كيربي وسموترش: ببغاء أمريكي وحدأة صهيونية

كيربي وسموترش: ببغاء أمريكي وحدأة صهيونية
صبحي حديدي
مضحكٌ، من زاوية انتمائه إلى الهزل المعلَن والمسخرة المسرحية؛ ومملٌّ، لأنه مستعاد في تراث مهزلة مكرورة؛ ذلك السجال اللفظي الذي اندلع مؤخراً بين بتسلئيل سموترش وزير المالية في دولة الاحتلال الإسرائيلي من جانب، وجون كيربي الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض من جهة مقابلة. الثاني يقول إنّ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لن تسمح لـ«المتطرفين»، على الجانب الإسرائيلي أيضاً، بحَرْف محادثات وقف إطلاق النار في قطاع غزة عن مسارها؛ رداً على الأوّل، الذي اعتبر أنّ صفقة كهذه سوف تكون استسلاماً أمام «حماس»، وأنّ من «الخطأ القاتل» مبادلة أسرى إسرائيليين مع سجناء فلسطينيين.
ولأنّ هذه الإدارة تبارت مع إدارات سابقة في توفير المساندة المطلقة لدولة الاحتلال، خاصة خلال انخراطها في حرب إبادة قصوى وحشية وهمجية ضدّ المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزّة وسائر فلسطين؛ فإنّ هذا التراشق اللفظي بدا غير مألوف، بين وزير إسرائيلي وناطق رسمي أمريكي، حتى إذا كان سموترش أحد ممثلي الجناح القومي المتدين والفاشي في الحكومة اليمينية الأشدّ تطرفاً في تاريخ الكيان الصهيوني، وكان كيربي لسان حال رئيس أمريكي صاحب نظرية (ركيكة، حمقاء، مبتذلة) تقول بأنّ المرء ليس محتاجاً لديانة يهودية كي يكون صهيونياً.
وألا يكون التراشق مألوفاً، ويبدو بالتالي أقرب إلى انزياح عن التطابق التامّ، الببغائي الصرف أحياناً، بين الخطاب الرسمي الإسرائيلي ونظيره الخطاب الرسمي الأمريكي؛ أمرٌ يمكن ردّه إلى سياقات ما يتغيّر جذرياً في طبائع نظرة الرأي العام الأمريكي إلى القضية الفلسطينية عموماً، وإلى حرب الإبادة الإسرائيلية خصوصاً. وحين جرى، في شباط (فبراير) الماضي، تداول الصفة التي أطلقها بايدن على نتنياهو، مستخدماً مفردة الأحرف الأربعة الأمريكية البذيئة الأشهر، لم يكن إنكار البيت الأبيض بمثابة تأكيد للتسريب، فحسب؛ بل عكس مقدار رضوخ رئيس القوة الكونية الأعظم أمام رئيس الحكومة الأشنع عربدةً إبادية على امتداد التاريخ البشري.
بيد أنّ سجالات مماثلة سبق أن اندلعت بين ممثلي البيت الأبيض ونظرائهم في دولة الاحتلال، لعلّ أوضحها مغزى تلك التي انطوت على أمريكي يهوي/ إسرائيلي الجنسية، وإسرائيلي يهودي يحمل جنسية الكيان الصهيوني وحدها؛ كما في نموذج رام إسرائيل إمانويل، كبير موظفي البيت الأبيض في إدارة باراك أوباما، وأحد مستشاري بيل كلنتون، وعضو مجلس النواب، خلال زيارة «خاصة» قام بها صيف 2010 إلى دولة الاحتلال، خلال عهد نتنياهو أيضاً. ورغم أنّ إمانويل كان يزور بلداً يحمل جنسيته، إلى جانب تلك الأمريكية، وسبق له أن خدم متطوعاً في الجيش الإسرائيلي أثناء حرب الخليج الأولى، 1991؛ وأنه لم يأتِ لأسباب سياحية بل من أجل واجبات دينية هي الاحتفال، أمام أحجار الجدار الغربي في القدس المحتلة، ببلوغ ابنه زاخ سنّ الـ 13؛ فإنّ تظاهرات الاحتجاج على زيارته لم تكن فلسطينية مثلاً، بل إسرائيلية حصرية وجهت له تهمة «معادٍاة السامية»، و«كره إسرائيل»… ليس أقلّ!
لم يكن أفضل حظاً زميلُه مارتن إنديك، سفير الولايات المتحدة الأسبق لدى تل أبيب وأوّل يهودي يتولى المنصب في تاريخ دولة الاحتلال، وكانت تسميته في السفارة بمثابة سابقة مفاجئة تماماً، قدّمها كلنتون هدية نفيسة إلى أصدقائه في مختلف مجموعات الضغط اليهودية الأمريكية. ومع ذلك، غادر إنديك منصبه لا تودّعه دموع الامتنان والعرفان بل أقذع الشتائم، الأمر الذي أثار التساؤل البسيط المنطقي: كيف لرجل يهودي سفير للقوّة الكونية الأعظم، يعمل في بلد يزعم ساسته هويةً يهودية قلباً وقالباً، أن يقابله الإسرائيليون أنفسهم بالجحود، إلى درجة تشييعه باللعنات؟
لا عجب هنا وهناك، في الماضي والحاضر، ما دام السجال لا يرقى حتى إلى مستوى اللغط؛ مُلزَماً، تعريفاً، بالبقاء في حدود التراشق بين ببغاء أمريكية وحدأة إسرائيلية… سواء بسواء!
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس