مقالات
التوتر الإثيوبي الصومالي المصري وأثره على استقرار القرن الإفريقي *م. فؤاد عثمان عبدالرحمن
م. فؤاد عثمان عبدالرحمن
اتفاقيات وتوترات في القرن الإفريقي:
التوتر الإثيوبي الصومالي المصري وأثره على استقرار القرن الإفريقي
*م. فؤاد عثمان عبدالرحمن
يشهد القرن الإفريقي في الآونة الأخيرة تحولات لافتة في العلاقات الإقليمية، تتجلى بوضوح في الاتفاقيات الأخيرة بين الدول الرئيسة في المنطقة والتوترات التي نتجت عنها.
تأتي هذه التحولات في ظل سياق سياسي معقد يتداخل فيه القلق من الأزمات الأمنية كالنزاع الحالي الدامي في السودان بين القوات المسلحة السودانية والقوات شبه العسكرية المسماة بالدعم السريع في عاصمته الخُرْطُوم ومدن رئيسية أخرى، تتداخل فيه مع الطموحات الجيوسياسية أيضا.
الاتفاقيات بين إثيوبيا وأرض الصومال، مصر والصومال:
تبرز العلاقات بين إثيوبيا ومصر كـ أحد أبرز بؤر النزاع بجانب حرب السودان الحالية الدائرة في هذه المنطقة الاستراتيجية، ويعود النزاع بين البلدين إلى قضايا عدة أبرزها ملف سد النهضة الإثيوبي الذي أثار مخاوف القاهرة من تأثيراته السلبية على حصتها من مياه النيل، الذي يعتبر شريان الحياة الرئيسي للبلاد.
وسعت مصر مع السودان دولتي المصب للوصول لاتفاق ملزم مع الجانب الإثيوبي فيمَا يخص القضايا الفنية حول عمليتي الملء وتشغيل السد وتوصلوا مع دولة المنبع إثيوبيا لإعلان تم توقيعه في العاصمة السودانية الخُرْطُوم عام 2015م، إلا أن الجانب الإثيوبي مضى منفردًا في عمليات الملء حتى وصل الملء الخامس في يوليو الماضي، مما جعل السودان ومصر ينتقدان ذلك المسلك مرارا وتكرارًا بالذات الجانب المصري.
في هذا السياق تعمقت الأزمات الإقليمية حيث قامت إثيوبيا بتوقيع اتفاق مع دولة أرض الصومال مؤخرًا، التي أعلنت استقلالها من جانب واحد، ولكن لم يعترف بها إقليميًا ودوليًا.
الاتفاق يتيح لإثيوبيا استخدام جزء من أراضي دولة أرض الصومال المطلة على البحر الأحمر كـ منفذ بحري لإثيوبيا لمدة 50 عاما للأغراض التجارية والعسكرية، هذا الاتفاق هدفه تزويد إثيوبيا إمكانية الوصول للبحر الأحمر، مما يوفر بدائل استراتيجية لموانئ جيبوتي التي تعتمد عليها بشكل رئيس لتصدير واستيراد البضائع، ومع ذلك فان إثيوبيا تسعى لتنويع خياراتها اللوجستية لتقليل اعتمادها على جيبوتي، وربما سعت أيضا لموانئ السودان وإرتريا لكنها لم تنل ذلك في سبيل تعزيز قدرتها على التحكم في تجارتها البحرية.
أثار هذا الاتفاق غضب الحكومة الصومالية التي اعترضت بشدة على اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال، معتبرة إياه تدخلا في شؤونها الداخلية ويقوض سيادتها.
استجابة لهذا التطور طلبت الحكومة الصومالية من إثيوبيا سحب قواتها المشاركة ضمن بَعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام من أراضيها، مشيرة إلى أن وجود القوات الإثيوبية يعزز من حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
من جانبها وفي تطور مفاجئ وقعت الصومال مع مصر اتفاقًا يقضي باستبدال القوات الإثيوبية بقوات ومعدات عسكرية مصرية، ومؤخرًا وصلت العاصمة مقديشو تلك الطائرات والمعدات فعلا تمهيدًا لمجيء القوات المصرية.
هذا التحرك يكتسب أهمية خاصة نظرا لكونه يرمز إلى خطوة غير مسبوقة في سياق السياسة الخارجية المصرية منذ زمن بعيد، ويشير لاستراتيجية جديدة قد تهدف لتعزيز النفوذ المصري بشرق أفريقيا.
يمكن تفسير تلك الخطوات المصرية من خلال عدة أسباب معلنة رسميًا، تزعم القاهرة أن هذا التحرك يهدف لدعم جهود الحكومة الصومالية في مواجهتها للتهديدات الأمنية، بما في ذلك الجماعات المتشددة مثل حركة الشباب.
غير أن هذا التحرك يمكن أن يفهم أيضا كـ جزء من استراتيجية أوسع لتعزيز نفوذ مصر في منطقة تشهد توترات إقليمية متزايدة، فقد شهدت مصر تدخلات عسكرية خارج حدودها في سياقات مختلفة، مثل التدخل في اليمن خلال ستينيات القرن الماضي.
بالمقابل أيضا لم تتأخر الحكومة الإثيوبية في الرد على التحرك المصري، فقد عبرت أديس أبابا عن قلقها العميق من التحركات العسكرية المصرية وإعلان نشر قوات مصرية بالقرب من الحدود الإثيوبية الصومالية، واعتبرته تدخلا في شؤون المنطقة بشكل قد يعزز من حالة عدم الاستقرار ويهدد الأمن الإقليمي.
تجسد هذه الاتفاقيات والتوترات تناقضات المصالح الإقليمية، وتؤكد على الطبيعة المتقلبة للعلاقات الدولية في القرن الإفريقي.
زيادة الوجود العسكري المصري في الصومال، وتوسع النفوذ الإثيوبي في ارض الصومال، قد يؤديان لتعميق الهوة بين الدول المعنية، مما يزيد من تعقيد جهود الاستقرار الإقليمي.
هذه الديناميات الجديدة قد تؤثر على الأمن الإقليمي والتنمية الاقتصادية والتعاون ما بين دول الإقليم، وتدعو المجتمع الدَّوْليّ والإقليمي إلى لعب أدوار فعالة في تسوية هذه التوترات لضمان استقرار طويل الأمد في المنطقة.
-نقلا عن التغيير الإلكترونية-
* باحث وكاتب سياسي مهتم بالعلاقات الدولية والإقليمية