
الجازي والجزاء من الكرامة لمعبرها
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
عندما استمعت الى تصريحات نيتنياهو حول ما جرى في معبر الكرامة ، تعمق لدي الإحساس بطبيعة عقدة التفوق الكامنة في العقل الصهيوني من ناحية ، والعمى التام عن مراعاة مصالح غيرهم من ناحية ثانية ، فتصريحات هذا الفاشي المقيت بأنه ” محاط بقتلة من محور الشر الايراني” تكشف الوهن في الرؤية الاستراتيجية لما يجري في المنطقة، ويكفي التوقف عند المؤشرات التالية:
أولا: هل سأل نيتنياهو نفسه كم مرة احترمت دولته سيادة واحترام حقوق دول المنطقة؟ ولن استعرض الخريطة كلها بل ساتوقف عند الاردن تحديدا ومدى المساس بحقوقه من قبل اسرائيل:
أ- هل احترمت الحكومة الاسرائيلية شروط الوصاية الهاشمية على الاقصى؟ كم مرة اشارت الحكومة الاردنية الى الانتهاكات في هذا المجال؟ ثم لماذا يصر وزراء نيتنياهو على التصريحات الاستفزازية الخاصة ببناء هيكل مكان الاقصى، فكيف للاردن ان يتقبل لا الخروج على نص اتفاقية الوصاية فقط، بل على الغاء اسرائيل للموضوع من أساسه…فهل اعتقال خطيب المسجد الاقصى او منعه من دخول المسجد يشير الى احترام لاتفاقية الوصاية؟
ب- هل يُحصي لنا نيتنياهو كم مرة وردت عبارة السيطرة الاسرائيلية على الأغوار الاردنية؟ فلماذا تتخذ الحكومة الاسرائيلية قراراتها تجاه الاردن بشكل أحادي كما لو ان ليس هناك داعٍ حتى لمناقشة الموضوع مع الطرف الآخر؟
ت- لماذا غابت الضفة الغربية تماما عن الخريطة التي شرح عليها نيتنياهو قبل ايام موقفه من معبر رفح؟ فللاردن مصالح بل وممتلكات لمواطنيها في هذه المنطقة التي ابتعلها نيتنياهو في خريطته ، بل وبعض من مستوطناته تقوم على اراض لمواطنين اردنيين.
ث- هل تكرار التصريحات من كبار المسؤولين الإسرائيليين حول موضوع “ان الاردن هي دولة الفلسطينيين” يعبر عن احترام ام استهتار بالسيادة الاردنية؟
ج- هل سِجل الانتهاكات الاسرائيلية تجاه الاردن منذ اتفاقية 1994 يشير الى احترام سيادة الاردن سواء ما كان منها من محاولات اغتيال على اراضيه او قتل بعض مواطنيه أو حتى بعض المقالات في صحف دولته حول الاردن ومستقبله بل وأحيانا سرقة حقوقه المائية بل ومخاطر مفاعلاتها النووية في ديمونا (التي لا تبعد سوى 15 كيلومتر عن الحدود الاردنية) على الصحة والموارد الجوفية المائية الاردنية؟
ح- توالت التصريحات الاردنية الداعية لوقف القتال في غزة ، لكن نيتنياهو يزيد الجبهة اشتعالا كلما طرح الاردن مثل هذه المواقف او أيد مشروعات دولية في هذا الاتجاه، بل ان الاردن اعتبر بعض التصرفات والتصريحات الاسرائيلية بمثابة نذير باعلان حرب على الاردن.
ثانيا: هل الشهيد ماهر الجازي هو ضمن “محور الشر الايراني”؟ لماذا يهرب نيتنياهو من مواجهة الحقائق ويسرع لاستنتاجات خطيرة حتى قبل ان يعرف ما جرى بدقة وبالتفاصيل ؟ فكما هي العادة لن استغرب لو قال نيتنياهو ان القائم بالعملية هو من معادي السامية .
ان الربط الآلي والمباشر بين أية رد فعل من المجتمع الاردني على سياسات استعمارية اسرائيلية من ناحية وبين ايران او سوريا او حتى فنزويلا من ناحية ثانية هو دليل على قناعة مستقرة في عقل نيتنياهو بأن ” العرب لا يصلحون إلا كمقاولين ” للمشاريع الدولية، وهي نفس النظرة لمصر عندما يقوم عسكري مصري بما قام به الشهيد ماهر الجازي…فهل كان الجيش الاردني في معركة الكرامة عام 1968 يعمل لمصلحة ايران التي كان نظامها حين ذاك هو الاقرب عالميا لاسرائيل؟ فالادبيات الاسرائيلية منذ البداية لا ترى في السياسات العربية من الدول او التنظيمات او الافراد إلا ” أدوات لغير العرب”، ولعل بعض السياسات العربية عززت هذه الرؤية لدى القيادات الصهيونية، لكنها لا تصلح لتفسير كل موقف عربي ومن اية جهة كانت.
ثالثا: اعتقد ان منبع غضب نيتنياهو ” بوصفه يوم العملية بأنه “يوم صعب” ليس الخسارة البشرية على اهميتها، بل هو دليل على الضيق الى حد الاختناق من أن من قام بالعملية هو مواطن اردني ومن صلب عشائرها، وهو مؤشر على أن المراهنة على بناء جدار مبني على “الرواسب العابرة” في ثنائية أردني فلسطيني فشلت بوضوح، ولو اطلع نيتنياهو على استطلاعات الرأي المختلفة لأدرك أن ما هو عابر لا تبنى عليه استراتيجيات بعيدة المدى، فهل ايران هي من حرك أهل الطفيلة او معان او اربد او الزرقاء او غيرها من المدن الاردنية لتقديم كل ما في حدود طاقاتهم لأهلهم في غزة؟ وهل يعلم نيتنياهو ان هذا النسيج يقوم على زواج مختلط لعشرات آلاف الاسر التي تحمل جينات الفريقين..
ان غضب نيتنياهو هو نتيجة لهوية القائم بالعملية لا نتيجة فقط لمن ارداهم قتلى.
خلاصة الامر: اسرائيل لديها مشكلة (فلسطين) ، لكن اسرائيل لا تمتلك اي حل لهذه المشكلة ، فنيتنياهو وغيره من قادة اسرائيل لا يريدون حل الدولتين ولا الدولة الواحدة ولا قادرة على التهجير ولا على تذويب الشخصية الفلسطينية ..فماذا تنتظر؟ الجزاء سيتكرر على يد تلاميذ الجازي المرة تلو المرة…ربما.