغبات حقيرة ومنحطة، تغري من هم في المنطقة الرمادية بين الأبيض النقي، والأسود القذر، ويسحبهم سحباً إلى البقعة السوداء، فتآمر إثنان ضد شريكهم الثالث، وأخرجوه بمؤامرة دنيئة من الشراكة ونكروا حقوقه المالية وهي كبيرة. فلجأ صاحبنا المغدور للقضاء، ولكن الآخران كانا قد حصنا موقفهما بدرجة لم ينل فيها المغدور شيئاً من حقوقه بسبب ثقته بصديقيه وغموض في عقود الشراكة وهي التي سهلت لهما الخيانة. أشار عليه أحد أصدقائنا أن يلجأ إلى الشقاوات والبلطجية (وما أكثرهم حتى في أوربا) ومقابل مبلغ بسيط من المال، يقوم البلطجي بالاعتداء البدني على الخائنان ويوسعهما ضرباً وإهانة أمام المجتمع بما يدمر سمعتهما.
تصور ماذا كانت إجابة صاحبنا الذي تعرض للغدر والسرقة ..؟ قال ” لا .. لا .. يمعود بيناتنا زاد وملح …! ” والله هذه سمعتها بأذني .. وبعض أصدقائنا أستنكر هذا الموقف النبيل .. قالوا له ” أنت مغدور ومطعون طعنة نجلاء قاتلة غادرة وتترفع وتتعامل بأخلاق الفرسان مع السرسرية.. ؟ “
قال لهم … لا ما أسويها … عيب ..! ” ..
طيب ما بالك بالذي يخون العراق ….!
لا أستطيع زيادة كلمة واحدة بعد …..! أعزائي استخلصوا العبر بأنفسكم …! وأني أشارك الشاعر السياب قوله ” وأني لأعجب كيف يخون الخائنون ….!!!”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب