مقالات

ما العوامل التي ستحكم اختيار زعيم لحماس بعد استشهاد هنية؟

ما العوامل التي ستحكم اختيار زعيم لحماس بعد استشهاد هنية؟

مثنى عبد الله

تبقى الرمزية أحد العوامل التي تتحكم في بناء الكيانات المادية والمعنوية في الشرق، ولطالما انهارت دول ومؤسسات وهيئات بعد غياب القائد والرمز في هذه البقعة من العالم. لذلك تدور الأعين مباشرة صوب المنصب الأول حين يخلو، وتنطلق التكهنات حول من سيشغله. وها هو غياب الشهيد إسماعيل هنية أطلق مرحلة التوقعات بشأن من سيخلفه في الزعامة السياسية، في ظل ظروف طارئة لا بد من أن تنعكس على عملية اختيار الخليفة.
لقد كان الشهيد هنية يشغل منصب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. وهذا المكتب يمثل قيادة الحركة وسلطتها التنفيذية ويتألف من 18 عضوا هم، الرئيس ونائبه اللذان ينتخبهما مجلس شورى الحركة، وأعضاء المكتب ويمثلون الفروع الإقليمية الثلاثة لحركة حماس وهي، فرع غزة وفرع الضفة الغربية وفرع الخارج. وحسب اللائحة الداخلية للحركة يمكن القول إن هناك قيادة جماعية في حماس من قبل رؤساء الأقاليم الثلاثة، حيث إن كل رئيس من رؤساء هذه الفروع هو نائب تلقائي لرئيس المكتب السياسي، إضافة إلى النائب المنتخب.
أما مجلس شورى الحركة فيمثل الهيئة الاستشارية الرئيسية لها، ومن مهامه اختيار قائد سياسي دائم أو مؤقت. ويبدو أن اختيار رئيس جديد للمكتب السياسي سيكون مؤقتا وليس دائميا، على اعتبار أن هنالك استحقاقا انتخابيا داخليا للحركة بعد حوالي عشرة أشهر من الآن. ولو كان الشهيد صالح العاروري، الذي اغتيل في بيروت بداية العام الجاري حيا، لما كانت هنالك حاجة لانتخاب رئيس جديد للمكتب السياسي، لأنه كان نائبا منتخبا للرئيس وسيكون هو الرئيس بشكل روتيني في حالة خلو هذا المنصب، لكن المشكلة اليوم هي أن الرئيس ونائبه المنتخبين كلاهما استشهدا.

لا بد من القول وبشكل واضح إن حركة حماس هي ابنة الواقع والمحيط تؤثر فيه وتتأثر به، والإقليم كما يعرف الجميع ليس على قلب رجل واحد، وفيه محاور كثيرة

لقد تم تداول عدة أسماء قيادية في حركة حماس لرئاسة المكتب السياسي، خلفا للشهيد هنية خلال الأيام الماضية، ولعل أبرزهم، موسى أبو مرزوق الذي يعتبر أحد الأسماء البارزة في الحركة والموصوف بأنه ذو نهج براغماتي في التعامل والمفاوضات. وزاهر جبارين مسؤول الشؤون المالية في الحركة، الذي يُعتبر من أقرب المقربين إلى الشهيد هنية، أيضا من المرشحين للمنصب كل من يحيى السنوار رئيس الحركة في غزة، ونائبه خليل الحية، الذي قاد كتلة حماس في المجلس التشريعي الفلسطيني بعد انتخابات عام 2006، وخالد مشعل الرئيس السابق للمكتب السياسي، الذي تعرض لمحاولة اغتيال من الموساد في عمّان عام 1997، وفي ذلك الحين كان بنيامين نتنياهو أيضا يشغل منصب رئيس الوزراء في إسرائيل. لكن ما هي الصفات التي قد تؤهل أيا من هؤلاء للفوز بثقة مجلس الشورى؟ إن الظروف الحالية التي تمر بها الحركة هي ظروف استثنائية بكل معنى الكلمة، ولا بد من أن تلقي ظلالها على عملية اختيار القائد الجديد. فهنالك حرب مستمرة منذ أحد عشر شهرا مع إسرائيل وحواضنها الدولية، واستهداف مُعلن لكل قادة الحركة وكوادرها، وإبادة جماعية للحاضنة الشعبية للحركة. وكل هذه الظروف تدفع لأن يذهب البعض إلى الاعتقاد بضرورة بروز قائد من بين الأوساط الأكثر تشددا في الحركة، وحصريا من داخل غزة، وليس من خارجها ويشيرون إليه على أنه يحيى السنوار، في حين يرى البعض أن الحركة بحاجة ماسة إلى التواصل والاتصال مع الخارج، ويشيرون إلى خالد مشعل الذي يتمتع بالتجربة والخبرة في التواصل الخارجي، في ضوء السياق الذي عمل به سابقا. كما يبرز مؤثر آخر في عملية اختيار القائد الجديد، وهو تماس حماس مع النظام العربي والإقليمي والدولي ووجود قوى وتوازنات لا بد من أن يُحسب حسابها. ومع كل ذلك تبقى العملية الديمقراطية في داخل الحركة هي التي تحكم، وربما تتقدم لشغل المنصب أسماء ليست معروفة كثيرا في الأوساط الإعلامية. فلا حاكم مطلق يسود في داخل الحركة وقرارها في هذا الشأن وغيره قرار مؤسسة وليس قرار أشخاص. قد تفرض الشخصية والكاريزما وقائع ما في العملية الانتخابية، لكن ذلك لن يكون هو العامل الحاسم في عملية الاختيار.
لكن الموضوع الأكثر حساسية والذي يُثير تساؤلات كثيرة في هذه الأيام هو، إذا كانت حماس قد فرضت احترام قرارها الداخلي المستقل، على كل الأطراف المنخرطة في الملف الفلسطيني، ما قبل السابع من أكتوبر وما بعده، ورفضت التدخل في شؤونها من أي طرف كان، فهل معنى ذلك أن الإقليم لن يكون مؤثرا في اختيار القائد الجديد؟ وإذا لم يكن هو كذلك فهل ستُراعي الحركة ذاتيا علاقاتها الخارجية في عملية الاختيار تلك؟ وهنا لا بد من القول وبشكل واضح إن حركة حماس هي ابنة الواقع والمحيط تؤثر فيه وتتأثر به، والإقليم كما يعرف الجميع ليس على قلب رجل واحد، وفيه محاور كثيرة لكن أبرزها محوران: محور المملكة العربية السعودية وبعض الدول العربية، ومحور إيران والدول العربية المخطوفة من قبل أذرعها وميليشياتها. وهنا لا حاجة للموازنة بين من هو المحور الأقرب إلى حركة حماس من غيرها. فالصورة واضحة من خلال زيارات قادة حماس إلى إيران، بل الصورة تبدو أكثر وضوحا من خلال آخر مكان ظهر فيه الشهيد إسماعيل هنية، وتم استهدافه فيه وهو طهران. في حين أن المحور العربي ابتعد مُختارا عن حركة حماس، وبعض الدول العربية جرّمتها ووضعتها في خانة الإرهاب، وآخرين ساوموها على مواقفها السياسية من أجل تمويلها، وبذلك وضع هذا المحور التيار البراغماتي في داخل الحركة، الذي كان يدفع بالحركة نحو الحضن العربي في موقف حرج. فهل يتوقع أحد بأن خالد مشعل غير المرغوب فيه إيرانيا، والمتهم من قبل طهران بأنه قريب من النظام الرسمي العربي، أن يتم اختياره لزعامة الحركة؟ ربما، لكن سيكون ذلك على اعتبار أن وجوده على رأس المكتب السياسي بصورة مؤقتة حتى الانتخابات المقبلة بعد عشرة أشهر.
إن ما يجب قوله وبصراحة تامة في هذا الموضوع هو أن على حركة حماس أن توازن بين متطلبات حاجتها إلى من يقف معها ويدعمها ويمولها في هذه المواجهة القاسية الدائرة اليوم، وهذا من حقها، وحاجتها أيضا إلى الحاضنة الشعبية العربية التي لا يمكن أن تنعزل عنها، بحجة أن السبب في ذلك هو موقف النظام الرسمي العربي منها. وللأسف هناك نظرة خاطئة تساوي بين النظام الحاكم ومواطنيه وهذا إجحاف كبير يجب أن لا تقع فيه حماس. كما أنها قادرة على اختيار شخصية من بين صفوفها حريصة على بناء علاقات مع المحور العربي متينة ونافعة، كما علاقات متينة مع المحور الآخر في المنطقة، الذي ترى فيه منفعة لها. فمتطلبات الحرب المفروضة على حماس مؤقته وليست دائمة.
كاتب عراقي

كاتب عراقية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب