تحقيقات وتقارير

محمد سعد عبد الحفيظ وكيل نقابة الصحافيين المصريين: العلاقة بين القاهرة وتل أبيب تحولت من السلام البارد إلى الحرب الباردة بعد اجتياح معبر رفح

محمد سعد عبد الحفيظ وكيل نقابة الصحافيين المصريين: العلاقة بين القاهرة وتل أبيب تحولت من السلام البارد إلى الحرب الباردة بعد اجتياح معبر رفح

حاوره: تامر هنداوي

يقول محمد سعد عبد الحفيظ وكيل نقابة الصحافيين المصريين في حوار لـ«القدس العربي» إن اللحظة التي سيطر فيها الاحتلال على معبر رفح، تحول فيها دور مصر من وسيط إلى طرف له طلبات وشروط مسبقة حتى يكون طرفا في جولات التفاوض المقبلة، وهي الانسحاب من معبر رفح ومن المنطقة «د» التي حددتها معاهدة كامب ديفيد وملاحقها الأمنية وفرضت عدم وجود آليات وقوات عسكرية فيها.
وأكد عبد الحفيظ، أن على القاهرة أن ترسل رسالة إلى الراعي الأمريكي، مفادها أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي، وإن معاهدة السلام ليست نصا مقدسا يجب الحفاظ عليه، وأن هذه المعاهدة التي وقعت برعاية أمريكية معرضة لأن تنتهي، وعندما تنتهي، لا يعرف أحد إلى أين ستذهب المنطقة، وبالتالي المصالح الأمريكية ستصبح مهددة.
الحوار تناول اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي المحور الحدودي ورفع العلم الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، والعلاقة بين القاهرة وتل أبيب التي اتسمت بـ«السلام البارد» على مدار 4 عقود، إلى مستوى الحرب الباردة، حسب ما قال وكيل نقابة الصحافيين المصريين محمد سعد عبد الحفيظ.
وفي ما يأتي نص الحوار.
○ هل واجهت الصحافة المصرية أزمة في التعاطي مع العدوان على قطاع غزة؟
• المتابعات الخبرية لما يخص العدوان على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/اكتوبر الماضي، مختلفة عن تعاطيها مع جولات سابقة لمعارك بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، هذه المرة حالة الرقابة التي كانت تحاصر الصحافة المصرية في عدد من الملفات تكاد تكون غير موجودة إلا فيما يخص الموقف المصري من العدوان، وهذا جزء منه لا يتعلق برقابة يرفضها جهاز أمني أو إلى ذلك، لكن يتعلق بالرقابة الذاتية. الصحافيون المصريون وإدارات التحرير في الصحف المصرية اعتادت على أن تتلقى التعليمات، أو التنبيهات أو الملاحظات على ما هو منشور، وبحكم العادة باتت تعرف ما هي الخطوط الحمراء وتمارس على نفسها نوعا من الرقابة الذاتية، خاصة أن هذا الملف من الملفات المقلقة لما له من تماس مع الأمن القومي المصري، وبالتالي فإدارات الصحف، تلعب دور الرقيب على المحتوى المنشور حتى لا يسبب للصحيفة أزمة أو يضع الدولة في حرج. بعيدا عن هذه المساحة لا أظن أن هناك أي تدخلات من أي نوع على المحتوى المنشور. فالصحافيون ينقلون على مدار الساعة ما يحدث في غزة والضفة والأراضي المحتلة، ومتابعات وتحليلات لصحافة أجنبية، والموقف الأمريكي يتعرض للنقد، ونستطيع أن نقول إن الصحافة المصرية حصلت على مساحة لم تكن حصلت عليها من قبل.
○ لكن فيما يتعلق بملف الوساطة الذي تلعب فيه مصر دورا، يشتكي صحافيون من أنهم يلجأون كثيرا للصحافة الأجنبية والعبرية للحصول على معلومات؟
• فيما يخص الدور المصري في هذه الأزمة كوسيط في التفاوض، هناك نوع من الرقابة الذاتية يمارسها الصحافيون على أنفسهم، لأن الملف شائك، وجزء كبير مما يدور داخل غرف التفاوض، هو غير معلن حتى للصحافة الإسرائيلية، التي لا يمكن التعامل معها كوسيط يقدم معلومة موثقة، وبالتالي ننتظر هنا المصدر رفيع المستوى الذي يخرج من خلال إحدى المنصات الرسمية التي تعبر عن الدولة، أو في بعض الأوقات يتواصل الصحافيون الذين لديهم مصادر للحصول على المعلومات مؤكدة، وأنا شخصيا، في بعض الأوقات أشعر بوجود تضارب بين ما ينشر في الصحافة العبرية وبين ما أسمعه من مصادر داخل فصائل المقاومة، فألجأ إلى مصادري داخل الأجهزة المصرية، وأحصل على المعلومة، خاصة في ظل وجود ثغرات بين الرواية المطروحة في الصحافة العبرية وبين ما هو مطروح من حركات المقاومة.
تكاد تكون نقابة الصحافيين تمثل البؤرة الرئيسية للتضامن الشعبي مع فلسطين في مصر، فما الدور الذي تلعبه النقابة لدعم القضية الفلسطينية؟
• دور نقابة الصحافيين المصريين في القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني، ليس جديدا، وعلينا أن نتذكر أنه بعد زيارة الرئيس محمد أنور السادات القدس في سبعينات القرن الماضي وإعلانه عن نواياه وقتها بالاعتراف بإسرائيل كدولة والدخول في مفاوضات سلام، كان للنقابة مواقف حاسمة في هذا التوقيت، مجلس النقابة ومعه الجماعة الصحافية، خاضا معركة ضد السادات رفضا للسلام مع العدو الصهيوني، واستمرت هذه المعركة رفضا للتطبيع بعد الاعتراف بدولة الصهاينة، ما جعل السادات يدخل في مواجهة خشنة مع النقابة، وكان بصدد استصدار قرار بتحويلها من نقابة مهنية لها قانون ينظم علاقتها بمؤسسات الدولة إلى مجرد ناد اجتماعي، والجمعية واجهت القرار بحدة وتمكنت من إجهاضه، ونقابة الصحافيين هي أول مؤسسة أو منظمة مجتمع أهلي في مصر تعلن بشكل قاطع عن حظر التطبيع مع العدو الصهيوني، وصدرت 3 قرارات بهذا الشأن، أول قرار بحظر التطبيع على المستوى النقابي، وبعد ذلك بعض الصحافيين في هذه المرحلة بدأوا يتواصلون مع مصادر إسرائيلية ويجرون حوارات صحافية مع وزراء إسرائيليين، فأصدرت النقابة قرارا جديدا بحظر التطبيع المهني، فما كان من عدد من الصحافيين الكبار الذين كانوا يؤمنون بامكانية تحقيق السلام مع العدو الصهيوني، يجرون حوارات بصفتهم الشخصية، وكان ذلك تمهيدا للتوقيع على اتفاقية أوسلو في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، فصدر قرار بحظر التطبيع الشخصي، فنحن النقابة الوحيدة في الوطن العربي التي تحظر التطبيع المهني والنقابي والشخصي، مجرد حضورك مع إسرائيلي في مكان يحيلك للتحقيق. بالتوازي كل الفاعليات الكبرى التي تشهدها مصر، جزء كبير منها كان ينطلق من نقابة الصحافيين التي كانت لا تتوقف عن تنظيم الوقفات الاحتجاجية ومؤتمرات الدعم، والأهم الندوات التي تشرح طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي وأبعاده، والموقف المتشدد من معاهدة كامب ديفيد والتطبيع، هذا تاريخ نقابة الصحافيين في دعم القضية، وعلى الرغم من أنني أرى أن نقابة الصحافيين هي النقطة الساخنة الباقية في جولة الصراع الأخيرة التي بدأت يوم 7 تشرين الأول/اكتوبر الماضي وما بعدها، هي أقل القليل، كنت أتمنى أن يكون لنا حضور أكبر، وكنت أتمنى أن يكون لمصر دور أكبر في مواجهة هذا الصلف الصهيوني.
○ ما تقييمك للدور المصري الرسمي في مواجهة العداون على قطاع غزة؟
• خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة تحديدا، منذ رفع جيش الاحتلال العلم الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، تحول الدور المصري من الوسيط الذي لديه علاقات دبلوماسية ومعترف بإسرائيل وله حدود مباشرة مع غزة، في ظل تشابك علاقات مع الأمريكان والأوروببين، فرض على مصر لعب دور المفاوض حتى نصل لصيغة ما وتوافق ما لوقف الحرب ووقف العدوان على أهلنا في غزة، وكانت نقطة فاصلة رفع العلم الإسرائيلي على معبر رفح، وهذا مثل استفزازا كبيرا للإدارة المصرية. القاهرة منذ هذه اللحظة تحول دورها من وسيط إلى طرف له طلبات وشروط مسبقة حتى يكون طرفا في جولات التفاوض المقبلة، وهي الانسحاب من معبر رفح ومن المنطقة «د» التي حددتها معاهدة كامب ديفيد وملاحقها الأمنية إذ فرضت عدم وجود آليات وقوات عسكرية فيها، ومصر حاولت تضغط من خلال الأوروببين والأمريكيين، وأرسلت رسائل مفادها انها لن تستأنف المفاوضات طالما ظلت هذه القوات موجودة في المحور الحدودي. التوتر يزيد يوما بعد يوم، ورأينا حادث الاشتباك بين القوات المصرية وجيش الاحتلال على الحدود قبل أيام واستشهد فيه جندي مصري، رفعا من سقف التوتر، ويمكننا القول إن العدو الإسرائيلي حول العلاقة بين القاهرة وتل أبيب من سلام بارد على مدار 4 عقود إلى حرب باردة، وفيها جزء معلن وتراشق إعلامي وتصريحات متبادلة، وجزء آخر غير معلن يعلمه قادة الفصائل الفلسطينية.
○ لكن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وصف السلام بين مصر وإسرائيل بـ«السلام الدافئ»؟
• هذا الحديث مرت عليه 3 سنوات، وكان توصيف الرئيس عبدالفتاح السيسي للسلام بين مصر وإسرائيل بـ«السلام البارد» وأنه يرغب في التحول إلى مرحلة السلام الدافئ، لكن التجربة أثبتت أنه لا يمكن وجود سلام من الأساس مع الاحتلال الإسرائيلي، ولا يمكن استمرار هذه الدولة في المنطقة، ومحاولة زرع إسرائيل كدولة طبيعية في المنطقة فشلت، لأنها مجموعة من العصابات، وشعوب المنطقة لن تقبل بوجودها، ما حدث إن هذا السلام خلال الفترة الأخيرة منذ استفزاز إسرائيل في رفع العلم الإسرائيلي في عين المصريين، حول هذا السلام إلى حرب باردة كل طرف فيها يستخدم أدواته.
○ ما أهم المطالب التي تبنتها النقابة بعد العدوان على قطاع غزة؟
• منذ بدء العدوان كانت طلباتنا واضحة، إن مصر تستخدم أدواتها الناعمة والخشنة لوقف هذا العدوان، وإن التصريحات التي صدرت من المسؤولين في الدولة، بخفض التمثيل الدبلوماسي وصولا إلى قطع العلاقات وتجميد اتفاقية «كامب ديفيد» تتحول إلى إجراءات على الأرض يلمسها المواطن، وطالبنا بأن تسرع مصر من الإجراء الذي أعلنت عنه من خلال عزمها إعداد مذكرة لتقديمها إلى محكمة العدل الدولية والانضمام لدعوى جنوب أفريقيا واتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، وإسرائيل باتت دولة مارقة في نظر المجتمع الدولي، كل ضغط تمارسه الدول العربية وتحديدا دول الطوق وفي القلب منها مصر تزيد من فرض العزلة على إسرائيل، وكل هذه الإجراءات لا تعني شن الحرب، لكنها إجراءات دبلوماسية وسياسية تستطيع منها مصر أن تضغط على إسرائيل، وتكون فيها رسالة للراعي الأمريكي، أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي، وأن معاهدة السلام ليست نصا مقدسا يجب الحفاظ عليه، وأن هذه المعاهدة التي وقعت برعاية أمريكية معرضة ان تنتهي، وعندما تنتهي، لا يعرف أحد إلى أن أين ستذهب المنطقة، وبالتالي المصالح الأمريكية ستصبح مهددة.
• كيف يمكن لنقابة الصحافيين المصريين أن تدعم الصحافيين الفلسطينيين دخل غزة أو حتى من خرج منهم وجاء إلى مصر؟
• نحن متواصلون مع نقابة الصحافيين الفلسطينيين، وتقدمنا بعدة طلبات ومذكرات إلى المنظمات الدولية المعنية بقضية الصحافة، تضامنا فيها مع طلبات نقابة الصحافيين الفلسطينيين، الجزء الثاني، تمكنا من تيسير قافلة إغاثة من 4 شهور، ونتواصل بالدعم مع زملائنا هنا ومن قدم منهم طلبات للخروج إلى مصر، نتواصل مع الجهات الرسمية لتيسير دخول أسرهم أو هم أنفسهم إذا أرادوا، وباب النقابة مفتوح لكل الصحافيين الفلسطينيين الموجودين في القاهرة ويتم التعامل معهم مثل الصحافيين المصريين، وندرس أن يشاركوا في خدمات وأنشطة النقابة المختلفة، لكن ذلك يحتاج إلى تنسيق مع نقابة الصحافيين الفلسطينيين.
