مقالات

الاستعمارُ و وَراثَتُه..

الاستعمارُ و وَراثَتُه..

بقلم علي او عمو.

• عندما نتحدّث عن (الاستعمار) فإننا نتحدَّث ببساطة عن دول قويّة اقتصادياً و سياسيا و ثقافيا و تصنيعاً تبسط نُفودها
على بلدان ضعيفة سياسيّا و اقتصاديا و تكنولوجيّاً و حداثةً، قَصدَ الاستفادة من ثرواتها الطبيعيّة الهائلة التي تزخَر
بها، سرقةً و نهباً، في غيابِ أيّ وعيٍ شعبي لهذه البلدان..
• لقد قامت الدول الغربيّة الاستعمارية (فرنسا و بريطانيا و إسبانيا و البرتغال..) و غيرها بالسيطرة على بلدان ضعيفة
في القارة الإفريقية، على الخصوص، و الذي بدأ في القرن ال19 حيثُ جاءت بشركاتها العملاقة التي تقوم بالتنقيب
على مختلَف المعادن في هذه البلدان و إقامة زراعات حديثة من أجل تنمية بلدانها و تقوية اقتصاداتها و ترفيه شعوبها
من خلال نهب هذه الموارد الطبيعيّة و غيرها على حساب الشعوب المُستَعمَرة و المحتلَّة أراضيها.. خلال هذه الفترة
الاستعمارية، لعبت طبقة من الأثرياء المُثقّفين في هذه البلدان دوراً أساسياً في تنظيم الحركات المُقاومة الشعبية و
تحريضها ،عن بُعد، ضدَّ الاستعمار لإجباره على الخروج من بلدانها.. استطاعت هذه الطبقة (الثرية المُثقّفة) من نشر
فكرة المقاومة على أوسع نطاق في أوساط هذه الشعوب، و بذلك تشكَّلت خلايا من المقاومة الشعبيّة التي تأتمِر
بأوامرها و تتبع المنهج الذي سطّرته لها في أساليب المُقاومة و الدفاع عن أوطانها من المُستعمِر..
• خاضت هذه الخلايا المقاوِمة حرب عصابات مع المستعمِر دامت عقوداً من الزمن، اضطرّ بفعل وَطأة و شدة
المقاوَمة، الخروج من هذه البلدان، و لكن، قبل مُغادرته لهذه البلدان و منحها (الاستقلال)، قام بإبرام اتفاقيات سرّية
مع الطبقة (الثرية المُثقّفة)، هذه الاتفاقيات التي منحت لهذه الطبقة حُكم هذه البلدان وفق شروط المُستعمِر التي تتجلّى
في اتباع سياسته في المحافظة على مصالحه في هذه البلدان و الائتمار بأوامره و تقاسُم الثروات معه، و السماح
لشركاته بالانتشار في ربوع هذه البلدان، و لكي تضمن الطبقة الحاكمة ديمومة الحكم قامت بإفقار الشعوب و تجهيلِها و
إقصائها حتى لا تثور في وجهها، كما ثارت في وجه المستعمِر..
• استولت الشرذمة الحاكمة (وارِثة الاستعمار) على كل الثروات الطبيعية للبلدان كما استولت على أحسن الأراضي
الفلاحية التي جعلتها ضيعات لجميع أنواع المزروعات علاوة على إنشائها لشركات في كل القطاعات من صناعة
الألبسة و الصناعات الغذائيّة و غيرها و استولت على الأسواق الداخلية و تتحكّم في أسعار جميع الموادّ.
• بسطت هذه الثلّة الحاكمة نفوذها على هذه الشعوب تسوقها أنّا شاءت و كيف شاءت كقطعان أنعام، و كلّ مَن تسوّل
لهم أنفسهم من هذه المجتمعات فضح ممارساتها و أساليبها المشينة في إدارة أمور و تدبير شؤون هذه البلدان
فمصيرهم السجون من أجل إسكات أصواتهم و جعلهم عبرة للآخرين..
• هذا الاستعمار الجديد (الطبقة الحاكمة) يستمدّ قوته من الاستعمار القديم الذي يحمي كراسيَه و عروشه الهشّة
المهزوزة من ثورات الشعوب التي ما فتئت تظهر في بعض هذه البلدان، فيسعى الاستعمار القديم إلى مساعدة
الاستعمار الجديد في إخماد نيرانها بكلّ الوسائل السياسيّة منها و الأمنية.
• من الملاحَظ أن شعوب بعض هذه البلدان قامت بثورات عارمة ضدّ حكامها و استطاعت إسقاط هذه الأنظمة
الشمولية، و محاولة إنشاء ديمقراطيّة حقيقية تُتداوَل فيها سلطة الحكم بين أبناء هذه الشعوب، و لكن سرعان ما قامت
الدول الاستعمارية بإفشال هذا الانتقال الديمقراطي بتدخّلها في شؤون هذه الدول، قصد تنصيب جنيرالات الجيش و
إنشاء نظام حكم عسكري دكتاتوري أو إنشاء نظام مدني دكتاتوري، و الذي يكتسي في غالبية الاحيان مظهر و شكل
ديمقراطية زائفة، ذلك أنّ الدول الاستعمارية تجد في الأنظمة العسكرية و الأنظمة المدنية الشموليّة الراعي الأمين
لمصالحها في هذه البلدان لأنها ترى في الديمقراطية تهديدا حقيقيّاً لمصالحها، و لذلك تقف حجر عثرة أمام قيام أيّة
ديمقراطيّة في مستعمراتها حتى تحافظ على استمرارية و ديمومة مصالحها فيها…

كاتب من المغرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب