ثقافة وفنون
بين أمير وأعرابي

بين أمير وأعرابي
مصطفى معروفي
ـــــــــــ
أتذكر وأنا في المرحلة الثانوية (الثانية ثانوي الآن) قام تلاميذ الثانوية في إحدى المناسبات لا أتذكر ما هي الآن بأداء تمثيلية باللغة العربية الفصحى أضحكت الجمهور الحاضر ، وكنت حاضرا فيها، والتمثيلية كانت عبارة عن محاورة بين أعرابي وأمير لأحد الخلفاء العباسيين ،حيث إن الأعرابي شاعر و الأمير ناثر،وكان مراد الأعرابي هو إغاظة الأمير وإخراجه عن طوره، لكن الأمير كان حليما وبقي هادئا إلى آخر لحظة حتى يئس الأعرابي من إغاظته وإغضابه،بل إن هذا الأخير حصل على جوائز سنية من الأمير فرجع إلى منزله فرحا مسرورا كالأعرابي الذي وصفه الحطيئة في قصيدته الموسومة بـ”الضيافة العربية “قائلا بعد أن وجد الأعرابي ما يُقري به ضيفه الطارئ ليلا بعد أن صاد ظبية سمينة قائلا:
فَخَرَّت نَحوصٌ ذاتُ جَحشٍ سَمينَةٌ
قَدِ اِكتَنَزَت لَحماً وَقَد طُبِّقَت شَحما
فَــيا بِــشرَهُ إِذ جَــرَّها نَــحوَ قَومِهِ
وَيــا بِشرَهُم لَمّا رَأَوا كَلمَها يَدمى
فَباتَوا كِراماً قَد قَضوا حَقَّ ضَيفِهِم
فَلَم يَغرِموا غُرماً وَقَد غَنِموا غُنما
وَبــاتَ أَبــوهُم مِــن بَــشاشَتِهِ أَبــاً
لِــضَيفِهِمُ وَالأُمُّ مِــن بِــشرِها أُمّــا
والأمير هذا هو معن بن زائدة الشيباني أمير العراق وقتها للخليفة العباسي المنصور،وقف الأعرابي أمامه وقد سمع عن حلمه وتسامحه،فقال يخاطبه يريد استفزازه:
أتــذكر إذ لحافك جلد شاة
ِِواذ نعلاك من جلد البعير
فقال معن:
أذكر ذلك ولا أنساه.
قال الأعرابي:
فــسبحان الــذي أعطاك ملكا
وعلمك الجلوس على السريرِ
فقال معن:
سبحان الله.
قال الأعرابي:
فلست مسلِّما إن عشت دهرا
عــلى مــعْن بــتسليم الأميرِ
فقال معن:
يا أخا العرب،السلام سنة،وهذا شأنك.
قال الأعرابي:
ســأرحل عن بلاد أنت فيها
ولو جار الزمان على الفقيرِ
فقال معن:
إن جاورتنا فمرحبا بك وإن رحلت فمصحوباً بالسلامة.
قال الأعرابي:
فجد لي يا ابن ناقصةٍ بشيء
فإني قد عزمت على المسير
فقال معن:
اعطوه ألف دينار يستعين بها في حياته.
قال الأعرابي:
قليلٌ ما أتيـــــتَ به وإني
لأطمع منك بالمال الكثيرِ
قال معن اعطوه ألفا آخر.
قال الأعرابي:
سألت الله أن يبقيـك ذخرا
فما لك في البرية من نظيرِ
فقال معن:
اعطوه ألفاً آخر .
فقال الأعرابي:
يا أمير جئت مختبرا حلمك لِما بلغني عنه ،فقد جمع الله فيك من الحلم ما لو قسم على أهل الأرض لكفاهم.
فقال معن:
يا غلام اعطه على نظمه ثلاثة آلاف وعلى نثره مثلها.
تبقى الإشارة إلى أن معن بن زائدةهو الذي مدح قومه بني مطر مروانُ بن أبي حفصة بقوله:
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دُعوا
أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
ومـــا يــستطيع الــفاعلون فــعالَهم
وإن أحــسنوا فــي النائبات وأجملوا
بــهاليلُ في الإسلام سادوا ولم يكن
كــأوَّلــهــم فــــي الــجــاهلية أوَّلُ
والشاعر مروان بن أبي حفصة هو الذي رثى معن بن زائدة لما قتل هذا غيلة من طرف الخوارج سنة 151 هجرية. بقصيدة يقول مطلعها:
مضى لسبيله معْنٌ وأبقى
مكارمَ لن تَبيدَ ولن تُنالا
وما التوفيق إلا من عند الله,له الحمد وعليه التوكل.