منوعات

أوكرانيا وغزة والهجرة… تحديات تنتظر البرلمان الأوروبي الجديد

أوكرانيا وغزة والهجرة… تحديات تنتظر البرلمان الأوروبي الجديد

آدم جابر

وسط انقسامات داخل التكتل الأوروبي لاسيما حول الملفات الدولية الساخنة، ومنها الحربان في أوكرانيا وغزة، وفي ظل سياق جيوسياسي مشحون، يستعد البرلمان الأوروبي هذا الأحد 9 من حزيران/يونيو الجاري، لتغيير وجهه، مع دعوة حوالي خمسمئة مليون ناخب من الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد إلى صناديق الاقتراع لتجديد برلمانهم. فخلال الأعوام الخمسة الماضية كانت المؤسسات الأوروبية الثلاث البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي، في مواجهة تحديات استثنائية، بما فيها جائحة كوفيد19 ثم الحرب في أوكرانيا وأخيرا الحرب في غزة. وقد أظهرت هذه الأزمات تبايناً في المواقف حيالها.

ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا في شباط/فبراير عام 2022 تمكنت الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من توحيد الصفوف من أجل معاقبة روسيا بوتين قدر الإمكان، وزادت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من شحنات الأسلحة إلى كييف، وفعلت كل شيء لعزل روسيا على الساحة الدولية، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية. غير أنه سرعان ما برزت الخلافات وبدأت الوحدة المعلنة للتكتل في التصدع مع ظهور الانقسامات حول الدعم العسكري واحتمال انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي.

إرسال قوات إلى أوكرانيا وانضمامها إلى التكتل

فيما يتعلق بمسألة انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، فتح قادة الدول الأعضاء في الاتحاد، خلال قمتهم في بروكسل في كانون الأول/ديسمبر الماضي، فتح باب المفاوضات مع أوكرانيا ومولدوفا بشأن انضمامهما للاتحاد، وذلك بعد أن أوصت المفوضية الأوروبية ببدءِ مفاوضات انضمام البلدين، اللذين حصلا على وضع المرشح لعضوية الاتحاد في حزيران/يونيو عام 2022 وذلك عقب بعد حوالي أربعة أشهر من بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا. فقد رحبت معظم الدول بالخطوة، بما فيها ألمانيا، التي اعتبر مستشارها أولاف سولتش أنها تمثل «إشارة قوية، وتمنح كييف أفقا». أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد نبه إلى أن انضمام أوكرانيا إلى التكتل الأوروبي «ما يزال بعيداً». في حين، ندد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي امتنع عن التصويت على قرار الموافقة على فتح الباب على انضمام كييف ودول أخرى إلى الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك لم يستخدم أوربان الفيتو، ما سمح بقرار فتح باب مفاوضات الانضمام.
على المستوى العسكري، ظهر الشرخ الأكبر عقب الجدل الذي أشعله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد تصريحاته التي لم يستبعد فيها إمكانية إرسال قوات غربية للقتال على الأرض في أوكرانيا ضد الجيش الروسي، وذلك في حديث له في ختام المؤتمر الدولي لدعم أوكرانيا الذي احتضنته باريس في نهاية شباط/فبراير الماضي وضم أكثر من عشرين من القادة الأوروبيين. فقد قال ماكرون إنه رغم عدم وجود «إجماع» بشأن إرسال قوات برية غربية إلى أوكرانيا «لا ينبغي استبعاد أي شيء». وأضاف القول: «سنفعل كل ما يلزم لضمان عدم تمكن روسيا من الفوز في هذه الحرب» في تحول واضح في الموقف الفرنسي. ورفض ماكرون الإدلاء بالمزيد حول موقف فرنسا من إرسال قوات، مشيرا إلى الحاجة لـ«الغموض الاستراتيجي» لكنه قال إن هذا الموضوع طُرح «من ضمن خيارات». وكان التباين الأبرز مع المستشار الألماني أولاف شولتز الذي اتخذ وجهة نظر معاكسة للرئيس الفرنسي، معلناً أنه «لن تكون هناك قوات على الأرض، ولن يتم إرسال جنود سواء من الدول الأوروبية أو دول الناتو إلى الأراضي الأوكرانية». بالإضافة إلى ألمانيا، شدد زعماء بولندا والمجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا على «عدم تخطيط أي من الدول الأربع لنشر جنود في أوكرانيا». كما أن الحلفاء الذين كانوا في الخطوط الأمامية ضد روسيا منذ غزوها أوكرانيا، لا يخفون تحفظاتهم حيال تصريحات الرئيس الفرنسي بعدم استبعاد إرسال قوات للقتال إلى جانب القوات الأوكرانية. وأيضا اعتبر رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، أن إرسال قوات إلى أوكرانيا «غير مرغوب فيه على الإطلاق». ويرفض المستشار الألماني تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، وصواريخ توروس الدقيقة التي يصل مداها إلى 400 كيلومتر، والتي تطلبها أوكرانيا بشدة لضرب أهداف روسية متمركزة بعيدًا خلف الجبهة، مثل مستودعات الذخيرة ومراكز القيادة. هذا الحذر قابله الرئيس الفرنسي بالتعبير عن أسفه لموقف الانتظار والترقب الذي اتخذته بعض البلدان، من دون ذكر ألمانيا بالاسم، لكن من الواضح أنها مستهدفة، لأنها إشارة إلى المبادرة الألمانية الأولى، في بداية الغزو الروسي، بإرسال خوذ إلى الأوكرانيين وليس أسلحة. وهو مثال كثيرا ما يستخدم الآن في الدوائر الدبلوماسية الأوروبية لتسليط الضوء على المماطلة الألمانية.
ورغم الخلاف المستمر حول إرسال قوات إلى أوكرانيا، كان هناك في الأيام القليلة الماضية توافق فرنسي-ألماني، حول استخدام الأسلحة التي تزود بها الدول الغربية أوكرانيا لضرب أهداف عسكرية في روسيا، أسوة بالولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية أخرى. وتعد هذه الخطوة تحولاً في موقف برلين التي كانت متحفظة كثيراً حيال الموضوع. وأعلن شتيفن هيبستريت، المتحدث باسم المستشار الألماني أولاف شولتس عن السماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة زوّدتها بها برلين لضرب أهداف داخل الأراضي الروسية. واعتبر هيبستريت أنه «من حق كييف الدفاع عن نفسها بموجب القانون الدولي» ضد الهجمات من مناطق داخل روسيا قرب الحدود مع أوكرانيا، قائلاً إنه «من أجل ذلك يمكنها أيضًا استخدام الأسلحة التي زُودت بها لهذا الغرض، بما في ذلك الأسلحة التي زودناها نحن بها». قبل ذلك، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد شدد خلال زيارته إلى ألمانيا نهاية الشهر الماضي على ضرورة السماح لكييف «بتحييد» القواعد العسكرية الروسية التي تطلق منها قوات موسكو الصواريخ على الأراضي الأوكرانية، وذلك في مؤتمر صحافي بالقرب من برلين مع المستشار الألماني في ختام زيارته إلى ألمانيا بداية الأسبوع. غير أن ثمة حالة انقسام أوروبي حول هذه النقطة (استخدام الأسلحة التي تزود بها الدول الغربية أوكرانيا لضرب أهداف عسكرية في روسيا). فقد شددت إيطاليا على معارضتها لاستخدام أسلحة تم إمداد أوكرانيا بها لضرب أراض روسية. وصرح وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاياني بأن بلاده لن ترسل أبدا أي قوات إلى أوكرانيا وأن أي أسلحة تقدمها لكييف يجب ألا تستخدم لمهاجمة الأراضي الروسية. وقال «المعدات العسكرية التي أرسلتها إيطاليا. يجب أن تستخدم داخل أوكرانيا».

الاعتراف بالدولة الفلسطينية

بالإضافة إلى تباين المواقف حيال الحرب في أوكرانيا، هناك تصدع أوروبي واضح حيال الحرب الجارية منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر الماضي بين إسرائيل وحركة حماس، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل عام. فعلى الرغم من اجماع زعماء الدولـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على التنديد القوي بالهجوم الذي نفذته حركة حماس الفلسطينية، التي يصنفها الأوروبيون «جماعة إرهابية» يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذي أسفر عن مقتل نحو 1400 شخص في إسرائيل، إلا أن هناك انقساماً سياسياً وشعبياً واجتماعياً تصاعدياً مع تواصل الحرب، حيال كيفية وطبيعة حجم الرد الإسرائيلي على غزة. فقد انقسمت الدول الـ27 بين معسكر مؤيد لإسرائيل ومعسكر ملتزم باحترام القانون الدولي، ولم تتمكن هذه الدول من كبح جماح الدولة العبرية في ردها العنيف على هجوم السابع من أكتوبر.
وبعد حوالي ثمانية أشهر من الحرب في غزة، والتي قضت على جزء كبير من هذه الأراضي وتسببت في مقتل حوالي 40 ألف شخص غالبيتهم من المدنيين، جاء اعتراف إسبانيا وإيرلندا مع النرويج (هذه الأخيرة ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي) بدولة فلسطين، يوم الـ28 أيار/مايو الماضي والذي تبعه اعتراف سلوفينيا يوم الـ4 من حزيران/يونيو الجاري، جاء ليؤكد على الشرخ الأوروبي حول الحرب المستمرة على غزة والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني بشكل عام.
وفي الأسابيع السابقة، سعى رئيس الحكومة الاشتراكية الإسبانية إلى حشد الدول الأخرى لمبادرته بدون جدوى. فألمانيا التي ما تزال حريصة على تجنب إسرائيل، بعد مرور ثمانين عاماً على المحرقة، لا تريد أن تسمع عن مثل هذا الاعتراف، تماماً كما لا ترغب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. من جانبه، شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أن «الوقت ليس مناسبا للاعتراف بالدولة الفلسطينية». ماكرون، قال إنه على استعداد للاعتراف بدولة فلسطينية، لكنه اعتبر أن هذا الاعتراف «يجب أن يأتي في وقت مفيد» وذلك في وقت يواجه فيه ضغوطا متزايدة من اليسار الفرنسي وشخصيات ومثقفين في البلاد لحذو حذو إسبانيا والدول الأوروبية الأخرى التي اعترفت بالدولة الفلسطينية. ودعا الرئيس الفرنسي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى «مباشرة إصلاحات حيوية» في السلطة الفلسطينية، تمهيدا «للاعتراف بدولة فلسطينية». وشدد وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان، الذي يشغل حالياً منصب المبعوث الشخصي للرئيس الفرنسي إلى لبنان، على أن «الاعتراف بالدولة الفلسطينية أصبح ضرورة». واعتبر لودريان أنّه بدون هذه الخطوة التي من شأنها أن «تعطي قوة جديدة للحل السياسي الوحيد الممكن» فإن الشرق الأوسط سيظل في «حرب لا نهاية لها» والتي «تضرب الفلسطينيين بشكل عشوائي».

اتفاق «هجرة تاريخي»

بالإضافة إلى الانقسام الحاصل حيال أوكرانيا وغزة، يبقى ملف الهجرة أحد الملفات الخلافية الرئيسية بين دول الاتحاد الأوروبي. غير أن الدول الأعضاء الـ27 توصلت مع البرلمان مؤخرا إلى اتفاق مبدئ وصف بـ«بالتارخي» بعد مفاوضات شاقة وماراثونية، بشأن إصلاح مثير للجدل لنظام الهجرة واللجوء. وينص على المراقبة على المهاجرين الوافدين إلى الاتحاد الأوروبي وإنشاء مراكز قرب الحدود لإعادة أولئك الذين لا يحق لهم اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي بسرعة أكبر، وآلية للتضامن الإلزامي بين الدول الأعضاء تعود بالفائدة على الدول المعرضة لضغوط الهجرة. غير أن الصورة تبقى ضبابية في ظل تحرك بعض الدول بشكل أحادي للتعامل مع معضلة الهجرة لاسيما الدول المعنية بشكل مباشر بتدفق المهاجرين عبر سواحلها.
وسيتعين على المجلس التشريعي الأوروبي الجديد الذي سيتم انتخابه هذا الأحد أن يكون حاسماً وموحداً في مواجهة سياق عالمي مضطرب. حيث سيتعين عليه تجاوز الخلافات في الرد على الحربين المستمرتين في أوكرانيا وقطاع غزة الفلسطيني، ومواجهة القدرة الفائضة للصين، وأيضا العلاقات مع واشنطن في حالة عودة دونالد ترامب إلى السلطة…إلخ. وتبشر هذه التحديات بأن مواجهتها ستكون أكثر صعوبة، لأن صعود الأحزاب القومية والشعبوية المتوقع من شأنه أن يضعف «آلة التوصل إلى حلول وسط» في المؤسسات الأوروبية. ويُعد البرلمان الأوروبي، مع المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي، جزءًا من «المثلث المؤسسي» للاتحاد الأوروبي. ويتم تقييم تشكيلة البرلمان قبل كل انتخابات، وفقا للمبادئ المنصوص عليها في المعاهدات، ووفقاً لمبدأ «التناسب التدريجي» بحد أدنى 6 مقاعد وبحد أقصى 96 مقعدًا لكل دولة استنادًا إلى أحدث البيانات الديموغرافية. وتتنافس الأحزاب الوطنية في هذه الانتخابات، حيث يصوت الناخبون لهذه الأخيرة التي تنتمي في معظمها إلى حزب أوروبي. بمجرد انتخابهم، يختار النواب أن يكونوا جزءًا من مجموعات سياسية عابرة للحدود الوطنية تحكمها قواعد صارمة. وتتوقع معظم استطلاعات الرأي صعود اليمين الشعبوي والمتطرف مقابل تراجع الأحزاب الأوروبية الثلاثة الكبرى (حزب الشعب الأوروبي على اليمين، والاشتراكيين والديمقراطيين على اليسار، وحزب التجديد في الوسط).
وتقود أورسولا فون دير لاين المحافظين في حزب الشعب الأوروبي. وللظفر بفترة ثانية على رأس المفوضية الأوروبية ستَكون فون دير لاين بحاجة إلى أن يتم تعيينها من قبل رؤساء الدول والحكومات في الاتحاد الأوروبي، ولكن أيضاً سيتعين انتخابها من قبل أعضاء البرلمان الأوروبي في البرلمان الجديد. ومع ذلك، رسخت أورسولا فان دير لاين نفسها بشكل طبيعي كزعيمة للمحافظين، من دون الحصول على استفتاء داخل حزبها، رغم أن أساليبها ونزعتها الأطلسية وركابها المنفردين، تثير أيضًا غضب العديد من القادة. كما تعاقبها بعض الخلافات، مثل الشروط التي يُزعم أنها تفاوضت بموجبها على اللقاحات المضادة وكوفيد-19 مباشرة مع الرئيس التنفيذي لمختبر فايزر. بالإضافة إلى انتقادات البعض لموقفها الداعم لإسرائيل بقوة في حربها على غزة.
ويتم انتخاب النواب الأوروبيين لمدة خمس سنوات، عن طريق الاقتراع العام المباشر في جولة واحدة، وفقا لقواعد التمثيل النسبي. ويتم التصويت على مدى أربعة أيام، من الخميس إلى الأحد، حيث تصوت أغلبية الدول اليوم الأحد، بما في ذلك فرنسا وألمانيا وإيطاليا ويتم الكشف عن نتائج التصويت بأكملها في المساء.

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب