ثقافة وفنون

ثورة يوليو وعبد الناصر بين سطحية السينما وهزلية الدراما!

ثورة يوليو وعبد الناصر بين سطحية السينما وهزلية الدراما!

كمال القاضي

عدد قليل من الأفلام التي تحدثت عن ثورة يوليو/تموز وتناولت شخصية جمال عبد الناصر بالنقد والتحليل، هي التي نجحت في تصوير الأحداث السياسية وأقنعت الجماهير المصرية والعربية بأهمية التوثيق السينمائي، وحرفية النقل من الواقع التاريخي إلى الفضاء الإبداعي.
وبغض النظر عن طبيعة الرؤى السينمائية والدرامية ومضامينها السياسية المؤيدة، أو المُعارضة يبقى المستوى الفني للطرح هو الفيصل الحقيقي في تقييم التجارب، لذلك نجد أن هناك أعمالا فنية بعينها سقطت من الحسبان لسوء المُعالجة والضعف الواضح في البنية والشكل والتوظيف، بداية من السيناريو والحوار وانتهاءً بمرحلة التمثيل، مروراً ببقية العناصر التقنية كالتصوير والإضاءة والمونتاج والموسيقى والديكور، وغيرها من المؤثرات الفاعلة والمهمة.
وبالطبع يأتي الإخراج في مقدمة أسباب الضعف والفشل، وإهدار ميزانية الإنتاج بلا طائل، ولأن التجارب الفاشلة تُقرأ من عناوينها فإن أهم ما ورد من الأفلام ذات المستوى الأقل فنياً في سياق الرؤية السينمائية لسيرة ومسيرة الرئيس جمال عبد الناصر الفيلم الذي كتبه السيناريست والمخرج السوري أنور قوادري في عام 1999 ليُعبر به عن انتمائه القومي وحُبه للرئيس عبد الناصر، وحمل اسم جمال عبد الناصر كعنوان جاذب وغني عن أي تفسير أو دعاية. وعلى الرغم من حُسن النية الذي توافر بقوة لصناعة العمل الفني الضخم إلا أن النتائج جاءت غير مُرضية بالمرة، وبات المشاركون في الفيلم يلقون اللوم على أنفسهم ويتبادلون الاتهامات ليبتعد كل منهم عن شبهة الفشل التي أحاطت بالتجربة، فالفرصة التي أهدرها خالد الصاوي بإخفاقه في تجسيد شخصية جمال عبد الناصر، اعتبرها مجرد محاولة لم تتوافر لها ظروف النجاح، وكما هو معهود تبرأ منها وكأن شيئاً لم يكن. كذلك الأمر بالنسبة لبقية الأبطال، فعبلة كامل التي قامت بدور تحية كاظم زوجة الرئيس، تعاملت مع التجربة الفاشلة بفتور وأسقطتها تماماً من ذاكرتها، فلم تتحدث عنها طوال مرحلتها الفنية التي أنهتها بالاعتزال، والشيء نفسه فعله الفنان الراحل هشام سليم، الذي لعب دور المشير عبد الحكيم عامر، ولم يكن موفقاً فيه بأي مقياس فني أو إنساني. ولم يختلف أداء أحمد راتب كثيراً، من حيث الضعف والتراجع، فقد فصلته مسافة شاسعة عن شخصية اللواء محمد نجيب، شكلاً وموضوعاً، فلم يمت له بصلة، وكغيره اعتبر راتب دورة التاريخي من الفرص الضائعة وتحاشى الحديث عنه، ولم يذكره إطلاقاً في أي من أحاديثه الإذاعية أو التلفزيونية التي سجلها قبل رحيله.

