ثقافة وفنون

لوحات هاشم حنون… تعبيريات تسرد وقائع حرب غزة

لوحات هاشم حنون… تعبيريات تسرد وقائع حرب غزة

خضير الزيدي

مثلت أعمال هاشم حنون الأخيرة، مظاهر جذب لبناء موضوعي، وخطاب فني يناهض الحرب الواقعة في غزة، وبعض المدن الفلسطينية. وكانت مهارته في الإنشاء والتصوير وتتابع البناء في تأسيس اللوحة، ينم عن دراية وفهم لما يبتغيه من توجه. ولا يجد حرجا في إعلاء شأنه أمام الآخر. وهو سعيه في الرسم التعبيري الهادف، الذي يوصف بأن خطابه وتنوع آليات إنتاجه تقف بالضد من الحرب التي دمرت الأطفال، وشوهت الإنسان. وأحسب أن الحاجة لدى هذا الفنان في توظيف يوميات قتل الفلسطينيين باتت ملحة، لأنها تشكل هاجسا إنسانيا يريد به أن يمثل مثاليته ورغبته في إنتاج متخيل فني يتماشى مع وقائع ومأساة الأطفال والعوائل وتشريدهم وسلبهم ممهدات وجودهم، فما الذي فرضته أعماله التعبيرية من هواجس لدى المتلقي، وهل ثمة التباس في ذلك التعبير الذي يصعّد من تجليات الجانب النفسي في فرض حقائق مؤلمة، والسؤال الذي تبادر لذهننا كيف ينجح خطاب الحداثة في الفن، ساعيا لتوظيف لعبة التواطؤ مع الموت والتشريد وكبت براءة الأطفال؟

هاشم حنون

يبدو أن المحرك الأساس الذي يقف في رسم هذه المجموعة هو الجانب الإنساني وقد تجلى واضحا أن انتقائيته لخطاب وممارسة الإنشاء التصويري بدا بعيدا عن الانفعالية، بل بدا مضمار قضيته لافتا لقناعة وتوجه عقلي تحركه خزائن رمزيته، وما يتم انسجامه من وحدات في اللوحة، لهذا يبدو أن مغزى الفن هنا هو الاحتكام للتاريخ، وكشف نوايا وأسباب الصراع، وما يلفت النظر إليه أنه يبدي استعدادا لخلق نموذج من الرسم البعيد عن الانفعال والتقريرية، بل الأهم باتت مقدرته الأسلوبية تسهم في فرض رسومات تمنحنا شعورا بقيمة قضية هاشم حنون، وهي مناهضة الحرب وجرف المنازل، فكيف نحدد نزعته من حيث معيارية الأشكال وإدراك فحوى الخطاب؟ لن يهرب المتلقي من وطأة الإحساس بأن مدركات الشكل والتكوين في نظام عمل هذا الفنان تستند إلى تطابق الموضوع مع الإشارات والوحدات داخل متن الاشتغال الفني، فمستويات التماهي على أشدها والتحكم والحفاظ على وحدة الموضوع تجعل التنويعات الإنشائية كأنها في نظام داخلي يؤازر بعضه بعضا، وأيضا لا بد من الإشارة إلى أن الأشكال تبدو في مرح وهي دعوة لإنشاد وعيش الحرية، وهو خطاب يمثل أعلى قيم المواجهة حينما يقف الإنسان داعيا لحريته أمام آلة القتل وجرافات التشريد. لنقل إن لوحاته التعبيرية انطوت على مهارة ووعي يلازم فهم رسالة الفن، لهذا لا غرابة في أن نقول إن رسوماته تمثل حوارا ومراجعة لما نستشعر به حيال مدن فلسطين، وحسنا فعل حينما قدم التشخيصية خيارا لكل تلك التكوينات بدلا عن الإشارية، ولا غرابة في الأمر فقد أنجز في عام 1978 عملا مهماً سماه (الشهيد) وحافظ فيه على النسق التراجيدي والمؤلم أمام المتلقي، ثم أضاف لعمله هذا لوحته الثانية (الشهيد قاسم) سنة 1983 وكانت رثاء لأخيه فهل تهدف هذه الأعمال الأخيرة إلى ما أشار إليه سابقا وهل نعدها امتدادا لاستغالاته التشخيصية الأولى؟ يضفي الفنان في رسوماته الأخيرة جوا من المهارة من حيث التقنيات ويصاحب هذا الإحساس شعور بأنها تظهر حاجة ملحة أمام أنظارنا، لا لكونها تحمل سمات الجوانب الإنسانية، بل لأن نطاقها التعبيري يتسع لمزيد من فهم رؤيته في صناعة لوحة معبرة، خلافا لما تذهب إليه رسوماته ذات الطابع الإشاري. نحن نتحدث هنا عن نسيج بنائي منتظم القوام، ومهارة تعي أن قضايا الفن التي يوظفها الفنان لا يستهان بها، بل هي حوار يقتضي لعقل الآخر أن يصغي إليه.

لا يتغاضى هاشم حنون عن صناعة لوحة مفعمة بالملامح التشخيصية التي تفرض معاينة عليها من نوع مختلف، كون الحشود داخل متن اللوحة مندهشة ومتأملة ومراقبة لفضاء الحرية لا يوجد إغواء في طريقة الأسلوب وغاية التعبير يوجد هدف إنساني/سياسي/ وهدف جمالي مع إرادة لا تنتهي بخطاب تقليدي، أو مرجعية تذكر سوى مرجعيات ذهنية الفنان وخصوبة خياله، ولعل أجمل ما في لوحاته تلك التشخيصية التي تحمل صدقا في التعبير وتشيّد لها مسرحا من الأحداث المتناقضة، التي تجمع بين الحرب والموت والانتصار للحرية، إنها أعمال تحفر وفق تكوينات نفسية حادة ونزعة تعبير لا تميل للاغتراب والسوداوية بقدر ما تنطوي على رسالة فن حرة لها نزعة سامية من البعد الإنساني.

كاتب عراقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب