
بدون ألوان
“ثورة المعلومات”
بقلم: حمدي صلاح الدين
#أراء_حرة
• عند زيارتها للسودان قبل الثورة السودانية، سحرت الشيخة موزا السودانيين ففروا فرادى وجماعات إلى شبكات التواصل الاجتماعي فهذا عصر إعلام المواطن والاسمارت فونس والديجيتال كام و أصبحنا نتابع “دخلتها ومرقتها” وحديث المشاهير والعاديين عنها.
• الشيخة موزا سحرت السودانيين منذ أن وطأت قدماها أرض البلاد بقوامها الفارع وأناقتها الباريسية ورشاقتها البادية في تحركاتها وألقى الناشطون وقتها ببكائيات مثل “التدهور الاقتصادي” ، “أزمة الكاش”، “الفيضانات “، “حرب الأئمة مع الشعبي”، “جدل زواج التراضي” و”مجاعة الجنوب” إلى مزبلة التاريخ إلى حين الفراغ من جولة الشيخة موزا للسودان والتي تابعها الناشطون لايف وعلى منصات شبكات التواصل الاجتماعي.
• الأصابع على الكي بورد والكاميرات موجهه بعناية ودقة وكل يمني النفس ب”سيلفي” مع الشيخة موزا يضعه على انستغرام وفيس بوك وتويتر مرفقا بعبارة “مع الشيخة موزا”.
• أذكر جيداً أننا جيل تشكل وجدانه على أحاجي الحبوبات وعلى مصادر المعرفة الحية في رباعية “البيت/ المدرسة/ الشارع/ الإعلام التقليدي” وأسهمت مصادر المعرفة تلك والتي كانت تشرف عليها مؤسسات اجتماعية “التلفزيون/ الراديو/مجلات الصبيان وماجد وسمير وميكي ماوس” في إخراج نسخ مكررة من جيلنا فالسلوك العام كان شبه موحد بسبب “مصادر المعرفة الواحدة” و”طريقة التربية الواحدة” وفي هذا محمدة ومذمة قد نعود لها تفصيلاً يوماً ما.
• في ذلك الوقت كانت المؤسسات الاجتماعية والتربوية تشرف إشرافا مباشرا على” الرسالة الإعلامية” فكانت وزارة التربية تصدر “مجلة الصبيان” كنموذج على الإشراف الاجتماعي التربوي على الرسالة الإعلامية.
• جيلنا جيل كان حجر الزاوية في تشكيل ثقافته الحوش الكبير.
• هذا الجيل كان يتحلق حول الحبوبة لتحكي له الأحاجي الليلية وتزرع في نفسه، مع الجد، قيم الكرم والمروءة والتسامح وإعلاء قيم الدين والأخلاق الكريمة .
• نحن جيل لم يتشكل وجدانه على شبكات التواصل الاجتماعي حيث لا فيس بوك ولا تويتر ولا انستغرام وقتها فكنّا قبل “لبن العشاء”و”صلاة العشاء” وقبل التحلق حول حبوبتنا الحاجة آمنة عليها رحمة الله نتابع “جزيرة الكنز والمستر ترلوني” و”جين أيير” و”كيف و أخواتها” لشريف العلمي ومن ثم “جريدة المساء” و”جراب الحاوي” لمحمد سليمان ونكابد النعاس لنتابع “الجوارح” والكواسر ” لنجدة إسماعيل أنزور ، مخرج الروائع .
• كنّا نقرأ الكتب من المنتج إلى المستهلك بدون وسيط إسفيري ، نقرأ للسباعي وملكة الجريمة أجاثا كريستي وأنيس منصور ونجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ومحمود السعدني ونقف في السينما لنصفر “بالخنصر والسبابة” لإلهام شاهين ونجلاء فتحي وليلى علوي في فعل يعتبره كثيرون اليوم ” فعل شيطاني” فلا انستغرام وقتها ولا لايف ستريمينغ ولا سمارت فونس ولا يوتيوب ولا صور لجينيفر لوبيز أو أنجلينا جولي أو جوليا روبرتس أو كيم كارديشان .
• ودراسات التفكير الإبداعي
” creative thinking”
اثبتت أن قراءة الكتب الورقية أفضل من نسخ الأون لاين وهذا موضوع آخر سنعود له تفصيلا إن شاء الله.
• ولو زارت الشيخة موزا السودان وقتذاك “قبل ثورة المعلومات” لقرأنا زيارتها للسودان، ونحن في الريف البعيد ، بعد عقود عددا على كتب التاريخ في فصل “العالم العربي والسودان” تحت عنوان “زيارة الشيخة موزا للسودان القرن الماضي” مرفقاً مع الفصل صورها في الخرطوم والأهرامات والأبيض.
• وبالتأكيد سيمط أحدنا شفتيه معلقاً على الموضة التي لبستها الشيخة موزا عند زيارتها للسودان قبل عقود تماماً كما يمط الناس شفاههم الآن من” الخنفس والشارلستون” ولن تظهر ألوان فساتين الشيخة موزا في الخرطوم والأهرامات والأبيض في باب “العالم العربي والسودان” في “كتاب التاريخ” لأن كتب التاريخ تطبع في بلادنا بالأبيض والأسود إمعاناً في إذلال خيالات طلاب الثانويات .
• الجيل الحالي جيل حظى بمتابعة الأحداث لحظة بلحظة مع ثورة المعلومات الهائلة التي حولت “العالم” إلى “قرية” تسمع دبيب نملها وتنهل من معين ألوانها وتملأ أذنيك من صدى صوتها . فما الذي نحتاجه الآن لتوظيف ثورة المعلومات للإفادة منها؟
• لكن، ما تزال ثورة المعلومات تحمل سلبيات متعددة الأوجه أولها أنها حولت الفرد إلى مرسل وصائغ محتوى وناشر وأبعدت إشراف المؤسسات الاجتماعية والتربوية عن “الرسالة الإعلامية” فأصبح كثيرون ينشرون كثير مواد بدون أهداف استراتيجية وبدون عقد أخلاقي فينساق آخرون حول فكرة ما كان لها أن تكون في ظل ضوابط كثيرة تشكل جيد “أخلاقيات النشر” المنصوص عليها في معاهدتين وقرار أممي وإعلان مبادىء أممي وهو ما تعانيه شبكات التواصل الاجتماعي الآن من “لت وعجن وتضليل “