صديق العُمر

بعد فشل السينما في تقديم النموذج الأقرب لشخصية الرئيس جمال عبد الناصر باستثناء الفيلم التلفزيوني الشهير «ناصر 56» للكاتب محفوظ عبد الرحمن والمخرج محمد فاضل والفنان أحمد زكي، حاولت الدراما التلفزيونية تعويض النقص في هذا الجانب، فدعمت جهات الإنتاج مشروع مسلسل صديق العُمر الذي كتبه السيناريست ممدوح الليثي، وأخرجه عثمان أبو لبن وتم عرضه في عام 2014 ليُضاف إلى قائمة الأعمال المُهدرة قيمتها، فناً وإنتاجاً وإبداعاً، فالقصة المُستهدفة دارت أحداثها حول العلاقة القوية التي كانت تربط جمال عبد الناصر بصديق عمره عبد الحكيم عامر منذ أن تزاملا معاً في الكلية الحربية وانضما معاً إلى تنظيم الضُباط الأحرار، وشاركا في قيام ثورة يوليو، إلى أن تولى ناصر الحُكم وأصبح رئيساً للدولة وعين صديقة عامر وزيرا للدفاع.
المسلسل ركز بشكل أساسي على علاقة الصديقين وآثارها السلبية، وقد جسد جمال سليمان شخصية جمال عبد الناصر فلم يُحالفه الحظ في إتقانها وإقناع الجمهور بها، وتعود الأسباب في ذلك إلى عدة عوامل أولها ضعف السيناريو، وثانيها ابتعاد البطل جمال سليمان عن كاريزما عبد الناصر وتعامله مع الدور، كأنه تجسيد لشخصية عادية لا شخصية تاريخية لها اعتبار وحيثية مهمة، فلم يُغير على سبيل المثال من تون الصوت، أو الأداء الحركي، ولم يهتم بإنقاص وزنه ليكون ملائماً من الناحية الشكلية، الأمر الذي أدى إلى إفلات زمام الشخصية منه وتسطيحها.
أما باسم سمرة، الذي أدى دور عبد الحكيم عامر فكان هو الأليق نوعاً ما والأقرب فعلياً من حيث الملامح والبنية الجسمانية لشخصية المُشير عامر، وكان في إمكانه الإجادة الكاملة لو اعتنى المخرج عثمان أبو لبن بتوجيهه، لكن لأن المخرج نفسه افتقد في هذا المسلسل لبعض أدواته، لم يفلح في توجيه الأبطال وتلافي أخطائهم.
حتى دُرة التي قامت بدور برلنتي عبد الحميد زوجة عبد الحكيم عامر، لم تكن على المستوى المطلوب، لا هي ولا صبري فواز الذي أدى دور الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل، أي أن المسلسل كله برُمته لم يرقَ بأي حال إلى القيمة التاريخية للمرحلة بثرائها وتنوعها الدرامي.

ناصر

المسلسل الوحيد الذي يُمكن استثناؤه كعمل تلفزيوني استعرض حياة الرئيس جمال عبد الناصر بقدر كبير من العناية والتدقيق، هو مسلسل «ناصر» الذي كتبه يسري الجندي وأخرجه باسل الخطيب، وجسد فيه شخصية عبد الناصر الفنان مجدي كامل مع مجموعة أبطال آخرين تم تسكينهم في أدوار مناسبة إلى حد ما، كلقاء الخميسي التي قامت بدور تحية كاظم زوجة الرئيس، وأحمد صفوت الذي جسد شخصية المشير عامر. هذا المُسلسل تحديداً هو الذي حظي بالقبول بين الجماهير المصرية والعربية، وقوبل بإعجاب وتأييد من أسرة الزعيم جمال عبد الناصر، لاسيما هدى عبد الناصر التي رأت أن مجدي كامل كان هو الأقرب لشخصية أبيها من أي ممثل آخر بما فيهم أحمد زكي مشيرة إلى بعض الحيثيات المُتصلة بالشكل والجسم والصوت والحركة والمظهر الخارجي، وليس أدل من هذه الشهادة على ضعف الأعمال الأخرى السابق ذكرها، وعلى رأسها التجربة الأولى في فيلم «جمال عبد الناصر» للمؤلف والمخرج أنور قوادري الذي تُحسب له المُبادرة وتؤخذ عليه الأخطاء.

كاتب مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب