مقالات
اجتماع الـ14 ساعة: قاآني يقود تحقيقًا استخباريًا في قلب بغداد بقلم الدكتور نبيل العتوم
بقلم الدكتور نبيل العتوم

اجتماع الـ14 ساعة: قاآني يقود تحقيقًا استخباريًا في قلب بغداد
بقلم الدكتور نبيل العتوم
زيارة إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، يرافقه ثلاثة من كبار ضباط استخبارات الحرس إلى بغداد ليست مجرد محطة بروتوكولية أو تواصل روتيني مع قادة الميليشيات العراقية. مدتها غير الاعتيادية — 14 ساعة من الفجر حتى العصر — تكشف حجم القلق الذي يعتري طهران بعد وقف إطلاق النار الهش مع إسرائيل وتراكم مؤشرات التصعيد الأميركي في العراق.
اللقاء، الذي ضم أربعة من كبار القادة الأمنيين العراقيين، حمل في طياته رسائل مزدوجة: تهدئة عاجلة وإعادة اصطفاف محسوب. قاآني لم يأتِ هذه المرة ليدفع نحو تصعيد جديد، بل على العكس تماماً، جاءت لهجته مشبعة بالتحذير من مغبة إشعال الجبهة العراقية في هذا التوقيت الحرج. تحذيره من “عملية عسكرية أميركية ضد فصائل مسلحة” ليس مجرد توقع، بل رسالة استخبارية منقولة على الأرجح من مصادر ميدانية وتقاطعات معلوماتية استخبارية تشير إلى تصعيد محتمل.
لكن البعد الأكثر حساسية في الزيارة يتمثل في كونها حمَلت طابعًا استخباريًا بامتياز، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن قاآني جاء مزوّدًا بتقارير مفصلة عن اختراقات أمنية وتسرّب معلومات من داخل بعض فصائل الحشد نحو جهات أجنبية، وعلى رأسها الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية. فطهران، رغم عمق نفوذها، باتت تدرك أن بعض الشبكات التي أنشأتها في العراق بدأت تتآكل أو تُستثمر من أطراف معادية،عبر عمليات اختراق استخباري كبير ، تم ابلاغ طهران بها عبر معلومات روسية مؤكدة ، وهو ما يشكّل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
أما دعوة قاآني لضبط النفس؛ فهي تشير بوضوح إلى أمرين: أولاً، إدراك إيران أن أي صدام كبير في العراق الآن سيعيد خلط الأوراق التي حاولت طهران ترتيبها في أعقاب العدوان الإسرائيلي الأخير؛ وثانياً، عجز الفصائل الموالية لطهران عن خوض معركة طويلة الأمد دون غطاء سياسي وشعبي عراقي، وهو غطاء يتآكل بفعل السخط الشعبي والتدهور الاقتصادي.
تأكيد قاآني أن “الحشد الشعبي شارك بالحفاظ على العراق” ليس تذكيراً بالدور التاريخي للحشد فقط، بل محاولة لتثبيت شرعية الحشد في مواجهة أي تحرك أميركي أو حتى عراقي داخلي لنزع سلاحه أو تقليص نفوذه. الرسالة الأعمق هنا أن طهران تسعى للحفاظ على أذرعها في العراق كأوراق ضغط في أي تفاوض مستقبلي، لكنها في الوقت ذاته لا تريد استنزاف هذه الأوراق في معارك استباقية قد تفرضها واشنطن ضمن لعبة تصفية الحسابات في المنطقة.
ما بين التحذير والتحقيق ، وبين التهديد الضمني وضبط النفس، جاءت زيارة قاآني لترسم معادلة معقدة: إيران لا تزال تمسك بخيوط النفوذ في العراق، لكنها باتت أكثر حذراً من تحريكها دون ثمن محسوب. في هذا التوقيت، يبدو أن طهران تفضل المناورة على المجازفة، والرسائل الصامتة على الصواريخ العبثية . لكن السؤال الأكبر يبقى: هل ستمنحها واشنطن هذا الامتياز طويلاً؟