○ هل شهدت الصحافة في مصر انفراجة نسبية بعد مشاركة النقابة في الحوار الوطني؟
• في العشر سنوات الأخيرة مرت الصحافة في مصر بـ3 مراحل، المرحلة الأولى استمرت حتى عام 2016 حتى اقتحام قوات الأمن نقابة الصحافيين في 2 آيار/مايو من العام نفسه، وتميزت هذه المرحلة بأن الصحافة المصرية مارست دورها في هذه المرحلة في المتابعة والنقد والتحليل بشكل يحمل مساحة مقبولة من الحرية، أما المرحلة الثانية، بدأت بعد حادث اقتحام النقابة، وشهدت الرقابة الصارمة على المحتوى وتدخلا بوضع خطوط حمراء، وكانت هذه القيود خارج إطار القانون، وتم وضع تشريعات لتقنين هذه الأوضاع، وهنا أقصد القانون 180 لسنة 2018 تضمن عددا كبيرا من المواد تسمح للمجلس الأعلى للإعلام بالتدخل بالحظر والمنع والحجب، أما المرحلة الثالثة جاءت مع انطلاق الحوار الوطني، وشهدت تخفيف حالة التكبيل التي شهدتها الصحافة وبدأت من عام 2016 واستمرت حتى عام 2022 وظهرت مساحات متاحة من النقد للسلطة في العديد من المنصات الصحافية، ورفع الحجب المفروض على عدد كبير من المواقع الصحافية، وتوقفت ملاحقة الصحافيين في قضايا النشر، وإن استمرت ملاحقة الصحافيين الذين يمارسون حقهم في التعبير عن رأيهم من خلال التظاهر أو الاحتجاج ضد قرارات بعينها، وأتمنى ان هذا الهامش يتسع في المرحلة المقبلة، وحرية الصحافة هي مكسب للوطن بكل فئاته وليس الصحافيين فقط، فمن المفترض أن الصحافة هي عين المحكومين على مؤسسات الدولة، وهي قناة الاتصال بين المؤسسات الحاكمة والمحكومين، وتغييب الصحافة، يعني أن لا ترى الحكومة الناس، وهذا عادة ما يستبق انفجارات كبرى، وحتى تتلافى هذه الانفجارات، يجب أن تسمح للصحافة أن تؤدي دروها، ومن مصلحة السلطة والبلد أن يكون هناك هامش أكبر في حرية الصحافة.
○ هل تحقق أي شيء من الطلبات التي تقدمت بها النقابة في الحوار الوطني؟
• نحن شاركنا في جلستين، وتحدثنا في جزئين، الأول له علاقة بفرض القيود والرقابة وجزء آخر يتعلق بالتشريعات التي تتناقض مع مواد الدستور والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر الخاصة بحرية الصحافة التي تحظر الرقابة السابقة واللاحقة، ويمكن القول إن جزء الممارسات شهد انفراجة نسبية، ولم يحدث أي تقدم في الجزء الخاص بالتشريعات التي تتضمن عقوبة الحبس في قضايا النشر والعلانية والرقابة بالمخالفة لمواد الدستور التي حظرت الرقابة إلا في حالة الحرب والتعبئة العامة، ونتعامل مع المؤتمر السادس للنقابة الذي من المفترض أن يعقد بعد أسابيع، كفرصة لإعادة عرض مطالبنا مرة أخرى.
○ شهدت الفترة الماضية الإفراج عن عدد كبير من الصحافيين، لكن قبل أيام ألقي القبض على الصحافي والنائب السابق أحمد الطنطاوي لقضاء حكم حبس لمدة عام، كم عدد الصحافيين رهن الاحتجاز؟
• نتمنى أن يراجع الموقف من الطنطاوي ووجهنا دعوات لرئيس البلاد لاستصدار قرار عفو عن الطنطاوي كما أصدر قرارات عفو سابقة، والطنطاوي مارس حقه الدستوري في إعلان رغبته واتخاذه بعض الخطوات التي تؤهله للمنافسة في انتخابات رئاسة الجمهورية، وبعيدا عن الطنطاوي، لدينا 3 صحافيين صادر ضدهم أحكام و4 قيد التحقيق، وسنستغل جلسات الحوار الوطني ونطرح مرة أخرى مطلبنا بإخلاء سبيل جميع الصحافيين وجميع المحبوسين على ذمة قضايا سياسية وقضايا رأي.

عن القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب