
بغداد في ١٩٣٨..
بقلم علي رهيف الربيعي
كانت الجمعيه الطبية المصرية تقيم مؤتمرا سنويا وتحرص على أن يكون هذا المؤتمر في إحدى العواصم العربية المختلفة حرصا منها على تبادل الخبرات بين الأطباء العرب وعلى الترابط القوي بين بلدان الأمة العربية مما اثمر في ترسيخ مفهوم العروبة وأدى الى قيام جامعة الدول العربية عام ١٩٤٤. وكان المجمع اللغوي يختار الشاعر الكبير علي الجارم ليمثله في هذه المؤتمرات ليحيى هذا الاتجاه العروبي القومي يشيد بدور مصر القيادي في محاولة النهوض الحضاري للأمة العربية.
وفي هذا المجال نقرأ للدكتور محمد رجب البيومي قوله (1) : ” تقدم علي الجارم الى الأمة العربية بعلمه قبل أن يتقدم بشعره فقد عرفته ربوع الضاد بمؤلفاته الرائعة ذات الأجزاء المتعددة في البلاغة والنحو لأن ماكتبه الجارم في هذين العلمين كان فتحا جديدا. لذلك تعددت طبعات ( النحو الواضح) حتى بلغت الخمسين وقررت أجزاؤه في مدارس الشام والعراق والاردن والسعودية حينا طويلا من الدهر.
لقد زار الجارم عاصمة الرشيد ثلاثة مرات فكانت كل زيارة له موسما شعريا لا ينقطع صداها عدة شهور، زارها ممثلا للمجمع اللغوي في المؤتمر الطبي ببغداد سنة ١٩٣٨ فأنشد قصيدته الذائعة (2) :
بغداد يا بلد الرشيد ومنارة المجد التليد
وفيها تحدث عن سجل المجد الخالد، إذ كانت بغداد مضرب المثل الشرود، وأنصع سطر للعروبة خط في لوح الخلود، ولا ينبيك عن بغداد مثل الجارم حين اخذ يناديها متسائلا :
بغداد يا دار النهى والفن يا بيت القصيد
نبت القريض على ضفافك بين أفنان الورود
سرق التدلل من ( عنان) والتفنن من ( وحيد)
بغداد أين البحتري واين أين ابن الوليد؟
ومجالس الشعراء في بيت ابن يحيى والرشيد؟
أين القيان الضحكات يمسن في وشى البرود؟
(1) مجلة الهلال : علي الجارم : سفير مصر في محافل العروبة السنة الرابعة والتسعون أكتوبر ١٩٨٦ وفي كتاب الجارم في ضمير التاريخ اعداد الدكتور أحمد علي الجارم ١٩٩٤ ص١٩٥.
(2) ديوان الجارم الطبعة الثالثة ١٩٩٧ الدار المصرية اللبنانية ص١٨٧.